الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمسين [وثمانمائة]
ثم استقر زين الدين بن الخرزي وعزل الحمصي في أوائل السنة.
وفي تاسع عشر المحرم أنشدني الشيخ الإمام العالم أبو محمد وعبد الله بن مرر بن عثمان الحيزاني- بكسر الحاء المهملة- الشافعي «1» قال: أنشدني شيخي علم الدين الزمخشري؛ وهي مدينة من خراسان:
به فلق الظلماء رب البرية
…
فنار بنور فاق بالأولية
هو القلم العلوي والكون لوحة
…
فيجري عليه باليد الأزلية
وهذا الرجل ولد بحيزان سنة أربع وثمانمائة تقريبا وقرأ على الشيخ العلامة زين الدين عبد الرحمن بن الحلّال بالجزيرة (شرح العبري على البيضاوي) و (الغاية القصوى للبيضاوي)«2» وقدم حلب ثم ارتحل إلى القاهرة وقرأ على القاياتي في (مقدمة العضد مع حاشيتها) لسعد الدين. وسمع على البخاري ومسلم و (الشفا) وقرأ على شيخنا أبي الفضل بعض البخاري وسمع الباقي و (الموطأ) ، وعلى الكافجي (التلويح)«3» و (التوضيح)«4» إلى باب الاجتهاد، والعضد إلى القياس.
ثم قدم حلب ونزل بالصالحية فقرأ عليه بعض الطلبة، وكان فاضلا عالما دمث الأخلاق نزها، وضيء الوجه نيّره، ثم رحل من حلب إلى بلاده ولما كان تغري ورمش الفقيه بحلب كان يجتمع به ويبحث مع الفضلاء فيترجح عليهم وهو رجل
عاقل ذكي إلى الغاية منقطع عن الناس ملازم للإشغال والاشتغال غير متطلع إلى أيدي الناس كثير الأدب والتواضع وله أخلاق حسنة.
وفي يوم الاثنين ثامن عشري المحرم توفي العلامة المحقق قاضي المسلمين بالديار المصرية شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي «1» الشافعي. وليّ القضاء بالقاهرة فباشره بعفة ونزاهة وصلى عليه الخليفة بأمر السلطان واستقر شيخنا أبو الفضل ابن حجر عوضه. وصلي عليه بجامع حلب يوم الجمعة سادس عشر صفر صلاة الغائب.
وفي يوم الاثنين تاسع صفر خرج القاضي الحمصي من حلب بين الظهر والعصر معزولا بالسوبيني «2» . وفي تاسع عشري ربيع الأول يوم الخميس توجه القاضي الحنفي أبو الفضل بن الشحنة قاصدا القاهرة فعوتب في سفره آخر الشهر فأنشد:
دع النجوم لطرقي «3» يعيش به
…
وبالعزائم فانهض أيها الملك
إن النبي وأصحاب النبي نهوا
…
عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا
قلت: وأذكرني هذا ما رأيت من شعر زيد بن الحسن الكندي انتهى/ (34 و) م
دع طارق النجم يكبو في ضلالته
…
إن ادعى علم ما يجري به الفلك
تفرد الله بالعلم القديم فلا
…
الإنسان يشركه فيه ولا الفلك
أعد للرزق من أشراكه شركا
…
وبئست العدتان الشرك والشرك
وسفرته هذه كانت بسبب قضية شاهين المتقدمة فإن السيد السفاحي كتب إلى المصريين بأن القضية صدرت عن رأيه وباتفاق منه.
وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر خرج ابن مفلح من حلب لورود مرسوم بطلبه
من القاهرة بسبب شاهين ولما كان بطريق القاهرة اجتمع بالسويني فأخبره أن الطلب بسبب قضية شاهين، ثم دخل القاهرة فاجتمع بها بشيخنا أبي الفضل بن الشحنة واجتمع بكاتب السر ابن البارزي فسأله عن قضية شاهين فأخبره أنه ما ثبت فقال له:
هذا بإشارة ابن شحنة فقال: لا. فقال لمن عنده: أنا أخبركم أنه ثبت على كلامه خلافا لسالم فإنه يتلون ثم إنه اجتمع بمحب الدين بن الأشقر فسأله عن قضية شاهين فأخبره فقبله من عينيه. ثم إن شيخنا ابن حجر أنزله في بيت بالمدرسة البيبرسية. ثم أجتمع بقانباي الجركسي وهو مريض ببيت ناظر الخاص ببولاق فسأله عن قصة شاهين فأخبره فقال: هلا ضربت رقبته. واستصوب كلامه. وقال له: لا تكن مثل الحمصي القاضي فإنه قال خذوا من ماله عشرة آلاف دينار.
ثم إنه اجتمع بالسلطان فسأله عن القضية فأخبره. فقال: أما علمت أنه مملوكي.
فقال: لا أحابي في الشرع أحدا. فقال له الشاهد: ابن فرعون رجع عن الشهادة.
فقال له: هلا أقمت منه موجب الشرع. ثم إن السلطان ألبسه خلعه بعد اقتناعه.
ثم سافر من القاهرة بعد شيخنا أبي الفضل. ثم اجتمعنا بدمشق وقدم شيخنا إلى خان طومان قبله. ثم جاء بعده واجتمعنا بخان طومان فقدما حلب يوم السبت تاسع رجب الفرد ولما تقدم القاضي الحنفي شيخنا إلى خان طومان راجعا كتبت إليه:
فرحت به الشهباء عند قدومه
…
فرح العليل وقد أتاه شفاء
والله ما الشهباء إلا جدبة
…
من فقده وقدومه الأنواء
فليهنها قد زال ما قال العدا
…
في حقها من أنها عجفاء
فلما وصلت الأبيات صادفت وقوع المطر عليه. ففرح بذلك واستبشر.
فلما وصلت الأبيات صادفت وقوع المطر عليه. ففرح بذلك واستبشر.
وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار السبت حادي عشري ربيع الآخر ورد شخص إلى بانقوسا ومعه جماعة فادعى أنه السلطان العزيز بن الأشرف فأنزل في بيت فلما
طلعت الشمس قبض عليه وأحسن إلى الكافل فأمر بإيداعه في القلعة ومن معه وهم نحو ثلاثين رجلا وطولع السلطان بذلك فورد المرسوم الشريف في ثاني عشري جمادى الأول بقتل كردي باك بن بكيك هو ومن معه وكان خارجا عن الطاعة وعصى في قلعة كركر فوسطوه ووسطوا شخصا معه. وأما المدعي المذكور فضرب ضربا بليغا فاعترف بأنه من قرية المعيصرة من بلد عين تاب وكذلك الذين/ (34 ظ) م معه فردوا إلى السجن. ثم توفي المدعي المذكور في السجن.
وفي العشر الأخير من ربيع الآخر بين العشاءين وقع نجم كبير فأضاءت منه حلب وشاهدت ضوءه. وظننته برقا.
وفي يوم الأربعاء بعد العصر رابع عشري جمادى الأول نزل قاضي المسلمين شهاب الدين إبراهيم السوبيني «1» بمقام سيدي عبد الله الأنصاري، وفي نهار الخميس خرج لملاقاته كافل حلب البهلوان. فقال له المسجونون بلغني أن فيهم من حبس بغير حق، وقال لي السلطان انظر في أحوالهم والمنكرات أريد إبطالها فقال له الكافل: افعل ما سمى به السلطان.
ولما نزل بخان طومان خرج إليه رؤساء البلد فلما عاينهم دخل إلى خيمته وأقام زمنا. ثم إنه خرج إليهم ودخل إلى حلب ولبس تشريفه وجاء إلى الجامع الأموي وقرئ توقيعه، ثم حضر إلى المدرسة الشرفية ثم ذهب إلى أماكن المنكر وغيّرها وأراق الخمر ومعه الحاجب.
أخبرني أنه كان في محنة تيمور مميزا وأنه قرأ الفقه على الشيخ شمس الدين بن زهرة، والنحو على ابن يهودا، والبخاري على ابن البلد وأنه لازم ابن زهرة وانتفع
به، ثم ترحل إلى القاهرة فقرأ على شيخنا أبي الفضل ابن حجر، وعلى ابن المجدي.
وعلى الشيخ كمال الدين بن الحمام، وأنه بكري من جهة الأم. انتهى. وليّ قضاء مكة ثم عزل فحضر إلى القاهرة فاتفق حضور تغري ورمش وابن عبيدان إلى حلب بسبب قصة شاهين وانتصار الحمصي للفقهاء بحلب فعزل الحمصي وربّاه شيخنا أبو الفضل عند السلطان:
وما من حبه يحنو عليه
…
ولكن بغض قوم آخرينا.
فولاه حلب. ثم إنه عامل الناس بشدة وأنكر على الكافل أشياء فيها ضرب الأوزان بين يديه والقرآن يقرأ. ومنها الطبلخاناة والمؤذن يؤذن وغير ذلك. وقال الكافل: لا تجلس معنا في المكان المعد للكفال قديما، وأنزل عنه إذا حضرنا. وأبطل الشحنكية والنقدية وحكم المراسيم الواردة إلا أن يشهد على السلطان شاهدان وكان إذا جاءه الشاهد يسأله عن فرائض الوضوء. فإن أجاب وإلا رد شهادته ومع ذلك يشهد عنده من هو مجهول فيقبله. وقد قرأت عليه بعض مؤلفاته:(لغات المنهاج) وأخذه من كتاب الشيخ سراج الدين ابن الملقن بالإشارات ونقل فيه أشياء من كتب غير صحيحة، وقرأت عليه وغير ذلك من مؤلفاته. وكان فقيها فريضا، عارفا بالحساب معرفة جيدة، دينا، عفيفا عن أموال المدارس، غير عارف بمداراة الناس.
وكان لا يليق دواته بماء بركة الشريفة ولا يقبل لأحد هدية. ولم يقبل من قضاة البر شيئا، وتوقف في ولايتهم وفي قبول شهادة بعض الشهود ودرس بمدارس القضاء.
وسألني لم قال النووي: بسم الله الرحمن الرحيم بعاطف. فقال له: ليعرفك أن البداية المطلقة بالبسملة، والبداية المقيدة بالحمد لله ليجمع بين روايتي كل أمر ذي بال لا يبدأ بسم الله. وفي رواية بحمد الله فهو أجزم. فلوأتى العاطف لكانت البدأة بالبسملة.
وفي ثامن عشري جمادى الأول ورد كتاب من القاضي أبي الفضل ابن الشحنة على/ (35 و) م، ولده قاضي المسلمين أثير الدين من الصالحية بطريق مصر أنه رأى رؤيا حسنة من جملتها أنه شاهر سلاحا، وقد هزم جماعة من قطاع الطريق وهو يرتجز بديها:
من كان لي لا يشهد
…
فأنا الخطيب محمد
ووقائعي مشهورة
…
ومشاهدي لا تجحد
فلكم حضرت مشاهدا
…
ووقائعا تستشهد
ورددت خصمي خائبا
…
منه الفرائص ترعد
ورجعته مستأثرا
…
في قبضتي ولي اليد
ولما وصل إلى القاهرة حصل له الكرامة من السلطان ثم عاد إلى حلب على عادته في التاريخ المتقدم ومدحه عماد الدين ابن الزير تاج «1» بهذه القصيدة «2» :
ومدحه الشيخ خاطر فقال «3» :
بشراك يا شهباء كم تشتكي
…
ضرا فقد وافا سماك الطيب
محب الدين عدله والتقى
…
نصر من الله وفتح قريب
وفي يوم الجمعة ثاني عشري رجب توفي الشيخ الإمام المقرئ النحوي شمس الدين محمد بن عمر الفزاري الشهير بابن الدقيق- تصغير الدقيق- وهذا الرجل كان يحفظ محافيظ كثيرة (كالمنهاجين) و (والتلخيص) و (الشاطبية) . ويلازم على درسها ولا يشتغل إلا بقراءة القرآن والحديث ودرس محافيظه وكان صيتا ويظهر
البله. ولازم والدي كثيرا وسمع عليه، ولازم الشيخ عبيدا في دروسه وولي خطابة السفاحية بالجامع الأموي. وانتفع أولاد الناس به لإقرائه أياهم. وكان يقرأ بالسبع.
وأظنه قرأ على الشيخ بيروا وصلى عليه بجامع حلب، وخرج في جنازته الشيخ برهان الدين السيوبني قاضي حلب. ودفن في مقبرة الأطعاني. وكان أكولا. موصوفا بذلك مهما حضر بين يديه أكله. وأتى على آخره وصحب زين الدين عمر بن السفاح بعد أبيه فحمل ضررا من جهة الآخرة بصحبته ثم ندم بعد ذلك على صحبته وكان يبكي كثيرا على ما وقع له في صحبته.
وفي آخر ليلة الثلاثاء سلخ شوال توفي بحماة الشيخ العالم شمس الدين محمد بن الأشقر الحموي الشافعي كان من الصالحين وقرأ عليه أهل حماة وانتفعوا به. وكان كثير البكاء وعليه سكون وهيبة اجتمعت به بحماة ودفن في مقبرة المحداد أ. وقال له الشيخ تقي الدين الحصيني أنت الأشقر. قال: نعم. قال:" سماعك بالمعيدي خير من أن تراه"«1» . فكان يذكرها ويبكي وكان مطرح الكلفة، متواضعا كتب لي بالإجازة.
وفي سابع عشر القعدة خرج من حلب برهان الدين السوبيني بعد أن صرف عن القضاء؛ وسبب صرفه أنه لما اتفق له ما اتفق من الإنكار على البهلوان كتب الكافل إلى السلطان يخبر بأمره وكان كلما سرق بيت بحلب يقول لصاحبه اذهب إلى السوبيني فإنه لم يدع له حرمة فحضر خاصكي إلى حلب يوم الخميس تاسع عشر رمضان إلى الكافل يدعى إينال وطلب السوبيني للخانقه فأظهر أعذارا وجاء في غضون المجلس الشيخ عبد الكريم ومعه جماعة من أوباش الناس فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي خذوا بيد السوبيني/ (35 ط) م واعزلوا القاضي المحب دين
فقال ابن الشحنة: النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول: القاضي. ولا يدخل الألف واللام على محب.
وحضر غالب أهل حلب دار العدل منتصرين للسوبيني. وخاف الكافل من الرجم. فأشار إلى بعض جماعته إذا حصل الرجم فاقتلوا السوبيني فلطف الله ولم يرجم أحد، ثم إن المماليك ضربوا الناس. وانفصل المجلس عن كتابة فحضر بما اتفق وأخذ خط السوبيني عليه، وجهر إلى السلطان، وكنت حاضرا بدار العدل، وحضر الشيخ يوسف الكردي للمساعدة فرأى هذا المجلس فسكت. وكان يقال: ما تقول فيقول: أستعين بالله.
فلما وصل المحضر إلى السلطان عزله وولى صدر الدين محمد بن شهاب الدين النويري. ولما كان السوبيني بحلب كتب شخص ورقة وألقاها في بيته. ومنها:
جاء للشهباء قاض
…
ليس فيه من سيادة
وإلى سوبين يعزى
…
فهو سوء وزيادة
وكان سلطان مكة بن بركات «1» يقول: السوبيني: سوء بيّن. وكان له معلوم في الجوالي، وشيخنا أبو الفضل ناظر عليها فكان يرسل إليه ويقول لا ترسل من دارهم (البلص) . فلما عزل أحضر ابن الشحنة نقيبه محمد الخطيب وأراد إهانته فمنعته من ذلك وشفعت فيه فقبل شفاعتي، وأكرمه. وأفضل عليه. وأعطاه ما انكسر للسوبيني من الجوالي. وجاء الشريف علاء الدين الهاشمي إلى دار العدل، وكان قد حكم عليه.
فقال أنا أشكوك إلى جدي صلى الله عليه وسلم، وأنا ذاهب إلى الحجاز.
وتوفي السوبيني بدمشق بعد رجوعه من القدس يوم الاثنين ثاني عشر سنة ثمان وخمسين وصلى عليه بحلب صلاة الغائب ثالث عشري الشهر المذكور.
وفي يوم الجمعة سلخ السنة بلغ كافل حلب قانباي البهلوان أن تغري بردي نائب القلعة تكلم في حقه أنه خارج عن الطاعة وأنه قد أخذ في تحصينها وخربها ليلا فطلب الهجن ليلا ليسافر إلى حضرة السلطان فاجتمع به أبو الفضل ابن الشحنة وكان قاضيا وكاتب السر بحلب فأشار عليه بعدم السفر وأن يرسل دواداره ففعل ذلك إلى السلطان يتنصل مما نسب إليه ويعتذر عما قيل عنه. وقال أنا مستمر على الطاعة لم أخرج عنها. وكذب من نسب إليّ غير ذلك.