الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وأربعين [وثمانمائة]
في شهر صفر قدم الشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن موسى الحمصي المخزومي «1» الشافعي- غير قاض- وسكن الجامع الأموي ثم صار ينتقل من مكان إلى مكان تارة يقيم بمشهد الأنصاري خارج حلب، وتارة بمقام الشيخ فارس خارج قرية بابلي، ونزل الشرفية.
ومولده: كما رأيته بخطه في رمضان سنة سبع وسبعين ورأيت بخط صاحبنا «2» الشيخ نجم الدين بن فهد أن مولده سنة إحدى وثمانين بحمص. وكتب لي إذنا بالفتوى والتدريس أفتتحه بقوله: الحمد لله الذي وفق للدين القيم من أظهر المحاسن الشريفة بسر برهان آثارها، وحلاها بتصحيح جوهرها ودرر حسان أخبارها.
ومنه:
وإن تفق الأصول فذاك منهم
…
وإن المسك بعض دم الغزال
[لطيفة مع المتنبي] :
وأذكرني هذا قول أبي الطيب في سيف الدولة:
فإن تفق الأنام وأنت منهم
…
فإنّ المسك بعض دم الغزال «3»
وأوله:
نظرت إلى الذين أرى ملوكا «4»
…
كأنك مستقيم في محال
وحكى أن أبا الطيب قيل له في مجلس سيف الدولة إن المحال ما يطابق الاستقامة لكن القافية ألجأتك إلى ذلك. ولو فرض أنك قلت: كأنك مستقيم في اعوجاج كيف كنت تضع في البيت الثاني. فقال: ولم نتوقف؟ فإن البيض بعض دم الدجاج.
رجع: ذكر أنه سمع من البلقيني والعراقي ومن جلا [ل] الدين بن البلقيني وابن الجرزي وشرف الدين بن علوى بمدينة تعز ومن جمال الدين الزجاجي باليمين. وجمال الدين العبدوسي وابن مرزوق «1» وهما من علماء المغرب. وقرأت عليه شيئا من الصحيحين والسنن وذلك في ربيع الأول سنة خمس. ولما نزل الشرفية بحث معي في صفات الفعل فقلت له: تعلتها حادث. فقال: بل قديم. فقلت له: فيلزم قدم العالم فأخذ في الصياح واللفظ كعادته حتى يظن أن الحق معه. وحضر عندي قراءة البخاري. فقرأت:" إني لأرى مومنا....." بفتح الهمزة. فرد عليّ بالضم فقلت له النووي ضبطه بالفتح فمن ضبطه بالضم، فسكت ولم يستحضر أن القرطبي قال الرواية بالضم، وعمل المواعيد بالجامع. فقال في بعض مواعيده: عنان السماء بالكسر. والصواب بالفتح.
وكان كثير الدعاوى، وصنف كتابا في الفقه بحلب سماه:" الإرشاد". وله ترجمته في مشايخي. ورأيت للعلامة تقي الدين ابن قاضي شهبه ترجمة في تاريخه بترجمة غير حسنة وأورد فيها مقامة عملها الشيخ برهان الدين الباعوني وهي غاية في الأدب وذكر فيها مثالبه وما انطوى عليه وظهر منه في قضاء دمشق. وولي قضاء دمشق.
وولي قضاء أسيوط سنة خمس وعشرين، ثم طرابلس، ثم الشام، ثم حلب، أما
الشام فعوضا عن بهاء الدين بن حجة «1» / (15 ط) م سنة ثمان وثلاثين ببذل أربعة آلاف دينار، ووليها أيضا ثم عزل بالونائي. والحاصل أنه لا يبالي بما يقول ولا يثبت ولما ولّي القضاء بحلب سكن بالخانقاه الشمسية وأراد أن يقلع بلاط مغارتها. وقدم معه شمس الدين محمد البلاطنسي «2» وكان نقيبه ولا يبالي من أن يجمع المال فأصبح ميتا. فادعى أنه شرب الخمر ومات نسأل الله السلامة.
وله نظم أنشدني منه وهو ركيك. لا جزالة فيه. ومنه كما شاهدته بخطه يمدح القاضي ضياء الدين ابن النّصيي:
كل الأنام إلى الضياء توجهوا
…
حسا ومعنى فهو بغية قاصد
ونجومه كالزهر ضاءت في الورى
…
كالشمس في الدنيا لنفع حامد
حصنته وبنيه بالسبع الذي
…
في الخمس تتلى من عدو حاسد
وتوفي سراج الدين المشار إليه بالقدس يوم الثلاثاء حادي عشر صفر سنة إحدى وستين؛ كذا نقل عن كتاب القاضي محب الدين أبي الفضل بن الشحنة منفيا. وفي يوم الأحد رابع ربيع الأول توفي الخليفة داود بن محمد المعتضد أبو الفتح بن المتوكل «3» قارب تسعين سنة وعهد لأخيه سليمان. وكتب في عهده وورث سليمان داود.
وفي يوم الخميس تاسع عشر جمادى الأولى منها قدم قاضي المسلمين جمال الدين يوسف بن قاضي المسلمين أبي العباس أحمد بن ناصر بن خليفة فرج بن عبد الله ابن يحيى بن عبد الرحمن الباعوني «4» قاضيا، شافعيا، وعزل ابن الخرزي، ولبس
تشريفه ودخل إلى الجامع فقرىء توقيعه. ثم جاء إلى المدرسة الشرفية وسكن دارا على بابها وهو بيت كمال الدين عمر بن العجمي- شيخ والدي- ولزم المدرسة الشريفة وحكم بها، ودرس بالمدارس، وباشر القضاء بدين متين وعفة زائدة، وعقل حسن يتلو القرآن وينكر المنكر يأمر بالمعروف، ويتصدق على الفقراء، ورتب له على ديوان السلطان كل شهر خمسمائة، وعلى بيت المال كذلك، وعلى الجامع كذلك وعلى العصرونية كذلك، ولم يلتمس شيئا من أموال الناس.
وكان نقيبه شمس الدين محمد بن الياسوفي فسمع القاضي بخمر في بيت عند خان الدهانين فأرسله لإراقته فسمع به طوغان وهو أمير بحلب. فأرسل خلفه وأحضره إلى بيته- بيت سودون- وضربه ضربا شديدا فجاء إلى الشرفية وهو على حالته من الضرب لا يقدر على المشي فقام الناس قاطبة على الأمير طوغان فأرادوا قتله فأغلق بابه ورمى مماليكه بالنشاب على الناس. فجرح أناس. فجاؤوا بالنار لإحراقه وتوجه القاضي جمال الدين إلى دار العدل ومعه الفقهاء فأعلم الكافل بذلك فأشهر الكافل النبأ على طوغان «1» بالإتيان إلى الجامع وقصد بذلك انفلال الناس عنه خشية قتله فحضر الناس إلى الجامع وكذلك القضاة فخرج هو فارا إلى العسكر الذين كانوا بالميدان واختبأ عندهم ثم أحضروه إلى الشرفية إلى القاضي جمال الدين وأدبه. وكان قد عزم على التوجه على الشام فدخل عليه القاضي محب الدين بن الشحنة حتى أقام وأما والده فولد بقرية الناصرة «2» من أعمال صفد سنة/ اثنتين وخمسين وسبعمائة وحفظ القرآن وله عشر سنين، وحفظ (المنهاج) في مدة يسيرة ثم حفظ المنهاج
للبيضاوي والألفية وغير ذلك. وقدم دمشق وعرض محافيظه على التاج السبكي وسمع الحديث من جماعة، وكتب المنسوب وقرأ النحو، وبهر في ذلك ثم صحب الفقراء بصفد، وتخلق بأخلاقهم ثم توجه غ 1 كلام القوم وتسلم على هذا لا تجلس عندنا وغضب منه.
وفي شوال توفي القاضي شمس الدين أبو عبد الله هبة الله بن العدل عماد الدين إسماعيل الحنبلي والده الحنفي. هو نشأ في حجر خالد إدريس الشاهد داخل باب النصر وكان إدريس من رجال الدنيا دهاء شغله بمذهب أبي حنيفة وقرأ على الشيخ بدر الدين بن سلامة/ (16 ظ) م الحنفي وأدام القراءة عليه، وحفظ محافيظ على قاعدة مذهبه، و (ألفية ابن مالك) ، وكان ذكيا له خط حسن إلى الغاية، وجلس مع العدول داخل باب النصر عند خاله إدريس وأولاد رضوان.
ثم استكتبه شيخنا المذيّل حكمه ودربه في صناعة التوريق ففاق في ذلك على أقرانه. لديه/ (16 ظ) م وكان عاقلا داهية له طمع كثير وجب ذلك أن استولى على وظائف، وإجازات وكثر دخله بحيث لم تبق ضيعة في بلاد حلب من جبل سمعان إلا وله فيه تعلق. وحصل كتبا. ولما مات القاضي المالكي شمس الدين محمد بن النحريري سعى لنفسه في قضاء المالكية بحلب عوضا عنه فلم يجب إلى ذلك وولوه للقاضي علاء الدين الناسخ.
ثم ترفع عن كتابة حكم شيخنا ولزم بيته وحبّب إليه العمارة ولبس الثياب الفاخرة والخيول الحسنة واستكثر من ذلك واستنابه القاضي الحنفي محب الدين بن الشحنة ولم تبق مدرسة بحلب إلا وله وظائف منها الصلاحبية والصلاحية والكلتاوية وطال طمعه، وزاد شرهه وخرج للتنزه بالسعدي فرجع ومرض بالدم ومات. وتفرق ما جمعه شذر مذر وماتت أولاده. ولا عقب له الآن. ولم يمرض أحد من أهل حلب إلا وأخذ وظائفه بالتعليق سامحه الله تعالى.