الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وأربعين [وثمانمائة]
في يوم السبت سادس المحرم قبل الفجر قدم هجان من الديار المصرية إلى حلب وعلى يده مرسوم شريف إلى كافل حلب بالإفراج عن غرس الدين خليل وإنزاله من القلعة واحترامه وأن يقيم بحلب من غير وظيفة إلى أن يحصل الرضى الشريف.
وفي الليلة المسفر صباحها عن يوم الخميس ثالث صفر توفي نجم الدين عبد الخالق سبط الشيخ زين الدين ابن الوردي أصابه ريح السكتة إثر غيظ أصابه وحدث له وكان إنسانا حسنا كريما حسن الأخلاق باشر أعماله بالجامع بحلب وكتب عند نائب الغيبة بحلب وله عقل زايد.
وفي يوم الخميس سابع ربيع الآخر قدم حلب الشيخ عفيف «1» الدين أبو المعالي عبد المحسن بن محمد بن حسين بن عبد المحسن بن عبد الغفار الخراط الحنبلي ابن الدواليبي ونزل بالمدرسة الشرفية.
ومولده ببغداد يوم الأربعاء في الساعة السابعة حادي عشر المحرم سنة تسع وسبعين وسبعمائة واجتمعت به بدمشق سنة ثمان وثلاثين وسمعت عليه المسلسل بالأولية.
وأنشدني من نظمه:
الشعر ووجهه ضياء وظلام
…
صنوان معا
والعنق ولحظه قنا وحسام
…
قلبي قطعا
والثغر وريقه لآلي ومدام
…
كيف اجتمعا
والوصل وهجره حلال وحرام
…
من ذا شرعا
وقدم حلب قبل ذلك أيضا سنة عشرين وعمل الميعاد بجامع حلب وكان قراجا يجلس على باب الجامع يبيع من غير شاش. وكان يرى أن الطلاق الثلاث واحدة وعزر على ذلك بدمشق. وهو لا يرجع ولما عزروه، وطافوا به شوارع دمشق ولما فرغوا من ذلك قال لهم: هل بقي شارع أيضا ولم يتأثر من ذلك.
وخرج من بغداد لما نكب نظام بغداد وقدم/ (31 ط) م الشام وكان مطرح الكلفة له صوت جهوري ويخطب خطبا بليغة، ويحفظ غالب (البقرة لأبي الفرج ابن الجوزي) ومواعيده منها.
وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار السبت سابع شوال توفي الشيخ بدر الدين محمد بن تاج الدين بن عشائر الحلبي الشافعي. وصلى عليه بجامع حلب- ودفن بالفيض بتربة بني مقلد. وكان شيخا مسنا يكرمه الناس لأجل أسلافه. وهو عار عن العلم. وفي يده وقف أسلافه. وفي محنة تيمور رآه حسين بن مصطفى وحسين في أيدي التتار فدلهم عليه فأخذوه وعذبوه. فجاء بهم إلى الشرفية إلى بيتهم الذي هو لهم بشرط الواقف وهو على يسار الداخل إلى المدرسة. وله دفينة بالبيت فأخرج ذهبا يقرب من ألف دينار فأخذوه وتركوه.
وفي ثالث عشر ذي القعدة بين الظهر والعصر دخل غرب باك قاصد صاحب الروم، ودخل دار العدل ومعه جماعة من الفرنج عدتهم خمسة عشر رجلا أحدهم ابن أخي تبكو بن الأنكرس، والآخر يدعى يعقوب من أكابرهم. والثلاثة عشر من الأنكرس. كذا أخبرني غرب باك المذكور عند اجتماعي به بجامع حلب وشاهدتهم عليهم آلة الحرب وعلى رؤوسهم خوذ غريبة الأشكال ولا يظهر شيء من أجسادهم من اللآمة التي عليهم. ومعه ثلاثة ألوية مذهب أحدهم عليه صورة فرس عليها راكب والألوية منكسة ثم ذهبوا إلى الديار المصرية.
في يوم الأربعاء سادس عشر القعدة حضر مثال باشنقر بن سراج الدين الحمصي في قضاء حلب عوضا عن ابن الخرزي.
وتاريخ المثال الثالث عشر شوال سنة تسع وأربعين.
في يوم الأحد سابع عشر المحرم توفي الشريف إبراهيم بن حمزة الجعفري «1» كان كريم النفس عاريا عن العلم وأبوه ساد بحلب، واستولى على أوقافها وأملاكها وله ترجمة في تاريخ شيخنا. وإبراهيم استولى على غالب مدارس الحنفية وكان يعطل المعاليم من تحت يده ووليّ نظر الجيش كذا قيل لي ووكالة بيت المال.
وفي مستهل صفر توفي الشيخ برهان الدين إبراهيم بن عمر بن رضوان الشافعي «2» . في مبدأ أمره، ثم صار حنفيا ثم صار شافعيا. وكان شاهدا بباب النصر ثم توجه إلى القاهرة واتصل بولده السلطان الظاهر فسعى له تدريس الأسدية بعد وفاة شيخنا قاضي المسلمين علاء الدين فقدم حلب. ودرس بها درسا واحدا ودلّ على عدم فضله.
وكان كثير التردد إلى القاهرة فقال له يوما والدي: الناس يحبون القاهرة لمحافيظ وكتب جديدة. وقد قرؤوا على مشايخ وأنت تقدم بقول تضارب علي ابن البلقيني وابن حجر ولانتقل فائدة. ولا تأتينا بكتاب ألف جديدا. وتوفي بعد عوده من الحجاز ولم يكن عليه نورانيه. وينسب إلى التهاون بالصلاة.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشر صفر توفي العلامة قاضي المسلمين بدمشق أبو عبد الله شمس الدين محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الونائي «3» الشافعي المصري.
كان أبوه شاهدا فشغله بالعلم وأخذ الفقه عن شمس الدين البرقاوي «1» واشتهر بالفضل وفوض إليه ابن المحمرة تدريس الشيخونية لما انتقل إلى القدس مدرسا بالصلاحية فمات ابن المحمرة فاستقل بها ثم ولي قضاء الشام مرض فرجع إلى القاهرة فسعى في تدريس الصلاحية بجوار الشافعي فتركها شيخنا أبو الفضل ابن حجر له اختيارا فباشرها. سنة ونيفا/ (32 و) م.
ومولده في شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.
وفي بعد العصر نهار الجمعة سادس عشر جمادى الأول توفي الشيخ العالم علاء الدين أبو الحسن علي سبط ابن الوردي «2» ودفن بمقابر الصالحين وكان أعمى حصل ذلك وهو كبير وبينه وبين شيخنا المؤرخ ما بين الأقران. وكان فقيها أصوليا من أذكياء العالم درس بالصاحبية وانتفع الناس به ويستحضر كثيرا من التاريخ وأخبار حلب. ومجالسته حسنة، وله عقل ينتفع برأيه.
وكنت إذا قرأت البخاري بالجامع يحضر عندي وكذلك إذا قرأته ببيت القاضي الحنفي ابن الشحنة يحضر عندي يسمع قراءتي. وكان يدرس (البهجة) لجده وكان أولا يميل إلى التاج ابن الكركي. ثم رجع عن ذلك ولازم والدي كثيرا.
وفي شهر رجب توفي شيخنا العلامة علاء الدين بن مكتوم العشائري الرحبي الشافعي «3» بالدير. قدم من الرحبة إلى الشام فنشأ بها وقرأ على الرحبي وحفظ ثلث الترمذي وحفظ (التمييز) و (الألفية) و (مختصر ابن الحاجب الأصلي) .
وكان ذكيا إلى غاية فقيها، أصوليا، يستحضر كثيرا من أشعار العرب وأيامها.
ومن التاريخ.
وولي نيابة الحكم بحلب عن شيخنا المؤرخ. وقرأت عليه بحلب بعض شرح (منهاج الأصول) . وكان والدي وشيخنا يعظمانه. وكان أثرى ببلده وكثرت أولاده فمات الجميع في حياته فكان يبكي عليهم. ويذكر قول أبي ذؤيب:
أودى بني
…
«1» لهواهم
…
... «2» ولكل جنب مصرع
ثم توفي ولد ولده وكان شحيحا مع كثرة ماله وكان من أولاده شخص يقال له محمد كان ذكيا حفظ محافيظ وعرضها على والدي رحمهم الله تعالى.
وفي شهر ربيع الأول اجتمع العامة على شرف الدين يعقوب المالكي «3» قاضي المالكية بحلب، وأخرجوه من المدرسة الشادبختية الحنفية وأخذوه إلى تحت القلعة مجرجرا، فرجموه، وأرادوا قتله وأراد بعضهم إلقاءه في الخندق وسبب ذلك ما تقدم منه من أخذ الرشا ونصر الباطل وعند إقامة الحق وأكل أموال الناس. ومن جملة ما قاموا عليه بسببه أن شخصا قتل آخر. فقامت البينة عنده على ذلك فقال لا أقتله حتى آخذ كذا وكذا. ثم إن يعقوب المذكور من بين العوام الذين جاؤوا إلى دار بني الشحنة فأحجم الناس عنه فمكث هناك غير مبال بما اتفق له. وكان سيء الخلق قبيح الشكالة، لا نورانية عليه كما قال الشاعر:
يأتيك في ثوب من التطليس
…
يروي حديث الخزي عن إبليس
وفي هذا الشهر جد شاهين نائب القلعة «4» في عداوة الفقهاء وتتبع عثراتهم والنظر إلى ما في أيديهم من الوظائف. وكان قد أحضر مرسوما بالنظر على الأوقاف ودار على المدارس، وصار الشخص يخرج إليه بكتاب الوقف فلا يلتفت إليه ولا يقرؤه
ويطالب الفقيه بمستند وظيفته فإذا أحضره إليه لا يعبأ به، وخرج إليه فقهاء العصرونية ومعهم نقيب الأشراف عفيف الدين وهو جالس في طيارة القلعة فلما شاهدهم أعرض عنهم ونظر إلى الخندق فسلموا عليه فلم يرد عليهم فقاموا من عنده وقد حصل لهم من الخجل ما لا يوصف.
ثم إنه في يوم الأحد/ (32 ظ) م. حادي عشري الشهر أرسل جماعة من القلعة ليأخذ ما غرما من بيت القاضي الحنبلي ابن مفلح فلما يمكنوا من ذلك فلما كان يوم الاثنين ثاني عشرين حضر الفقهاء مع من حضر من القضاة بدار العدل وطلبوه في دعوى شرعية فاستمهل إلى غد فلما كان في غد اجتمع الفقهاء بالجامع والعامة معهم وصعد الناس إلى المنارة وكبروا عليه وقرؤوا القرآن العظيم. واجتمع القضاة ببيت القاضي الحنفي وأرسلوا خلفه فلم ينزل إليهم فحضر القاضي الحنبلي ابن مفلح والقاضي يعقوب المالكي وأبو جعفر ابن العجمي إلى الجامع وكان نائبا عن الحمصي والحمصي إذ ذلك لم يحضر إلى حلب فبيناهم كذلك إذ قام مدع شرعي بأنه ضرب شخصا فقال المضروب أنا في جيرة محمد صلى الله عليه وسلم: فقال: لا أزال أضربك حتى يجيء محمد فيخلصك. وأنه قال له شخص من الفقهاء نقرأ لك القرآن ونجعله في صحيفتك فقال لا حاجة لي بقرآنكم بالنون وغير ذلك.
وحضرت عليه بينة وهم ابن فرعون وغيره كالتاج «1» والكركي فشهد أنه يلفظ بذلك قبله هذا المجلس بأيام وكتبوا عليه محضرا بذلك ثم أغلقوا باب الجامع وذهب القضاة والفقهاء إلى دار العدل، وأحضروا بعض البينة وأرسل الكافل وهو الحمزاوي إليه فأبى عن الحضور وكتب شاهين المذكور أحمد بن أبي سواده ليس هو منهم إنما هو من أولاد مماليكهم فلما وصل بين يدي السلطان شق أثوابه، وقال له: أدرك حلب
فإنها قد خرجت من يديك فسأل «1» عن سبب ذلك فقال: اتفق كافل حلب الحمزاوي مع القضاة والفقهاء على إنزال شاهين نائبك في دعوى. وأضمروا أنه صار عندهم أمسكوه وسلموا القلعة للحمزاوي. فلما لم ينزل عمدوا، ورجموا الخندق وملؤوه حجارة، فغضب السلطان وعزل الحمزاوي والقاضي ابن مفلح في ربيع الآخر وأمر بإحضار الحمزاوي والفقهاء إلى مصر فخرج ابن مفلح إلى الشام ووصل إليها.
وذهب الحمزاوي إلى مصر ثم أعيد ابن مفلح عن قرب إلى حلب.
فلما سمع القاضي بإرسال شاهين قاصده إلى مصر أرسلوا قاصدا وعلى يده المحضر فوصل قاصد الفقهاء آخر يوم وصول قاصد شاهين فطاف بالمحضر على قضاة مصر وسمع فقهاء مصر بما رسم به السلطان فاجتمعوا عند قبر الإمام محمد بن إدريس الشافعي واستغاثوا به فسمع السلطان بذلك فطلب السلطان القضاة بمصر بكرة النهار وسألهم عن القضية فقال القاضي المالكي: إن اتصل بي المحضر ضربت عنق شاهين وفي غضون ذلك أرسل ابن فرعون إلى القاهرة فاستفسر عن الشهادة فقال: أنا ما شاهدت إلا أنه استجار المضروب بالنبي صلى الله عليه وسلم فأدام الضرب عليه وكان من أكبر القائمين على الفقهاء جاني بك المحمودي.
وفي نهار السبت حادي عشر ربيع الآخر دخل شيخنا سراج الدين الحمصي إلى حلب قاضيا وتلقاه كافل حلب إلى ظاهرها والقضاة والأمراء ولبس تشريفه بدار العدل.
وفي رابع عشري جمادى الأول قدم قانباي البهلوان «2» من حماة نائبا عوضا عن الحمزاوي. ثم في يوم الخميس ثاني رمضان حضر من السلطان الأمير تغري ورمش
- نائب القلعة- والشيخ بدر الدين محمود وابن/ (37 و) م عبيد الله الحنفي ليتعرفا حقيقة الأمر؛ وكان السلطان قد أرسلهما لذلك فدارا على مدارس الفقهاء واستكشفا حقيقة الأمر في الباطن ثم إن تغري ورمش رحل عن حلب قاصدا أدنة بسبب الكشف على عمر بن رمضان فإنه قيل عنه إنه تزوج أكثر من أربع نسوة ونسبا إليه ظلما كثيرا. فوصل إلى طرطوس فكشف الأمر. ثم رجع إلى حلب فلما وصل إليها أظهر الحط «1» على الفقهاء والانتصار لشاهين ونقض المحضر المتقدم.
وكان الحمصي قد قدم إلى حلب بعد الثبوت فاستفتاه شاهين فأفتاه بما يقتضي عدم تكفيره، فوقع بينه وبين ابن عبد الله في قضية أراد كل منها رشوة. وتعصب الحمصي مع الفقهاء فغضب منه تغري ورمش فلما سافر تغري ورمش أرسل له هدية فردها فقال الحمصي هذا غير عاقل كان أخذ الهدية وفعل ما أراد.
رجع: فأعيد المجلس بدار العدل وأعادوا البينة فضرب القاضي المالكي الكركي لأنه قيل له: أنت شهدت عليه في تاريخ كذا فلم أخرت شهادتك. فقال: أعرف أن الحق في ذلك الوقت لا يقام ثم عمل ابن عبيد الله المذكور محضرا بضد المحضر الأول وأخذ هو وتغري ورمش من الفقهاء تسفيرا قريبا من عشرين ألف درهم وصارا يقبضان الدراهم بالصيرفي ورجعنا إلى مصر. وهذا تغري ورمش اجتمعت به بحلب فرأيته يستحضر شيئا من التاريخ وأسماء الرجال، وكان كريما، أكولا يتأنق في المآكل ويميل إلى المجون وأهلها. وأخبرني أنه صحب الأشرف إلى حلب وأنه قرأ على والدي وأنه قدم قبل ذلك إليها مع تاجره جلال في سنة ثمان وثمانمائة فاشتراه الظاهر جقمق ثم قدمه لأخيه جركس المصارع، ثم صار إلى الناصر ثم إلى المؤيد.
وأنشدني من نظمه لنفسه. قال نظمت ذلك عند نظري كتاب:" الإحكام في
الأحكام" لابن حزم «1» :
خذ القرآن والآثار حقا
…
وتوفيقا وإجماعا بيانا
دع التقليد بالنص الصحيح
…
ولا تسمع قياسا أو فلانا
وأنشدني من نظمه ضمن اسمه شقير:
تفاح خدي شقير فيه
…
مسكي لون زهى وأزهر
قد باب منه النوى فأضحى
…
زهري لون بخد مشعر
وهو سد وزن. ومدحه الشيخ شهاب الدين المرعشي، وزين الدين عمر البيري الحكيم وأنا بأبيات أستحضرها الآن فأستصبحها صحبته إلى القاهرة وبعد وصوله إليها غضب السلطان عليه ونفاه إلى القدس فمات طريدا ببركة العلماء في يوم الجمعة ثالث رمضان سنة اثنين وخمسين. وأما شاهين فإن السلطان عزله بعد ذلك وولاه نيابة قلعة دمشق فعمل بفقراء الشام كما فعل في حلب فإن لهم مرتبا على قرية داريا فخرجوا للقبض من فعلها على عادتهم فوصى عليهم فأرسل الله ريحا حملت الغلات وألقتها حيث شاء الله فأصبحوا فلم يروا شيئا. ثم وقعت عليه دعوى فطلب لسماعها فنزل فحصل له قهر من ذلك فمات قهرا. وأما ابن أبي سوادة فافتقر آخر عمره، ومات أعمى. وفي الليلة المسفر صباحها عن عشرين شوال قبض على جاني بك المحمودي بعد أن امتنع وتحصن في بيته ثم أودع في الترسيم «2» بدار العدل إلى بكرة النهار ثم أودع سجن القلعة؛ وسبب ذلك أن جماعته حضروا إلى كافل حلب أنه يقصد أن يقتلك وتنسحب عن الشام فكتب إلى السلطان فأخرج السلطان إمرته، ورسم بإدامته في السجن ببركة الفقهاء.