الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وخمسين وثمانمائة
في ثامن المحرم توفي الشيخ العدل زين الدين الحسن بن سلامة الحنفي وأخبرني أنه قرأ على الشيخ أحمد الآمدي السعدي والشيخ حسام صاحب النجار وعرض على القاضي برهان الدين ابن جماعة (الكنز)«1» و (المنار)«2» و (العمدة)«3» في أصول الدين و (الحاجبية) و (تصريف الغزي) و (الأندليسة في العروض) و (الساغوجي في المنطق) وذلك بدمشق. وأنه سافر من ماردين إلى حلب ثم حماة ثم إلى دمشق ثم إلى القدس فاجتمع بولي الله العارف عبد الله البسطامي. ثم رجع إلى ماردين فجاء تيمور فراح إلى بلد الروم إلى سيواس فاجتمع بصاحبها القاضي برهان الدين.
وأنشد من شعره:
رويدك حادي العيس أعتب مطيتي
…
من السير في أوصاف خير البرية
بروحي بازيّ تنزل نحونا
…
ليصطادنا من حضرة الأمديّة
ثم سافر إلى بورسا وخرج مع الغازين إلى أسرانيا من بلاد الفرنج فحضر الغزو وحضر حصار القسطنطينية والغلطة «4» ثم رجع إلى اسرانيك من الروم فأقام
ثلاث سنين ثم رجع إلى بلده.
ثم خرج منها إلى مصر ثم إلى الحجاز فاجتمع بابن صديق فسمع عليه البخاري وبابن ظهيرة الشيخ جمال الدين رفيق والدي فسمع عليه صحيح مسلم وجاوره سنة واجتمع بالشيخ أبي بكر الجبرتي فأنشد في التلبية:" إلهنا ما أعدلك، مليك كل من ملك، لبيك قد لبيت لك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك والساعيات في الفلك على مجاري المشتبك كل نبي وملك، هلل أولبى فلك، لبيك قد لبيت لك، لبيك إن الحمد لك/ (27 و) م والملك لا شريك لك، يا خاطئا ما أغفلك عجل وبادر أجلك، واختم بخير عملك، لبيك قد لبيت لك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد لك، والملك لا شريك لك".
وأخبرني أنه اجتمع بالشيخ محمد شيرين وبالشيخ موسى التركماني في رأس العين وكان موسى المذكور لا يأكل الزفر، وأنه حضر مع الشيخ موسى المذكور ضيافة دعاه إليها في رأس العين فلما حضر الشيخ في البيت رفع رأسه إلى السقف ثم قال لصاحب البيت: هذا مصلحة تدعونا إلى مكان فيه المنكر. فقال له صاحب البيت:
" أتوب إلى الله وكان فوق السقف طبقة فيها شيء من الخمر" وأخبرني عن الشيخ محمد شيرين أنه سافر مع جماعة والماء موجود في الطريق فقال لرفيقه: احملوا معكم الماء. فأنكروا ذلك عليه وقالوا: الماء موجود فألزمهم بحمله فلما سافروا ضلوا عن الطريق. وحصل لهم العطش فاحتاجوا إلى القربة التي أمرهم بحملها فسقاهم منها.
وأخبرني أن أخاه بدر الدين سأل الشيخ شيرين: الخضر هل هو موجود؟ فقال نعم وهنا من رآه. ثم قدم صاحب الترجمة حلب وسكن بالرواحية وتكسب بالشهادة.
ومولده سنة سبعين وسبعمائة كما رأيته بخطه. وكان دينا خيرا كريم النفس يؤثر الفقراء ويحبهم، ويميل للأيتام ويحسن إليهم ويربتهم. وفيه سذاجة، وصلى إماما بمحراب الحنفية بجامع حلب بعد وفاة أخيه.
وفي يوم الخميس رابع عشري صفر لبس المقر الأشرفي محمد بن شيخنا أبي الفضل تشريفا بقضاء الحنفية ونظر الجيش عوضا عن والده بعد أن استعفى والده عنهما وأقام بالديار المصرية.
وفي سابع عشرين توفي الرئيس كمال الدين محمد بن الرئيس ناصر الدين ابن البارزي الشافعي. وكان رئيسا صدرا وعالما وناظما ناثرا جوادا، مفضالا على العلماء والفضلاء. مجلسه مجلس علم. مملوء بالفضلاء، ولهم مرتبات عليه، ويأكل الطعام الفاخر، ويطعمهم إياه. وحج من مصر حجة أصرف عليها ما يزيد على ستين ألف دينار، ولي قضاء دمشق وكتابة السر بالديار المصرية، وهو من مشايخي بالإجازة، وقرأ على والدي لما كان والده قاضي حلب، وهو من بيت العلم والفضل والحشمة والسؤدد وفي الجملة كان من محاسن الدنيا، قرأ على الشيخ علاء الدين البخاري.... «1» .
وفي ثاني ربيع الأول توفي الشيخ الفاضل المعري المجيد العدل الرضي زين الدين عمر بن محمد بن عمر بن السعي الشافعي الجبريني نسبة إلى جبرين (الفستق) الشهير بابن المعصراني.
وكان والده عاميا فحبب إليه طلب العلم، فحفظ القرآن في صغره ولازم الشيخ عبيد المقرئ «2» وقرأ عليه كثيرا. ثم انتقل إلى دمشق فجمع السبع على الشيخ زين الدين ابن اللبان. وقرأ على البرماوي شارح البخاري بالقدس ثم قدم حلب ولازم والدي- رحمه الله تعالى- كثيرا وسكن المدرسة الشريفة لأجل ملازمة والدي فانتفع به وكان والدي يعظمه ويحبه/ (27 ظ) م ويثنى على جودة خطه وحج مرتين وحفظ (المنهاجين) و (ألفية ابن مالك) و (العراقي) و (الشاطبية) وقرأ على شيخنا
قاضي المسلمين ابن خطيب الناصرية قطعة من (المنهاج) حلا. وكتب برهة وبيض قطعة من تاريخه، ثم كتب حكم القضاة بعده والناس يميلون إليه لجودة خطه ودماثة أخلاقه، ولطف مفاكهته، وحسن معاشرته وغزارة عقله. وكان عارفا بالشروط وقرأ على ابن الخرزي شرح ابن عقيل على الألفية.
ودفن رحمه الله تعالى بالقرب من قبر الشيخ شهاب الدين بن هلال خارج باب الفرج.
وفي يوم الأربعاء سابع ربيع الأول بعد صلاة العصر خرجت غيمة عظيمة على حلب وسمع لها دوي كالرعد القاصف وألقت بردا كبارا كبيض الحمام وأكبر وخاف الناس من خراب البيوت خوفا عظيما وكانت ساعة عظيمة لم أشهد مثلها.
وفي ثاني عشر ربيع الأول توفي العبد الصالح شمس الدين أبو عبد الله محمد الخبّاز وكان عبدا صالحا ناسكا عابدا زاهدا متقللا من الدنيا منقطعا عن الناس يخبز في التنور. ومهما يحصل له ينفقه على الفقراء والصلحاء، هذا دأبه ويحفظ القرآن ويقرأه كثيرا. والسلطان والعامي عنده على حد سواء ولما كان بالقاهرة مر عليه بطعام السلطان. وكان مفتخرا فقال هذا منتن الريح. لأنه شمه على ما هو عليه.
فأخبرني من أثق به أن تغري ورمش نائب حلب جاء إلى الجامع مصليا و [مر] عليه. فازدحموا بالقبلية فجاء مملوك وضايقه فزيق عليه فقام من جانبه وصار المكان خاليا لا يجلس فيه أحد مع ازدحام المماليك.
وأخبر الشيخ ابن الشماع قال كنت أعمر بيتي وهو- البيت الذي بناه عند الدباغة- فضاقت يدي فجاء إلي ودفع إليّ دنانير فلما اتسعت يدي دفعت إليه الدنانير فلم يأخذها وكان لا يدخر درهما أبدا. ولا يقيم له علما بل من أقام علما بحلب دخل تحت علمه ولازمه.
وكان والدي- رحمه الله يعتقده ويقول: هو أثبت قدما من مشايخه.
وذكر زهده لكافل حلب، فهم الكافل بزيارته فذهب هو إلى الكافل وسلم عليه.
فلامه الفقراء في ذلك. فقال: أخاف من النفس أن يدخلها الكبر بزيارة الكفال. وأن تقول لي أنت الأمراء تزورك. فكسرتها.
وصلي عليه بجامع حلب ودفن يومه في تربة الشيخ الأطعاني. وكان ينفق على الشيخ شهاب الدين بن هلال «1» ويلازمه كثيرا وقال لي: رأيت في منامي أنني أنا والشيخ أحمد بن هلال قد دخلنا بيت أبيك بالمدرسة الشرفية فذكرت ذلك للشيخ أحمد بن هلال فقال لي دخلنا بيت السنة.
وفي العشر الأوسط من جمادى الأولى صلي بحلب صلاة الغائب على الشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الشيخ العارف أبي الصفا تقي الدين أبي بكر بن داود الحنبلي القادري الدمشقي «2» .
وهذا قدم حلب ونزل/ (28 و) م بالعشائرية في حياة والدي وذهب والدي فسلم عليه. ثم جاء هو إلى والدي مسلما. ولبست منه خرقة التصوف وقدمت عليه الشام فأكرمني وله زاوية في أعلى الصالحية عظيمة يقيم بها الأوراد والأذكار ويهرع الناس لزيارته. وكان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وله حرمة وافرة، وعقل حسن، إذا حصل له صداع في رأسه وضع الثلج عليه فيسكن. وله حشمة زائدة. وكرم أخلاق وفضل زائد ونظم ونثر، ويسلك الناس تبعا لوالده.
وله مؤلفات منها: (تحفة العباد وأدلة الأوراد) في مجلد. ومنها: كتاب في خواص الحيوان سماه: (نزهة «3» النفوس والأفكار في خواص الحيوان والنبات والأحجار)
و (الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في مجلدين «1» وكتاب (تسلية الواجم في الطاعون الهاجم)«2» وغير ذلك.
وتوفي بدمشق ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر من السنة بعد فراغه من قراءة أوراد ليلة الجمعة ثم دخل إلى بيته وهو في عافية وعندهم مشمش فأكل ثلاث ثم صاح ومات وصلي عليه بعد صلاة الجمعة ودفن بزاويته.
ومولده كما أخبرني في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة بجبل قاسيون ورأيت بخط بعض أصحابي قال: إن بخطه مولده اثنين وثمانين سمع الحديث من المحب الصامت سمع عليه شيئا من البخاري، وأيضا على عائشة بنت الهادي. والشيخ جمال الدين ابن الشرائحي، وتلقن الذكر ولبس الخرقة من والده. ولبس هو والده من ابن الناصح.
لما قدم دمشق صحبه برقوق الظاهر ولبس هو ووالده الخرقة من البسطامي بزاويته بدمشق. وحج حجات كثيرة منها: حجة الإسلام في سنة ثمان وثمانمائة، والثانية سنة اثني عشر. والثالثة سنة إحدى وعشرين، والرابعة سنة ثلاث وأربعين. وسمع كتاب (التشرف لطريق أهل التصوف «3» ) على شيخنا شمس الدين بن ناصر الدين محدث دمشق بقرأته له على الشيخ أبي العباس أحمد بن يوسف بن البانياسي «4» عن مؤلفه.
وتسلسل له ما فيه من المسلسلات بشرطة، ولبس الخرقة، وقرأ عليه أيضا مسلسلات أبي القاسم الطلحي وتسلسلت له، وسمع على والده كتاب:
(أدب المريد والمراد)«1» من تصنيفه وذلك سنة خمس وثمانمائة بطرابلس، ولبس الخرقة أيضا من يد الشيخ أبي الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الجزري.
وقرأ عليه كراريس من جملتها الأحاديث المسلسلة بالأولية المصافحة والمسائلة والأحاديث العشائرية وغير ذلك.
ووالده: هو الشيخ الصالح الخير. كان معدودا في الصالحين وبلغني أنه لما زوج ولده الشيخ عبد الرحمن صنع طعاما للناس ففرغ الطعام فأمر الفقراء بإدخال الزبادي إلى مكان خال ثم أغلقه ثم أمرهم بإخراج الأواني فأخرجوا فإذا هي ملآى بالطعام.
وكان على طريقة السلف. وله المام بالعلم صلي على جنازته يوم الثلاثاء سابع عشري رمضان سنة ست وثمانمائة.
وفي رمضان حج من حلب نائب قلعة حلب بقردى في هيئة حسنة وتجمل حسن وكان عاقلا. دينا كثير السكون. يميل إلى أهل الخير. وحج فيها الشيخ شمس الدين ابن الشماع أيضا «2» في تجمل حسن في محفة، وخرج عدة محفات من حلب.