الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وخمسين [وثمانمائة]
في المحرم تقاتل نائب البيرة علان «1» وجهان كير «2» بن قرايلوك ودخل علان إلى البيره فدخل خلفه عسكر المذكور ونهبوا حارة منها وأخذوا أموالها وسبوا حريمها.
ثم أعقب ذلك دخول الطاعون البيرة فاستمر إلى آخر سنة إحدى وإلى أوائل سنة اثنين. وكان السلطان قد أعطى جاه نكير قلعة جعبر فأرسل جاه نكير إلى السلطان يعتذر عما وقع ووعد بتسليم قلعة جعبر.
وفي ثاني صفر وصل سماع من السلطان وعلى يده كتاب من دوادار الكافل ومن جماعة من أمراء المصريين بعزل نائب القلعة تغري بردي. وتطييب خاطر الكافل وأن بسيل «3» دواداره. وعلى يده خلعه من/ (36 و) م السلطان. فسر الناس وزينت المدينة.
وفي يوم الاثنين خامس عشر الشهر المذكور وصل الدوادار المذكور وعلى يده خلعة سنية للكافل فصادف الكافل وقد اعتراه مرض بطل منه نصفه فصار لا يقدر على المشي فلبسها في الشباك بدار العدل.
وكان قبل ذلك جاءته خلعة وفرس من السلطان على يد أقبردي «4» الذي ولي نيابة القلعة بعد ذلك فلبسها وركب على سرج الفرس وحصل له ذلك من السم الذي كان في السرج.
ووصل صحبة الدوادار فتسلم القلعة ومرسوم بذهاب تغري بردي إلى الشام بطالا.
ثم تزايد مرضه فاستدعى زين الدين ابن الخرزي من حماة للمداواة فحضر إلى حلب.
فقال: هذا ميت لا محالة ولست بسيدنا عيسى عليه السلام فإنه كان يحيي الموتى.
فتمادى به المرض واشتد به.
فلما كانت ليلة الاثنين سادس ربيع الأول توفي فأصبح الناس وأغلقوا الأسواق وحضروا جنازته وصلى عليه. ثم دفن خارج باب المقام مقابل تربة موسى الحاجب وكان يوما مشهورا. وبكى الناس وترحموا عليه.
وكان شجاعا بطلا ذا هيبة وسطوة وبأس شديد وأمن الناس في أيامه من قطاع الطريق والسراق، وكان يكرم العلماء ويعظمهم ويقرأ البخاري عنده ويحضر وينظر إلى الفضلاء بعين الإكرام، وكان أميرا كبيرا أولا بحلب وولي نيابة ملطية وصفد وحماة ومنها انتقل إلى حلب. وبنى حماما خارج باب النصر فقال لي يوما: إنما بنيت هذه الحمام ليطمئن الناس فإنه أشيع أن تيمور شاه روخ يجيء إلى الشام.
وفي تاسع صفر وصل القاضي صدر الدين محمد بن النويري إلى حلب متوليا عوضا عن السوبيني. فسار سيرة سيئة مع جنون وأخذ أموال الناس وحكم بغير الشرع. وكان يرقم الشهود، ولم يشهدوا عنده، وتزوج ببنت القاضي الحنفي ابن الشحنة وماتت في صحبته. ورأيت شيخنا وقد وقف عليها وهي تلحد، وبكى وقال: أنا حزين لفراقك. مسرور وفرح بفراق زوجك.
ووقع بينه وبين القاضي ضياء الدين بن النصيي وولديه فتنة عظيمة أوجبت سفر القاضي ضياء الدين بولديه إلى القاهرة وكان كريما كثير الإعطاء يعطي للفقهاء ويحسن إليهم ويسمح بالقدر الذي لا يسمح به غيره من القضاة. وما أحقه بقول الأول:
يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما
…
لكنها خطرات «1» من «2» وساوسه
ويحفظ كتاب العثماني. ودرس بالعصرونية في قوله:..... «1» وثمرة النخل المبيع أن شرطت للبائع فله.
يوم الأحد ثاني عشر ربيع توفي الشيخ الصالح شمس الدين محمد بن الناصر الصوفي ودفن بالمدرسة الهروية حلب. وكان مجاورا هناك منقطعا عن الناس دمث الأخلاق، وله أوراد وأتباع والناس يهرعون لزيارته ويعظمونه ويدخل إلى الجامع لصلاة الجمعة وهو من أتباع الشيخ محمد بن بهادر «2» .
وفي ثامن عشر ربيع الأول جاء هواء عظيم مزعج بحلب وانتشر إلى وادي الباب فقلع أشجارا من الجوز بأصولها. واقتلع نصف مأذنة الشيخ عقيل- أعاد الله علينا من بركاته- ثم بنيت بعد ذلك. وفي أواخر ربيع الأول توفي الإمام تقي الدين أبو بكر بن علي بن الحريري/ (33 ظ) م الدمشقي «3» ؛ ترجمته في مشايخي.
وفي نهار السبت مستهل جمادى الأول دخل برسباي كافل طرابلس إلى حلب نائبا عوضا عن البهلوان. وكان وليّ أولا حاجب بدمشق.
وفي ليلة الجمعة ثامن رجب توفي العدل الرضا شهاب الدين أحمد بن رضوان وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بجامع المهمندار. ودفن بالجبل الأول وكان ساكنا عدلا مريضا وخطب بجامع المهمندار.
وفي يوم الاثنين رابع رمضان وصل تنم نائب حماة كافلا بحلب عوضا عن برسباي. وكان برسباي عبدا صالحا دينا خيرا لم يقطع يد أحد بحلب، ولا قتل أحد وحماها وبلادها بالحال. ولما قدم من طرابلس طلبني من شيخنا أبي الفضل ابن الشحنة لقراءة صحيح البخاري وذلك لأنه لما كان بطرابلس كان يقرأ عنده تقي الدين ابن صدر الحنبلي قاضي طرابلس فلما عزل حثه على أنني أقرأ عنده فقرأت عنده فأحبني حبا زائدا، ولم أر عنده مملوكا أبدا إنما يتفق عنده عبد للوضوء، وكان يصلي أولا الظهر ثم نقرأ عنده وإذا مر حديث يعرفه لكثرة ما قرئ عنده بطرابلس وكان يعظم الحاضرين ويألفهم. ويعد كل جميل. فسافر إلى جهة البيرة لأجل مجيء جاه نكير بن قرايلوك وكبسها وأخذ منها مالا، وأمرني بالقراءة في غيبته فقرأت.
فلما قدم حلب بلغه خبر العزل فلما كان في آخر شعبان يوم الجمعة بعد الصلاة رابع عشري الشهر المذكور صرع فدخلت إليه يوم السبت فرأيت عقله مختلا فقال لي:
تتم البخاري بالجامع فإنني عزلت فحصل لي أسف على فراقه. فأمرني وللحاضرين بالعادة التي كان يعطيها للقارئ والحاضرين بطرابلس. فخرجنا من عنده داخل الشباك بدار العدل للقبض فأغمي عليه. وضربت الحواطة السلطانية على حواصله فلم نحصل على شيء فسافروا به من حلب بكرة نهار الخميس سلخ شعبان متوجها إلى دمشق فمات قبل وصوله إلى سراقب.
فلما وصل جماعته إلى المعرة وصل تنم إليها فكان هذا يدق بشائره وهذه النائحة قائمة عليه والصياح في وطاقه فسبحان «1» من لا يزول ملكه.
وبنى برسباي جامعا بدمشق وبرجا على البحر بطرابلس ولم يأخذ من خمارة حلب شيئا.
وسبب عزله من حلب أن الذي قلده بكفالة حلب وهو الأمير جرباش كرت «1» أشاع بالقاهرة أنه مستقيل من كفالة حلب وأنه سأله «2» أن يكون هذا الكلام صدر منه.
وفي ليلة الأحد حادي عشري القعدة دخل قانباي الجكمي إلى قبة في بيته ومعه خازنداره وأشعلا نارا في منقل وقيل أنه كان يتناول الخمر فانعكس البخار عليهما فماتا.
وفي رابع الحجة صلي بحلب صلاة الغائب على العلامة تقي الدين أبي الصدق أبي بكر بن الشيخ الإمام الفرضي شهاب الدين أحمد بن شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الإمام الفقيه شرف الدين أبي عبد الله «3» محمد بن الإمام كمال الدين عبد الوهاب بن الفقيه جمال الدين محمد بن ذؤيب بن مشرف الأسدي الشهير بابن قاضي شهبة «4» الشافعي فقيه الشام.
ولد بدمشق في ربيع الأول سنة تسع (37 و) م وسبعين وسبعمائة حفظ القرآن و (التنبيه) و (منهاج البيضاوي) و (ألفية ابن مالك) وحفظ (الحاوي الصغير) في كبره. واشتغل وسمع الحديث على جماعة وأخذ الفقه عن جماعة منهم البلقيني، وأبو البقاء محمد البكري ابن الشريش وشهاب الدين الزهري وشرف الدين عيسى الغزي وبدر الدين محمد بن مكتوم وشهاب الدين الملكاوي، وشهاب الدين أحمد بن حجي
وعنه أخذ التاريخ، وجمال الدين الطيماوي وعنه أخذ الأصول، قرأ عليه شرح المختصر للأصفهاني والحاوي الصغير، وأخذ النحو عن الشيخ محمود الأنطاكي.
وروى المنهاج عن شهاب الدين الزهري، وشرف الدين محمود بن الشريش عن ابن النقيب عن المصنف «1» وعن جده أيضا شمس الدين محمد عن ابن العطار عن المؤلف وكان آخر فقهاء الشام بالمدارس الطبرية والأمينية والاقبالية.
وفي سنة ثلاث عشرة تصدى للإشغال بجامع حلب.
وفي سنة عشرين استنابه نجم الدين بن حجي في القضاء فدخل فيه بكره زايد وباشر بعفة ودين وترك ذلك بإشارة الشيخ علاء الدين محمد البخاري «2» في سنة خمس وثلاثين فقال الناس للشيخ البخاري كان في نيابته خير فقال في اشتغاله واشتغاله خير من ذلك.
وراسله بالسلام شاه روخ بن تيمور مع والدي وابن حجر وابن المزلق وعبد الباسط.
وولي قضاء دمشق استقلالا والخطابة بالجامع ونظر المارستان النوري ومشيخة الخانقاه الشميصاتية مرتين وركبه الدين بسبب ذلك.
وله تصانيف منها: (كفاية المحتاج على المنهاج)«3» وصل منه إلى أثناء كتاب الخلع، و (نكت المنهاج الكبرى) كتب فيها من باب من تلزمه الزكاة إلى آخر الفرائض، (وامتناع المحتاج) كتب منه السلم إلى أثناء كتاب العدد. ونكت على التنبيه كتب ومنها: من كتاب الصيام إلى أثناء كتاب النكاح، ولخص (تهذيب الكمال للمزي)«4» ، و (التهذيب للذهبي)«5» في أربع مجلدات وصل منه إلى أثناء
باب الهاء وبقي عليه مواضع متفرقة. وذيل على تاريخ ابن كثير إلى سنة ست عشر وثمانمائة «1» ، وكتب كراريس متفرقة إلى سنة وفاته وفقد منه كراريس لم توجد بعد وفاته. واختصر الذيل فكتب منه مجلدين إلى ثمانمائة. وله:(المنتقى من الأنساب) لابن سمعان «2» . وله: (المنتقى من نخب في عجائب البر والبحر)«3» . وله:
(المنتقى من تاريخ دمشق) لابن عساكر.
وله: (طبقات النحاة واللغويين) في مصنفين أحدهما على السنين والآخر على الحروف. وله: (مناقب الشافعي رضي الله عنه «4» و (طبقات الشافعية)«5» .
وغير ذلك.
اجتمعت به بالعلا في سنة ثمان وثلاثين في الحج لكني لم أقرأ عليه شيئا وكان شكلا حسنا عارفا بالفقه كثير الاطلاع صحيح النقل والفهم وكان الشيخ تقي الدين الحصني يثني عليه ويرسل الفتاوى إليه وكان يطبخ الطعام الفاخر، ويؤثر الفقراء ويقنع باليسير.
توفي يوم الخميس بعد العصر حادي عشر ذي القعدة فجأة وصلى عليه في ثاني يوم.
وكانت جنازته حافلة ودفن بمقبرة باب الصغير بين جده شمس الدين وعم والده الشيخ كمال الدين. وروت له منامات عظيمة رحمه الله تعالى «1» . وفي شهر الحجة ورد المرسوم الشريف الظاهر جقمق إلى أبي الفضل ابن الشحنة وهو كاتب السر والقاضي الحنفي وناظر الجوالي بحلب أن يصرف لنائب سيس مبلغ ألفي دينار ليبني بسيس جامعا من مال الجوالي فأعطاه ذلك وبنى بسيس جامعا لطيفا.