الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: طرق تدريس التربية الإسلامية
مدخل
…
الفصل الرابع: طرق تدريس التربية الإسلامية
الطريقة هي الخطة التنفيذية التي بواسطتها ينقل المعلم المعلومات والمهارات إلى الطلاب، ويعرفها أحد الباحثين بأنها "مجموعة من أوجه النشاط يشترك المدرس وطلابه فيها متعاونين تعاونا منظما يؤدي إلى تعلم الطلاب تعلما خاصا ويسهم في مساعدتهم على النحو المتكامل المنشود"1، ويختار المعلم مسبقا الطرق والأساليب المناسبة، ويوفر الظروف الملائمة بشكل منظم وفق تخطيط محكم، كما يجب أن يراعي أهمية المشاركة الفعالة من جانب الطلاب حتى يحسوا بدورهم الإيجابي المثمر في عملية التعلم.
ويهدف الاجتهاد في اختيار الطريقة المناسبة إلى تحقيق النمو المطلوب للتلاميذ في جميع النواحي التي تتفق وأهداف مناهج التربية الإسلامية، ومن ثم فلا توجد طريقة واحدة مثلى وفعالة في تدريس المواد الدراسية، إنما تختلف الطريقة باختلاف المواقف التعليمية والهدف من كل موقف تعليمي بالإضافة إلى طبيعة المادة نفسها ومستوى الطلاب والإمكانات المتاحة، وعلى أية حال يجب أن تكون الطريقة ملائمة للهدف والمحتوى. فالمحتوى ترجمة صادق للأهداف ومن خلاله يتم التوصل إلى بلوغها، ويتعين على معلم التربية الإسلامية اختيار الطريقة الملائمة للهدف المحدد من الدرس، وللمحتوى الذي من خلاله سوف يتحقق ذلك الهدف، كما يجب أن تكون الطريقة مناسبة لمستويات الطلاب.
وخليق بمعلم التربية الإسلامية أن ينوع الطرائق التي يستخدمها في تدريسه سواء في المواقف التعليمية المختلفة أو في الموقف التعليمي الواحد، مع مراعاة عنصر الإثارة والتشويق، فبينما يساعد تنويع طرائق
1 عبد اللطيف فؤاد إبراهيم: تدريس الجغرافيا، القاهرة، مكتبة مصر 1975، ص50.
التدريس على التغلب على الفروق الفردية، تهدف الإثارة والتشويق إلى القضاء على السآمة والملل، ولا شك أن اعتماد المعلم على إقامة الدليل -بقدر المستطاع- من القرآن والسنة والإجماع والقياس وأقوال الصحابة من شأنه أن يثري الموقف التعليمي ويدعم الفهم السليم الذي يقبل الطلاب على تطبيقه والاقتداء به.
كما يجب أن يهتم معلم التربية الإسلامية في طريقة تدريسه بمبدأ التعلم الذاتي، ويتأتى ذلك بتحريك المتعلم ذاته في نواحي التخطيط والتوجيه والتنفيذ والمتابعة حتى يتكون لدى الفرد اتجاه إيجابي نحو تعليم نفسه على نحو مستمر، كذلك يتعين على معلم التربية الإسلامية استثمار وتوظيف بعض الأساليب التربوية في مجال تدريس التربية الإسلامية وبخاصة أسلوب القدوة الحسنة وأسلوب القصص وأسلوب الترغيب والترهيب وأسلوب ضرب الأمثال، وغني عن القول إن الطريقة التي يختارها معلم التربية الإسلامية والأسلوب الذي ينتهجه يتطلبان التخطيط والإعداد الجيدين قبل الشروع في التنفيذ.
وفيما يلي أهم طرائق تدريس التربية الإسلامية.
1-
طريقة الإلقاء والمحاضرة:
طريقة المحاضرة من أكثر طرائق التدريس استخداما لقدرتها على إثارة الانتباه وتقديم المعلومات والحقائق التي يصعب الحصول عليها بطريقة أخرى، ومن مزايا المحاضرة أنها تساعد المتعلم على تنظيم المعلومات والحقائق والمقارنة بين الآراء المتباينة وإعمال الفكر فيها واستدعائها والتوصل إلى استنتاجات محددة وعرضها على نحو سليم، وتعتمد طريقة المحاضرة على الإلقاء والتكرار ويجب على المعلم إعداد الدرس جيدا قبل إلقاء المحاضرة بوقت كاف طبقا لخطة محددة، كما يجب أن يعد الوسائل التعليمية المناسبة للمحاضرة.
يمهد المعلم للدرس بمقدمة مناسبة يعقبها عرض النقاط الأساسية على الطلاب ثم يتدرج في شرح وتفصيل كل نقطة ثم ينتهي بالخاتمة، وهذه الطريقة بما فيها من "اقتصاد في الوقت وفرصة لقطع شوط كبير في المنهج، ولعرض الموضوع في شكل مرتب منظم صالحة للاستعمال مع طلبة الجامعة، والمعاهد العليا؛ لأنهم قادرون على الانتباه لمدة طويلة وفهم الأفكار المجردة وعلى تلخيص الفكرة بعد فهمها، ولكنها وحدها لا تصلح لتعليم الأطفال الصغار الذين يصعب عليهم الانتباه لمدة طويلة وفهم الأفكار المجردة ومحتويات الإخبار اللفظي بدون تدعيم بالوسائل المحسوسة والخبرة العلمية وبدون التدرج معهم وتوجيههم"1.
ومن عيوب المحاضرة أنها ذات جانب واحد حيث يقوم المعلم بنقل المعلومات إلى الطلاب بدون مشاركتهم في العملية التعليمية، ولا يسمح المعلم إلا ببعض الأسئلة في وقت محدود، وطرح أسئلة للتأكد من فهم الدرس.
2-
الحوار والمناقشة والمناظرة:
تعتبر طريقة الحوار والمناقشة والمناظرة من طرق التدريس الفعالة، وهي تعتمد على الأسئلة والاستجواب للوصول إلى الحقائق، وتتيح هذه الطريقة الفرصة للمتعلم للمشاركة في العملية التعليمية بالأسئلة وإبداء الرأي والاستماع إلى آراء الآخرين وتحليلها.
والمناقشة طريقة حية حيث يتبادل فيها المعلم والمتعلمون الكلام والاستماع، ويشاطر فيها المتعلمون المعلم الفهم والتحليل، وتقويم موضوع أو فكرة أو مشكلة وبيان نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف، وطريقة المناقشة من أقرب الطرق إلى روح منهج التربية الإسلامية وأفضلها، بالإضافة إلى كونها من أهم ألوان النشاط التعليمي للكبار والصغار على السواء، فحياتنا المعاصرة ذات الاتجاهات المختلفة والفروع المتشابكة
1 عمر التومي الشيباني، مرجع سابق، ص414.
والمتعددة تتطلب الاهتمام بالمناقشة والإقناع واكتساب الفرد القدرة على المناقشة الموضوعية الحرة التي تساعده على أداء واجبه كإنسان في المجتمع1.
وتتمتع طريقة المناقشة بمزايا عدة منها:
1-
اعترافها بإيجابية المتعلم وإيمانها بدوره في العملية التعليمية، وقدرته على التعلم من خلال المناقشة والمشاركة الفعالة.
2-
توطيد العلاقة الطيبة بين المعلم وطلابه وإشعار المعلم طلابه بقدرتهم على المشاركة الإيجابية مما يحفزهم على زيادة نشاطهم وفاعليتهم.
3-
إسهامها في تنمية الاتجاهات والقيم والمستويات العليا في الجانب المعرفي بدرجة أكبر من طريقة المحاضرة.
4-
تقديم المساعدة الفعالة على اكتساب مهارات الاتصال، لا سيما مهارات الاستماع والكلام وإدارة الحوار، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للدارس لاكتساب أساليب وآداب النقاش القائمة على النظام واحترام الآراء.
5-
العمل على زيادة إقبال الدراس على التعليم والتفاعل مع النشاطات التعليمية من خلال إتاحة الفرصة للدارس ليتحدث في موضوعات تهمه وقضايا تشغل باله وفكره، مما يشعره بقيمة التعليم.
6-
مساعدة الطلاب في تحليل مشكلاتهم واستخلاص النتائج المترتبة على مناقشاتهم بالإضافة إلى مساعدتهم في اتخاذ القرارات التي يتعين عليهم اتخاذها.
7-
جعل المعلم أكثر إدراكا لمدى انتباه الطلاب وتجاوبهم مع المناقشة وتقبلهم لموضوعها.
1 علي أحمد مدكور، مرجع سابق، ص360-361.
أما المناظرة فتعتمد على تباين الآراء ووجهات النظر وعقد المقارنة والموازنة بينها واختيار الصحيح منها، كذا تمحيص الآراء وتفنيدها بالمنطق السليم والأدلة المقنعة، وللمناظرة عدة مزايا منها أنها تعمل على تنشيط العقل وإيقاظ الذهن وتعويده التفكير المتزن والمنطقي، وبالإضافة إلى ذلك تعمل المناظرة على تقوية الحجة "والتمرن على سرعة التعبير وإتقانه، وتعويد المناظرين الثقة بالنفس، والقدرة على الارتجال، ولهذا كله عني بها المسلمون عناية كبيرة وعدوها طريقة من طرق التعليم المهمة، وأشاروا إليها في كتبهم الأدبية"1، ويوجه ابن خلدون في مقدمته الأنظار إلى الاهتمام بالمناقشة والمناظرة حيث أنهما يساعدان على فهم المسائل العلمية واستيعابها.
ويستعمل القرآن الكريم طريقة الحوار والمناقشة والاستجواب في عدد من المواضع، ومن ذلك قوله تعالى:{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} 2.
وقد لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى استخدام الحوار والمناقشة لتعليم أصحابه شئون الدنيا والآخرة، وسار على نفس النهج أصحابه من بعده، فأخذ العلماء منهم في البحث والتناظر في قضايا العلم والأدب لتتضح الحقيقة أمامهم، وكان الرسول الكريم يجيب عن أسئلة المسلمين ويشركهم في المناقشة عن طريق توجيه الأسئلة إليهم وإثارة انتباههم، فقد سأل رسول الله أصحابه هذا السؤال:"أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها"3.
ويظهر الأثر الفعال للحوار والمناقشة جليا في تنمية العقول وبث
1 نفس المرجع: ص340-341.
2 المؤمنون: 84-87.
3 الإمام البخاري: الأدب المفرد، مكتبة الآداب ومطبعتها، القاهرة، 1979، ص110.
الثقة في نفوس المتحاورين واكتساب فن الحديث وطلاقة اللسان والتفكير المنطقي.
3-
طريقة التلقين:
التلقين طريقة ذات اتجاه واحد، حيث يسيطر المعلم سيطرة تامة على العملية التعليمية، ويتم التركيز في هذه الطريقة على الجوانب النظرية وعلى نقل المعلومات إلى الدراسين، وقد يأخذ التلقين صورة المواعظ والتوجيهات، مثل ذلك قول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} 1، وتحفل الأحاديث النبوية بالإرشادات والتوجيهات والمواعظ، مثلما جاء في الحديث الشريف:"طلب العلم فريضة"2.
ويرتبط التكرار بالتلقين، إذ يقوم المعلم بتكرار بعض نقاط الدرس عدة مرات حتى يتيقن من فهم الطلبة لها واستيعابهم لمحتواها، وكان الحفظ والاستظهار -كوسيلة للتعلم- طريقة مألوفة وشائعة في العالم الإسلامي، فقد كان الأطفال قبل أن يتعلموا القراءة والكتابة يحفظون سور قصيرة من القرآن الكريم بطريقة التلقين والتكرار، حيث كان المعلم يقرأ بعض السور القصيرة أمام الأطفال الذين كانوا يكررونها معه عدة مرات حتى يحفظوها عن ظهر قلب، ومن عيوب هذه الطريقة أنها لا تؤدي إلى الإبداع والابتكار، وعلى الرغم من ذلك فإن تكرار الشيء والتذكير به يساعد على تقليل احتمالات النسيان، يقول سبحانه وتعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} 3.
ويعبر أسلوب التكرار عن معنى معين أو قضية محددة بعبارات
1 النساء: 58.
2 رواه ابن ماجه.
3 الغاشية: 21.
متعددة، إذ إن في التكرار وتغير الأدلة ما يدفع العقلاء إلى إزالة الشك والإيمان بالحقيقة وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب في إثبات الوحدانية وعرضها بصور متعددة حتى يسهل فهمها، ويتجلى ذلك من خلال هذا الآيات:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 1، و {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 2، وقوله سبحانه وتعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 3.
وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب التكرار في تربية المسلمين ففي الحديث الشريف: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه"4. وقدر الإسلام الأهمية الفائقة للممارسة المتكررة لتحقيق وتثبيت التعلم، فالصلاة التي يؤديها المسلم خمس مرات يوميا هي نوع من الممارسة المتكررة الموزعة على مدار اليوم، هذا من شأنه أن يساعد على تثبيت الخبرة وتسهيل الممارسة وتحقيق العبادة على أفضل صورة، وقد أدرك المربون المسلمون الأهمية البالغة لاستخدام هذا الأسلوب في التربية فحضوا المعلم على اتباع أسلوب التكرار في المواقف التي تتطلب ذلك من أجل تقريب المعنى للمتعلم من غير إسهاب أو إكثار لا يحتمله ذهن المتعلم.
4-
الطريقة العملية:
تحوي التربية الإسلامية بعض الأفرع التي يتم تدريسها من خلال استخدام الطريقة العملية، وتمثل العبادات أحد هذه الأفرع؛ لأنها تدور حول موضوعات عملية مثل الوضوء والصلاة، وأحسن طريقة لتعليم هذين الموضوعين، هي اصطحاب التلاميذ إلى مسجد المدرسة وتدريبهم على الوضوء، والصلاة. وحتى تتحقق الفائدة المرجوة يقوم المعلم -قبل الذهاب إلى المسجد- بشرح الدرس داخل الفصل، ويبدأ المعلم درس
1 الإخلاص: 1-4.
2 البقرة: 255.
3 الأنبياء: 22.
4 صحيح البخاري: كتاب الأدب، الجزء الثامن، ص12.
الوضوء والصلاة العملي في المسجد بإجراء الوضوء أمام التلاميذ، ثم يؤدي الصلاة، وبعد الانتهاء من الصلاة، يقوم كل تلميذ -بناء على تعليمات المعلم- بتمثيل خطوات الوضوء ثم القيام بالوضوء فعلا.
وينطبق هذا الأسلوب على الصلاة كذلك. ويمكن للمعلم أن ينمي الاتجاهات الإسلامية المتعلقة بالعبادات أثناء إجراءات هذا الدرس العملي1.
5-
التعلم الذاتي:
يقوم المعلم أحيانا بتكليف الطلاب بنشاطات متنوعة لتنمية قدراتهم على البحث والتحليل والاستيعاب، ويتم ذلك من خلال القراءات الخارجية حول الموضوعات المقررة، حتى تتوافر للطالب خلفية علمية مناسبة قبل البدء في تدريس هذه الموضوعات، كما قد يلجأ المعلم إلى تكليف الطلاب بعرض تلخيصات وافية عن هذه القراءات بعد تدريس موضوعاتها، حتى تكتمل الفائدة، ويتم ترسيخ المعلومات في أذهان الطلاب، وتعم الفائدة بمناقشة هذه التلخيصات داخل الفصل حيث يتم تبادل الآراء والمقارنة بينها والوصول إلى الحل الأمثل، وقد يكلف المعلم بعض الطلاب بإجراء تحليل نقدي لبعض الكتب في التربية الإسلامية من أجل تنمية القدرة على النقد عند الطلاب، كما قد يكلف مجموعة من الطلاب بالقراءة الواعية المتعمقة في هذه الكتب، والاستعداد لمناقشة هذه التحليلات مع بيان الأسانيد والأدلة.
1 محمد عبد القادر أحمد. طرق تعليم التربية الإسلامية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1985، ص59-60.