الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسنة النبوية هي المصدر الثاني للتربية الإسلامية، وقد جاءت بأمور موافقة لما جاء في القرآن، فهي تفسر القرآن وتبينه وتفصل ما أجمل فيه وتوضح معناه وتقيد المطلق منه وتخصص العام، وتمس السنة جوهر العملية التربوية وما يجب أن يراعيه المعلم في تدريسه، وهو مبدأ الفروق الفردية بين التلاميذ، فقد نبه الرسول إلى هذا المبدأ حين قال:"أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم"، ويشير النحلاوي إلى فائدتين كبيرتين للسنة في المجال التربوي هما:
"إيضاح المنهج التربوي الإسلامي المتكامل الوارد في القرآن الكريم، وبيان التفاصيل التي لم ترد في القرآن الكريم، واستنباط أسلوب تربوي من حياة الرسول مع أصحابه ومعاملته الأولاد وغرسه الإيمان في النفوس"1.
أما المصدران الثانويان: فهما الإجماع والقياس، ويعرف الإجماع بأنه اتفاق المجتهدين من المسلمين -بعد وفاة الرسول- في أي عصر من العصور على حكم شرعي ديني، ويجب العمل بالإجماع؛ لأنه حجة شرعية، ويفهم ذلك من قوله عز وجل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 2، ويفهم ذلك أيضا من قول الرسول:"لا تجتمع أمتي على ضلالة"3.
أما القياس فيعرف بأنه "إلحاق فرع بأصل لعلة تجمع بينهما"، وهو حجة عند فقهاء المسلمين، وقد يضاف الاستحسان والمصالح المرسلة إلى الإجماع والقياس.
1 النحلاوي، المرجع السابق، ص23-24.
2 النساء: 115.
3 ابن ماجة: ج2، ص1303.
وسائط التربية الإسلامية:
تعني وسائط التربية الإسلامية الوسط الذي يعيش فيه المسلم، حيث يتأثر بعوامل تواجه تفكيره وميوله، وتشكل عاداته وتقاليده التي يمارسها تلقائيا، وهذه العوامل ترسم الملامح الأساسية لتربية الفرد، وأهم هذه الوسائط ما يلي:
1-
البيت:
يعتبر البيت الوسط الأول الذي يتلقف الإنسانَ منذ مولده، فإذا كان هذا البيت صحيا، وخصبا، ومطبقا لشريعة الله، ومهتما بالتغذية الصحية والتغذية الإسلامية للناشئ، ومسيطرا على المصادر الصحيحة التي تتم عن طريقها هذه التغذية، نبت الفرد نباتًا حسنا، واستعد استعدادا طيبا لمواجهة ظروف الحياة المتغيرة صحيا وروحيا، وتمكن من التغلب على مشكلات ومصاعب الحياة. وهنا يبرز دور الأب والأم، فإذا كانا صالحين، وقدوة حسنة، وتعهداه بالرعاية والتوجيه السليم، وغرسا في نفسه المثل العليا والمبادئ الرفيعة والخصال الحميدة وعمل الخير والابتعاد عن الشر واتباع منهج الله، حذا الابن حذوهما، واقتدى بهما، وسلك سلوكا طيبا، وتأصلت في نفسه نوازع الخير.
وإذا أحسن تربية الأخوة والأخوات كانوا مكملين لدور الأب والأم، وواصلوا القيم والآداب التي غرسها الآباء فيهم، وأسهموا إسهاما فعالا في التربية، وكانوا مثالا يحتذى في المروءة والصدق والأمانة وسائر الخلال الطيبة والصفات الكريمة، كل هذا ينعكس على نفس الصغير، وينطبع في ذهنه، فيتأسى بهم ويتحلى بخصالهم الطيبة وأخلاقهم الحميدة.
2-
المدرسة:
في الحياة المعاصرة تعد المدرسة وسطا أكبر من البيت، بعد أن تخفف البيت من وظيفة التربية؛ لانشغال الآباء وبعض الأمهات بالعمل، فألقوا بمعظم المسئولية على المدرسة، وركنوا إليها في إدارة العملية التربوية، فتحملت العبء الأكبر، والتلميذ يقضي سحابة نهاره في المدرسة وسط جمع من الأقران من مختلف البيئات والطبقات، يتباينون في السلوك ويفترقون في الأفكار والآراء، ويختلفون في الطباع والأخلاق، ويخضع
التلميذ في المدرسة لعدد من المؤثرات، لعل أهمها المدرس، ثم إدارة المدرسة، ثم الطلاب والمناهج الدراسية والنشاطات المدرسية، ومما لا شك فيه أن الاختيار السليم للعناصر البشرية التي يتعامل معها طالب من الأهمية بمكان، وعلى قدر صلاحهم وحسن سلوكهم يكون صلاح الطلاب وتميزهم بالخلق القويم.
ويلي المنهج الدراسي اختيار المدرس في الأهمية، حيث إن المنهج أساس العملية التعليمية، ومن ثم يتوقف نجاح العملية التعليمية على مدى كفاءة المنهج وحسن تطبيقه، ولما كانت المدرسة تولي العملية التعليمية اهتماما أكبر من العملية التربوية، حيث يقاس مستوى المدرسة بمقياس التحصيل العلمي للتلاميذ، فلا مناص من الاعتماد الأساسي على البيت كمصدر للتربية الأصلية بالإضافة إلى الوسائط الأخرى.
3-
المسجد:
يتمتع المسجد بمنزلة كبرى في تاريخ الإسلام، وفي الحياة الإسلامية بوجه عام، فمهمة المسجد تحقيق رسالة الإسلام الكبرى، وهي عبادة الله عز وجل بمعناها الشامل، فالمسجد يعد المدرسة الأولى في الإسلام.
وقد ازدهر دور المسجد في مهد الدعوة الإسلامية، وفي عهد الخلفاء الراشدين، ثم أخذ دوره يتضاءل تدريجيا، حتى أصبح الآن مكانا للعبادة فقط، وعلى الرغم من ذلك فطالما يجد المسلم فيه فرصة تربية النفس، والتأسي بالأخلاق الفاضلة والآداب وحسن السلوك التي يجدها في بعض من يؤمون المسجد، وفي بيت الله يختلط المسلم بفئات مختلفة من البشر، وربما يأنس بهم، ويلتمس عندهم النصح والإرشاد والمشورة وسبيل الهداية.
وفي المسجد يتحاور المسلمون ويتناقشون ويطرحون المشكلات الدينية التي تواجه المسلمين، وهم في كل ذلك يعملون الفكر، ويشحذون القريحة، ويبحثون عن الحلول، فتثرى خبراتهم وتزكو ثقافتهم وتتسع مداركهم، وقد يجدون فيما يسمعون سبيلا إلى تعديل سلوكهم وتغيير نظرتهم إلى الأمور واتباع جادة الصواب.
ويمكن للمسجد أن يعيد سيرته الأولى، وأن يسهم في التربية إسهاما كبيرا إذا ما ارتبط به الطفل في وقت مبكر من سني حياته، وإذا ما كان إمام المسجد ذا ثقافة دينية متميزة وثقافة عامة واسعة، وكان ذا سمعة طيبة وحجة قوية وقدرة كبيرة على الإقناع، حاضر البديهة، رحب الصدر، وإذا ما زود المسجد بمكتبة إسلامية مناسبة تجذب الناس إلى القراءة والاطلاع، وإذا ما أدى المسجد بعض الخدمات المحببة إلى المسلمين، والتي تعود عليهم بالنفع والفائدة، وإذا ما رأى المسلم فيمن يؤمون بالمسجد نماذج طيبة وقدوة حسنة، وإذا ما أعد المسجد إعدادا حسنا من الناحية الإدارية كأن يكون نظيفا، سليم الجدران، ذا سعة مناسبة.
4-
الرفاق والأصدقاء:
يعد الرفاق والأصدقاء وسطا تربويا ذا تأثير قوي وفعال على النشء، فالطفل يؤثر في نظيره، والأنداد يميل بعضهم إلى بعض، وقد تؤثر جماعة في جماعة أخرى، فتتألف الجماعتان وترتبطان ارتباطا وثيقا، وقد يتوافق الأقران في الميول والاتجاهات والرغبات، فيتألفون، وفي الحديث الشريف:"الأرواح جنود مجندة ما توافق منها ائتلف وما تنافر منها اختلف".
وكثيرا ما يختلط الفرد بأكثر من جماعة، فله في المدرسة أصدقاء وفي الحي الذي يقطنه له أصدقاء، وفي النادي له أصدقاء، وقد يكون له أصدقاء من أقاربه ومعارف أسرته، وقد يكون الفرد زاهدا في الأصداقاء ومنطويا على نفسه، فلا يجد إلا أسرته وبعض من يثق بهم، وحتى تكون التربية سليمة والصداقة مفيدة وجب على الأسرة أن تنتقي الصديق الطيب الذي يصاحب ابنها، وأن تلاحظ سلوك أقرانه وتصرفاتهم، حتى تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وتصحح المسار إذا ما بدا انحرافهم عن الطريق السوي، وأن تكون الشريعة الإسلامية الغراء هي الفيصل في كل الموضوعات والمشكلات التي تواجه الأقران، وأن يكون أحد أفراد الأسرة مرشدا وناصحا لهم فيما يصادفهم من مشكلات يتعذر عليهم حلها
بمفردهم، وأن تتاح أمام الأقران فرصة الحوار والمناقشة، وأن تتوافر لمن يتصدى لهما قوة الحجة والقدرة على الإقناع، حتى تكون له الغلبة عليهم بالحجة والدليل.
5-
نادي المسلم الصغير:
يضم النادي المسلمين الصغار ذوي السن المتقارب، هو ينشئهم تنشئة إسلامية تعتمد على حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والمحاضرات التي تناسب عقول الصغار ومداركهم، بالإضافة إلى إقامة الندوات، وإجراء المسابقات الدينية، والقيام ببعض الرحلات والزيارات للمنشآت الدينية والثقافية.
ويوجه النادي اهتمامه الأكبر إلى إعداد النشء إعدادا دينيا ودنيويا وتوجيه الأفراد إلى ما فيه سعادتهم وخيرهم في الدنيا والأخرة.
ولا شك أن نادي المسلم الصغير وسط مهم ينمي في الطفل الإحساس بقيمة الدين الكبيرة وأهميته الفائقة في حياته، ويربي فيه الغيرة على الدين، واتباع السنن القويم والسلوك السليم.
6-
وسائل الإعلام:
لا ريب أن للإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل خلق الإنسان منذ أن وجد على الأرض واختلف تأثيره باختلاف وسائله وطرائقه، وفي الزمن الحاضر ازداد تأثير الإعلام لتعدد وسائله، وللإعلام دور فعال في تربية الأفراد بوجه عام والصغار بوجه خاص. والعلاقة بين الإعلام والتربية علاقة قوية متبادلة؛ لذا يجب حسن استغلال وسائل الإعلام في غرس السلوك السوي والأخلاق الفاضلة، ويزداد تأثير وسائل الإعلام على النشء بصفة خاصة؛ لأنها حين تركز على أحد الجوانب ينطبع ويترسخ هذا الجانب في عقول الصغار بحيث يصعب انتزاعه من أذهانهم في المستقبل، وتتنوع وسائل الإعلام لتشمل الإعلام المكتوب كالصحف والمجلات، والإعلام المسموع كالإذاعة، والإعلام المرئي مثل التلفاز والسينما.
وخلاصة القول: إن البيت هو الأساس في عملية التربية، وإن البيت هو المصدر الأساسي لإمداد الطفل بالقيم وتزويده بالصفات الحميدة، كما أن المدرسة ذات دور مؤثر وفعال في التربية، حيث إن التلميذ يعايش مدرسيه وأقرانه فترة طويلة، كذلك يجب مراجعة المناهج الدراسية بين الحين والحين، والسيطرة على النشاطات المدرسية بالقدر الذي يحقق الهدف من التربية، وتعويد الطفل على الارتباط بالمسجد، وتشجيع الأفراد على حفظ القرآن أو ما يتيسر منه، كما لا يغيب عنا أهمية التزام وسائل الإعلام بالإطار العام الذي حدده الإسلام، والحفاظ على القيم والمبادئ الإسلامية1.
1 إبراهيم محمد عطا: طرق تدريس التربية الإسلامية، ط2، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1996، ص78-85.