الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وخمسين وثمانمائة
.
في أول المحرم كثر البرد والجليد والثلج وخلت الجوامع من المصابيح لأنها كسرت من الجمد، وجعل عوضها السرج.
ومشى الناس على الفرات العظمى وقيل إن الدجلة أيضا جمدت ويبس شجر الزيتون والتين والرمان والنارنج وبيع ماء الورد في الورق لأنه جمد. وكذلك الخل.
وفي يوم الخميس مستهل صفر عقد مجلس بدار العدل بحضرة الكافل قانباي الحمزاوي والشريف القاضي الشافعي، وأما النحريري المالكي فلم يحضر لأن المجد الحنبلي أرسل يقول له: ثبت عندي أن السلطان عزلك.
وحضرت هذا المجلس بسبب عبد الرحمن بن الطويل وأحضر عبد الرحمن المذكور وادعى عليه عند المجد المشار إليه بمقتضى محضر غير مثبوت وفيه أسماء جماعة من الشهود منهم: أبو بكر بن البويضاتي الشاهد ببا حسيتا، والسيد الآمدي بأنه يلفظ الكفر، فقال: عبد الرحمن بن الطويل لا يحل لك أن تحكم فيّ، وبيني وبينك عداوة وعندي شهود بذلك وهم بمدينة حماة. ثم سّفه على الحنبلي، ورماه بالكافر. فقال الحنبلي: ثبت عندي كفرك. وحكمت بقتلك. فسألني الكافل: ما تقول في هذا الأمر. فقلت مذهبي غير مذهبه. ثم قلت للحنبلي: هذا أمر يكتب عليك به أشهاد يستفتى عليك من مصر والشام. فأمهل (كذا)«1» فقال: نعم يستفتي عليّ فأشار الشافعي بتأخيره إلى السجن حتى يجمع الفقهاء وينظروا في أمره.
فخرجا من دار العدل فعاد الحنبلي إلى الكافل وقال هذا كافر وثبت قتله عندي ولا يساعده مسلم.
فقال الكافل لا آمرك ولا أنهاك. فخرج الحنبلي واجتمع بأثير الدين «1» ابن الشحنة القاضي الحنفي. وذكر ما قال له الكافل فأشار عليه بالتأخير والتمهل، ثم جاء إلى بيته وأحضر عبد الرحمن إلى داره ببا حسيتا، وأمر بخنقه، فخنقه بعض الرسل بحبل ثم جعله في قفص وأطاف به البلد ينادي عليه بالكفر. فرقّ الناس عليه وغسلوه، وكفنوه، وصليّ عليه. وكان عبد الرحمن المذكور مجنونا وسفيها ولا يبالي بما يقول تاركا للصلاة، وله ولد درّسه بعض كتب الفقه، وفي بعض الأيام حثه على القراءة، وخنقه ليقرأ فمات الولد وادعى أنه مات فجأة. فلما اتفق قتل عبد الرحمن جاء المجد إلى القاضي الشافعي لينفذ حكمه فلم يفعل فخرج المجد إلى التنزه، ولم يبال ما فعل. وكان يقول غاب عقلي لما أمرت بقتله. ولم أستفق حتى قتل فعاودني الهم والحزن. فحضر أولاد عم عبد الرحمن من البيرة إلى حلب وطافوا على القضاة وأشراف الناس بالبلد وذكروا أمر عبد الرحمن وأنه قتل مظلوما وتوجه بعضهم إلى السلطان، وكتب الكافل إلى السلطان بصورة الحال. وكتب ابن السفاح إلى الجمالي يوسف ناظر الخاص بأن هذا القتل صدر عن رأي ابن الشحنة وكان كاتب السر إذ ذاك بالقاهرة فلما وصل الخبر إلى السلطان لم يتكلم ابن الشحنة في هذه القضية بنفي أو إثبات فورد ساعي وعلى يده مرسوم شريف بإخراج الحنبلي إلى القلعة حتى يرد القاصد فلما أحسّ الحنبلي بذلك خرج من حلب هاربا طالبا القاهرة. فأحضروه من خان طومان، وأخرج إلى القلعة واعتقل البويضاتي والسيد الآمدي وقال معظم الشهود نحن لم نشهد وهذا غير خطنا وثبت الشيخ أبو بكر بن البويضاتي والسيد الآمدي على شهادتهما. وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر حضر قاصد من الأبواب الشريفة ومعه علاء الدين بن مفلح متوليا لتحرير القضية المتعلقة بابن قاضي عينتاب
عبد الرحمن المذكور، وقتله، وعلى يده توقيع ابن النحريري باستمراره على عادته.
وفي العشر الأول من ربيع الآخر توفي العبد الصالح متولي التركماني الساكن خارج باب بانقوسا وهذا الرجل كان أولا يجمع الناس ويذكر بهم، ويلبسهم الخرقة ثم انقطع عن الناس قاطبة فلزم الصمت وانقطع عن الكلام مع الناس ولازم قراءة القرآن ورأيته يجلس تحت القلعة يقرأ القرآن ولا يتكلم مع أحد وكان لا يأكل اللحم وإن حصل له شيء آثر به أقاربه. وكان عليه الهيبة والوقار. وقال له شخص من أصحابه: ما حالك؟ فقال: كيف حال من فارق حبيبته. ودفن خارج باب القناة.
وفي يوم الخميس ثاني عشر الشهر المذكور عقد مجلس بدار العدل وأحضر سالم وسألوه كيف قتلت ابن قاضي عينتاب. فقال: قتلته بمقتضى المحضر الذي ثبت عليّ فقيل له كيف/ (41 ظ) م سمعت البينة في غير وجهه فقال: مذهبي يجوز أن أسمع البينة في غير الوجه وأحكم في الوجه وانفصل المجلس على ذلك.
وفي سادس عشر ربيع الآخر قدموا بالفيل من القاهرة هدية لصاحب الروم من الأشرف إينال ودخلوا به دار العدل ثم نزلوا به دار الكلتاوي داخل باب القناة وذهب الناس للتفرج عليه وذهبت ونظرته.
وفي يوم الاثنين حادي عشر رجب عقد في مجلس لمجد الدين سالم الحنبلي بدار العدل بالقضاة الأربع بسبب حكم سالم المذكور بقتل عبد الرحمن بن شمس الدين محمد الطويل قاضي عينتاب والده وكان والده طوالا كثير الكلام وعنده جنون وهذيان كثير ولا يبالي بما يقول. وولي قضاء البيرة وعينتاب ولا يعرف شيئا من العلم وولي وظائف بحلب خوفا من شره. وابتنى دارا بحلب ووقفها على قراء فأبطل ولده المذكور بيده، وترك القراء وظائفهم خوفا من شره.
رجع: وكان قد حضر قبل ذلك بيومين ساعي السلطان إلى كافل [حلب] بقتله من غير مراجعة، فأنزلوه من سجن القلعة في الحديد من قدام الشباك فأمر
الكافل قانباي بإدخاله إلى داخل الشباك فقال لهم: من أراد أن يقتلني فليكتب خطه بجواز قتلي، ويعطني خطه حتى أتركه عند أولادي. فأحجم القضاة عن الحكم بقتله.
فأصعدوه إلى القلعة. وكان القائم عليه في ذلك ابن السفاح عمر والشريف محمد الذي في خدمته وأرسل إلى نائب القلعة أن يخنقه في السجن. فقال نائب القلعة قاسم ابن القشاشي: أنا لم يحضر إليّ مرسوم بذلك وهذا لا أستحل قتله. وكذلك الكافل أحجم عن قتله ثم اقتضى رأيهم قتله بسجن حلب، فأنزلوه إلى السجن بعد العصر وأنا شاهدته عند السفاحية والحديد في عنقه وأدخلوه فلما جاء الليل أحضروا الوالي وهو ابن الشارب والمشكالي لقتله. وكان قد حضر قاصد من الكافل يأمرهم بالإمساك عنه فدخلوا إليه في السجن وهو نائم وولده إلى جانبه، فأيقظوه فأحس بالشر. فقال لا توقظوا ولدي. وغطى على وجه ولده بمنديل معه ثم خرجوا من السجن فخنقوه في الليلة المسفر صباحها عن نهار الأربعاء خامس عشر رجب مرة بعد مرة وذلك لإطالة عذابه حتى مات. ثم أخذوه من السجن إلى بيته فغسلوه هناك.
ومن الاتفاقات الغريبة أن السيد السفاحي أحد القائمين عليه كان يجود بنفسه لما مروا بالمجد سالم على باب بيته للسجن، فلما وصل سالم إلى السجن مات السفاحي وأخبر بموته. فقال من عاش بعد عدوه يوما لقد نال المنى.
وفي شوال توفي شيخنا أبو عبد الله محمد بن أبي العباس أحمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي زيد عبد الرحمن اللخمي الغرناطي المالكي «1» بسواحل الشام.
وهذا سمعت عليه المسلسل بالأولية بحلب في تاسع رجب سنة ست وثلاثين ووقف شيخنا أبو الفضل ابن حجر سنده وقرأ.... «2» .... «3» عن التميمي
وابن الستار/ (42 و) م فقال لا يعرف لهما ذكر، ثم إنه قدم منه كتاب إلى حلب في شعبان سنة أربعين أن يشطب على ترجمة أحمد بن يوسف البوني «1» من لسان الميزان فقد تبين لي أنها لا حقيقة وأنه نقلها من خط المقريزي، وأنه تلقاها من الغرياني «2» ترجم السخاوي لمحمد بن أحمد بن خلد اللخمي الأندلسي وهذا صريح برميه بالكذب.
وهذا الغرياني قدم إلى حلب عدة مرات وعمل الميعاد بجامعها واجتمع عليه العام لما ينقله من الأشياء الغريبة كقصة الجن والبن وغير ذلك وكان مهدارا، وادعى في بعض البلاد أنه السفياني وكان ناقص العقل.
وذكر الغرياني المشار إليه أنه وجد في كتاب قديم نسبة الخلفاء العلويين وعقبهم وما تخلف عنهم من ذريتهم رجلا رجلا وامرأة امرأة فكان مما وجدته فيه أن المقريزي التي عرف بها الشيخ العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد بن «3» أبي الحسن بن عبد الصمد بن تميم بن علي ابن عقيل بن المعز معد بن المنصور إسماعيل بن القاسم بن المهدي عبيد الله بن محمد بن جعفر بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم؛ قال الغرياني إنها نسبة إلى جد لهم يعرف بابن (امقريز) من أمراء كتامة وكان له بنت فاتنة الحسن تزوجها رجل من ولد عقيل بن المعز لدين الله يقال له فيما أظن عبد الصمد جد مولانا تقي الدين أبي العباس المشار إليه. انتهى.
والمقريزي: نسبة إلى حارة ببعلبك سكن بها من أجدادي محمد بن قيم فتستر أولاده من بعده بالانتساب إليها خوفا على أنفسهم من القتل كما قيل:
فلو تسأل عن الأيام ما اسمي لما درت
…
وأين مكاني ما عرفن مكاني
قاله المقريزي الشيخ شهاب الدين.
[المقريزي] :
والمقريزي إخباري وترجمته طويلة، وحفظ تاريخا كثيرا، وجمع فيه شيئا كثيرا وصنف فيه كتبا خصوصا تاريخ القاهرة فإنه أحيا معالمها.
توفي بمصر يوم الخميس سادس عشري رمضان سنة خمس وأربعين وثمانمائة.
وهو كما قيل:
ما زال يلهج بالرحيل وأهله
…
حتى أقام «1» بباله الجمال
وكما قيل:
ما زال يلهج بالتاريخ يكتبه
…
حتى رأيناه في التاريخ مكتوبا
وكما قيل:
ما زلت تلهج بالأموات تكتبها
…
حتى رأيتك في الأموات مكتوبا
«2» وكان أولا حنفيا، ثم بعد العشرين من عمره صار شافعيا، وكان محدثا يعمل بالأحاديث الصحيحة حتى قيل إنه على مذهب ابن حزم أ.
وفي يوم الجمعة آخر النهار سادس عشر الحجة قدم قاضي المسلمين حميد الدين
ابن تاج الدين الفرغاني الحنفي قاضي دمشق إلى حلب ونزل بمدرسة تغري ورمش وبات هناك ثم أول النهار «1» انتقل ونزل بالحلاوية الحنفية وكان قد رسم السلطان بخروجه من الشام إلى بغداد ثم ردوه من الطريق فقدم حلب.
وهذا الرجل كان عالما من نسل الإمام يوسف بن «2» الإمام الأعظم أبي حنيفة.
ثم كتب «3» كافل حلب قانباي إلى السلطان يشفع فيه فرد إلى دمشق.
وفي سنة أربع وأربعين وثمانمائة ادعى بمصر على الشيخ شهاب الدين الكوراني أنه سب أباه/ (42 ظ) م وجده فضرب الكوراني على رجليه بسبب ذلك خمسا وسبعين عصى.
والكوراني سكن الروم بعد ذلك وصار له أثرة صالحة ودنيا واسعة وتقدم عند صاحب الروم.