الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالاستمرار في عملية التعليم والتعلم، حتى يتمكن الإنسان من مواجهة حاجات الحياة المتغيرة المتجددة1.
إن المعرفة الحقيقية في الإسلام، هي المعرفة القائمة على أساس من تقوى الله، ويهدف منهج التربية الإسلامية إلى اكتساب المعرفة التي تؤدي إلى تغيير السلوك الإنساني، وواقع الحياة الإنسانية إلى أفضل، وحيث إن المعرفة في الإسلام تقوم على أساس الإيمان بالله وتقواه، وجب على الإنسان أن ينفذ شريعة الله، ومن ثم ترتبط المعرفة والإيمان بالعمل والسلوك القويم في واقع الحياة، ومن مزايا التربية في الإسلام نظرتها الشاملة لكل حقول وميادين المعرفة، حيث تمتد إلى فروع التخصص المختلفة التي يحتاجها المجتمع الإسلامي وتوفير القوى العاملة المؤهلة في كل ميدان، وهذا يؤدي إلى عمارة الأرض ورقي الحياة فيها وفق منهج الله.
1 علي أحمد مدكور: منهج التربية الإسلامية، ص186-187.
خصائص المنهج الإسلامي:
يتميز المنهج الإسلامي بسيادة الطابع الديني والخلقي، وهذا يعني أن فلسفة وأهداف ومحتويات وطرائق تدريس المنهج تدور في إطار الدين والأخلاق، وتنشأ في ضوء القرآن والسنة وآثار السلف الصالح، كما أن المنهج الإسلامي يربط بين الأخلاق والتطبيق العملي السلوكي. إن منهج التربية الإسلامية يحرص أشد الحرص على تنشئة وتعليم الفرد في إطار الدين والأخلاق، من خلال ربط القول بالعمل والنظرية بالتطبيق. وتميز منهج التربية بالطابع الديني والخلقي يمثل جانبا مهما في تكوين شخصية الإنسان، ومن ثم يجب أن تعمل مناهج التربية الحديثة على تنمية الوازع الديني والخلقي عند الأفراد في جميع مراحل التعليم، من خلال ربط المناهج بالنواحي الإسلامية.
والمنهج الإسلامي متعدد الاتجاهات والاهتمامات، شامل في محتوياته وأهدافه، فهو كما يعنى بتنمية الجانب الروحي في المتعلم من خلال دراسة
العلوم الدينية والرياضة الروحية، فإنه يعنى أيضا بتنمية ذهن المتعلم، ودعوته إلى النظر والتفكير والتأمل، وحثه على التعلم واكتساب المعرفة.
وينكر المنهج الإسلامي الخرافة والبدع، ويؤمن بالبرهان في الأمور العقلية:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1، كما أنه يؤمن بالملاحظة والتجربة في الأمور المادية، ويحرص على تنمية كل ما يتصل بالعقل من قدرات وميول ومواهب، عن طريق دراسة العلوم العقلية، وممارسة البحث العلمي، وكافة أنواع النشاط العقلي، كذلك يهتم المنهج الإسلامي "بتنمية وحفظ جسم الإنسان عن طريق ما تقدم له من دراسات وتوجيهات صحية ونشاط بدني وتدريب عسكري، يساعد على تحقيق صحة الإنسان ولياقته، وعلى الإعداد للجهاد في سبيل الله"2، ويتسع المنهج الإسلامي لكثير من العلوم والمقررات والنشاطات.
فالدين الإسلامي يفتح أمام المسلم المجال لتعلم ودراسة أي علم أو فن يزيد ويقوي إيمانه، ويساعده على فهم أحكام دينه، وفهم حقائق الكون. وصفوة القول: إن المنهج الإسلامي لا يهتم بالعلوم الدينية والعبادات فحسب، بل يهتم كذلك بدراسة العلوم العقلية والتربية الرياضية والتذوق الجمالي.
كذلك يمتاز المنهج الإسلامي بالتوازن النسبي بين اهتماماته ومحتوياته، وهذا يدفعه إلى الاهتمام بتحقيق النمو الشامل والمتكامل لكل من الفرد والمجتمع، والعناية بجميع العلوم والفنون والنشاطات التربوية النافعة في شيء من التوازن المعقول، الذي يحفظ لكل علم وكل فن وكل نشاط ما يستحقه من الاهتمام والعناية، والمنهج الإسلامي يوازن بين المادة والروح، وبين الإيمان بالواقع المحسوس والإيمان بالغيب، وبين حاجات الفرد وحاجات الجماعة.
والمنهج الإسلامي يمتاز بقابليته للتطور والانفتاح، ويستمد هذه
1 البقرة: 111.
2 عمر التومي الشيباني: فلسفة التربية الإسلامية، ص256.
القابلية من الدين الإسلامي الذي يشجع كل تطور صالح ومفيد للمجتمع، كما يشجع المنهج الإسلامي الانفتاح الفكري، ويحث على الاجتهاد وإفساح المجال لمنطق الملاحظة والتجربة، فالأمور الدنيوية يتوقف تحقيقها على التجارب، والمسلم مطالب بأن يعمل عقله في كتاب الله وسنة رسوله؛ ليستنبط منهما الأحكام المطلوبة لقضايا العصر ومشكلات الحياة.
وقد انتهى النحلاوي إلى أن المنهج الإسلامي المنشود، يجب أن تتوافر له الصفات التالية1:
1-
أن يكون موافقا للفطرة الإنسانية من حيث ترتيب محتوياته وموضوعاته مما يزكي فطرة الإنسان، ويحفظها من الانحراف.
2-
أن يحقق هدف التربية الإسلامية الكبير، وهو إخلاص الطاعة والعبادة لله، بالإضافة إلى تحقيقه أهداف التربية الإسلامية الفرعية، التي ترمي إلى توجيه الحياة؛ كي تحقق هذا الهدف الكبير في جميع جوانب التربية والثقافة التي يشملها المنهج: كالجانب العقلي والجانب الجسمي والجانب الاجتماعي.
3-
أن يكون متدرجا في موضوعاته وموافقا في مستواه للمرحلة التي يوضع لها.
4-
أن تكون تطبيقات المنهج ونشاطاته وأمثلته ونصوصه متمشية ومتفقة مع حاجات المجتمع الواقعية وقيمه ومبادئه الإسلامية الرفيعة. ويتأتى ذلك بمراعاة الاختصاصات التي تحتاجها الأمة في كل بيئة وفقا لظروفها الطبيعية، بالإضافة إلى الاختصاصات اللازمة لرقي المجتمع في كل بيئة كالاختصاصات الإدارية والإسلامية والثقافية.
5-
أن يكون المنهج منسجما ومتسقا في جميع أجزائه، موجها وجهة إسلامية واحدة، وأن تبنى العلوم والموضوعات بشكل متسلسل يأخذ بعضها بأطراف البعض الآخر، وأن يتحقق الترابط والتناسق
1 عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية وأساليبها، ص177-179.
بين موضوعات كل مادة على مدى العام الدراسي، كما يتحقق التناسق والترابط بين كل سنة والسنة التي تليها والسنة التي تسبقها. وفي السنة الواحدة يجب الربط -بقدر الإمكان- بين كل مادة وأخرى بحيث يحقق مجموع هذه المواد هدفا أسمى واحدا.
6-
أن يكون المنهج ممكن التطبيق، ويقتضي ذلك أن يكون في حدود إمكانات البلاد ومناسبا لظروفها ومتطلباتها.
7-
أن يتميز بأسلوب مرن قابل للتكيف مع مختلف الظروف والبيئات التي سيجري تطبيقه فيها، أخذا في الاعتبار الفروق الفردية، وحاجات الأفراد والمجتمع، وأن يكون ذا عرض شيق جذاب يمتع الألباب والنفوس.
8-
أن يواكب تطور الشعور الديني، والنمو اللغوي لكل مرحلة من المراحل الدراسية، كما يجب أن يهتم بحل المشكلات، وتربية الانتماء الاجتماعي إلى الأمة الإسلامية ونشر ثقافتها الإسلامية.
9-
أن يعنى عناية خاصة بالجوانب الإسلامية السلوكية العملية كالتربية على الجهاد، وإقامة المجتمع المسلم.
يتضح من العرض السابق أن منهج التربية الإسلامية يجب أن يهتم بمراحل نمو المتعلم الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي، مع مراعاة الاتجاهات الحديثة في وضع الأهداف التربوية، وربط أهداف تدريس التربية الإسلامية ببيئة المتعلم وحياته، كما يجب أن تحقق المادة العلمية في منهج التربية الإسلامية الأهداف التي وضعت من أجلها، وأن تقدم مستويات المعرفة المختلفة من فهم وتذكر معلومات وتطبيق وتحليل.
وحتى يحقق منهج التربية لإسلامية أهدافه كاملة، يجب إعادة صياغة العلوم الحديثة الواردة من الغرب؛ لتواكب نظرة الإسلام إلى الكون والإنسان والحياة، إن العلوم المتصلة بتفسير النشاط الإنساني كالعلوم التي تخص العقيدة، ونشأة الكون، ونشأة الحياة، والقيم التي تحكم المجتمع