الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وأربعين [وثمانمائة]
في أوائلها «1» : استقر القاضي زين الدين بن الخرزي في قضاء حلب. وانفصل القاضي جمال الدين الباعوني إلى قضاء دمشق عوضا عن الوفائي. وكان بحلب فضل كبير إلى الفدية «2» . وشاهدت الناس خارج باب المقام على كيفية منكرة»
من البكاء والعويل وتجهيز الموتى ودفنهم كل مشغول بنفسه. وترك الناس حوانيتهم وخرجوا إلى خارج حلب إلى كل مقبرة للصلاة على الأموات وتجهيزهم.
وفي أواخر الفصل قدم القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن أبي الفتح محمد الحسني الحنبلي «4» - قاضي مكة- وليها سنة تسع وثمانمائة. ثم جمع له قضاء الحرمين سنة سبع وأربعين من بلاد العجم واجتمع في سنة اثنين بشاه روخ «5» بن تيمور هناك وأفضل عليه وكان كريما جوادا، فرق ما حمل له شاه روخ قبل أن يصل إلى مكة ونزل بالمدرسة الكلتاوية الحنفية داخل باب بانقوسا «6» وتوفي له قريب فدفنه خارج الكلتاوية. ثم سافر إلى مصر ومن مصر إلى مكة.
وكان قد قدم حلب في حياة والدي رحمه الله تعالى. ونزل بالمدرسة الشرفية في الدور الثاني في شدة البرد ومعه جماعة فكان يستدين وينفق عليهم وذلك في سنة خمس وثلاثين.
وسافر من حلب إلى جهة الروم قاصدا في جهة الروم تاسع عشر ج 3 وكان قبل محنته تيمور معظما عند ناصر الدين بن سلار «1» نائب القلعة وكمال الدين بن العديم وناصر الدين بن السفاح.
وكان فقيرا في مبدأ أمره وارتقى بالعقل والسكون. وبنى بيتا بحلب عند السفاحية وحوى كتبا كثيرة.
وفي عاشر جمادى الأول استقر ابن الرسام في كتابة السر ونظر الجيش ونظر الجوالي ونظر القلعة، ونظر الديوان المفرد وكان قد رافع عمر بن السفاح كاتب السر بحلب وحطط نائب القلعة ومحمد متولي الحجر، وقال للسلطان إنهم أكلوا حواصل القلعة فأحضروا إلى القاهرة وأودعوا في الترسيم وأخذ منهم «2» السلطان بعد الجهد خمسة وعشرين ألف دينار. ثم ولي الوظائف المذكورة.
وفي تاسع شهر رجب استقر الأمير غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري «3» في الإمرة الكبرى بحلب عوضا عن الأمير طوغان العلائي ووصل إلى حلب وباشر بشهامة زائدة. ودق الكوسات «4» على بابه فأنف من ذلك كافلها الحمزاوي وقال:
هذه الكوسات لا تدق إلا على باب الكافل. وكان يترفع عن الركوب في الخدم السلطانية فازداد أنفة وحنق عليه مع ما كان الحمزاوي عليه من رياضة الأخلاق
وحسن المعاشرة. ولكن أغراه على ذلك ابن الرسام كاتب السر فكتب إلى السلطان يعلمه برقاعته وقلة عقله.
فأحس بذلك خليل فكتب خليل محضرا بحسن سيرته وأنه داخل في الطاعة ملازم للخدم السلطانية. وأخذ خط قاضي المسلمين محب الدين بن الشحنة، وقاضي المسلمين زين الدين بن الخرزي وخط «1» القاضي ضياء الدين بن النصيي نائب كاتب السر ويخبرهم على محضره وألزمني بالكتابة فكتبت فيه: أنه يحب العلماء، ويثني على مشايخ الإسلام، ويواظب على طلب العلم، فسخط من ذلك وقال ليس «2» هذا المقصود.
فدخل ابن الرسام إلى الكافل وقال له: إن خليلا كتب محضرا بأنك خارج عن الطاعة- وكان ابن الرسام يحب الفتن والشرور متحركا- فطلب الكافل القضاة وقال: لا بد من إحضار هذا المحضر إليّ لأنظره وإلا قطعت أيدي الكاتبين فيه فقالوا له إن هذا لم يكتب شيئا يتعلق بك إنما كتب محضرا بحسن سيرته، وملازمة الطاعة فدخل ابن الرسام إليه وقال: لا، هذا جواب إقناعي. لابد أن تقف على المحضر لتنظر حقيقة ذلك فاشتد طلب الكافل للمحضر فحضر القضاة إلى خليل وطلبوا منه المحضر فادعى خليل أنه أرسل المحضر إلى السلطان. ثم إنه أرسله إلى الكافل فقرئ عليه فما وجد فيه شيئا مما قاله ابن الرسام فسكت.
وهذا الرجل خفيف العقل له دعاوى عريضة، وكان ولي نيابة إسكندرية وكان قد اجتمع بجماعة من العلماء وأخذ عنهم كشيخنا الحافظ «3» ابن حجر بينهما مراسلات ومكاتبات عديدة، وله نظم في الدرجة السفلى. وكان يدعي أن نظمه
منسجم، رقيق، فائق في الدرجة العليا والأمر بخلاف ذلك ولكن بواسطة مكانته وما هو عليه شهد له بعض الناس وهم الطامعون بما عنده من الإعطاء والكرم بحسن النظم وجودته، وفضله وعلمه وممن أخذ عنه الحديث قال هو شيخنا ابن حجر والتفهني «1» والبساطي «2» المالكي، والعيني «3» ، وسعد الدين الديري «4» ، وشمس الدين والده ومحب الدين بن نصر الله، وبدر الدين الحنبلي وابن.... «5» المالكي والسراج الحمصي، وبدر الدين بن قاضي شهبه ووالده، وبرهان الدين الباعوني وأخوه جمال الدين، وبرهان الدين وأبو السعادات قاضيا مكة وخطيب المدينة.
ووقفت له على مؤلف سماه:" التحفة المنيفة في جميع الأحاديث الشريفة".
جمع فيه أحاديث شريفة كل حديث لا تعلق له بما قبله. وقال في أوله:
" وشرحتها إلهاما". وهذا دليل قلة عقله ونظرته. فرأيته قد أخذ كلام العلماء وتصرف فيه تصرفا عجيبا: المبتدأ لا خبر له، والشرط لا جزاء له.... «6» العقل.
وله مؤلف آخر سماه:" الذخيرة لوقت الخيرة". يشتمل على فضل لا إله إلا الله. وله تخميس بانت سعاد ونظمه غير طائل، سد وزن، وأولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
…
وفيه شوق إلى الأحباب موصول
من وجدهم في طوى الأحشاء معلول
…
قد زاد حبا فلا يتلوه تحويل
متيم إثرها لم يفد مكبول
قال في كتاب (التحفة) ومما أتحفني به شيخنا الحافظ ابن حجر:
أيا غرس فضل أثمر العلم والندى
…
فلله ما أزكى وما أطيب الثمر
يجود وينشئ بالغا ما أراده
…
لمستطلع «1» درا «2» ومستنزل الدرر
لك الخير قد حركت بالنظم خاطرا
…
له مدة في العمر ولى «3» وما شعر
وقلدت جيدي طوق نعماك جائدا
…
فعالا ونطقا صادق الخبر والخبر
تناسب اسمانا خليل وأحمد
…
لرأس أولى النظم الإمام الذي غبر
قال: ولشيخنا المشار إليه من الأشعار الرائقة المطولة ما تضيق عنها الطروس وقد بالغ رحمه الله في أشعار كان يرسلها إليّ. وكنت أكتب إليه بماسخ الله عليّ من أشياء يطول ذكرها. ولا بد من قصيدة من ذلك لنفهم الثاني، وهي:
بعث الخليل إلى حبيب رسالة
…
تحوي صنوف تحية المعشوق
وله اشتياق حل في وسط الحشا
…
يزداد في ليلاته بتعلق
قد كنت أعشقه بمصر قبل ما
…
أزداد أخبارا كمسك معبق
وقرأت من كتب وأشعار له
…
فاشتد صرفي نحوه وتعشقي
ورأيت إعرابا له في نظمه
…
والنثر زهر في قضيب مورق
أهل المعاني والبيان بأسرهم
…
شرحوا منهاجه.... «4» في المنطق
وولى وزارة مصر وكتب تقليده بذلك وجاء رؤساء القاهرة..... إلى بيته لسماع قراءة التقليد على العادة. وكان ممن حضر القاضي
…
عبد الباسط. فقرئ
منه أن السلطان قلده وزارة المشارق والمغارب. فقال في وجهه القاضي عبد الباسط:
المفاسي والمضارط وفي آخر عمره افتقر افتقارا زايدا وعزل من المناصب. ولم يتول منصبا ومات رث الحال. قليل المتاع وكان بحلب كتب له القاضي الفاضل زين الدين أبو حفص عمر بن القاضي ضياء الدين محمد النصيي «1» الشافعي بأبيات منها:
ملكت رقاب العالمين جميعهم
…
بفضل صلات منك يا صاحب الفخر
غرست ثمار الفضل في كل نبعة
…
فلا زلت محبورا «2» من الله بالنصر
وفقت الورى بالعلم والفضل والتقى
…
وفي الرأي والأفعال والنهي والأمر
وقد صرت من بعض
…
«3» فإن نجد
…
بها من عيوب عظما أنت بالستر
وفي تاسع عشر شعبان توفي الشيخ بدر الدين الحسن بن أحمد الحصوني «4» الشافعي فجأة وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع الأموي وكان فاضلا أمره ذكيا اشتغل كثيرا، ثم ترك ذلك، وباشر وظائف بحلب، فعوقب وصودر وكان يضرب ببعض الآلات ثم صار شاهدا بباب الجامع الأشرفي في داخله دكة للعدول ثم أزيلت، وخطه حسن إلى الغاية في مبدأ أمره، وكتب على الفتوى وكان مستهلا في فتواه، وقليل الصلاة. وله نظم كثير.
وكان يفتي بالمسألة..... «1» ولا يوقع الطلاق بها لكن صورتها إذا قال متى أو، أن، أو إذا، فكان هو يظن أن كلما كان. وإذا ومتى فتكتب على الفتوى أنه لا يقع الطلاق بكلما. وكان يفتي بأشياء ليست جارية على قاعدة المذهب.
وكتب صداقا نظما ونثرا للشيخ شمس الدين البوادي «2» الذي كان بحلب شاهدا بسوق الهوى، فمنه:
يا له من خاطب ما أجمله
…
وعروس بالبها مستكملة
ومن الأمر إذا بينهما
…
فلها لاق ولاقت هي له
وله قريب يقال له شمس الدين محمد بن الحصوني يعرف بمنطاش كان يجلس مع العدول على باب المدرسة الأسدية ويكتب بخطه المالكي وهو لا يدري مسألة لكنه كبير العمة. واسع الأكمام. لقد سمعته مرة يسأل شيخنا المؤرخ في درس الأسدية: هل يصح السلم في الدقان «3» . فلم يرد عليه شيخنا شيئا لجهله. وكان سخيف العقل يدّعي معرفة الشعر وأنه ينظم وهو لا يقيم الوزن، ولا يدري البحور بل يهزأ به الناس ولا يدري.
وما أحقه بقول الشاعر:
قال حمار حكيم توما
…
لو أنصفوني لكنت أركب
لأنني جاهل بسيط
…
وصاحبي جاهل مركب
لأنه يجهل ويجهل أنه يجهل.
ولما قدم الأشرف برسباي حلب ومعه القضاة مدح العلامة بدر العيني بشيء فقال:
فلم تر عيني مثلك يا عيني
…
لأنه بحر إمام في العلوم وفي.... «1»
وقاك الله شر كل حاسد وعين
…
وحفظك الواحد المنان بعينيه التي لا تنام
أنت ومن حضر معك من مشايخ الإسلام.
فقيل له: إن القرينة الواحدة طويلة والأخرى قصيرة فقال خذ من هذه وضع على هذه.
ودخل على شيخنا أبي الفضل أبي حجر وعرض قيثارة وشيخنا كان لا يواجه أحدا بما يكره وقال له: إن بعض المحمدية يقول إني/ (3 ط) م سرقت هذا فقال له شيخنا على جهة الإبهام: ليس فيه شيىء من كلام الناس وله قريب آخر يقال له شهاب الدين أحمد كان يلي الحكم بسرمين وإذا عزل يجلس من العدول بباب الأسدية. فولي مرة قضاء سرمين رفيقا لعماد الدين أبي زيد تاج فأنشد فيه شعرا أرسله إلى معين الدين بن شرف الدين يسأله عزله:
لا تعذلوني على جنوني
…
وخلصوني من الحصوني
أيش ذي البقالة «2» أيش ذي الرطالة «3»
…
إلى البطالة بالله أرجعوني
ما أنا معود بذا المحدد
…
بجاه محمد لا تهلكوني
أنا ألاطف وهو يخاطف
…
والخصم واقف على عيني
ومنها:
إلى حلب سر ولا تقصر
…
لكاتب السر أشكو شجوني
قل يا أبا الوجود يا خير موجود
…
بمورق العود لا تهلكوني
وفي يوم الاثنين ثاني عشري رمضان خرجت الحجة الكبرى المحجبة زوجة كافل حلب قانباي الحمزاوي صان الله حجابها صحبة الحاج إلى الحجاز الشريف في أبهة
عظيمة وحال حسنة وبهجة زايدة وحشمة وأنفقت على العكّامين «1» والجمالين وخلعت عليهم وتصدقت قبل خروجها على الفقراء ونقل عنها إحسان عظيم إلى الناس في الطريق وصدقات كثيرة على أهل الحرمين الشريفين. ورجعت إلى حلب فاحتفل الكافل لذلك احتفالا عظيما وفرح بها وابتهج الفقراء بقدومها لما تسديه إليهم من الإحسان وتصرف من الصدقات.
وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار الأربعاء خامس عشر شوال توفي القاضي شهاب الدين أحمد بن قاضي المسلمين جمال الدين إبراهيم بن العديم وكان الناس يكرمونه لأجل أسلافه ولا علم عنده. ووليّ عدة تداريس بحلب أخذها عن أسلافه وكان يلبس الثياب الفاخرة، ويأكل المآكل الحسنة ويديم الإقامة لقرية بابلي في جوسق أهله ثم أخربه وباعه أخيرا وكان منقطعا عن الناس ملازما لبيته ورزقه دار عليه ناب في الحكم عن أخيه كمال الدين لما توجه إلى القاهرة سمعت عليه وأجازني لاتصال السفر. وفي سابع شوال عزل غرس الدين خليل الظاهري عن الإمرة الكبرى بالأمر قانباي اليوسفي؛ كذا كتب إليّ عامل ديوان الجيش بحلب ورأيت بحلب القاضي زين الدين عمر بن النصيي في رابع شهر ذي القعدة يوم الاثنين قدم حلب قاصدا من الأبواب الشريفة وعلى يده مرسوم استقرار قانباي اليوسفي في الإمرة الكبرى عوضا غرس الدين خليل بن شاهين المذكور ومسك خليل المذكور وإيداعه في سجن القلعة في المنصورة فامتثل المرسوم الشريف وقبض عليه وأودع سجن القلعة.
وفي ليلة بعد السبت ثاني عشري الحجة، وفي كلام بعض الفضلاء ثاني عشر توفي أبو المعالي محمد بن السلطان الظاهر جقمق الحنفي «2» وجاء الخبر بوفاته آخر
نهار الأحد رابع عشر المحرم سنة ثمان. وكان كافل القلعة شاهين فأخرج نساءه إلى سور القلعة ورفعن أصواتهن بالعويل والصراخ فخاف الناس من ذلك. وظنوا أن السلطان توفي فأصبح القاضي الحنفي محب الدين بن الشحنة/ (21 و) م، وجاء إلى الجامع وأشهر النداء بالصلاة على ابن السلطان خشية إفهام الناس إلى وفاة السلطان كما فهم ذلك بعضهم وحضر الكافل إلى الجامع وصحبته بعض القضاة. وحضر الناس وصلى عليه صلاة الغائب.
وهذا أبو المعالي قدم مع أبيه صحبة الأشرف برسباي ونزلا بيت المهمندار مقابل جامعه «1» ، وجاء إلى المدرسة الشرفية وقرأ على والدي شيئا لا أدري ما هو وكتب له والدي إجازة وأراد أن يشرب ماء فقال له لا تشرب هذا. فلما ذهب إلى أبيه وأخبره استحضار رأي والدي وقال لولده: خاف عليك أن يصيبك شيء فنسب إليه.
ولازم الاشتغال فقرأ على شيخنا أبي الفضل بن حجر وعلى الشيخ سعد الدين الديري وعلى الكافجي «2» والشيخ قاسم الحنفي واعتنى بعلم حديث وطلب من بعلبك علي بن إسماعيل بردس «3» ورفيقه وهما أحمد بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن ابن يوسف بن الطحان فقدموا القاهرة يوم الاثنين خامس عشر المحرم سنة خمس وأربعين فقرئ عليهم وسمع عليهم.
وابن الطحان سمعت عليه بدمشق في رجوعي من الحج عام ثمان وثلاثين وللاثنين لي منهما إجازة وترجمتهم في مشايخي رحمهم الله تعالى.