المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: الإعداد الروحي والخلقي لمعلم التربية الإسلامية - التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها

[عاطف السيد]

فهرس الكتاب

- ‌المحتوى:

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأول: أصول التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌مفهوم وأسس التربية الإسلامية:

- ‌أهداف التربية الإسلامية:

- ‌خصائص التربية الإسلامية

- ‌الخصائص المتصلة بفلسفة التربية الإسلامية

- ‌ الخصائص المتصلة بمحتوى التربية الإسلامية:

- ‌مصادر التربية الإسلامية:

- ‌وسائط التربية الإسلامية:

- ‌الفصل الثاني: منهج التربية الإسلامية

- ‌طبيعة ومفهوم منهج التربية الإسلامية:

- ‌أسس منهج التربية الإسلامية:

- ‌خصائص المنهج الإسلامي:

- ‌أهداف وأقسام ومحتوى منهج التربية الإسلامية:

- ‌الفصل الثالث: أساليب التربية الإسلامية

- ‌التربية بالقدوة

- ‌ التربية بالعبرة والموعظة:

- ‌ التربية بالترغيب والترهيب:

- ‌ التربية بتكوين العادات الحسنة:

- ‌ التربية باستغلال الأحداث:

- ‌ التربية بضرب الأمثال:

- ‌ التربية باستخدام القصة:

- ‌ التربية عن طريق حل المشكلات:

- ‌ التربية بتفريغ الطاقة وشغل أوقات الفراغ بما ينفع:

- ‌ التربية بالممارسة العملية:

- ‌الفصل الرابع: طرق تدريس التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌خصائص أساليب التربية الإسلامية وطرق التدريس

- ‌التدرج في التعليم

- ‌ مراعاة خصائص الموقف التعليمي:

- ‌ الإيجابية واشتراك المتعلم في الموقف التعليمي:

- ‌طرق وخطوات تدريس أفرع التربية الإسلامية:

- ‌مدخل

- ‌ تدريس القرآن الكريم:

- ‌ تدريس التفسير:

- ‌ تدريس الحديث النبوي:

- ‌ تدريس العقيدة:

- ‌ تدريس العبادات:

- ‌ تدريس المعاملات:

- ‌ تدريس التهذيب:

- ‌ تدريس السير:

- ‌ تدريس البحوث:

- ‌الفصل الخامس: الوسائل التعليمية

- ‌أنواع وخصائص الوسائل التعليمية

- ‌فوائد الوسائل التعليمية:

- ‌الوسائل التعليمية واستخدامها في تدريس التربية الإسلامية:

- ‌ السبورة ولوحات العرض:

- ‌ الشرائح وأجهزة العرض:

- ‌ الصور الثابتة:

- ‌ الأفلام المتحركة:

- ‌ التلفاز:

- ‌تطوير الوسائل التعليمية:

- ‌استخدام الوسائل التعليمية في تدريس الأفرع الرئيسية للتربية الإسلامية:

- ‌الفصل السادس: طرق وأساليب التقويم والنشاطات التربوية

- ‌مفهوم وطبيعة التقويم:

- ‌أنواع التقويم

- ‌مدخل

- ‌الاختبارات الشفوية:

- ‌إعداد الاختبارات التحصيلية

- ‌القيمة التربوية للتقويم:

- ‌التقويم ومنهج التربية الإسلامية:

- ‌متطلبات التقويم:

- ‌النشاطات التربوية:

- ‌الخلاصة:

- ‌الفصل السابع: إعدد معلم التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌صفات معلم التربية الإسلامية ومقومات نجاحه:

- ‌إعداد معلم التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌أولا: الإعداد الروحي والخلقي لمعلم التربية الإسلامية

- ‌ثانيًا: الإعداد الثقافي والأكاديمي والتربوي لمعلم التربية الإسلامية

- ‌ثالثًا: الكفايات التي يحتاج إليها معلم التربية الإسلامية

- ‌رابعًا: أبرز المهارات التي يحتاج إليها معلم التربية الإسلامية:

- ‌خامسا: بعض كفاءات التدريس اللازمة لمعلم التربية الإسلامية

- ‌سادسًا: دور معلم التربية الإسلامية في تحقيق أهداف التربية الإسلامية

- ‌خاتمة:

- ‌المصادر والمراجع:

الفصل: ‌أولا: الإعداد الروحي والخلقي لمعلم التربية الإسلامية

‌أولا: الإعداد الروحي والخلقي لمعلم التربية الإسلامية

1-

التربية الروحية والخلقية لمعلم التربية الإسلامية:

تقوم التربية في الإسلام على عقد الصلة بين الإنسان وخالقه، وهذه الصلة تمثل الجانب الروحي في الإنسان، وهي التي تسمو به إلى كريم السجايا وغر الخلال ونبالة الطبع وحميد الأخلاق، وتعتبر التربية الروحية الحلقة الأساسية في سلسلة التربية الإسلامية التي تبدأ بمعرفة الله عز وجل وصولا إلى طاعته وتقواه. فالتربية الروحية تعني "زيادة الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتقرب إليه ومحبته وخشيته والتعرف عليه بآلائه وفضله، والطمع في رحمته والخوف من عقابه والإيمان بكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره"1.

والخلق الحسن منبعه العقيدة الصافية، وما الأخلاق إلا الجانب التطبيقي للعقيدة الإسلامية، ولا تقل أهمية الأخلاق الفاضلة في حياة الإنسان عن أهمية العقيدة الإسلامية الصافية. والالتزام بالأخلاق الفاضلة هو السبيل إلى تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى وهي غاية الوجود الإنساني. وقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية داعية إلى الأخلاق الحميدة التي أساسها المحبة، فالعبادات جميعا ما هي إلا رياضة لترويض النفس على الخلق الحسن. وغاية الخلق القويم الصلة بالذات الإلهية العليا وبناء حياة الفرد والمجتمع والحضارة الإنسانية الراقية.

وفي المفهوم الإسلامي لا قيمة لأي عمل مهما عظم إن لم يتحقق فيه شرطان هما: الإخلاص والمتابعة وهما من سمات الخلق الحسن. وتكمن أهمية التربية الخلقية في الإسلام في سعيها إلى تكوين خير فرد وخير مجتمع وخير حضارة.

1 محمد جميل بن علي خياط: الإعداد الروحي والخلقي للمعلم، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية: 1994، ص60.

ص: 134

قال جل شأنه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .

وليس بخاف عنا ضرورة الاهتمام بالتربية الروحية لمعلمي المستقبل حتى يدركوا مسئولياتهم ويحبوا مهنتم ويقبلوا عليها بإخلاص وتتولد لديهم دوافع جديدة نابعة من دينهم الإسلامي الحنيف كالدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وإعلاء كلمته. والتربية الروحية لمعلمي المستقبل تتصدى للمذاهب والأفكار الهدامة والبدع والصراعات المذهبية والطائفية التي تسود بين الطلاب، فهي تنمي في نفس المعلم مجموعة من المبادئ السامية والقيم الرفيعة كالعدل والإيثار على النفس والصبر والعطف على الضعيف والتواضع لله وبذل المال والنفس في سبيله. والإيمان أساس الأخلاق الحميدة التي هي أساس العلم الصحيح، الذي هو أساس العمل الصالح. وتلتقي أركان الإسلام الخمسة عند الغاية التي بعث بها الرسول حيث قال:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وتؤثر العقيدة القوية في نفس صاحبها فتدفعه إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولا شك أن الروح قوة عظيمة في الإنسان يستدل بها على خالفه عز وجل وبها يميل إلى التمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية، "والطاقة الروحية في الإنسان هي أكبر طاقة، وأعظمها وأشدها اتصالا بحقائق الوجود، فطاقة الجسم محدودة بكيانها المادي وما تدركه الحواس، وطاقة العقل أكثر طلاقة، ولكنها محدودة بما يعقل، محدودة بالزمان والمكان، بالبدء والنهاية ومحكوما بالفناء. وطاقة الروح وحدها هي التي لا تعرف الحدود والقيود. لا تعرف الزمان والمكان"1.

وتحكم أخلاق الإنسان عليه بصلاحه أو فساده، قال سبحانه وتعالى:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} 2.

1 محمد قطب: منهج التربية الإسلامية. مرجع سابق، ص47.

2 النازعات: 37-41.

ص: 135

وتعنى التربية الإسلامية بغرس الأخلاق الحميدة في الإنسان، وهي تضع مبادئ وقواعد مستنبطة أساسا من القرآن الكريم والسنة الشريفة لتنظيم السلوك الإنساني على نحو يحقق الغاية من وجود الإنسان.

والأخلاق في التربية الإسلامية ذات طابعين: طابع إلهي وطابع إنساني، ويقصد بالطابع الإلهي أنها من عند الله ويراد بها وجه الله. فينبغي أن يلتزم الإنسان بما جاء من عند الله ويطبقه في حياته إذا أراد الصلاح في الدنيا والفلاح والنجاة في الآخرة. والتربية الإسلامية ذات طابع إنساني؛ إذ إنها تضع القواعد العامة لهذا النظام الأخلاقي وتترك للإنسان الحرية في تحديد أسلوب وطريقة التطبيق بحسب الظروف ومتطلبات الحياة. ومن هنا يتضح لنا أن الأخلاق في الإسلام "تعني التمسك بالخير والبعد عن الشر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والالتزام بكل ما هو فضيلة والابتعاد عن كل ما هو رذيلة لتحقيق الهدف الأسمى وهو عبادة الله سبحانه وتعالى"1.

إن صاحب الخلق الحسن هو الذي يبذل ماله وجهده ووقته ونصيحته ومحبته لأخيه المسلم ابتغاء وجه الله لا يريد بذلك جزاء ولا شكرا؛ امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"2.

وصاحب الخلق الرفيع هو الذي يكف عن أخيه جميع أنواع الأذى فلا يغتابه في غيبته ولا يؤذيه في حضرته، مقتديا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"المسلم من سلم الناس من لسانه ويده". وهو الذي يلقى أخاه بوجه باسم مستبشر مغتبطا برؤيته، متأسيا بقول الرسول الكريم:"تبسمك في وجه أخيك صدقة". فالأخلاق ليست نظريات ومثل عليا فحسب، بل فيها جانب التطبيق أيضًا، فالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حث أمته على مراعاة الخلق الحسن في كل عمل فقال:"ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق"3.

1 محمد قطب، المرجع السابق: ص76.

2 البخاري: كتاب الإيمان، ج1، ص57.

3 صحيح البخاري: كتاب الأدب للفرد، ص81.

ص: 136

2-

أثر التربية الروحية والخلقية في العملية التعليمية:

1-

في طريقة التدريس:

إن قيمة الإنسان الحقيقية تتجلى في إيمانه وأخلاقه وسلوكه لا في مظهره أو ماله أو جاهه كما ورد في الحديث الشريف: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

ولكي ينال الإنسان رضا الله ويحقق النجاح عليه أن يتمسك بالأخلاق الفاضلة ويتحلى بالإيمان الصحيح. ويصبح الإيمان الصحيح والأخلاق الحميدة ضرورة لكل من يتقلد مسئولية التعليم والتربية حيث يناط به تربية وتعليم الأجيال.

تعتبر طرق التدريس أحد مكونات المنهج مما يستوجب العناية بها وتطويرها بما يحقق الأهداف التعليمية. والإسلام أحرز قصب السبق على غيره في هذا المجال. فالقرآن الكريم غني بأساليب التعليم المختلفة كالترغيب والترهيب وضرب الأمثال والقصص القرآني، كما أن السنة الشريفة مرجع للمعلمين. يستمدون منها مختلف الطرق والأساليب في التعليم. وكان الرسول عليه السلام يتدرج مع أصحابه في التعليم مع مراعاة اختلاف المستويات العلمية والفروق الفردية واختيار الوقت المناسب والموقف المناسب، كذلك عدم الإكثار عليهم حتى لا يملوا. وقد جاء في الحديث الشريف:"من حدث قوما بحديث لم تبلغه عقولهم فقد فتنهم" 1، وروي عنه صلى الله عليه وسلم:"نحن معشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونخاطبهم على قدر عقولهم".

ومن هنا يتضح أن أسلوب المعاملة والألفاظ التي يستخدمها المعلم تؤثر تأثيرًا كبيرا في تعليم الأفراد. ولقد أهتم المربون الأوائل بالمعلم وأسلوبه وأثره في التعليم، وكتبوا كثيرا عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المعلم والمتعلم. وكتب ابن جماعة2 كثيرا عن أثر الأخلاق في طريقة التعليم "فحث المعلم على استخدام الترغيب كأسلوب من أساليب التدريب

1 الزبيدي: إتحاف المتقين، ج2، ص67.

2 هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة "639-733هـ"، أورد الكثير من الآراء التربوية في كتابة تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم.

ص: 137

الجيد فيرغب طلابه في طلب العلم في جميع الأوقات ويذكرهم بفضل العلم وما أعده الله سبحانه وتعالى من مكانة للمتعلمين وأنهم ورثه الأنبياء"1. ومن الآراء الصائبه لابن جماعة مطالبته المعلم بما يلي:

"أن يراقب أحوال الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم باطنا وظاهرا فمن صدر منه من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم أو مكروه أو مما يؤدي إلى فساد حال أو ترك أشغال أو إساءة أدب في حق الشيخ أو كثرة الكلام بغير توجيه أو فائدة أو حرص على كثرة الكلام أو معاشرة من لا تليق عشرته أو غير ذلك

يحرض الشيخ بالنهي عن ذلك بحضور من صدر منه غير معرض به ولا مهين له. فإن لم ينته نهاه سرا ويكتفي بالإشارة مع من يكتفي بها فإن لم ينته نهاه عن ذلك جهرا ويغلظ القول عليه إن اقتضاه الحال ليزجر هو وغيره فإن لم ينته فلا بأس حينئذ بطرده والإعراض عنه إلى أن يرجع"2.

2-

في العلاقة بين المعلم والمتعلمين:

لا شك أن للتربية الروحية والخلقية تأثيرا كبيرا على علاقة المعلم بالمتعلم من حيث قوة وعمق هذه العلاقة مما يساعد على التفاعل الإيجابي بين المعلم والمتعلم، وهذا ينعكس بقوة على العملية التعليمية ويسهم إسهاما بناء في إنجاحها.

إن أفضل نموذج للعلاقة الحسنة بين المعلم والمتعلم والأثر الحميد الناتج عنها هو: قدوة المعلم محمد صلى الله عليه وسلم وما تركه من أثر عظيم في الصحابة التقاة فكان منهم العلماء والأجلاء والمجاهدون الأشاوس والمنفقون الأسخياء. جيل لم يشهد العالم مثله فاستحق أن يصفه الله بقوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} 3 وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم الأول قد أعده ورباه الله عز وجل، الذي بين لنا منهج هذا الإعداد

1 محمد جميل خياط، المرجع السابق ص87.

2 نقلا عن محمد جميل خياط. نفس المرجع، ص88.

3 الأحزاب: 23.

ص: 138

في القرآن الكريم وسنة رسوله الكريم. فإذا التزم المربون بالمنهج الإسلامي المستمد من القرآن والسنة في إعداد المعلمين روحيا وخلقيا نشأت علاقة طيبة بينهم وبين طلابهم، أساسها المحبة المتبادلة والاحترام والنصح. فليس المعلم في مفهوم التربية الإسلامية ناقلا للمعرفة فحسب بل هو أب ومرشد ومعلم وقدوة. ومن ثم فإن العلاقة بين المعلم والمتعلم لا تنحصر في إطار المادة العلمية الضيق، إنما تتجاوزه إلى إطار العلاقة الاجتماعية والتعاون في جميع مجالات الحياة بالإضافة إلى العلاقة العلمية.

إن المعلم الذي تم إعداده روحيا وخلقيا يعد ويدرب طلابه لمواجهة متطلبات ومشكلات الحياة الدنيا كما يعدهم ويدربهم للحياة الآخرة أيضا. إن هذا المعلم يبارك الله في تعليمه ويستفيد منه طلابه علما وأدبا وتطبيقا كما يحملون له الاحترام والتبجيل والتقدير وأسمى آيات المحبة. إن التربية الروحية والخلقية تدفع كلا من المعلم والطالب إلى مراعاة حقوق الآخر طبقا لما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة.

3-

وسائل وأساليب الإعداد الروحي لمعلم المستقبل:

يرى محمد قطب أن خير وسيلة للتربية الروحية هي عقد الصلة الدائمة بين العبد وربه، وقد أجمل وسائل تنمية تلك الصلة في ثلاث نقاط:"بيان قدرة الله المبدعة في هذا الكون، بيان رقابة الله واطلاعه الدائم على الإنسان وإثارة التقوى والخشية الدائمة لله ومراقبته في كل عمل وفكرة وشعور"1.

ويمكن تحقيق التربية الروحية من خلال مجالين هما: مجال العقيدة ومجال العبادة.

1-

مجال العقيدة:

يجب تدريب الدراسين على العبودية المطلقة لله عز وجل مما يؤدي إلى زيادة الإيمان به سبحانه وتعالى. وخير وسيلة لذلك هي الربط بين المعالم الكونية وخالقها من خلال المناهج التربوية. وهذا غائب في مناهجنا

1 محمد قطب، منهج التربية الإسلامية: ج1. ص42-44.

ص: 139

التعليمية في الوقت الحاضر، لذا يتطلب الأمر أن تهتم المناهج التعليمية في مؤسسات إعداد المعلمين بالتركيز على بيان قدرة الله على كل شيء وإحاطته بكل شيء علما.

وذلك باتباع الوسائل التالية:

1-

إثارة حساسية العقل للتفكير في آيات الله في الكون ليشعر بعظمة الله وليتيقن من قدرته المطلقة {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} 1.

2-

إثارة حساسية القلب ليشعر برقابة الله الدائمة في السر والعلن {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} 2.

3-

إثارة القلب لتقوى الله وخشيته {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 3 كذلك إثارة القلب للخوف من عذاب الله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} 4.

4-

التذكير بالموت والبعث والحساب: قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} 5 ثم إثارة الطمأنينة في النفوس وحثها على العودة إلى الله غافر الذنوب: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 6.

5-

بيان مأثر القرآن العظيم والحث على مداومة تلاوته. يقول عز وجل: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} 7.

1 يونس: 101.

2 غافر: 19.

3 آل عمران: 133-134.

4 البقرة: 281.

5 المؤمنون: 115.

6 الزمر: 53.

7 البقرة: 121.

ص: 140

2-

مجال العبادة:

العبادة هي الجانب التطبيقي من العقيدة والعبادة، كما عرفها ابن تيمية اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الباطنة والظاهرة. وكل عمل يقوم به الإنسان ابتغاء وجه الله عبادة. وينبغي ترسيخ المفهوم العام الواسع للعبادة في عقول الدارسين، وحثهم على ممارسة تلك العبادة في حياتهم اليومية ومحاسبة كل من يقصر أو يشذ عنها. كما يجب التركيز على العبادات في منهج التربية الإسلامية وتشجيع الطلاب على ممارستها وحضهم على التمسك بها في حياتهم اليومية حتى تعمر نفوسهم بالحب والخير وبالرحمة والشفقة على سائر المخلوقات. وهذه النتائج العملية للعبادة إحدى الثمار التي يجنيها الإنسان في حياته الدنيا. ويجدر بالمعلمين أن يستغلوا تلك النتائج لغرس الخصال الطيبة والأخلاق الحميدة في نفوس الطلاب.

3-

الالتزام بالمبادئ والقيم الإسلامية:

إن الإعتزاز بالمبادئ والقيم الإسلامية من مظاهر قوة العقيدة. فالمبادئ والقيم الإسلامية من عند الله جل شأنه، وهي بذلك تسمو على المبادئ والقيم التي وضعها البشر، والمعلمون مسئولون عن حث وتعويد الدارسين على الالتزام بتطبيق تلك المبادئ والقيم في مجرى حياتهم حتى تسمو أرواحهم وتصفو قلوبهم.

4-

التأكيد على علم الله الشامل:

إن التأكيد على علم الله الشامل وإحاطته بكل شيء والتسليم بأن فوق كل ذي علم عليم من الوسائل المهمة في تقوية العقيدة. فينبغي على المسلم ألا يغتر بتدفق المعلومات وغزارتها وتفجر المعرفة وازديادها المستمر في هذا العصر، كما ينبغي ألا تأسر فكره وتملك قلبه وتخلب بصره فينبهر بها انبهارا يجعله يسلم بها كحقائق دون نظر وتدبر وإعمال فكر. وينبغي على المسلم أن يؤمن بأن كل تلك المعلومات والمعارف لا تساوي قطرة في محيط علم الله سبحانه وتعالى1.

1 محمد جميل خياط: مرجع سابق، ص104-106.

ص: 141

4-

وسائل وأساليب الإعداد الخلقي لمعلم المستقبل:

الأخلاق هي الضوابط والقوانين التي تحكم السلوك ونوع العلاقة بين الإنسان وغيره. لذلك أصبح الاهتمام بالتربية الخلقية ضرورة في كل مراحل التربية والتعليم وبخاصة في مرحلة إعداد المعلم، حيث إنها قوام المسلم فمتى حسنت الأخلاق حسنت الأعمال. وحسن الخلق وسيلة فعالة من وسائل الترغيب في تربية النشء وإعداد المعلم الصالح.

ومن واجب المعلمين والمربين العمل على السمو والارتقاء بأخلاق الطلاب وتنميتها وصقلها، فهم مطالبون بتبصير الدراسين بأهمية الأخلاق الحميدة وفوائدها الكثيرة التي تعود على الإنسان بالنفع والخير العميم، كذلك تبيان مضار الأخلاق الذميمة والصفات المرذولة وما تجرة من مصائب وويلات في الدنيا والآخرة. وبذلك ينشأ الاستعداد لدى الطلاب للالتزام بالأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة ومن واجب المربين أيضا تنمية قوة الإرادة في الدارسين ليتغلبوا على أهوائهم وشهواتهم وليتبعوا الخلق الكريم في شتى المواقف1.

سبق أن ذكرنا أن القدوة أسلوب تربوي يجب الاهتمام به من أجل التحلي بالأخلاق الفاضلة وتنميتها وصقلها. كما أن طبيعة النشأة تؤثر في الإعداد الخلقي للدارسين، فإذا كانت النشأة تتفق وشرعية الإسلام فلن تكون هناك صعوبة في التأكيد على الأخلاق الحميدة وتدريب الدارسين للالتزام بها وتطبيقها في شتى مجالات وظروف الحياة. ولا شك أن هذه النشأة الإسلامية تساعد المربين على تنميتها وصقلها، على خلاف النشأة غير السليمة التي تشكل عقبة أمام المربين الذي يسعون إلى غرس الأخلاق الفاضلة في الدارسين. ومن هنا تبرز أهمية الاختيار السليم للدارسين قبل التحاقهم بالكليات والمعاهد المتخصصة في إعدادهم، وقبل كل ذلك لا بد من التزام أعضاء هيئة التدريس بالمؤسسات

1 يوسف مصطفى القاضي، ومقداد بالجن: علم النفس التربوي في الإسلام، الرياض: دار المريخ، 1981، ص373-375.

ص: 142

التعليمية بالأخلاق الفاضلة وتطبيقهم لها في حياتهم العامة والخاصة حتى يكونوا قدوة حسنة للدارسين.

ويمكن استخدام أساليب ووسائل التربية الإسلامية لتنمية وصقل الأخلاق الفاضلة في نفوس الدارسين. كما تنشأ ضرورة تزويد الدارسين بزاد الثقافة الإسلامية العامة والخلقية لتوحيد مفاهيم هؤلاء الدراسين مما يؤدي إلى تميز وتفرد الشخصية الإسلامية عن غيرها من الشخصيات.

وتقتضي الضرورة دعم طرائف التدريس بالأساليب القرآنية والنظريات التربوية المختلفة التي تدعو إلى اتباع الأخلاق الفاضلة حتى تسهم في تكوين الوجدان الديني المطلوب. ويتأتى ذلك بتعويد الدارسين على النظر إلى الأشياء نظرة إسلامية يحكمها الإيقاع الإسلامي. كما ينبغي تحديد الدور الاجتماعي للتربية الخلقية، وذلك من خلال ترسيخ الأصول السليمة في إعداد الدارس المسلم وغرس الاتجاهات الحميدة والمبادئ الأخلاقية في الحقل التعليمي.

والتربية الأخلاقية ليست بمنأى عن التربية الروحية أو التربية العملية، فكلها عناصر مترابطة متفاعلة بمعنى أن درس الدين هو درس أخلاق وأن درس الطبيعة درس أخلاق. وحتى تؤتي التربية الأخلاقية ثمارها النافعة ينبغي على المعلم أن يبدأ بإصلاح نفسه أولا وأن يكون ذا خلق كريم، وأن يوجه الدارسين دائمًا إلى الأخلاق الفاضلة، وأن يبين للدارسين أن أهم ما تعانيه الإنسانية في هذا العصر هو أزمة الأخلاق، وأن إصلاح وتهذيب الأخلاق وتنميتها هو السبيل إلى الاستقرار والبناء والتقدم، ومن هنا يتضح أن التربية الأخلاقية أهم مهمة يضطلع بها المربي في العصر الحاضر. إن المربين مطالبون بالتحذير من أمراض العصر الأخلاقية ومحاربتها، بالإضافة إلى ثغرات الحرية الزائفة التي تهتم بالتكالب على اللذات والتي تستثير دافع حب الذات والأنانية المفرطة. إن طهارة القلوب والاستقامة واتباع القيم الفاضلة ومكارم الأخلاق هي سبيلنا إلى الإصلاح الخلقي.

ص: 143

وخليق بالمربي أن يستخدم أساليب ووسائل التربية الإسلامية الأكثر مناسبة وتأثيرا في نفس المتربي. ويمكن استخدام هذه الأساليب والوسائل بطريقتين هما: الطريقة المباشرة وطريقة الإيحاء. ويمكن تنفيذ الطريقة المباشرة عن طريق الوعظ والإرشاد وذكر الفوائد والأضرار، وينعكس ذلك على نفوس الدارسين فيسهل توجيههم إلى فعل الخير وتجنب الشر. أما الإيحاء فيمكن بواسطته غرس الكثير من الأخلاق الحميدة في نفوس الدارسين.

ومجال العبادات هو أفضل المجالات لتنمية وصقل الأخلاق الفاضلة في نفوس الدارسين، ويمكن تحقيق ذلك باتباع الخطوات العملية التالية:

1-

تدريس مادة علمية تحت عنوان "نماذج مشرقة من حياة السلف الصالح" تتضمن مناقبهم وخصالهم الحميدة وسعيهم الدائب إلى إصلاح النفوس، كما يتم التركيز فيها على أخلاق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعاملهم مع الناس.

2-

تدريس مادة علمية تحت عنوان "صفات المؤمنين في القرآن والسنة وكيف نطبقها في الحياة" ويمكن استنباط هذه المادة من الأخلاق الإسلامية الواردة في القرآن الكريم والسنة الشريفة. وينبغي أن يركز المعلمون على تدريب وتعويد الدارسين على التمسك بهذه الصفات والمبادئ التي يتحلى بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3-

التزام أعضاء هيئة التدريس في مؤسسات إعداد المعلمين بالتعاليم الإسلامية فيما يختص بالمظهر العام، وفي المأكل والمشرب، والتمسك بالآداب الإسلامية بصفة عامة في تعاملهم مع الآخرين.

4-

الاهتمام بتنظيم النشاطات المختلفة التي تهدف إلى تعزيز وتنمية المبادئ والقيم الإسلامية، ونبذ العادات والتقاليد والأخلاق التي تتنافى مع الشريعة الإسلامية.

5-

نشر الوعي التربوي الإسلامي للناس بصفة عامة وللمعلمين بصفة

ص: 144

خاصة عن طريق التعاون بين المؤسسات التربوية والمؤسسات الإعلامية.

6-

استخدام الاتجاهات الحديثة في إعداد المعلم وبخاصة ما يرتبط بطرائق التدريس، ومنها على سبيل المثال ما يعرف بطريقة التدريس المصغر.

وتهدف هذه الطريقة إلى تنظيم المهارات واكتسابها في أسرع وقت ممكن؛ لأنها تكسب المتعلم المهارات بالتدريج بحيث يقتصر كل موقف تعليمي على اكتساب مهارة واحدة لتكون موضع التدريب والإعداد. وقد طبق الرسول عليه السلام هذه الطريقة كما ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبعون هذه الطريقة في دراسة القرآن الكريم، فقد ورد ما معناه "ما كان الواحد منا يتجاوز عشر آيات من القرآن حتى يحفظها ويفهم معناها ويعمل بها فحصلنا على العلم والعمل معا". ومن الأقوال المأثورة في هذا المجال "ومن أراد أخذ العلوم دفعة واحدة ذهبت عنه دفعة واحدة"1.

ولتعميم الفائدة يمكن تطبيق هذه الطريقة في دراسة جميع المواد التعليمية عن طريق الربط بين الآيات القرآنية والآيات الكونية لمعرفة عظمة الله عز وجل وقدرته.

7-

التركيز على إلزام الدارسين بمزاولة العبادات المفروضة وتدريبهم على الإتيان بالنوافل المندوبة بشروطها وخشوعها لتقوية الصلة بين المخلوق والخالق وتذوق حلاوة الإيمان.

وصفوة القول أن نجاح إعداد المعلمين يتوقف على اختيارهم في ضوء مجموعة من الصفات الشخصية، وعلى تفهمهم واستيعابهم للمهام التي يمارسونها وفق برنامج متوازن يؤدي إلى اكتسابهم الخبرات من الأداء الفعال في العملية التربوية.

1 محمد جميل خياط. مرجع سابق، ص112، 113.

ص: 145