الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وستين [وثمانمائة]
وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار الأحد حادي عشري المحرم توفيت الشيخة المسندة حليمة بنت السيد عز الدين الإسحاقي «1» نقيب الأشراف وصلى عليها بجامع حلب. ودفنت بالمشهد بسفح الجبل عند أسلافها.
وفي شهر صفر تزايد ارتفاع الأسعار واشتد الغلاء فشكى الناس حالهم إلى كافل حلب جانم في يوم الخميس أول ربيع الأول ثم صاحوا عليه يوم الجمعة وجاء أناس من أطراف أهل البلد إلى سوق الصابون ونهبوا حانوتا. وماج الناس كموجات البحر، وصلى الناس الجمعة وهم في وجل كبير وخوف من نهب الأسواق. فقلت الأسواق ولم يدخل أحد إلى الجامع من بابه الشرقي لإغلاق الأسواق ثم بعد صلاة الجمعة رمى الناس بعضهم بعض بالحجارة على سطح الجامع وأصبح الناس وباب المذكور والأسواق مغلقة.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشري صفر توفي الحمصي الشافعي قاضي حلب ودمشق تقدمت ترجمته.
وفي سابع عشر ربيع الأول توفي الرئيس حسام الدين حسن بن الزرخوني رئيس جامع حلب، وكان صيتا، عاقلا، وحصل له جزام قبل وفاته بزمان فلزم بيته وفي العشرين عيرت الدراهم بحلب وصار الأشرفي بخمسين درهما، وكان الأشرفي في أيام الأشرف برسباي بأربعين درهما فتلفت، وصار الأشرفي يترقى لفساد المعاملة حتى صار الأشرفي غاية درهم. وكانت الدراهم غالبها نحاس بسكك مختلفة فيذهب الشخص ليشتري له حاجة فترد عليه ولا تقبضها غالب الناس وغلت الأسعار بسبب
ذلك فاجتهد الكافل جانم أخو الأشرف في إبطالها وضرب الدراهم، وأقام لدار الضرب الشيخ شمس الدين بن السلامي. وكان قد فاوضني في ذلك فامتنعت واعتذرت بأنني لا أعرف الدراهم ولا الزغل «1» فأعفاني من ذلك ثم أقام لها بعد ذلك الشيخ شمس الدين بن الشماع الشافعي وكان يخرج تارة بنفسه لدار الضرب ويسبك الدراهم بحضرته، وتصك، وعتب بعض الناس عليه في ذلك إذ هو صوفي فكيف يدخل نفسه في أمور الدنيا فبلغه ذلك فقال: بذلت نفسي لاصلاح أحوال الناس. ونزل إلى حلب «2» وأحضر أربع صوارف عارفين بالسكك والنقد فبعد ختمها يقف عليها الصوارف الأربع/ (45 ط) م ثم تنزل إلى حلب. وكان الناس تضرروا بالدراهم العتيقة ضررا زائدا وكان وزن الدراهم إذ ذاك ربع درهم وضرب دراهم كل درهم وزن درهم. وكان عليها النورا أوهي خالية من الغش.
وفي سلخ جمادى الأول يوم الاثنين قريب الغروب توفي السيد السعيد النقيب عفيف الدين عبد الله بن النقيب بدر الدين بن السيد النقيب عز الدين الإسحاقي الحسيني الشافعي، وصلي عليه يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة بجامع حلب ودفن داخل المشهد بالجبل عند أسلافه وكان أصابه الفالج من مدة زمانية. وكان إنسانا حسنا، دمث الأخلاق له نظم غير جيد، وكان يتساهل في ثبوت الأنساب وأثبت نسب أبي بكر بن البطيحي وكان قد قدم حلب وقال أنه أنصاري أبا، حسيني أما. ثم توفي خاله فأخذ نسبته وادعاها لنفسه وكان فاضلا ذكيا له معرفة بالفرائض. فلما فعل ذلك نزع النور من وجهه وصار عليه كآبة، وعمل شرحا على البخاري أخذه من كلام الآية وليس له منه شيء أبدا إنما هو مجرد نقل من نسخ غير صحيحة. وأنشد
عثمان الحموي الأديب منه:
ما دام في حلب البطيخ ذا نسب
…
وظل فيها مقيما يدعى الشرفا
عنها ارتحل وات «1» قثبانا «2» بلا كسل
…
وخذ شمالا وقل يا ضيعة الشرفا
وفي العشر الثاني من جمادى الآخر ورد كتاب من نائب درندة بلبان إلى كافل حلب يتضمن أن ولده إبراهيم نائب الغيبة بمدينة دوركي كتب إليه أن مدينة أرزنكان خسف بها ولم يسلم من أهلها سوى نائبها فإنه كان خارج المدينة ومعه جماعة يسيرة. وذكر أن الخسف وقع في يوم السبت ثامن عشري جمادى الأولى.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشر رجب توفي الشيخ محمد بن الشيخ أبي بكر بن الشيخ نبهان بقرية جبرين ودفن بكرة النهار عند أسلافه، وخرج أهل حلب للصلاة عليه وتبركا بأسلافه، وأجلس ولده الشيخ أحمد مكانه وهذا لم يكن على طريقة أسلافه ولا سالكا سبيلهم وكان يحب الصيد ويميل إليه، ويحمل الطيور على يده بحضرة الكافل ودواداره، وكان أهل حلب يعتبون ذلك عليه لكنه في خفارة سيدي نبهان. وخرج مرة إلى الصيد فأخذته العرب وأنزلوه عن فرسه وربطوه من رقبته وجرروه، فاستغاث بسيدي نبهان فوقع بينهم عداوة فأطلقوه.
وفي يوم الاثنين ثالث رمضان وصل كافل حلب جانم إلى حلب راجعا من بلاد ابن قرمان إبراهيم، وكان قد توجه صحبة نائب الشام الحمزاوي ونائب حماة وطرابلس وصعد ومعهم عساكر مصر منهم الأمير خشقدم وهو أمير سلاح الذي ولي السلطنة فيما بعد فوصلوا إلى قلعة الدوالي فأخربوها ثم وصلوا إلى الأرندة فأحرقوها مع القرى.
وكان السلطان إينال قال لهم لا تقيموا على بلدة أبدا خوفا عليهم من وقوع الغلا
وأمسكوا درندار بن رمضان وولوا مكانه عمر ابن عمه وأحضروا إلى حلب محتفظا عليه ووصل كافل الشام/ (46 و) م بعده إلى حلب بيوم واحد وقبله بيوم واحد وصل المصريون ورحل الحمزاوي إلى دمشق في الليلة المسفر صباحها عن يوم الجمعة سابع رمضان ومعه كفال الممالك.
وفي رابع عشري رمضان لبس «1» ابن الكركي قضاء حلب عوضا عن ابن الزهري وكان قد حكم قبل ذلك، وخرج ابن الزهري خفية إلى دمشق، وولاية ابن الكركي كانت في العشر الأخير من شعبان وفي الثلاثاء خامس عشري رمضان عقد مجلس بدار العدل بالجنينة «2» عند كافل حلب جانم حضره القضاة الأربع والشيخ شمس الدين ابن الشماع والشيخ شمس الدين محمد بن السلامي بسبب الشيخ جنيد ابن سيدي علي بن صدر الدين الأرذبلي.
وهذا الرجل سكن كلز، وبنى بها مسجدا وحماما وللناس فيه اعتقاد عظيم بسبب أبيه وجده، ويأتمرون بأمره ولا يغفلون عن خدمته، ويثابرون على لزوم بابه ويأتي الناس من الروم والعجم وسائر البلاد. ويأتيه الفتوح الكثير، ثم سكن جبل موسى عند أنطاكية هو وجماعته وبنى به مساكن من خشب. وفي الجملة كان على طريق الملوك لا على طريق القوم.
رجع: وكان كافل حلب قد أرسل خلفه قبل ذلك فلم يحضر، وذهب مع جماعة الكافل إليه شمس الدين بن محسن «3» الشافعي- مفتي أنطاكية- فأمسكه عنده وهم بقتله. ثم أرسل خلفه ثانيا دوادار السلطان الماس ومعه جماعة من الأجناد فلم يحضر، فلما حضر الماس نسب إلى جماعته المقيمين عنده أنه حارب من ذهب خلفه
وأن في الوقعة قتل إبراهيم بن غازي من أمراء التركمان بجبل الأقرع. فعقد هذا المجلس بسبب ذلك. فبينما نحن في المجلس أرسل الكافل خلف الشيخ محمد بن الشيخ إدريس الأردبيلي «1» المقيم بحلب، وهذا أيضا كان بأربل ثم انتقل، وتزوج الشيخ جنيد بأخت الشيخ محمد ثم تشاجرا وتطالقا، وصار في النفوس شيء.
فلما حضر سأله ما تقول في هذا الرجل؟ فقال أنا بيني وبينه عداوة لا تقبل كلامي فيه، ثم انصرف. فاستحسن الحاضرون عقله. فبينا نحن كذلك إذا حضرت ورقة من عند الشيخ عبد الكريم أن هذا الرجل شعاشعي المذهب. وورقة من عند الشيخ البكرجي أن هذا الرجل تارك الجماعة ونسب إليه أشياء.
فقام الشيخ شمس الدين الأسيوطي والأمير فخر الدين بن أغلبك واتفقا على كتابة صورة استفتاء في أمره. وما يصدر منه، وأحضرت صورة الاستفتاء إلى الجماعة ليكتب كل أحد ما يكتب. فقلت لهم: إذا استعدى على غائب في غير ولايته الحكم فليس له إحضاره..... «2» وله نائب هناك لم يحضره بل يسمع بنيته، ويكتب إليه أولا نائب له فيحضره من مسافات العدوى.
وهي التي ترجع منها فبكر ليلا وكتب بخطي بذلك. وخط عليه الشيخ شمس الدين بن الشماع وأنكر ما نسب إليه.
وأخذ خازندار جانم يوسف الفتوى إلى بلاد سرمين ووضعها على رمح وقال:
هذا جائز القتال. وهذا خط العلماء. وفي غضون ذلك حضر شخص من عنده لنائب القلعة قاسم بن القشاشي «3» يعتذر عما نسب إليه فذهب إلى الشيخ شمس الدين
ابن الشماع فرق له. ولم يفد هذا شيئا لأن الناس كانوا قد ذهبوا إليه وخرجوا إلى الجبل فاقتتلوا وذلك يوم العيد أو ليلته/ (46 ظ) م فأسفرت الوقعة عن قتلى بين الفريقين فتسحب من الجبل إلى جهة بلاد العجم وأقام هناك ثم خرج على بعض ملوكها فقتل وبعض أصحابه يدعى حياته. انتهى.
[الشيخ محمد بن فلاح المعروف الشعشاع] :
وقول الشيخ عبد الكريم هذا شعاشعي هذه نسبة إلى محمد بن فلاح الذي ظهر بالجزائر وقتل الناس وحملهم على الرفض وعلى ترك الجماعات ويعرف بالشعشاع.
وقد ورد منه كتاب على الشيخ شمس الدين بن الشماع يعتذر عن ذلك ويتبرأ منه «1» هذه نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم
يعلم جناب الشيخ الأعظم الأمجد الأكرم الشيخ شمس الدين بن الشماع أحسن الله تعالى أحواله في الدارين لمحمد وآله الأطهرين آمين اللهم آمين أن قد جاءنا من ناحيتكم تجار وبينهم رجل يقال له سليم أبو زيتون وزعم أن جنابكم الشريف أمره بالحضور عندنا وأن يلتمس شيئا من حديثنا ويطلع على أحوالنا وكيفية ما نحن به فقد أجاب إلى ما أمرتم وامتثل ما قلتم له والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وهو يجيبكم عما رآى ويخبركم بما سمع ولا يخفى على الكافل مثلكم ما نحن به والله هو المولى وهو يحي الموتى، وهو على كل شيء قدير، وما بلغكم عنا من ترك العبادات والتهاون بالواجبات والعياذ بالله وفعل المحرمات مما شاع وذاع، وبلغ الأسماع ما المعصوم إلا من عصمه الله من أنبيائه وأوليائه. أكفر بعد إيمان أم ضلال بعد هدى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مطلعه أظهر من الشمس وأبين من اليوم
من أمس حيث دعى العباد إلى عبادة رب السماوات والأرض وحذف ما في أيديهم من أصنام نحتوها وأزلام قد استعملوها أبت الطبائع عن متابعة وامتثال شريعته وارتكاب طريقته لاستينا سهم «1» بما هم عليه من تلك التماثيل والصور ولجبر «2» لحقهم وتكبر علاهم.
وقد حكى الله أمثال ذلك في كتابة العزيز فقال حكاية عن ابليس: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
يعني آدم- خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
. وكذا ما حكاه عن فرعون أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً. وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ
«3» وقد جاء في الحديث."
المرء مخبوء تحت لسانه". وإليه أشار القرآن يا أَيُّهَا «4» الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ «5»
«6» فإذا كان محمد عليه السلام هو المحق الأمين وقد سطت عليه عقول عبدة الأصنام وأهل البيت واستخفت بعقله، ونسبته تارة إلى الجنون. وتارة إلى كهانة ونسبت كتابة المنزل الذي عجزت الفصحاء عن معارضته إلى كونه شعرا.
فأي ويل لمن عثر في حق خفي وما ستر عن العالم الأرضي أن يقال به ما قد قيل بنبي هذه الأمة، وكما قيل للرسل من قبله خصوصا مثلي بين قوم جهال حوتهم هذه الشعشعة التي ما ظهرت من قبل. كل يقول منهم كذا وكذا مما لا يوافق الشرع المطهر ولا العقل الصحيح ولا يرد القائل عن ذلك عواطف الدهر. وكل ناقل ينقله إنما ينسب إليّ حيث لم يخاطبني ولم يسمع مقالتي، وقد قال الله:
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ....
«1» ؛ والرد إلى الله العمل بالقرآن وإلى الرسول/ (47 و) م العمل بالشريعة وما بعد الحق إلا الضلال فأنّى تصرفون وأنا رجل على الكتاب والسند أبصر من كل بصير في القرآن وأخبر من كل خبير في الشريعة ومن شك فليتقدم. ومضى هذا عظم الله أجرك.
اختلفت أمة الإسلام بمهدي يظهر في الأرض؛ قالت الاثنى عشرية: لا مهدي إلا ولد الحسن العسكري عليهما السلام بدلائل عندهم من أحاديث مسندة مروية من صحاح الأخبار؛ منها النبي عليه السلام: خلفائي من بعدي كعدد نقباء بني اسرائيل.
والنقباء منهم اثنا عشر. وقال الله تعالى: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً.
«2» .
والنقباء خلفاء كل نبي من أولي العزم.
فكذلك خلفاء محمد عليه السلام من بعده اثني عشر خليفة. وقد قيل في الحديث ان النبي محمدا عليه السلام نظر إلى ولده الحسين بن علي ابن فاطمة الزهراء عليهم السلام فقال: هذا ولدي إمام ابن إمام أخو الإمام أبو أئمة تسع تاسعهم قائمهم.
وكثير من هذا البحث على هذا النمط لا يحتمل ذكره هنا.
وهذا عند الاثني عشرية مثل القيامة لا استبعاد لطول عمره. كما تقوله الجماهرة من أنه لحق بالآباء والأجداد ويستبعدون طول عمره حيث هو من أمة محمد عليه السلام التي لم يعمر أحد منهم بهذا العمر الطويل لأنه ولد سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة فقد كمل له في سنة إحدى وستين هذه ستمائة سنة وست سنوات والله على كل شيء قدير.
وقد عمر الله من الصالحين أناسا ومن الطالحين أناسا فمن الصالحين مثل الخضر ونوح وشعيب. ومن الطالحين مثل الدجال كما ورد. ومثل من مضى أول الزمان.
قالت الجماهرة: هذا التعمير وقع في الأمم الماضية لا في هذه الأمة المتأخرة التي جاءت في الدور القمري. قالت الاثنى عشرية: إذا عمر مثل هذا الرجل الفاضل وخالف قانون هذه الأمة فالله على كل شيء قدير وهو داخل تحت الاقتدار، معجز من المعجزات الآباء والأجداد ولا يستبعد عن مثله هذا العجز.
وقالت الاثنى عشرية إنه هو بعينه يظهر ويظهر معه الخضر من السياحة وعيسى من السماء. وهذه المقالة توجب عدم صحة الاختبار للمكلفين لأن الاختبار لا يمكن إلا ببعثه ضعيف كمحمد عليه السلام وهربه إلى الغار لفقد الناصر ومثل هذا مع عيسى والخضر لا يمكن صحة الاختبار بظهوره لقوته ولعلو شوكته فلا يعلم صالح الأمة من طالحها لانقياد الذين «1» جميعا «2» إلى بابه لقوة الناصر، وعظمته وجلاله في أعين المكلفين؛ فلا يجوز أن يظهر مهدي الأمة أقوى من محمد عليه السلام. وإذا كان الأمر هكذا وجب في النظر العقلي أن لا يظهر ذلك المشار إليه في مقاولات الاثني عشرية بل يظهر حجابه ومقامه في الأرض ضعيف محتاج إلى ناصر ينصره يده حتى تقع الاختبار الصحيح في الأمة، ولنقف على مثل هذا الحد.
وفقك الله بتوفيقه إلى ما تحب وتختار إن شاء الله تعالى وصلى على محمد وآله.... «3» الله محمد وآل محمد.
وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار الأربعاء سابع عشر شوال توفي الشيخ شمس الدين «4» .....