الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ستين وثمانمائة
وفي يوم الجمعة ثاني المحرم وصلت جنازة أقبردي نائب ملطية إلى حلب ودفن خارج باب المقام في تربته التي أنشأها.
وأقبردي المذكور ولي نيابة قلعة حلب في أيام الظاهر جقمق وباشر بحشمة زايدة وعقل راجح وكان دينا كأستاذه لا يعرف شيئا من الفواحش ويقرأ القرآن وحج من حلب في سنة سبع وخمسين حجة عظيمة. ودافع عن الحاج العرب وأحسن إليهم.
وتوفي الظاهر جقمق وبلغه الخبر وجاء على الهجن إلى حلب وصعد القلعة وحفظها على ولده المنصور ووجد شيخنا/ (44 و) م أبا الفضل بن الشحنة في شدة عظيمة وكان بينهما وحشة وأخرب له «1» حانوتا تجاه باب القلعة ونقل ترابه وحجارته إلى القلعة فلما وجده كذلك أحسن إليه ورق عليه وأظهر له أنه إنما خاصمه لأجل الدين فإن أهل العلم يجب أن يكون فعلهم كقولهم رحمه الله تعالى.
وفي سابع عشر صفر وليّ القاضي جمال الدين يوسف التاذفي «2» عوضا عن ابن مفلح؛ وكان ابن مفلح قد توجه قاصدا مصر.
وفي يوم الأحد ثاني ربيع الأول توفي محمد دوادار السلطان. ودفن يوم الاثنين وكان شكلا حسنا، كاتبا عاقلا، ولي ولاية الحجر بالقلعة، ثم تنقل إلى هذه الوظيفة فباشر بحشمة زائدة وعقل، ولاطف الناس، وقدم الفقهاء وأكرمهم، وأحسن إليهم رحمه الله تعالى.
وفي سادس شعبان ورد كتاب من القاهرة بولاية القاضي شهاب الدين أحمد بن
الزهري «1» قضاء حلب عن القاضي جلال الدين محمد بن الباعوني.
وفي كتابه أنه ولي القضاء في خامس عشر شهر رجب فسافر تلك الليلة القاضي جلال الدين من حلب مختفيا وسار على غير الجادة خشية أن يلحقه الناس وخوفا على نفسه لما فعله من أخذ أموال الناس، فلما كان بالطريق طريق الشام ورد عليه كتاب من القاهرة بولايته قضاء طرابلس فتوجه إليها.
وهذا القاضي جلال الدين كان ذكيا، شكلا حسنا يصر على أمر عظيم من أكل أموال الناس بالباطل ولا يحتاش من ذلك، وباشر بطرابلس كذلك، وفي آخر أمره ذهب إلى الروم وقتل بالطريق.
وفي يوم الخميس حادي عشر شعبان قتل علي بن الرقيق ومحمد بن الحسن بن الحصوني وهما مباشران بديوان كافل حلب جانم قتلهما العامة وأحرقوهما بالنار وقتلا قبلهما شخص يقال له السرميني من أعوان الطلبة وسبب ذلك ما أظهرا من الظلم وأخذا أموال الناس بغير طريق وعندهما نساء يأتون إلى البيوت إلى النساء فتنظر المرأة منهن ما على المرأة في بيتها من القماش واللباس ثم تذهب إليهما فتخبرهما بالصورة فيرسلان خلف الزوج ويقولان له: إن زوجتك البارحة كانت عند فلان في مجلس الشراب أو عند فلان يزني بها وعلامة ذلك لباسها كذا وما فضحناها فيأخذان منه جملة وربما يطلق الرجل المرأة ظنا منه تصديقهما، وأرجفا في الناس وعندهما أعوان يطوفون بالطرق ويكذبون على الناس ويتعاونون على العامة. وكان ابن الرقيق يقول لابن الحصوني: أنا أحترق بنارك فشاع في الناس قتل السرميني، ولم يكن ذلك
صحيحا، وكان مسافرا فجاء فقيل له: قد أشيع كذا. فقال: هذا كذب. ها أنا حي. ثم تلك الليلة قتلوه فاختبأ عند ذلك ابن الرقيق عند الشيخ عبد الكريم وظن أن ذلك مانعه فسمع الناس بذلك فجاؤوا إلى مسجد عبد الكريم، وأسمعوه ما يكره وأرادوا كسر الباب، فأخرجوه إليهم فقتلوه وجرروه كالكلاب إلى قرب حمام الزجاجين في التلة فأحرقوه، وتبرع جماعة بحطب إحراقه كما تقدم.
وأما ابن الحصوني فكان في السجن فذهبوا إليه وأخرجوه وقتلوه وجاؤوا به أيضا فأحرقوه ووضعوه فوق ابن الرقيق، وفي ذلك اليوم دخلت إلى الكافل جانم وكان البخاري يقرأ عنده فحضرنا عنده/ (44 ظ) م القراءة. فسألنا أما دريتم بما اتفق اليوم فقلنا له: هذا ظالمان. فقال إذا كان الأمر كذلك فكان يجب عليكم إعلامي بهما وبغيرهما. أنا غير عارف بأمرهما. ثم قال لنا: إنما أحرقهما دعوة الشيخ علي الدقاق.
وكان الشيخ علي المشار إليه قد جاء من دمشق في هذه الأيام ونزل بباب قنسرين فظلم ابن الرقيق امرأة فرفعت أمرها إلى الشيخ علي فأرسل إلى ابن الرقيق وشفع فيها فلم يلتفت إلى كلامه فدعا عليه بالحريق فحرق. وهذا الشيخ علي اجتمعت بتلك الأيام بجامع منكلي بغا. وهو من الصالحين تذكر أمور حسنة من الكشف وغيره.
وكان ابن الحصوني أولا يكتب حكم شيخنا المؤرخ، ثم كتب في الديوان، وكان سيء الاعتقاد، وكأبيه لا يصلي «1» ولا يبالي بما يفعل من الظلم، ويفتخر بذلك.
وفي ليلة الأحد سادس رمضان توفيت والدتي هاجر، واشتراها والدي- رحمه الله تعالى- سنة تسع. وخمسها من بيت المال لأن الجويني والقفال وغيرهما قالوا:
أصول الكتاب والسنة والإجماع متظافرة على تحريم وطء السراري اللاتي يجلبن اليوم
من الروم والهند إلا أن ينصب الإمام من يقسم الغنائم من غير حيف وظلم وعارضهم الفزاري أ. فلأجل الخلاف فعل ذلك ثم أعتقها وتزوجها للحديث الصحيح: (أن له أجرين) . وكانت سيئة الأخلاق، وتسيء أدبها على والدي فيحتمل. في عينها وجع. وأخبرتني بعد وفاة والدي أنها رأت الخليل عليه السلام ووالدي واقف بين يديه يشكو إليه حاله معها. وأن الخليل عليه السلام ضربها على رأسها. وقال لها:
لأي شيء تؤذي هذا العبد الصالح. قالت: فحصل في عيني ما حصل بعد ذلك.
وصلى عليها بجامع ودفنت عند والدي بالجبيل.
وفي يوم الخميس رابع عشري رمضان قدم من القاهرة من السلطان إينال هدية إلى صاحب الروم ابن عثمان من جملتها: فيل وحمارة والحمارة غاية ما تكون في الحسن. منقشة خلقه، وطافوا بهما في البلد. فعجب الناس من ذلك.
وفي يوم الجمعة سادس عشري شوال قدم قاضي المسلمين تقي الدين بن عز الدين الحاكم بطرابلس إلى حلب ونزل بالسهيلة بمدرسة السيد حمزة. واجتمعت به.
وقدم أيضا إلى حلب ونزل بالعصرونية فسألني ما وجه الجمع بين أحاديث جابر في مقدار ما فضل له من بعد وفاء الدين فأجبته بجواب استحسنه. وهذا الرجل اجتمعت بأبيه بحلب وهو شكل حسن، ويقال إنه من ذرية سنان صاحب القلاع الإسماعلية «1» . وهو فاضل فقيه. كريم النفس والأخلاق بحيث يخرج عن ثيابه للفقراء والفضلاء. قرأ على السوبيني بطرابلس وقتل غيلة في معاملة طرابلس؛ كذا بلغني رحمه الله تعالى.
وفي عاشر شوال حضر قاصد من قلعة جعبر إلى كافل حلب. وذكر أن أهل قلعة جعبر أذعنوا لتسليمها إلى السلطان. فتجهز يوم الثلاثاء حادي عشر شوال دوادار السلطان الطنبغا ومعه جماعة من الأمراء والجند إلى بالس فاجتمعوا بمن نزل إليهم من القلعة وطلبوا ألفي دينار عوضا عنها فحضر الدوادار المذكور إلى حلب وصحبته عثمان بن جهان كير الذي كان بجعبر ومعه بعض جماعة في يوم الاثنين سابع عشر شوال فقبضوا المبلغ المذكور وخرج/ (45 و) م من حلب حاجب الحجاب قاسم بن القشاشي والدوادار المذكور وابن.... «1» سير نائب «2» صاحب شيزر لأنه كان حاضرا إذ ذاك بحلب وجماعة من الأمراء لتسلمها فوصلوا إلى قربها، وأرسلوا بن برامش أمير.... «3» التركماني لأن السلطان كان ولاه إياها قبل ذلك فتسلمها وحضر إلى حلب من أخبر بتسلمها وذلك بعد العصر يوم السبت ثاني عشري شوال فضربت البشائر بذلك. وحضر يوم الأحد الأمراء المتوجهون لذلك إلى حلب.
يوم الأحد تاسع القعدة توفي قاضي أنطاكية ناصر الدين محمد بن قاضي المسلمين شمس الدين محمد بن أمين الدولة الحنفي وهو يقرأ القرآن وصلى عليه بكرة النهار يوم الاثنين بجامع حلب. ودفن عند والده في تربة عز الدين الحاضري وكان شكلا حسنا نزها يحب الأكل واللبس الحسن. وفيه كرم أخلاق وحسن مباشرة، وولي نيابة الحكم بحلب، وقضاء أنطاكية، وباشر بعفة، وأثني على كرمه، وحسن أخلاقه.