الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحباب لا تمل، إن أودعتها سرا فقد أودعتها فخرا، جرت كريم الأمهات والتعدد في الصفات، ولاسمها طلاوة، وعليه حلاوة. وبعضه اسم طائر. وباقيه بغير معنى صائر. وإن حذفت أوله فهو إنسان أو طارق من الجان، وإن قرنته بعد الحذف بأداة تعريف فهو مكان بغير تحريف:
ومودعة سرا وأنت تلومها
…
إذا ذاع منها سرها عند شربها
تحن للقياها الأنام وإنما
…
تسام بنقص عند مغزى «1» يحبها
فأجابه شيخنا: وقف المملوك على لغز مولانا البديع الحسن فوجده قد حوى فرعي البلاغة واللسن، وبادر إلى حل ما خفي من رموزه وكشف ما استتر من كنوزه.
فإذا هو خماسي الحروف. لإن أودعته السر عدّ من الظروف. طاب ذكره وحلا وكرم أصله وعلا إن صحفته بعد حذف خمسيه فهو بالسقم موصوف. أو قلبته مصحفا صار مكانا بالفضل معروف. وإن كررته على فيك/ (12 ط) م. فكل ما عنده من السر يوليك فلله در منشئه. لقد أربى على فضله. وأغدق وابل علمه ووصله انتهى.
[لغز في منبر] :
وكتب شيخنا المذيل إلى المشار إليه بعد ذلك لغزا في منبر فما أجاب: ما تقول في اسم رباعي الحروف، معدود في الظروف، إن قصد تعريفه فهو معروف، أو طلب وصفه فهو بعلو الرتب موصوف، مفعول وهو مرفوع، محمول وهو موضوع، مفرّق وهو مجموع، مركب وهو من الصرف غير ممنوع، إن حذف منه حرفان عاد حرفا واحدا، أو عكست محذوفه صار صاحبا مساعدا، أو استعملته مطرودا كان في أطراف البحر موجود. يحار النحوي في تأليفه. ويعجز عن جمعه وتصنيفه، وإن تكلف له جمعا. فليس له نظير قطعا. وإن شدد ثانية مع حذف باقيه حلا في النفوس ذكره. وطاب خبره. وخبره، وإن تشأ كان ذكره مذموما
ومعانيه ملوما، إلا أن تدعو عليه مع أنه لم يقترف ذنبا فيما لديه، وألفيته ينادى عليه بشرط أن لا يباع مع أنه عين ظاهرة يحل بها الانتفاع. انتهى.
ورآني يوما أدرس (جمع الجوامع)«1» فأمرني بدرس (منهاج البيضاوي) فتقاعدت «2» عن ذلك ثم رأيت بعد مدة الشيخ سيف الدين الآمدي في النوم فأصبحت ودرست المنهاج المذكور، ورآني أكتب شرح الزركشي على المنهاج وهو الديباج في النقيصة «3» ومنه الزنا والسرقة لنقص القسيمة بهما والآباق ذكرا كان أو أنثى وقيّدها في الكفاية..... «4»
والأصح اعتبار مصيره عادة. فأخذ الكتاب من يدي وكتب قوله: والأصح إلى آخره. هذا خلاف المذهب فإن الأصح في المذهب وهو المجزوم به في الروضة أنه لا يشترط الاعتياد في الزنا والسرقة وإلا بات خلافا للغزالي. وأمامه والله تعالى أعلم انتهى.
وفيه أماكن غير ذلك.
وقال لي يوما: تتفكه قبل أن تتغدى؟ فقلت له: ما معنى هذا؟ فقال: طالع الروضة والشرح فإنها بمنزل الخبز واللحم. وأما شروح المنهاج فإنما هي بمنزلة الفاكهة وكان يطالع (الشرح الكبير للرافعي) والروضة ويكثر مطالعتها بحيث إنه يحفظ منهما الورقة والورقتين وينقلهما بالحرف ويحفظ شرح مسلم وقرأ غالبه على والدي
وكان عالما بالفقه والأصول. وكان اشتغل به أخيرا. وينزع الفروع وحفظ كتاب (التمهيد للأسنوي)«1» في ذلك. وقيل له مرة وهو في السفر المطلق المفيد ما يقول فيهما؟ فأخذ يذكر هذه المسألة وما بنى عليها من الفروع حتى عجب الحاضرون من ذلك، وكان عالما باللغة «2» يحفظ (التوضيح لابن هشام) وكان عالما بالفرائض.
وأما كتابه على الفتوى فنهى به مع قلة الألفاظ والإتيان بالمقصود وكان قائلا برضاع الكبير لأنه أمر زوجه أن ترضع محمدا دواداره وهو كبير وصار يدخل عليهما بذلك وكان يميل إلى أن الواقف على معين لا يشترط قبوله وحكم بذلك مرة ومال إلى النصوص في غير موضع. وهو اختيار العراقيين وخلائق وصححه الروياني «3» وابن الصلاح وهو الصواب المفتى به وهو الراجح في الروضة في كتاب السرقة.
وصنف «4» تصانيف منها:" الطيب الرائحة في تفسير الفاتحة «5» ". و" ضوء البصيرة في شرح حديث بريرة" و" الدر المنتخب في تاريخ حلب" وشرح قطعة من الأنوار في الفقه وغير ذلك.
وكان حليما عفيفا، نزيها. يغض عن عورات الناس. لا يتكلم في أحد إلا بخير نظيف اللسان، ويتصام قصدا عما يكره. وافتقده أهل حلب.
ورثاه شيخنا قاضي المسلمين محب الدين أبو الفضل ابن الشحنة بقصيدة وأنشدني إياها أ
ب ناحت على سلطانها العلماء
…
وبكت لفقد علائها الشهباء
وانهد ركن أي ركن شامخ
…
للمسلمين ويتم الفقهاء
فلئن رأينا الشهب يوم مماته
…
لا بدع لما أن تغيب ذكاء
والله مات العلم في حلب به «1»
…
يا من له طلب ومنه ذكاء
من بعد شيخ المسلمين وحبرهم
…
قاضي القضاة سيرفع السفهاء
من للمدارس بعده علّامة
…
من للفتاوى إن بغي إفتاء
جل المصاب به وعمّ فموته
…
قسما مصاب ليس عنه عزاء
الله أكبر يالها من ثلمة
…
في دين أحمد مالها إرفاء
يا شيخ الاسلام ارتحلت برغمنا
…
فانسر قوم مالهم أكفاء
فلك البشارة قد قدمت على الذي
…
ترجو تراحم جوده الرحماء
والله أكرم أن يضيع عالما
…
دانت له في علمه العلماء
بل سوف يجلس فوق كرسي لدى
…
ملك العباد ويجمع الشهداء
كيما يفاض عليه من خلع الرضى
…
مزجية من سندس خضراء
ويخصه الله الكريم بفضله
…
بشفاعة فيمن يرى ويشاء
يا ابن الخطيب سقى ثراك بواكر
…
من رحمة لا تنقضي سخّاء
ويثاب فيك المسلمين مصابهم
…
فاليوم حقا ماتت الآباء
وأنشدها شمس الدين ابن انشا على قبره بصوت حسن فأبكى الناس.
ومررت يوما على بابه فإذا الكلاب جالسة على دككه فذكرت ما كان مكتوبا على قصر جعفر بن فلاح «1» :
يا منزلا لعب الزمان بأهله
…
فأبادهم بتشتت لا يجمع
إن الذين عهدتهم بك مرة
…
كان الزمان بهم يضر وينفع
وقاله أبو حية النميري وقد رأى باب محمد سليمان خاليا بعد موته:
فإن يمس وحشا بابه فلربما
…
تواطح «2» أفواجا إليه المواكب
يحيون بساما كأن جبينه
…
هلال بدا وانجاب عنه السحائب
ويا غائبا من كان يرجى إيابه
…
ولكنّ من قد ضمن اللحد غائب
وفي أواخر هذه السنة يوم الخميس في الثامن عشر من الحجة وقع القبض على القاضي زين الدين عبد الباسط وسبب القبض عليه أنه لما كان الأشرف سلطانا كان لا يلتفت إلى الظاهر ولا يوقره ولا يعظّمه بل كان يهزأ به فيوغر صدره عليه، فلما وليّ السلطنة انتقم منه.
وفي سابع عشر قتل تغري ورمش على باب القلعة ودفن بمكانه الذي انشأه تحت القلعة. «3»
وفي أوائل رجب من هذه السنة توفيت فاطمة بنت شرف الدين الأنصاري «4» أم القاضي زين الدين عمر بن السفاح. ولها سند وكانت دينة أ.