الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} 1.
يهدف القرآن الكريم من ذكر الأحداث التاريخية إلى الاعتبار ومعرفة المغزى، كمعرفة سنة الله في إهلاك المفسدين بسبب فسادهم وظلمهم {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} 2، وكمعرفة سنة الله في نصر عباده المؤمنين {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} 3.
وهناك أيضا التربية بالموعظة التي تأخذ معاني النصح وهو بيان الحق والمصلحة من أجل تجنيب المنصوح الضرر وإرشاده إلى ما يحقق نفعه وسعادته، كذلك التذكير بالموت وبالمرض وبيوم الحساب، فالموعظة المؤثرة تنفذ مباشرة إلى النفس عن طريق الوجدان، وتربي العواطف وتنميها، وقد توقظ الموعظة العواطف في نفوس النشء عن طريق الحوار أو العمل والعبادة والممارسة كعاطفة الخضوع لله والرغبة في جنته، ويعتمد الوعظ على القدوة الحسنة وعلى الجماعة المؤمنة التي تعد الوسط الذي يسمح بتقليد القدوة ويشجع على الأسوة بها. إن القدوة الحسنة تجعل الموعظة بالغة التأثير في النفس، ودافعا قويا إلى تزكية النفس وتطهيرها من فجورها وأدرانها.
1 آل عمران: 12، 13.
2 هود: 117.
3 الفتح: 22، 23.
3-
التربية بالترغيب والترهيب:
الترغيب أحد الأساليب التي استخدمها الإسلام لحث المسلمين على فعل الخير ودفعهم إلى طريق الهداية والعمل وفق منهج الله، ويعرف النحلاوي الترغيب بأنه "وعد يصحبه تحبيب وإغراء بمصلحة أو لذة أو متعة مؤكدة خيرة، خالصة من الشوائب، مقابل القيام بعمل صالح أو
الامتناع عن لذة ضارة أو عمل سيئ ابتغاء مرضاة الله، وذلك رحمة من الله لعباده". بينما يعرف الترهيب بأن "وعيد وتهديد بعقوبة تترتب على اقتراف إثم أو ذنب مما نهى الله عنه أو على التهاون في أداء فريضة مما أمر الله به، أو هو تهديد من الله يقصد به تخويف عباده وإظهار صفة من صفات الجبروت والعظمة الإلهية؛ ليكونوا دائما على حذر من ارتكاب الهفوات والمعاصي"1.
لقد وضع الدين الإسلامي أمام المسلم الهدف الذي تهفو إليه النفس وتميل إليه حتى تندفع إليه برغبة خالصة وشوق جارف، علاوة على الانتفاع بالجزاء الذي أعد لهذا العمل {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 2.
ويذكر النحلاوي ثلاث ميزات للترغيب والترهيب في التربية الإسلامية هي: أن الترغيب والترهيب القرآني والنبوي يعتمدان على الإقناع والبرهان، وهذا يعني تربويا: أن نبدأ بغرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الناشئين، ليتسنى لنا أن نرغبهم بالجنة أو نرهبهم من عذابا لله، وليكون لهذا الترغيب والترهيب ثمرة عملية سلوكية3. وثانيا أنهما يعتمدان على التربية الوجدانية للإنسان وهي مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، وثالثا اصطحابهما بتصور فني رائع لنعيم الجنة ولعذاب النار بأسلوب واضح يفهمه كل الناس. فيمكن للإنسان أن يعدل سلوكه على ضوء معرفته بالنتائج النافعة أو الضارة التي ترتبت على عمله وسلوكه.
1 النحلاوي، مرجع سابق، ص257-258.
2 النور: 55.
3 النحلاوي، المرجع السابق، ص258.
وعلى أية حال فإن أسلوب الترغيب أفضل من أسلوب الترهيب؛ لأنه يخاطب النفس، ويستميل الوجدان، ويعتمد على استثارة الرغبة الداخلية للإنسان، ويمكن الإفادة من الترغيب في الجانب التربوي إذا اعتمد على الإقناع والمنطق والنزوع إلى الحقائق التي أقرها القرآن {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} 1. والترغيب يفيد مع الصغير والكبير على السواء، كل على حسب فهمه، وقدرته على تصور الأشياء.
أما أسلوب الترهيب فهو سلبي؛ لأنه يعتمد على التخويف والوعيد تحمل الناس على أداء عمل ما من عدمه، والترهيب كوسيلة تأديبية يجب أن يكون مناسبا لما هو له، وإلا تحول إلى تمرد وانحراف، هو يعتمد أيضا على الإقناع وتقديم المعونة أولا، ثم الوعيد بعد ذلك، وكثيرا ما يعرض القرآن الكريم الترغيب والترهيب في سياق واحد لكي يتيح للعقل فرصة الموازنة والاختيار.
إن الأساس في تربية المتعلمين وبخاصة صغار التلاميذ هو الترغيب، فالثواب هو الأسلوب الهادف لتعليم الأطفال، لذا ينبغي أن يتصف أسلوب التربية الإسلامية بالرفق واللين لا سيما في تربية الأطفال، ولا نلجأ إلى الترهيب إلا إذا أخفقت كل أساليب ووسائل الترغيب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يحب الرفق في الأمر كله"، كما كان ينصح بالتبشير والتيسير في التربية والتعليم قائلا:"علموا وبشروا ولا تعسروا"2. وكان عليه الصلاة والسلام يقول: "إن الله تعالى لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني ميسرًا" 3.
1 الكهف: 107-108.
2 ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1959، 1/ 172.
3 السيوطي: الجامع الصغير، القاهرة، مطبعة عبد الحميد حنفي، د. ت. 1/ 22.