الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التربية التزام الفرد بالقيم الأخلاقية مثل التعاون والتزاحم والتعاطف التي تعمق التآلف الاجتماعي وتدعم علائق الفرد ببيئته الاجتماعية. وتسهم التربية في "تحليل المشكلات الاجتماعية المعاصرة وتبلور لأجيال الشباب الحلول الفكرية السليمة بأساليب علمية رصينة؛ لتكون انطلاقات الشباب في المجتمع أصلية غير مستوردة، ولا عرضية بل نابعة من التراث، ومتكيفة مع الأحداث على نسق يرضي طموح الشباب، ويضمن لهم هويتهم ولأمتهم شخصيتها، فيكون التغيير الاجتماعي دائمًا نحو الأفضل"1.
وصفوة القول: إن التربية عملية اجتماعية هدفها تحقيق تقدم المجتمع وتغييره إلى الأفضل، كما أنها تسهم إسهامًا فعالًا في بناء المجتمع والمحافظة عليه. ويجب أن تكون التربية ملائمة لروح العصر والمجتمع ومعبرة عن حاجات الأفراد، ومتكيفة مع واقع المجتمع وأسلوب الحياة فيه.
1 إسحاق أحمد فرحان: التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان "الأردن"، 1982، ص13-14.
مفهوم وأسس التربية الإسلامية:
يرى العلماء المسلمون أن التربية الإسلامية فلسفة واضحة مستمدة من القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهي تتعهد الإنسان بدنيًا وعقليًا وروحيًا. وقد كثر الكلام في تعريف التربية الإسلامية، وصال العلماء وجالوا حول مفهومها من منظور الإسلام. فقد عرفها بعضهم بأنها "إعداد الفرد أو الكائن الإنساني لحياته في الدنيا والآخرة"1. وبأنها "تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتي بها الإسلام، والتي ترسم عددًا من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكًا يتفق وعقيدة الإسلام"2. وعرفها البعض الآخر بأنها "الأسلوب الأمثل في التعامل مع الفطرة البشرية توجيهًا مباشرًا بالكلمة، وغير مباشر بالقدوة، وفق منهج خاص
1 أنور الجندي: التربية وبناء الأجيال في الإسلام، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1975، ص153.
2 سعيد إسماعيل علي: أصول التربية الإسلامية، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1987، ص22.
ووسائل خاصة لإحداث تغيير في الإنسان نحو الأفضل والأحسن"1، وبأنها "عملية يؤخذ فيها الناشئون من أبناء الأمة الإسلامية بألوان من الأنشطة الموجهة في ظل القيم والمثاليات والمبادئ الإسلامية؛ لتعديل سلوكهم، وبناء شخصياتهم على النحو الذي يجعل منهم أفرادًا صالحين نافعين لدينهم، وأنفسهم، ووطنهم، وأمتهم الإسلامية، والبشرية كلها"2. وتدور بعض التعاريف الأخرى حول أنها نظام تربوي متكامل، يقوم كل جانب فيه على تعاليم الدين الإسلامي، ومفاهيمه، ومبادئه، ومقاصده.
ويرى مقداد يالجين أن التربية الإسلامية تعني تربية، ورعاية الطفل بطريقة متكاملة، أي بدنيًا وعقليًا وروحيًا في ضوء المبادئ، والطرائق، والنظريات الإسلامية.
ونخلص مما سبق إلى أن التربية الإسلامية منهج كامل للحياة، ونظام متكامل لتربية، ورعاية النشء، وتحرص على الفرد، والمجتمع، وعلى الأخلاق الفاضلة، والقيم المادية والروحية الرفيعة، وتوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة.
وتقوم التربية الإسلامية على أُسس تعبدية وأسس تشريعية. وتتضمن الأُسس الفكرية نظرة الإسلام إلى الإنسان والكون والحياة. والإنسان في نظر الإسلام مخلوق كرمه الله وفضله على سائر مخلوقاته، ووهبه عقلًا يمكنه من السيطرة على ما يحيط به من الكائنات التي سخرها الله لمصلحته ومنعه من أن يذل نفسه لشيء منها. وفي مقابل ذلك حمل الإسلام الإنسان مسئولية كبرى هي تطبيق شريعة الله وتحقيق عبادته، على أن يلقى جزاءه يوم القيامة على ما اختار من خير أو شر.
والكون من مخلوقات الله، خلقه لهدف وغاية. ويطالب الإسلام
1 عبد الحليم محمود: وسائل التربية عند الإخوان المسلمين، دار الوفاء، المنصورة، 1989، ص15.
2 يوسف الحمادي: أساليب تدريس التربية الإسلامية، دار المريخ. الرياض، 1987، ص21.
الإنسان بتأمل وتدبر المخلوقات التي يضمها الكون كي يقبل على عبادة الله وتوحيده. وتتعدد الآثار التربوية لهذه النظرة الإسلامية إلى الكون، ومنها "ارتباط المسلم بخالق الكون، وبالهدف الأسمى من الحياة وهو عبادة الله وتربية الإنسان على الجدية، فالكون كله أقيم على أساس الحق، ووجد لهدف معين وإلى أجل مسمى عند الله"1.
وقد نظر الإسلام إلى الحياة على أنها دار اختبار وامتحان وشعور بالمسئولية. والدنيا ليست غاية الإنسان؛ لأنها متاع مؤقت، ولأنها دار الفناء والملذات. ويحق للمسلم أن يستمتع بالحياة الدنيا وزينتها في حدود الشرع مستهدفًا من وراء كل متعة إرضاء الله، وعليه أن يصبر على بلواء الحياة وبأسائها.
وتمثل العبادات إحدى الركائز الأساسية للتربية الإسلامية. وترتبط العبادات بمعنى واحد هو العبودية لله وحده وتلقي التعاليم من الله وحده في أمر الدنيا والآخرة. فالعبادات تذكير بصلة الإنسان الدائمة بالله، وهي تنظم حياة المسلم من كل جوانبها. والعبادات ذات فوائد تربوية جليلة، فهى تعلمنا الوعي الفكري الدائم الذي يعتمد على إخلاص النية والطاعة لله طبقًا للشريعة الإسلامية.
والعبادات التي يؤديها المسلم مع الجماعة المسلمة تربي المسلم على الارتباط بالجماعة المسلمة ارتباطًا مبنيًا على عاطفة صادقة ووعي مستنير. كما أنها تربي المسلم على المساواة والتعاون والعمل، فالمسلمون متساوون أمام الله، والعبادة تربيهم على العدالة في المعاملة، وتربي عند المسلم قدرًا من الفضائل الثابتة المطلقة2.
وتعني الأسس التشريعية الشريعة الإسلامية -الأساس الثالث
1 عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، دار الفكر، دمشق، 1979، ص37-38.
2 محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، ج1، دار الشروق، بيروت، 1401هـ، 1981م، ص39-40.
للتربية الإسلامية- وهي تتسع لبيان العقيدة والعبادة وتنظيم الحياة وتحديد وتنظيم العلائق الإنسانية، فالشريعة الإسلامية لها أساس فكري يشمل كل التصورات الفكرية عن الكون والحياة والإنسان، وهي تنظم علاقة المسلم بالكون، وتربى المسلم على اتباع التفكير المنطقي عن طريق استنباط الأحكام وحسن الاستدلال، والشريعة الإسلامية توسع الآفاق الفكرية وتثقف العقل البشري وتحض على طلب العلم.
وبفضل الخصائص الفكرية للشريعة الإسلامية يتربى عقل المسلم على النظرة الكلية الشاملة للكون ولجميع جوانب الدنيا والآخرة.
وبالإضافة إلى الجانب التربوي للشريعة الإسلامية، فإنها تتميز بجانب تطبيقي يشمل جميع جوانب الحياة، فالشريعة تمثل ضابطًا خلقيًا للفرد إذا تمكنت من نفسه ووجدانه، "والضابط الخلقي هنا غير الوازع التربوي الديني، فالوازع يبعدك عن موضوع المحرمات بالكلية، ولكن الضابط هو الذي يقول لك بدقة: هذه حدود المحرمات في البيوع، فلا تقترب منها"1.
ويبرز الضابط الاجتماعي للشريعة الإسلامية، حيث يدافع المجتمع المسلم عن كيانه الديني، ويقف موقفًا صلبًا من المجاهرة باقتراف المحرمات، إذ نظمت الشريعة الإسلامية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وتتبع الشريعة الإسلامية ثلاثة أساليب في تربية المسلمين: أسلوب تربوي نفسي مصدره النفس وضابطه الخوف من الله ومحبته وتطبيق شريعته، وأسلوب ثانٍ يقوم على التناصح الاجتماعي والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وأسلوب ثالث يتمثل في وازع الدولة المسلمة التي تنفذ أحكام الشريعة فينعم الناس بالعدل والأمن2.
1 النحلاوي، ص16.
2 نفس المصدر، ص63.