الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع وخمسين وثمانمائة
في يوم السبت مستهل السنة خرج كافل حلب الحمزاوي إلى جهة الجبول بسبب ما حدث بالشام من دخول ابن قرايلوك ونهبه لبعض التركمان وذلك بسبب ابن جعبر مضافة إلى جاه نكير ابن قرايلوك. وقدم عليه في هذه السفرة عرب رغب فأكرمهم وآمنهم ودخل حلب في العشر الثاني من الشهر المذكور.
وفي شهر المحرم ورد مرسوم بعدم حضور ابن مفلح واستقراره في وظيفته وتكررت الزلازل في المحرم. وكذلك في صفر فكذلك في جمادى الأولى بحلب وبحماة كانت الزلازل أكثر.
وفي نصف صفر ولي ابن الخرزي قضاء حلب عوضا عن شمس الدين سبط ابن الوجيه. وفي يوم الاثنين مستهل ربيع الأول سافر القاضي الحنفي ابن الشحنة إلى القاهرة ونزل بخان طومان/ (22 و) م ثم سافر ليلة الثلاثاء فلما وصل إلى القاهرة ادعى عليه السلطان الظاهر جقمق بنفسه بمقتضى محضر مثبوت على ابن النويري بأنه يستحق عنده ستة وثلاثين ألف دينار. وعقد له مجلسا بحضرة القضاة وكان الشافعي إذ ذاك المناوي فأجاب بأن ابن النويري أنت تعرف فسقه. فأحجم السلطان عن الجواب. ثم انفض المجلس وبعد ذلك صولح على عشرة آلاف دينار بشفاعة عبد الباسط عند أبي الخير النحاس وكانوا قد أرسلوا هجانا إلى القدس لإحضار المحضر.
وفي يوم الخميس ثامن عشر ربيع الأول ورد تغري بردي- نائب قلعة حلب- من القاهرة مكرما. وكان قد ذهب من حلب إلى القاهرة. وجاء صحبته نقيب القلعة ومعه مثال بولاية ابن الخرزي عوضا عن سبط ابن الوجيه. وكان ضعيفا فلم يبلغه الخبر واستمر به الألم إلى أن مات؛ وضعفه كان يجبر ألما شديدا في أصبع بيده ولا ظهر لها أثر في الخارج. وتوفي في ليلة السبت المسفر صباحها عن عشري ربيع الأول
وكان كثيرا ما ينشد قبل الموت:
ومن كانت منيته بأرض
…
فليس يموت في أرض سواها.
وصلي عليه يوم السبت بجامع حلب ودفن بمقابر الصالحين إلى جانب الإمام الغزالي وكان فقيها يحفظ (الحاوي الصغير) ويعرفه معرفة تامة عاقلا لا يعرف النحو وعربيته بردونة (كذا) . وكان ينشد:
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
…
وذو قرابته في الحي مسرور
يرفع قرابته. وكان شكلا حسنا كثير التواضع والانبساط إلى الناس. وأخبرني أنه ولد في جبل من بلاد طرابلس. وكان يكتب بخطه الغزي نسبة إلى غزة- التي دفن بها هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم وأعداؤه يقولون نسبة إلى غزة؛ بضم الغين المعجمة. ونشأ في طرابلس، وقرأ على الشيخ شمس الدين بن زهرة والشيخ سعد الدين الآمدي. والآمدي: قال ابن قاضي شهبة في ترجمته:
" سعد بن عبد الله الآمدي ثم الطرابلسي أقام بطرابلس يشغل ويفتي قليلا وكان فاضلا في الأصول. ويجل الحاوي الصغير لكنه لم يكن محمودا في دينه على ما بلغني.
توفي في أحد الجمادين سنة اثنين وثلاثين وثمانمائة.
قلت: وأذكرني هذا ما قاله الشيخ العارف السراج: لو كان في الشيخ برجس لظهر في التلميذ أ.
لطيفة: ب
ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه أن عبيد شرية عاش ثلاثمائة سنة وأدرك الإسلام فأسلم ودخل على معاوية بالشام فقال له حدثني: بأعجب ما رأيت. قال: مررت
ذات يوم بقوم يدفنون ميتا فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع فتمثلت بقول الشاعر:
يا قلب إنك من «1» أسماء مغرور
…
فأذكر «2» ، وهل ينفعك اليوم تذكير
قد بحت بالحبّ ما تخفيه من أحد
…
حتى جرت لك «3» أطلاما محاضير
فلست تدري وما تدري أعاجلها «4»
…
أدنى لرشدك «5» أم ما فيه تأخير
فاستقدر الله خيرا، وارضينّ به
…
فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبطا
…
فإذ هو الرمش «6» تعلوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
…
وذو قرابته في الحيّ مسرور
فقال له الرجل: أتعرف من يقول هذه.
قلت: لا والله إلا أني أرويها منذ زمان.
فقال والذي يحلف به قائلها هو صاحبنا الذي دفناه، وأنت الغريب الذي «7» تبكي عليه ولست تعرفه. وهذا الذي خرج من قبره أمس الناس به رحما وهو أسرهم
بموته كما وصفت، فتعجب لما ذكر من شعره والذي صار من قوله كأنه ينظر إلى مكانه جنازته.
فقلت:" إن البلاء موكل بالمنطق"؛ فذهبت مثلا. فقال معاوية: لقد رأيت عجبا فمن الميت. قال: عنترة بن لبيد العذري «1» .
رجع: ثم أقام سبط بن الوجيه بطرابلس وحج سنة أربعين منها. ثم حصل بينه وبين بعض قضاة طرابلس وحشة أوجبت سعيه في قضاء طرابلس فوليها ثم عزل منها.
ثم سافر إلى القاهرة فنزل عند ناظر الخاص فسعى في قضاء حلب فوليها وحضر إليها، وباشرها ببعض طمع ودرس بمدارسها وتقدم صحبته خاله زين الدين عمر بن الوجيه؛ وكان شكلا حسنا يستحضر شيئا من الأشعار وينسب إلى الرفض وحضر صحبته شمس محمد بن حمادة الشافعي وكان نقيبه وله قدرة على تحصيل المال من غير وجهه. ولو مودة وانبساطا وينسب إليه إلى قلة الصلاة.
ثم بعد موت شمس الدين ذهب إلى طرابلس فشهد عليه زين الدين بن الوجيه بشهادة. فقتل بطرابلس وكان يقول: أنا بريء مما شهد عليّ به. وقام في قتله شهاب الدين بن قرطاي- قاضي طرابلس الشافعي- وكان المذكور ولي قضاء المالكية بحلب. وكمال الدين فهد بن الناسخ الذي قرأ على والدي بحلب لما كان أبوه قاضيا بها:
ولشمس الدين سبط الوجيه شعر- سد وزن- منه يمدح الجمال ناظر خاص:
يا أيها المولى الذي للملك عقد ونظام لو كان مثلك آخر ما كان من خلق يضام وله مدح في الكمالي بن البارزي وغيره وهو في الدرجة السفلى؛ فمنه:
إذا ما قضاة الجهل جاروا بظلمهم
…
علينا التجينا للكمال بن بارزي
كريم ومن أصل كريم ووجهه
…
ضحوك لدى الحاجات بالخير بارزي
لطيفة أ:
رأيت بخط الشيخ المؤرخ المقريزي أخبرني العبد الصالح شمس الدين محمد الصوفي أنه جرب غير مرة أنه إذا وضع إناء أو شيئا مما يؤكل وحوط بأصبعه حوله شبه دائرة وقال: يا أيها «1» النمل هذا اللحم أو هذا العسل مثلا من أجرة غلام القاضي فإن النحل تأتي إلى تلك الدائرة وترجع من غير أن تصل إلى ما وضع في داخلها. ومثله إذا وضعت شيئا وأنت ماسك نفسك لا تتنفس لا يقربه نمل. انتهى. فإذا كان هذا أجرة غلام القاضي لا يقربه النمل فكيف بما يأخذه القاضي.
وفي العشر الأول من جمادى الأول اشتهرت ولاية/ (23 و) م زين الدين عبد القادر بن شهاب الدين أحمد بن الرسام «2» نظر الجيش بحلب وولاية زين الدين ابن السفاح كتابة السر بها. ووردت كتب ابن الرسام من القاهرة بخبر بذلك فلما كان نهار الجمعة ثامن الشهر المذكور ورد قاصد من القاهرة وعلى يده مرسوم بأن يؤخذ من الأثيري ابن الشحنة مبلغ فأرسل نائب القلعة خلفه يطالبه بذلك فاختفى.
فلما كان يوم الاثنين لبس تغري بردي- نائب القلعة- خلعه بنظر الجوالي عوضا عن المقر المحبي ابن الشحنة، ودخل ابن السفاح إلى دار العدل وقرأ مرسومه بنظر الجوالي من غير أن يحضر توقيعه بكتابة السر فلما كان آخر الشهر حضر قاصد المقر المحبي من القاهرة وعلى يده مثال شريف باستمرار المحبي في وظيفته قضاء الحنفية
بحلب ونظر الجيش واستقرار ولده في كتابة السر.
ثم في يوم الجمعة آخر شهر جمادى الأولى ورد قاصد من المقر المحبي من القاهرة وعلى يده تشريف لولده الأثيري بكتابة السر فلبسه يوم السبت مستهل جمادى الآخرة. وابن الرسام المذكور كان أولا لما كان والده قاضيا بحلب نقيب والده ثم انجمع عنه فصار صوفيا ثم سافر من حلب وسعى في كتابة السر بحلب ونظر الجوالي فوليها في أيام الظاهر جقمق. وكان بينه وبنيه معرفة ما فأعطاه قرية بابلي فباشر بحرية وضبط زائد. ووقع بينه وبين القاضي ضياء الدين من الدخول لدار العدل ومباشرته كتابة الإنشاء وضاق صدر الضياء من ذلك. ثم ورد كتاب الكمال بن البارزي إلى الضياء وقرينه يقال شريف بمباشرته وظيفته على عادته، وأنه أمين السلطان فطلبه الكافل وألبسه خلعه، وباشر.
وفي سادس عشري جمادى الأول يوم الاثنين حضر إلى حلب سودون قر الخاصكي وعلى يده مرسوم لنيابة حماة لسودون المؤيدي الذي كان أميرا كبيرا بحلب. وخلعه لعلي باك بالإمرة الكبرى عوضا عن سودون. وفي يوم الخميس تاسع عشري جمادى الأول اشتكى جمعة القساسي على مكي البريدي «1» عند ابن مفلح فاعترف فأمر بحبسه فلما وصل إلى أول سوق البلاط ضربه بسكين فحمل إلى بيته ومات من ساعته فقطع كافل حلب يدي مكي فمات ثم سلخوه بعد الموت ودفن جمعة من يومه خارج باب قنسرين. وخرج قانباي البهلوان الكافل في جنازته لأجل ولده قاسم حاجب الحجاب ونائب حماة سودون. وكان جمعة رجلا مشرقيا. وولي ولايات. وفي آخر عمره انقطع ببيته وكتب كتابا (كصحيح مسلم)(وتفسير البغوي) ولم يكمله، و (الأحياء) ولم يكمله، وقتل وهو صائم. وفي يوم الجمعة
ثالث شعبان دخل دمشق جلبان وكافل طرابلس وكافل صفد (يشبك الحمزاوي) الذي كان دوادار السلطان بحلب/ (23 ظ) م وانتقل منها إلى نيابة صفد ثم إلى حلب وصحبتهم العساكر ونزلوا بالميدان الأخضر وذلك بسبب نزول عسكر جهان شاه على أرزنكان «1» ليأخذوها من جهانكير وكان خاطر السلطان قد تغير عليه بسبب عدم تسليم قلعة جعبر للسلطان وإفساده وإغارته على بلد البيرة.
وفي يوم دخولهم حصل بين مماليك كافل الشام وكافل حلب الحمزاوي فتنة أسفرت عن جراحات بينهم.
وفي ليلة الجمعة دخل أبو الخير محمد النحاس إلى حلب وبات بخان ابن السفاح داخل باب النيرب تحت الترسيم منفيا إلى طرسوس وأدخل دار العدل يوم الجمعة واستمر بجامع الناصري محتفظا عليه. وخرج من حلب يوم الاثنين سادس الشهر المذكور إلى طرسوس.
وهذا الرجل قدم حلب في خدمة معين الدين سبط بن العجمي ثم عاد إلى القاهرة فترفع بصحبة الظاهر جقمق وقدمه على أقرانه وناظر الخاص يوسف وصار لا يقطع أمرا إلا به وصار إذا ذكر أحدا من أكابر القاهرة يستصغره ويتسافه عليه وتأتي الأعيان إلى بابه فلا يأذن لأحد بالدخول. وأثرى وكثر ماله حتى صار له في مدة يسيرة من الأموال ما يزيد على أربعمائة ألف دينار فاحتال عليه ناظر الخاص وتصدق بمال كثير على الفقراء وسألهم الدعاء عليه فتغيرت خواطر الفقراء عليه فغضب عليه السلطان. وأمر بنهب بيته فأخذوا ما في بيته.
ومن ذلك كتب تساوي خمسين ألف دينار ومائتي دينار منها (كشاف)«2» بخط ياقوت وجواهر بخمسين ألف دينار منها حلق كان في أذن بنته يساوي سبعمائة
وخمسين أشرفيا وعجلوا في أخذه فأخرموا أذنها ولم يتأثر إلا من ذلك. وكان يبكي بسبب ذلك وكان يكتب طبقة فلما وصل إلى طرسوس ضيقوا عليه وأجروا عليه كل يوم رغيفا فكتب ربعة ومصحفا عظيمين وأرسلهما إلى السلطان ليرق له وأطلقه فرجع إلى طرابلس ثم مضى إلى مصر بمرسوم.
وفي شهر رمضان كثرت الأراجيف بحلب وبلادها بسبب قدوم عسكر جهان شاه إلى أرزنكان وأخذها ثم انتقالهم إلى أطراف بلاد ملطية ودوركي ولم يتعرضوا إلى أحد وأرسل كافل حلب الحمزاوي وكشفهم فجاء الخبر برحيلهم إلى بلاد جهان كير ثم جاء قاصد كافل حلب في يوم الأحد ثاني شوال وأخبرهم بأنهم خاضوا الفرات من جهة سميساط إلى بلاد جهان كير وزلزلت حلب بعد المغرب زلزلت حلب بعد المغرب زلزلة عظيمة في رمضان.
وفي يوم السبت ثامن عشر الشهر دخل المحبي ابن الشحنة حلب قاضيا على عادته وناظر جيش عوضا عن عبد القادر بن الرسام. ودخل دار العدل. ولبس تشريفه. ثم جاء إلى بيته. وقرئ ترقيته وهو مؤرخ بعاشر جمادى الآخرة من السنة.
وفي «1» ثاني عشر منه توجه يشبك نائب صفد ومعه فرقة من التركمان لحفظ المخايض الفراتية من جهة قلعة المسلمين وما حذاها خشية أن يعبرها جهان كير وتذهب إلى ابن قرمان. وسبب ذلك أن جهان شاه كتب إلى السلطان أن لا يمكنه من خوض الفرات ثم رجع إلى حلب. وفي رابع شوال خرج الكافل الحمزاوي إلى خارج باب النيرب عند المطعم واستعرض أهل حلب. وخرجوا بالسلاح الكامل وأظهروا شجاعتهم ودعوا السلطان. وكان يوما مشهودا من كثرة السلاح وإظهار القوة على ملاقاة من عاداهم ففرح الكافل بذلك وقوي جأشه.
وفي يوم الأربعاء خامس شوال توفي القاضي زين الدين عبد الصمد بالقاهرة.
وأوصى أن لا يصلى عليه عند سبيل المؤمني خشية أنه ينزل السلطان فيصلي عليه فيثقل عليه؛ وهذا كان صدرا محتشما رئيسا كريما يقضي حوائج الناس على يده. حج حجة عظيمة من القاهرة وأصرف عليها مالا كثيرا وعمر مدرسة بالقاهرة ومكة والمدينة والقدس والشام.
وتقدم في دولة الأشرف برسباي بحيث لا يصدر شيء إلا عن رأيه وكان أولا بحلب في خدمة ابن الشهاب المحمود. وكان الخواجا شمس الدين بن المزلق لا يرفع به رأسا ولا يلتفت إليه ويراه بالعين التي كان بها. ويقال انه هو الذي حسّن للأشرف أن لا يتجر أحد في النهار إلا هو وذلك لإنكاء ابن المزلق.
وفي هذا اليوم وهو الأربعاء خامس شوال حضر ابن رمضان درندار ومعه جماعة من التركمان ونزلوا خارج حلب واطمأنت القلوب.
وفي يوم الخميس خرج الكافل الحمزاوي إلى الميدان ومعه من حضر إليه من العرب والتركمان وغيرهم من الفلاحين وحضر كفال الممالك وصفوا حلقة عظيمة وكان يوما مشهودا لا يحصون كثرة. وكان القاصد الذي حضر من جهة العسكر جهان شاه اللذين قطعوا الفرات حاضرا والقاصد حضر يوم الأربعاء فشاهد ما حيّره وأزعجه.