الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وخمسين وثمانمائة
.
في مستهلها توفي مراد باك «1» صاحب الروم، ومدة مرضه أربعة أيام وأخفي موته حتى حضر ولده محمد «2» من (مفيسا)(كذا) قاطع البحر ثم جلس ولده محمد عوضا عنه في سادس عشري المحرم فصلى عليه وأرسل إلى مدينة (برصا) فدفن هناك.
وفي يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد الخبر من القاهرة بوفاة قاضي المسلمين ولي الدين محمد بن أحمد السفطي «3» الشافعي وأنه توفي مستهل الحجة من السنة الحالية.
وهذا كان يقرأ القرآن كثيرا في نزوله وركوبه وقعوده وقيامه وكان شكلا حسنا وكان صاحبا للظاهر جقمق. ويأتي إليه إلى بيته ويأكل عنده فلما جلس الناس لمبايعته نزل إلى جامع الأزهر وأحضر لباس «4» الخطيب وهو السواد لأنه لّما طلب من ناظر الخاص هذا الشعار أنكر أن يكون عنده فعظم بذلك قدر السفطي عند الظاهر وقدمه واقتدى برأيه وولاه قضاء الديار المصرية عوضا عن شيخنا أبي الفضل وأساء إلى شيخنا ورسم على ولده برهة. وحاسبه على متحصل الأوقاف وفي القاهرة عدة وظائف كمشيخة الجمالية. ثم ولاه الظاهر نظر المارستان ثم أرسل إليه يطلب منه قرضا من مال/ (24 ط) م الأيتام فأرسل له القدر. وأرسل شاهدين ليكتبا مسطورا على
السلطان. فرد السلطان المال ثم أرسل يطلب من ماله قرضة، وقال لا مال لي. فبلغ السلطان فأعاد الطلب بالضعف فأشهر السلطان النداء من كان عنده مال للسقطي فليحضره وإلا فعل به كذا فأحضر الناس ما عندهم له من الودائع فاختبأ.
وكان أبو الخير يحتقره عند السلطان ويذكر مثالبه. ولما تغير «1» السلطان على أبي الخير ظهر السفطي ثم طلع إلى السلطان ثم توفي بعد ثلاثة أيام وكان يدعي علما كثيرا ويقرأ بعض الناس عليه (الكشاف) خوفا منه؛ قال الله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ
. فببركة شيخنا أبي الفضل بن حجر اتفق له ذلك.
وفي تاسع عشر المحرم وصل الخبر بوفاة أمير المؤمنين المستكفي سليمان بن محمد «2» توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثاني المحرم وصلي عليه بسبيل المؤمني فنزل السلطان الظاهر للصلاة عليه وخرج ماشيا في جنازته إلى أن دفن بالمشهد النفيسي، وكان رجلا صالحا.
وفي نهار الخميس تاسع عشري المحرم وصل بيغوت «3» نائب حماة إلى حلب وكان قد انسحب «4» من حماة إلى جهة الرحبة ثم إلى الرها ثم إلى البيرة وحضر إلى حلب صحبته محمد متولي الحجر نائب البيرة وألبسه نائب الشام خلعة وكذلك نائب حلب وطرابلس فطولع السلطان بذلك ونزل بيت (صاروحان)«5» داخل باب بانقوسا وعليه ترسيم. فلما كان يوم الجمعة ثامن ربيع الأول دخل شخص ليسلم عليه فضربه بسكين كانت في يده فجرحه فقام إليه وأمسكه وقتله بعض خدمه «6»
ثم في يوم الأحد حضر مرسوم السلطان صحبة قاصد بالإفراج عنه وإرساله إلى القاهرة وأن يصرف له مائة دينار نفقة من مال السلطان فأطلق يوم الاثنين حادي عشر ربيع الأول.
وفي نهار الأربعاء سابع عشري صفر توفي الأمير شهاب الدين أحمد بن أحمد ابن أغلبك «1» وقد أجازني وكان شكلا حسنا عارفا عاقلا متجمعا عن الناس ويميل إلى أهل الخير ويجتمع معهم ووالده أيضا كان من العقلاء وأرسل قاصدا إلى تيمور باشر شهاب الدين نظر جامع الطنبغا بعفة وعمر أوقافه ودفن خارج باب المقام في تربته.
وفي ليلة الخميس المسفر صباحها عن عشري ربيع الأول توفي الشيخ الإمام العلامة عبد الرزاق بن محمد الشيرواني- نزيل حلب- أخبرني القارئ الذي كان يقرأ عنده عند الاحتضار أنهم لما وصلوا إلى قوله تعالى: فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
قضي وهذا الرجل قرأ على الشيخ علاء الدين البخاري وقدم حلب ونزل خارج باب الخندق بالوج فقرأ عليه الشيخ شمس الدين السلامي وغيره (شرح العقائد) ثم نزل بالمدرسة الرواحية ولازم وصار لا يخرج إلا للصلاة بالجامع الأموي وقرأ عليه الشيخ شمس الدين ابن أمير حاج وبه انتفع، وسيدي عمر وسيدي أبو بكر بن النصيبي وغيرهم/ (25 و) م وكانت أوقاته معمورة بالإشغال والاشتغال وقراءة القرآن. وتزوج امرأة فأولدها «2» - توفي «3» في رمضان سنة ثلاث وخمسين- بنتين توفي عنهما.
وكان منقطعا متعففا عن الفقهاء. رتب له القاضي جمال الباعوني كل شهر
ثلاثين درهما من العصرونية فلم يقبل وكان قليل الكلام فقيرا جدا، يخرج إلى الصلاة في الجامع في الأوقات الخمس في شدة البرد وعليه دراعة بيضاء. وكان ينسب إلى معرفة كلام ابن العربي، وصلي عليه بكرة نهار الخميس بجامع حلب ودفن بالقرب من مقام سيدنا الخليل عليه السلام خارج حلب وكان متعففا باليسير.
ويعجبني قول الداود راوي البخاري:
كان في الاجتماع من قبل نور
…
فمضى النور وادلهم الظلام
فسد الناس والزمان جميعا
…
فعلى الناس والزمان السلام
وله:
إن رمت عيشا طيبا
…
صفوا بلا منازع
فاقنع بما أوتيته
…
فالعيش عيش القانع
وفي رابع جمادى الأولى عمل الحاج محمد بن خليفة المعصراني، وهو من أهل بانقوسا، طهورا لأولاده وأراد أهل بانقوسا أن يلبسوا السلاح على عادتهم في المشي في خدمة المطهرين فشاع الخبر بأنهم يريدون الإيقاع بالحوارنة فأرسل الكافل خلف الأكابر وحذرهم من الفتن وأشهر البلاء بعدم لبسهم فدخل إليهم جماعة من أكابر تجار بانقوسا والتزموا بأن لا يحدث شر بين الطائفتين فأذن في ذلك فلبسوا على عادتهم وطافوا في البلد فلما وصلوا إلى تحت القلعة صاح شخص: يالقيس!. فوقعت الفتنة وحمي الوطيس ودامت إلى قرب العصر فقتل جماعة من الطائفتين وبين المتفرجين وجرح جماعة. فلما كان يوم الجمعة قبل الصلاة اقتتلوا أيضا تحت القلعة فأمر الكافل الأمراء ومماليكه فلبس السلاح وأشهر النداء ودار القضاة الأربع والمنادي ينادي من لم يرجع عما هو عليه قتل: فسكتت الفتنة.
(فائدة) :
واعلم أن سبب العداوة أولا أنه لما مات يزيد بن معاوية بويع ابن الزبير رضي
الله عنهما بمكة وقام مروان بن الحكم بالشام في أيام ابن الزبير واجتمعت عليه بنو أمية وصار الناس بالشام فرقتين اليمانية مع مروان والقيسية مع الضحاك بن قيس متابعين لابن الزبير لأن الضحاك بايع ابن الزبير سرا بالشام وآخر ذلك أن الفريقين اقتتلوا بمرج راهط في الغوطة وانهزم الضحاك والقيسية وقتل الضحاك وجمع كثير من فرسان قيس ونادى منادي مروان أن يتبع أحد منهزما ودخل مروان دمشق. ثم صار هذا في البلاد.
وفي يوم الاثنين بعد العصر توفي عماد الدين إسماعيل الزيرباح «1» الشافعي ودفن يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب [وكان «2» ] يصلي العيد خارج سرمين. وهذا الرجل ولي الحكم بأريحا وسرمين والفوعة.
ونظم الشعر وقال أبو الفضل بن حجر لما أوقفته على نظمه هذا أصلح نظم أهل العصر. ومن شعره:
ألا ذاب كحل الليل في مقلة الفجر
…
وريق الندى قد راق في مبسم الزهر
وأسفرت الكثبان عن رائق الحلي
…
وماست غصون البان في الحلل الخضر
وهي طويلة، ومنه: لما قرفت من البلاد أردت فوعا.
وكان حسن الشكالة والمحاضرة والمجالسة والمفاكهة وله تاريخ وقفت عليه وفي أوله:" قيل إن أبا بكر يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في النسب في مرّة بن كعب". انتهى.
فأقول: وهذا بلا خلاف بين أهل النسب وأنه ابن عمه لكن المؤرخ صاحب الترجمة من أهل الفوعة. وله ديوان قطعه في حال حياته. وسألت عن سبب ذلك فقال لي: كان الشخص قديما إذا نظم القصيدة ومدح بها أحدا أجرى عليه
وأعطاه الجوائز السنية. وأنا الآن أنظم القصيدة وأرسل معها الخدم [و] العسل وغيره حتى تقبل. ففي حال حياتي أبذل مالي وبعدي يقال ما أكثر ما سأل بقصائده.
وكان يقول: أنا من الخزرج ويكتب ذلك بخطه وينسب إلى تشيع وكان كريم النفس جدا يجود على أصحابه ويفضل عليهم ويحسن إلى الغرباء وحمدت سيرته في ولايته وله المدائح الغرر في رؤساء حلب. ومن ذلك مما امتدح به القاضي الحنفي ابن الشحنة في سنة خمسين لما قدم من القاهرة وأنشد فيها:
صدور أيامنا بك انشرحت
…
وأنفس المكرمات قد سرحت
زهت غصون الهنا بكم طربا
…
وورقها بالسرور قد صدحت
والدهر كم قد شكا تغيره
…
بعدك واليوم حاله صلحت
أشرف عيد نهار مقدمكم
…
فيه العدى بالعيون قد ذبحت
كانت نفوس الأنام قد سكرت
…
غما ودنوت صبحت
وصيرت ذكرك المدام لها
…
فاغتبقت في يداك واصطبحت
اطلعت شمس الفخار مشرقة
…
من بعدما للغروب قد جنحت
من فوق متن السها علاك له
…
نجومه الزاهرات قد سرحت
لو وزنت بالجبال راسية
…
بين البرايا حلومكم رجحت
والخلق لما رأتك بحر ندى
…
فسبحت وهي منه قد سبحت
تحرم نفسا أمت جنابكم
…
لما غدا قلبها لكم مرحت
أبوابكم قبلة الوفود فكم
…
للترب فيها الحياة قد سحت
محب دين الإله أكرم من
…
أكفه بالنوال قد سمحت
من هملت كالغمام راحته
…
وبالعطايا الجسام قد سفحت
من صدره للحفاة ذو رجب
…
به بحار العلوم قد صفحت/ (26 و) م
به جميع الكرام قد ختمت
…
كذاك أسماؤهم به قد افتتحت
كالبدر نور أزهى فلو لمحت
…
بهجة غيهب الدجى لمحت
كم فتية أنا لها كرما
…
ما اقترحته وفوق ما اقترحت
وراض شهابا وهذ بها
…
فما غوت بعدها ولا جمحت
قالوا لقد أصبحت سجيته
…
خير السجايا فقلت ما برحت
وكم إلى محن العلى سمت
…
نفوس قوم وأعين سمحت
سعت إلى نيله عداه فما
…
تمت مساعيهم ولا نجحت
رأيت تحاكي بحاره سفهاء
…
بجهلها في الأنام فافتضحت
لا تستوي في الورى الكرام ومن
…
فعالهم في الأنام قد قبحت
أولاهم الصفح بعد قدرته
…
كذا يكون الكرام إن صفحت
وما على الليث عند وثبته
…
إذا عليه الكلاب قد نبحت
مولاي قاضي القضاة دعوه من
…
مهجته بالخطوب قد حرقت
شطت عليه الأنام واجترأت
…
فنفسه ما الذي قد اجترحت
من كل وجه غدا نقابله
…
ترى وجوه الخطوب قد كلحت
عين بعين الجميل تلمحه
…
فكم له أعين منك لمحت
ونفسه رقها لغيركم
…
ما ملكت في الورى ولا منحت
هي المعالي فلا تخالفها
…
فهي إذا ما اشترتها نصحت
كم معشر صيروا تجارتهم
…
مدح سواك بها فما ربحت
خذها محببة تفوق على
…
أمثالها إذا بمدحك اتشحت
وآية إذا فصاحتها
…
في كبد للحسود قد قدحت
وبحرها من نداك منسرح
…
وكم بكفك الجر سرحت
وهي بحار بالجود زاخرة
…
ما بعدت عن عطاء ولا برحت
وليس بئس الكلام قارنها
…
لولا حباء قد نالها رشحت
فحسن معنى البديع يسنح لي
…
وكم معان بمدحكم سنحت
على القوافي أغار من جزع
…
إذا لئام الورى بها مدحت
لا تهملن مدحي فديت
…
فما إلى سواكم في العالمين بحت
كن عون من حاكها فحالته
…
قد ظهرت في الأنام واتضحت
وكل ذي غيبة أقول له
…
إن الأواني بما حوت نضحت
بقيت ما ماست الغصون وما
…
سرى من الباب نسمة نفخت
وفي يوم الأربعاء ثالث عشر القعدة نزل ابن الزهري بمقام الأنصاري ثم في يوم الخميس لبس تشريفه من المقام على غير جاري العادة ودخل إلى دار العدل ثم جاء إلى الجامع ثم إلى منزله. وفي يوم الأربعاء حادي عشري الشهر زلزلت حلب زلزلة عظيمة وتشقق حيطان كثيرة.
وفي يوم الثلاثاء رابع الحجة توجه المحبي ابن الشحنة إلى القاهرة وألبسه الكافل خلعة وخرج معه للوداع. وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار السبت توفي الشيخ العالم الصالح شرف الدين أبو بكر الأشقر البسطامي الحيشي.
وهذا نشأ تحت كنف الشيخ أبي بكر الحيشي «1» فحصل له الخير. وكان يحبه ويحضه على الاشتغال بالعلم فاشتغل بالنحو والقراءات. أما النحو فقرأه على شهاب الدين ابن زين الدين الموقع قرأ عليه فصول ابن المعطي. وانتهى إليه علم القراءات بعد موت الشيخ عبيد وأقرانه. وحفظ (البهجة) لابن الوردي، وقرأها على الشيخ علاء الدين بن الوردي. وحفظ (منهاج البيضاوي) و (تلخيص المفتاح) ، ودأب.
وكان دينا. ودفن بتربة الشيخ الأطعاني «2» . وكانت جنازته حافلة.