الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف منهج التربية الإسلامية بأنه "مجموع الخبرات والمعارف والمهارات التي تقدمها مؤسسة تربوية إسلامية إلى المتعلمين فيها، بقصد تنميتهم تنمية شاملة متكاملة: جسميا وعقليا ووجدانيا، وتعديل سلوكهم في الاتجاه الذي يمكنهم من عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله وشريعته"1. ويهتدي المنهج الإسلامي بكل ما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف في تربية وتكوين الإنسان المؤمن، وهو يقوم على فلسفة واقعية متكاملة ومتوازنة وشاملة لكل جوانب الحياة، تدعو إلى المشاركة بالرأي وجدال الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعمل على تنمية طاقات وقدرات الإنسان مع مراعاة استعداد وقابلية وميول الفرد المتعلم.
1 علي أحمد مدكور، منهج التربية الإسلامية، ص78.
أسس منهج التربية الإسلامية:
يقوم منهج التربية الإسلامية على أربعة أسس جوهرية هي: الأساس النفسي، والأساس الاجتماعي، والأساس الفلسفي، والأساس المعرفي.
ويعتبر الأساس النفسي ركيزة أساسية في بناء المنهج الإسلامي، ومنهج التربية الإسلامية يربي النفس البشرية؛ ليكون الإنسان عبدا صالحا قادرا على بناء المجتمع الإسلامي المتكامل، ويتناول الأساس النفسي لمنهج التربية الإسلامية الإنسانَ، واستعدادت المتعلمين، والفروق الفردية بينهم، وميولهم.
الإنسان هو أفضل مخلوقات الله في الوجود، والنفس في القرآن هي محرك الإنسان نحو تحقيق أهدافه. وقد فطر الإنسان على الإيمان بوحدانية الله وألوهيته، ولا يفسد فطرته الإنسانية إلا عامل خارجي عنها، وأن طبيعته الإنسانية طبيعة مزدوجة، فقد خلق الإنسان من مادة وروح باستعدادات متساوية للخير والشر، وأودع الله فيه قدرات يمكنها
توجيهه إلى الخير وإلى الشر، كما أودع سبحانه فيه كل وسائل التمييز والتدبر ووهبه قوى واعية مدركة وموجهة، وهي التي يناط بها التبعة، وبالتالي فإن تبعة أعمال الإنسان ومسئولياته تقع عليه وحده، كذلك فقد خلق الله الإنسان بقدرة واعية كامنة فيه، قادرة على الاختيار الحر، فحرية الاختيار الممنوحة من الله في إطار مشيئته تجعل الإنسان مسئولا عن نتيجة أعماله.
ويولي المنهج القرآني اهتماما كبيرا بالنفس البشرية حيث يقول المولى جل شأنه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} 1، {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} 2.
وقد اهتم الحديث الشريف أيضا بالنفس البشرية، ويتضح ذلك في كثير من المواقف الإصلاحية والتربوية للرسول الكريم في معالجة الطبائع البشرية، وعلى سبيل المثال نذكر هذا الحديث الذي رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"3.
ويحتفل المنهج الإسلامي باستعدادات المتعلمين، ويراعي الفروق الفردية بينهم حتى لا يرهق المتعلم بأشياء يصعب عليه فهمها وأداؤها؛ لأنها فوق إدراكه ولا تتفق مع استعداده، والرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على أن نكلم الناس على قدر عقولهم، وتتجلى مراعاة المنهج الإسلامي للفروق الفردية
1 الطارق: 5.
2 الذاريات: 21.
3 صحيح البخاري، كتاب النكاح، الجزء السابع، ص20.
بين الأفراد في وضعه حدا أدنى من الفروض الإسلامية والواجبات التي يجب أن يتبعها كل الناس، ثم وضع بعد ذلك سلما من التدرج لمن يريد علو المنزلة، ومن مآثر المنهج الإسلامي مراعاته لقدرات الفرد المتعلم حتى يفهم ويستوعب ما يلقى عليه من معلومات {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} 1.
ومن نافلة القول: إن طلاب العلم ليسوا على مستوى واحد من القدرات العقلية، كما إنهم يختلفون في الصفات النفسية، ويتباينون في الصفات الجسمية، وأهمها السمع والبصر، وقد خلق الله كل إنسان مختلفا عن غيره في كل تلك الصفات؛ لذلك فقد حرص المربون المسلمون على مراعاة استعداد المتعلم عند وضع المناهج الإسلامية، فيقدم المعلم للطالب ما يتناسب مع استعداده.
ومراعاة الفروق الفردية بين الطلاب يمكن أن تكون في مجالات الكتب المدرسية، وفي طرائق التدريس، وفي النشاطات والتقويم، فيجب أن تتميز الكتب المدرسية بتنويع المعلومات وتدرجها والاهتمام بطرائق عرضها والإكثار من وسائل الإيضاح وبتنويع الأسئلة والتمارين بشكل متدرج يراعي المستويات المختلفة.
كذلك يجب تنويع طرائق التدريس باستخدام المحاضرة والإلقاء والحوار والمناقشة والقصة والممارسة العملية وحل المشكلات، كما يجب أن تتنوع النشاطات؛ لكي تتناسب مع القدرات والاهتمامات المختلفة، حتى يتاح للطالب أكبر قدر من الخبرات لاكتساب المعلومات والمهارات. أما التقويم فيجب أن يتسع ليشمل التقويم التحريري، والشفوي، والعملي، كما يجب أن تتنوع الأسئلة لتحوي الأسئلة المقالية والأسئلة الموضوعية بأشكالها المتعددة.
ومن ميزات المنهج الإسلامي الجيد مراعاة ميول المتعلمين، إذ يجب أن يتيح المنهج للمتعلم فرصة التطبيق العملي كأن يتوضأ ويصلي
1 البقرة: 286.
ويمارس بعض النشاطات المدرسية، والمتعلم يميل إلى القصص والحكايات التي تشبع تطلعه إلى عالم آخر يختلف عن عالمه، وهذا يقتضي أن يختار القصص الهادف لتصحيح العقيدة وتقويم الأخلاق وتهذيب النفس وتصويب السلوك الخاطئ، كما أن المتعلم يميل إلى كثرة الأسئلة عما يدور حوله من ظواهر في بيئته، والمنهج مطالب بأن يقدم له تفسيرا مقنعا لهذه الظواهر بما يوفره من فرص مواتية لتوجيه الأسئلة وتلقي الإجابة عنها. ولما كان المتعلم يميل إلى كل جديد لإشباع حاجة حب الاطلاع لديه، وجب على المنهج إتاحة الفرصة لذلك بتنظيم الرحلات والزيارات والمقابلات.
الأساس الاجتماعي عنصر جوهري في بناء المنهج الإسلامي، فالعوامل الاجتماعية ذات تأثير كبير على المتعلم وعلى عملية التعليم وعلى المؤسسات التربوية بما تضم من قوى بشرية، وحيث إن التربية تتأثر بالتغييرات الاجتماعية، فقد أصبح إيجاد التوازن بين حاجات الأفراد وحاجات المجتمع إحدى المشكلات الكبيرة، التي يواجهها واضعو المناهج.
وقد راعى المنهج الإسلامي هذا التوازن، فبالنسبة لحاجات الأفراد عني المنهج بإشباع حاجات الفرد العضوية والنفسية والاجتماعية والعقلية، ويهدف الإسلام من إشباع الحاجات العضوية إلى إمداد الفرد بالقوة والمتعة اللتين تحققان له التوازن وتساعدانه على عبادة الله.
والمنهج يرشد المتعلم إلى الطرق الصحيحة لإشباع هذه الحاجات، كما أولى المنهج الإسلامي اهتماما عظيما بالحاجات النفسية والوجدانية، فحاجة الإنسان إلى الإيمان بوحدانية الله وألوهيته حاجة فطرية في النفس الإنسانية فطر الله الناس عليها، والمؤمن الصادق لا يخشى إلا الله، ومن هنا يتحقق الأمن النفسي الذي هو حاجة أساسية لعطاء الإنسان وإسهامه في عمارة الأرض وترقيتها، كذلك يحث المنهج الإسلامي على المحبة والإخاء بين المسلمين، ويؤدي إشباع الحاجة إلى الحب إلى تحقيق المودة والتعاون، وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام المجتمع المسلم
هناك على أساس الإخاء والمحبة، وكان أول ما فعله الرسول هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
كما ركز الإسلام على إيجاد المجتمع المسلم من خلال الاهتمام ببناء الإنسان وتربيته وفق القيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة حتى تتحقق الأخوة الإسلامية. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 1، وفي الحديث الشريف:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"2. ولكي يشبع المنهج الإسلامي الحاجات العقلية للفرد فإنه يجب أن يوفر له فرصة تلقي إجابات عن أسئلته والتوصل إلى حلول للمشكلات الفكرية التي تواجهه.
أما بالنسبة لحاجات المجتمع ومشكلاته فقد حرص المنهج الإسلامي على تنظيم هذه الحاجات وحل هذه المشكلات وتنظيم الاقتصاد في المجتمع.
والاقتصاد الإسلامي نظام بالغ السمو ويقوم على أصول ثابتة تكفل الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وتحض المسلمين على السعي في الحياة، وهي تحمي الكسب الحلال، ولا تحد من حرية العمل أو الكسب أو الابتكار في حدود الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية، وما تستوجبه مصالح الجماعة.
والمنهج الإسلامي ملتزم بحل مشكلات المجتمع مثل الزواج والإرث والتجارة، ففي مجال الزواج يتميز الإسلام بمنهجه التربوي الذي يحافظ على سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي والتحلل الاجتماعي، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فليصم، فإن الصوم له وجاء"، وفي القرآن الكريم:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 3.
1 الحجرات: 10.
2 صحيح البخاري، كتاب الإيمان، ج1، ص10.
3 النور: 33.
أما في مجال الميراث، فللإسلام منهج واضح في توزيع الميراث على أفراد العائلة كما جاء في التنزيل العزيز:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1.
وفي مجال التجارة، أطلق الإسلام الحرية للأفراد في التعامل التجاري شريطة أن يتبع التاجر منهج الله في تجارته، وأن يراعي في بيعه أمور الحلال والحرام، وألا يستغل الناس ليحقق ربحا أوفر، كما يحث المنهج الإسلامي التاجر على الامتناع عن الغش في البيع وفي الميزان.
نخلص مما سبق إلى أن المنهج الإسلامي يعنى بحاجات الأفراد، وحاجات المجتمع، كما يعمل على حل مشكلات المجتمع، والتوفيق بين حاجات الفرد وقيم المجتمع.
وفيما يختص بالأساس الفلسفي، فقد أجاب المنهج الإسلامي التربوي عن الأسئلة الكبرى التي تكون الأساس الفلسفي للتربية، وما يتصل بها من قضايا الحياة كلها، وارتباطها بقضايا ما بعد الحياة: من بعث وثواب وعقاب، ومن ميزات المنهج الإسلامي وجود فلسفة واحدة شاملة متكاملة ومتوازنة يمكن ترجمتها إلى سلوكيات فضلا عن إمكان تنميتها في الأفراد، وتهدف هذه الفلسفة إلى سعادة الإنسان والمجتمع كله في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة، ويحدد الأساس الفلسفي للتربية الإسلامية أهدافا عامة للتربية والتعليم يجب أن تحققها المناهج، ثم تنبثق منها الأهداف الخاصة بالمراحل التعليمية المختلفة.
ثم نتناول الأساس المعرفي، حيث إن العلم هو شعار الإسلام الأول، وهو فطرة الله في الإنسان، كما أنه سبيل الإنسان إلى معرفة الله وخشيته، وهو سبيله إلى عمارة الأرض وترقيتها، ويتحقق ذلك
1 النساء: 176، وانظر أيضا الآيات 7، 11، 12.