المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام العلَّامة ناقد الحفاظ وفارس - مجموع رسائل الحافظ ابن عبد الهادي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌التعريف بالحافظ ابن عبد الهادي

- ‌مصنفات الحافظ ابن عبد الهادي

- ‌المصنفات التي نُسبت إلى ابن عبد الهادي خطأً

- ‌وفاة الحافظ ابن عبد الهادي

- ‌منهج التحقيق

- ‌الكلام على حديث "أفرضكم زيد

- ‌ حديث أبي سعيد

- ‌ حديث أبي محجن الثقفي

- ‌ حديث شداد بن أوس

- ‌جزء مختصر في الأحاديث الضعيفة التي يتداولها الفقهاء وغيرهم

- ‌المراسيل

- ‌فصلفي المرسل

- ‌فصل

- ‌الكلام على أحاديث لبس الخفين للمحرم

- ‌اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فضائل الشام

- ‌فصلفي بعض ما ورد في فضائل الشام

- ‌فصلفي ذكر أحاديث فيها أن الفتنة من نحو المشرق

- ‌شرح قصيدة غرامي صحيح

- ‌المعضل

- ‌المرسل:

- ‌المسلسَل

- ‌ الضعيف:

- ‌ المتروك:

- ‌ الحسن

- ‌المشافهة:

- ‌الموقوف:

- ‌المرفوع

- ‌المنكر:

- ‌التدليس

- ‌الحديث المتصل:

- ‌المنقطع:

- ‌المدرج

- ‌المدبج:

- ‌المؤتلف والمختلف:

- ‌المتفق والمفترق:

- ‌ المسند

- ‌ المعنعن:

- ‌الحديث الموضوع:

- ‌المبهم:

- ‌ الاعتبار

- ‌الغامض من الحديث:

- ‌الغريب من الحديث:

- ‌المقطوع:

- ‌العلو

- ‌الطرفة في النحو

- ‌بابُ أقسامِ الكلامِ

- ‌بابُ المعرب والمبنيِّ

- ‌بابُ إعرابِ الأسماءِ

- ‌بابُ الفاعلِ

- ‌بابُ مَا لمْ يسمَّ فاعلُهُ

- ‌بابُ المبتدأِ والخبرِ

- ‌بابُ كانَ وأخواتِها

- ‌بابُ مَا النافيةِ

- ‌بابُ إنَّ وأخواتِهَا

- ‌بابُ "لا

- ‌بابُ نِعْمَ وبِئْسَ

- ‌بابُ عسى وأخواتِها

- ‌بابُ التعجبِ

- ‌بابُ المفعولِ بهِ

- ‌بابُ الظروفِ

- ‌بابُ المفعولِ لهُ

- ‌باب المفعولِ معهُ

- ‌بابُ الحالِ

- ‌بابُ التمييزِ

- ‌بابُ الاستثناءِ

- ‌بابُ مَا يعملُ عملَ الفعلِ

- ‌بابُ ما يعملُ من الفعلِ المضمرِ

- ‌بابُ الإغراءِ

- ‌بابُ حروف الجرِ

- ‌بابُ الإضافةِ

- ‌بابُ النكرةِ والمعرفةِ

- ‌بابُ الصفةِ

- ‌بابُ التوكيدِ

- ‌بابُ البدلِ

- ‌بابُ العطفِ

- ‌بابُ النداءِ

- ‌بابُ الترخيمِ

- ‌بابُ ما لا ينصرفُ

- ‌بابُ العَدَدِ

- ‌بابُ جَمْعِ التَّكْسيرِ

- ‌بابُ إعرابِ الفعلِ

- ‌بابُ توكيدِ الفعلِ

- ‌بابُ النسبِ

- ‌بابُ التصغيرِ

- ‌بابُ الاستفهامِ

- ‌مصادر التحقيق

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام العلَّامة ناقد الحفاظ وفارس

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام العلَّامة ناقد الحفاظ وفارس المعاني والألفاظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي:

‌فصل

في المرسل

قال الشافعي (1) رحمه الله: المنقطع مختلف، فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى حديثًا منقطعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعتبر عليه بأمورٍ، منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن تركه الحفاظ فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة واضحة على صحة من قيل عنه، وإن انفرد به مرسلاً قبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل آخر، فإن وجد ذلك قوي، وهي أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض الصحابة قولًا له، فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح -إن شاء الله- وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى (2) ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولًا ولا واهيًا، فيستدل بذلك على صحته، ويكون إذا شرك أحدًا من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه، حتى لا يسع أحدًا قبول مرسله، قال: وإذا وجدت الدلائل بصحة

(1)"الرسالة"(ص 461 - 465).

(2)

زاد في "الرسالة" و"الصارم المنكي" بعدها: (عن النبي صلى الله عليه وسلم).

ص: 119

حديثه بما وصفت أحببنا أن يقبل مرسله، ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة ثبتت به ثبوتها بالمتصل؛ وذلك أن معنى المنقطع مغيب، يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب في الرواية عنه إذا سمى، وإن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجهما واحدًا من حيث لو سمى لم تقبل، وأن قول بعض الصحابة إذا قال برأيه لو وافقه لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها، ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض الصحابة يوافقه قال: فأما من بعد كبار التابعين، فلا أعلم من يقبل مرسله.

فقد تضمن كلام الشافعي أمورًا:

أحدها: أن المرسل إذا أُسند من وجه آخر دل ذلك على صحة المرسل.

الثاني: أنه إذا لم بسند من وجه آخر نظر هل يوافقه مرسل آخر أم لا، فإن وافقه مرسل آخر قوي، لكنه يكون أنقص درجة من المرسل الذي أسند من وجه آخر.

الثالث: أنه إذا لم يوافقه مرسل آخر ولم بسند من وجه لكنه وجد عن بعض الصحابة قول له يوافق هذا المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم دل على أن له أصلًا، ولم يطرح.

الرابع: أنه إذا وجد خلق كثير من أهل {العلم} (1) يفتون بما يوافق المرسل دل على أن له أصلًا.

الخامس: أن ينظر في حال المرسل، فإن كان إذا سمى شيخه سمى ثقة وغير ثقة؛ لم يحتج بمرسله، وإن كان إذا سمى لم يسم إلا ثقة لم يسم

(1) سقطت من "الأصل" وأثبتها من "الصارم المنكي".

ص: 120

مجهولا ولا واهيًا؛ كان ذلك دليلاً على صحة المرسل وهذا فصل النزاع في المرسل، وهو من أحسن ما يقال فيه.

السادس: أن ينظر إلى هذا المُرسِل له فإن كان إذا شرك غيره من الحفاظ في حديثه وافقه فيه ولم يخالفه؛ دل ذلك على حفظه، وإن خالفه ووجد حديثه أنقص إما نقصان رجل يؤثر في اتصاله، أو نقصان رفعه بأن يقفه، أو نقصان شيء من متنه؛ كان في هذا دليل على صحة مخرج حديثه وأن له أصلًا، فإن هذا يدل على حفظه وتحريه، بخلاف ما إذا كانت مخالفته بزيادة، فإن هذا يوجب التوقف (والاعتبار)(1) وهذأ دليل من الشافعي رضي الله عنه على أن زيادة الثقة عنده لا تلزم أن تكون مقبولة مطلقًا كما يقوله كثير من الفقهاء من أصحابه وغيرهم؛ فإنه اعتبر أن يكون حديث هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه، ولم يعتبر المخالف بالزيادة وجعل نقصان هذا الراوي من الحديث دليل على صحة مخرج حديثه، وأخبر أنه متى خالف ما وصف أضر ذلك بحديثه؛ ولو كانت الزيادة. عنده مقبولة مطلقًا لم يكن مخالفته بالزيادة مضرًا بحديثه.

السابع: أن المرسل العاري عن هذه الاعتبارات والشواهد التي ذكرها ليس بحجة عنده.

الثامن: أن المرسل الذي حصلت فيه هذه الشواهد أو بعضها يسوغ الاحتجاج به ولا يلزم لزوم الحجة بالمتصل؛ وكأنه رضي الله عنه سوغ الاحتجاج به ولم ينكر على مخالفه.

التاسع: أن مأخذ رد المرسل عنده إنما هو احتمال ضعف الواسطة، وأن

(1) في "الصارم المنكي": (والنظر في حديثه).

ص: 121

المرسل لو سماه لبان أنه لا يُحتج به، وعلى هذا المأخذ فإذا كان المعلوم من عادة المرسل أنه إذا سمى لم يسم إلا ثقة ولم يسم مجهولاً كان مرسله حجة وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وهو مبني على أصل، وهو أن رواية الثقة عن غيره هل هي تعديل له أم لا؟ وفي ذلك قولان مشهوران، وهما روايتان عن أحمد، والصحيح حمل الروايتين على اختلاف حالين، فإن الثقة إن كان من عادته أنه لا يروي إلا عن ثقة كانت روايته عن غيره تعديلاً له إذ قد علم ذلك من عادته، وإن كان يروي عن الثقة وغيره لم يكن روايته تعديلاً لمن روى عنه.

وهذا التفصيل اختيار كثير من أهل الحديث والفقه والأصول، وهو أصح.

العاشر: أن مرسل من بعد {كبار} (1) التابعين لا يُقبل، ولم يحك الشافعي عن أحد قبوله؛ لتعدد الوسائط، ولأنه لو قبل لقبل مرسل المحدث اليوم، وبينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة، وهذا لا يقوله أحد من أهل الحديث.

(1) من "الصارم المنكي".

ص: 122

فصل (1)

وقوم قبلوا المرسل وبالغ فيه بعضهم حتى قالوا: إنه أقوى من المتصل، وهذا مذهب عيسى بن أبان.

قالوا: لأن المرسل قد قطع بشهادته على الرسول صلى الله عليه وسلم، والواصل قد أحال على الواسطة، وعدالة الراوي وأمانته تمنعه أن يشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرٍ يكون راويه غير ثقة ولا حجة، فلو لم يُقبل مثل هذا المرسل لكان ذلك قدحًا في الراوي المعلوم الثقة والأمانة، وهو غير جائز.

قالوا: وقد قبلت الأمة مثل رواية ابن عباس وابن الزبير، ونحوهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن أكثرها مرسلة، والذي شاهده ابن عباس أو سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم شفاهًا بالنسبة إلى ما رواه قليل جدًّا، حتى قيل: إنه لم يبلغ العشرين، وقد قبلت الأمة مرسله، وعملت به، والاحتمال الذي ذكرتموه في مرسل التابعي بعينه موجود في محل الوفاق.

قالوا: ولأنا لو رددنا المرسل لوجب رد ما أسنده المرسل؛ لأنه إما جاز أن يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يعلم أنه حق كان ذلك قدحًا في عدالته، وهو يبطل روايته مطلقًا، فإن جوزتم عليه ذلك بطلت روايته، وإن لم تجوزوا عليه ذلك لزم قبول مرسله ولا انفكاك عن واحدٍ من الأمرين، وقد اتفقت الأمة على قبول ما أسنده؛ وذلك يستلزم قبول ما أرسله من الطريق الذي بيناه.

قالوا: والذي يدل على ما قلنا أن الأعمش قال: قلت لإبراهيم: إذا

(1) ذكر الحافظ العلائي معظم ما استدل به المحتجون بالمرسل مطلقًا في كتابه "جامع التحصيل"(ص 71 - 88) وأجاب عنه.

ص: 123

حدثتني فأسند. فقال: إذا قلت لك: "قال عبد الله" فقد حدثني جماعة عنه، وإذا قلت لك:"حدثني فلان عن عبد الله" فهو الذي حدثني (1)، وقال الحسن: كنت إذا {اجتمع لي} (2) أربعة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تركتهم وأسندته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).

قالوا: فإذا كان هذا شأن مراسيل الحسن، وهي عندكم من أضعف المراسيل، فكيف بمراسيل غيره من كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابة؟ .

قالوا: وروى عروة بن الزبير لعمر بن عبد العزيز حديثًا عن النبي

(1) قال العلائي في "جامع التحصيل"(ص 79 - 80): وأما ما ذكروه عن إبراهيم النخعي، فهو صحيح رواه شعبة عن الأعمش عنه، وكذلك قال أحمد بن حنبل: مرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها. وأشار البيهقي إلى أن هذا إنما يجيء فيما جزم به إبراهيم النخعي عن ابن مسعود وأرسله عنه؛ لأنه قيد فعله ذاك. فأما غيرها فإنا نجده يروي عن قوم مجهولين لا يروي عنهم غيره، مثل: هني بن نويرة، وجذامة الطائي، وقرثع الضبي، ويزيد بن أوس، وغيرهم.

(2)

في "الأصل": (أجمع إلى) والمثبت من "جامع التحصيل".

(3)

قال العلائي في "جامع التحصيل"(ص 79): قال أحمد بن حنبل: ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح؛ فإنهما يأخذان عن كل أحد. وروى حماد ابن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان قال: ربما حدثنا الحسن بالحديث، ثم أسمعه بعد يحدث به، فأقول: من حدثك يا أبا سعيد؟ فيقول: ما أمرى غير أني سمعته من ثقة. فأقول أنام حدثتك به. فهذا الحسن يرسل عن علي بن زيد، وهو متكلم فيه كثيرًا، وتوثيقه إياه بحسب ظنه. وقال ابن عون: قال بكر المزني للحسن وأنا عنده: عمن هذه الأحاديث التي تقول فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: عنك وعن ذا. وهذا كله يرد ما ذكروه عن الحسن أنه قال: "كنت إذا اجتمع لي أربعة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تركتهم، وقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" مع أني لم أجده مسندًا، بل هو في كتبهم هكذا منقطعًا.

ص: 124

- صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" فأرسله، فقال عمر: أتشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؟ فقال: نعم، أخبرني بذلك العدل الرضا. ولم يسم من أخبره؛ فاكتفى منه عمر بن عبد العزيز بذلك، وقبله وعمل به.

قالوا: وقد كان سعيد بن المسيب والحسن وغيرهما يرسلون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إذا سُئلوا عن إسناده أسندوه إلى الثقات.

قالوا: وأيضًا فالأدلة الدالة على قبول خبر الواحد والعمل به لا تفرق بين المرسل والمسند، كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (1).

قالوا: فدلت الآية على وجوب تبليغ ما أنزل الله من البينات والعمل به، والتابعي الثقة إذا قال:"قال رسول صلى الله عليه وسلم" فقد بين وترك الكتمان؛ فيلزم قبوله عملًا بالآية.

قالوا: وأيضًا فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (2). فدلت الآية على أن الطائفة من التابعين إذا رجعت إلى قومها فقالت: "أنذركم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأحذركم مخالفته" لزمهم قبول خبرهم، كما دل على لزوم خبر الصحابي إذا قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" وإن لم يسمعه منه.

قالوا: وأيضًا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب"(3)،

(1) سورة البقرة، الآية:159.

(2)

سورة التوبة، الآية:122.

(3)

رواه البخاري (1/ 238 رقم 104)، ومسلم (3/ 1305 - 1306 رقم 1679) عن =

ص: 125

وقوله: "بلغوا عني"(1) وهذا يتناول المرسل والمسند.

قالوا: وأيضًا فلما كان المسند في أخبار الآحاد مقبولًا وجب أن يكون المرسل بمثابته من حيث شهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل عصر التابعين بالصلاح كما شهد للصحابة، فوجب حمل أمرهم على ما حملنا عليه أمر الصحابي إذا قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لأن ظاهر حال التابعين العدالة والصدق، ولهذا شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم من خير القرون حيث يقول:"خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"(2).

فأثنى على قرن التابعين وتابعيهم بالخير، وأخبر أن الكذب يفشو بعد ذلك، فدل على أن الذي أثنى به على القرون الفاضلة هو الصدق والعلم؛ فمن سَوَّى بين القرن الفاضل الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير والصدق وبين القرن الذي أخبر بفشو الكذب فيهم فقد سوى بين مختلفين.

قالوا: وأيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم لما شهد عنده الأعرابي برؤية الهلال قال له: "تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ ". قال: نعم. فقبل خبره وأمر

= أبي بكرة رضي الله عنه.

ورواه البخاري (4/ 50 رقم 1832)، ومسلم (2/ 987 - 988 رقم 1354) عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه.

ورواه البخاري (3/ 670 رقم 1739) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(1)

رواه البخاري (6/ 572 رقم 3461) عن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما.

(2)

رواه البخاري (6/ 305 رقم 2651) ومسلم (4/ 1964 - 1965 رقم 2535) عن عمران ابن حصين رضي الله عنه.

ورواه البخاري (5/ 306 رقم 2652) ومسلم (4/ 1962 - 1963 رقم 2533) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ورواه مسلم (4/ 1963 - 1964 رقم 2534) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 126

الناس بالصوم" (1) بنفس ظهور الإسلام منه، قبل أن يعرف شيئًا آخر من أحواله؛ لأنه لو كان قد عرف حاله قبل ذلك لما سأله عن الإسلام، فلما سأله أمسلم هو، كان في ذلك تنبيه ودلالة على أن إسلامه هو الموجب لقبول خبره.

قالوا: فأيضًا فهذا الوسطة الذي بين التابع وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، يخلو من أحد أمور أربعة: إما أن يكون صحابيًّا، أو تابعيًّا ثقة، أو مجروحًا متهمًا، أو مجهولًا يُدرى حاله، فإن كان صاحبيًا أو تابعيًّا ثقة وجب قبول خبره، وإن كان مجروحًا متهمًا بالكذب وجب إطراح حديثه، لكن مثل هذا بعيد جدًّا في التابعي أن يكون بينه وبين الصحابي كذاب وهو لا يبين حاله، ويستجيز أن يشهد بقوله وروايته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتمال أن يكون قد خفي حاله على التابعي مع كونه غير ثقة فيقطع بروايته على رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يثبت عنده صدقه وعدالته في غاية البعد، وكذلك إن كان مجهولا لا يُدرى حاله أصادق هو أم كاذب لا نظن بالتابعي الثقة أن يقطع

(1) رواه أبو داود (2/ 302 رقم 2340) والترمذي (3/ 74 رقم 691) والنسائي (4/ 131 - 132 رقم 2111، 2112) وابن ماجه (1/ 529 رقم 1652) من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه ابن خزيمة (3/ 208 رقم 1923، 1924) وابن حبان (8/ 229 - 230 رقم 3446) والحاكم (1/ 423).

ورواه أبو داود (2/ 302 رقم 2341) من طريق سماك عن عكرمة مرسلاً، وقال أبو داود: رواه جماعة عن سماك، عن عكرمة مرسلًا.

وقال النسائي: المرسل أولى بالصواب. انظر "تحفة الأشراف"(5/ 137 - 138) - و"كفاية المستقنع"(1/ 398).

وقال الترمذي: وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

ص: 127

على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله مع أنه مجهول الحال عنده، وإن كان هذا محتملاً فهو احتمال مرجوح في غاية البعد، ولا ريب أن الاحتمالين الأولين أغلب على الظن، وذلك كافٍ في الاحتجاج به.

قالوا: وأيضًا فلا يخلو التابعي إذا أرسل الحديث وحذف الواسطة من أحد أمور ثلاثة: إما أن يكون حذفها لأنه لو سماه لعرف جرحه وعدم أهليته للتحمل عنه، أو يكون حذفه لشهرته (1) في العدالة والثقة عنده فلم يكن بذكره حاجة، وهذ كما قيل في حذف الفاعل إذا كان معلومًا ولا فائدة في ذكره؛ فإنه يبنى الفعل للمفعول ويحذف الفاعل؛ كقوله تعالى:{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (2) و {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (3) وقوله: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (4) وهو كثير، وهذا إما أن يكون لكثرة الوسائط والمخبرين، وإما أن يكون لأن ذلك المحذوف لا فرق عنده بين ذكره وحذفه في قبول روايته، أو يكون حذفه لعدم علمه به أو جهله بحاله من الثقة والجرح، فلا نظن به الأول؛ لأن ذلك غش فيه وتلبيس؛ وذلك يقدح في عدالته، ولا نظن به الثالث لذلك أيضًا؛ فتعين القسم الثاني، وذلك غير مبطل للاحتجاج بالمرسل.

قالوا: وأيضًا فلو لم يكن المرسل حجة لم يكن الخبر المعنعن حجة؛ لأن الراوي أيضًا أرسله بالعنعنة ولم يصرح بالسماع ممن فوقه، والاحتمال الذي ذكرتموه في المرسل بعينه قائم في الخبر المعنعن، وما هو جوابكم هو جوابنا

(1) مشتبهة في "الأصل" ولعلها كما أثبته، والله أعلم.

(2)

سورة الأنبياء، الآية:37.

(3)

سورة النساء، الآية:28.

(4)

سورة الأعراف، الآية:2.

ص: 128

بعينه واحتمال لقيه والسماع منه ليس بدون احتمال ثقة الواسطة المحذوف وعدالته، وهذا ظاهر.

قالوا: وأيضًا فإن الله تعالى إنما أمرنا بالتثبت أو التبين في قبول خبر الفاسق؛ فدل على أن العدل الثقة لا يجب التثبت في خبره، وهذا المرسل ثقة عدل فيجب قبول خبره وسؤالنا له ممن سمعه نوع تثبت وتوقف في خبره واتهام له بحمله عن غير أهلٍ.

قالوا: وأيضًا فإنا وجدنا عامة الصحابة والتابعين إذا سمعوا الأخبار المرسلة صاروا إليها وعملوا بها، وتركوا آراءهم لأجلها: أما الصحابة فأكثر من أن تحصى، فإنهم لم يكونوا إذا رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا يقول لهم من سمعه منهم هل سمعتموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بينكم وبينه واسطة؟ وهذا أبو هريرة من أكثر الصحابة رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير من روايته إنما تلقاها عن غيره من الصحابة، وهكذا ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير، حتى يقال: إنه لا يعرف له ما يحكيه عن النبي صلى الله عليه وسلم سماعًا إلا حديث: "الحلال بين"(1)، وقال البراء بن عازب (2): ما كل ما نحدثكم به سمعناه من النبي صلى الله عليه وسلم، لكنا سمعناه وحدثنا أصحابُنا، ولكنا لا نكذب.

وأما التابعون فروايتهم للمراسيل واحتجاجهم بها وعملهم بها ظاهر مشهور، فإنهم إنما رووها محتجين بها في مقام الفتوى والمناظرة والتبليغ، وهذا أشهر من أن يذكر أمثلته، فما أنكره عليهم نظراؤهم ولا من فوقهم،

(1) رواه البخاري (1/ 53 رقم 52) ومسلم (3/ 1219 - 1221 رقم 1599).

(2)

ورواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 282) وفي "العلل ومعرفة الرجال"(2/ 410 رقم 2835).

ص: 129

وإنما أنكره من جاء بعدهم.

قالوا: وأيضًا فلو قال هذا الراوي المرسل: "حدثني فلان وهو عدل عندي" حاق قبول خبره والعمل به، فروايته عنه في مقام الاحتجاج والقطع به على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يكن فوق تعديله له فليس بدونه، وإنما قلنا إنه ليس بدون تعديله لما فيه من الشهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيجاب حكم بخبره أو إسقاطه من تحريم أو تحليل أو إباحة واستجازته وإقدامه على إرسال مثل ذلك دليل على تعديله لمن حدثه به، وهذا أمر ظاهر.

قالوا: وأيضًا فلو لم يكن المرسل حجة لبادرت الأمة إلى إنكار من رواه فإنه إن رواه محتجًا به وهو غير حجة فالإنكار متعين، وإن لم يروه محتجًا به فلا ريب أنه لم يقل هذا ليس بحجة، ولا سيما روايته له ظاهرة في الاحتجاج، وترك النكير من الأمة دليل على قبوله والعمل به.

قالوا: وأيضًا فنحن لا طريق لنا إلى العلم بحال الرواة، وتجريحهم وتعديلهم إلا من الرواة المتلقين عنهم، فمن جرحوه أطرح خبره، ومن وثقوه قُبل خبره وعُمل به، وكان توثيقهم من فوقهم طريقًا موصلاً إلى العمل بخبره وقبوله، فإذا أتى بالغاية المقصودة من التوثيق والتعديل، وهي القبول والتحديث والعمل بخبره؛ كان ذلك مغنيًا عن الوسيلة، وكان أبلغ منها.

قالوا: وأيضًا فمن تأمل حال الصحابة والتابعين وجدهم من أصدق الناس، أما الصحابة فلم يكن فيهم أحد يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبة واحدة، وأما التابعون فمشهورن معروفون بالصدق، ولم يكن فيهم معروف بالكذب إلا من أمره مشهور بينهم شهرة أظهر من أن يُحتاج إلى البحث عنه، ولم يكن أئمة التابعين يروون عن مثل هذا شيئًا، وهذا الضرب أكثر ما

ص: 130

يوجد في الشيعة، وأما أصحاب ابن مسعود فلم يُعرف فيهم كذاب قط، وكذلك أصحاب ابن عباس، وأصحاب معاذ بن جبل، وأصحاب زيد بن ثابت، وأصحاب أبي هريرة، وأصحاب ابن عمر، وهم معروفون عند الأئمة بالثقة والأمانة والنصيحة، ويكفي شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بأنهم خير القرون بعد قرنه، وإخباره عن غيرهم بالكذب، وهذا أمر يعلمه كل من له ذوق في الأخبار وتمييزها وحال رواتها.

قالوا: وأيضًا فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودًا في حدٍّ أو مجربًا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو قرابة"(1). فاكتفى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بظاهر العدالة إلا من علم منه خلافها ولا ريب أن هذه الواسطة ظاهرة العدالة، فالأصل قبول خبره وشهادته حتى يثبت عليه ما يوجب ذلك، وهذا في عصر التابعين ظاهر جدًّا؛ لأنهم كانوا خير الخلق بعد الصحابة، وكان الخير فيهم أغلب من الشر، والعدله أكثر من المتهم؛ فالواجب حمل روايتهم وشهادتهم على الصحة ما لم يتبين خلافها.

قالوا: وأيضًا فالإرسال حكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الراوي من أهل العدالة والإتقان والأمانة وقد حكم بهذا الحديث وجب قبول حكمه كما لو حكم بصحة الحديث أو بضعفه أو بجرح الراوي، فالفرق بين الحكم وبين الرواية المحضة ظاهر، فالمرسل حاكم، وأي فرق بين قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين قوله هذا الحديث صحيح.

(1) جزء من رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وستأتي الإشارة إلى بعض طرقها، إن شاء الله تعالى.

ص: 131

قالوا: وأيضًا فإذا وجب على المستفتي قبول ما يرسله المفتي عن النبي صلى الله عليه وسلم معنًى؛ بناءً على ظاهر علمه وعدالته، وجب على العالم قبول ما يرسله له الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظًا؛ بناءً على ظاهر عدالته وصدقه وأمانته.

قالوا: وأيضًا فالمرسل إن علم أن فيمن أرسل عنه قدحًا وجرحًا يمنع قبول روايته ولم يبينه فقد كتم ما يجب عليه بيانه، وذلك نوع خيانة، وإن لم يعلم منه ما يوجب رد روايته وجب عليه قبول خبره والعمل به بناءً على صحته عنده، فما لم يقم عند غيره دليل على خلاف ذلك وجب عليه المصير إلى قبول خبره؛ لأنه دليل ظاهر لا معارض له فكيف يجوز تعطيله.

قالوا: وأيضًا فهذا سعيد بن المسيب مع جلالته وعلو منزلته عند المسلمين حتى قال فيه الإمام أحمد (1): هو سيد المسلمين بإجماع المسلمين. أخذ الناس بروايته عن عمر حديثه وأحكامه، مع أن عامتها مراسيل -فإنه ولد لسنتين مضتا، وقيل: بقيتا- من خلافة عمر (2) قال الإمام أحمد (3): إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر، فمن يقبل؟ ! ولا يُعرف أحد من التابعين كان يقول لسعيد بن المسيب إذا روى عن عمر من حدثك به عن عمر؟ بل كان عبد الله بن عمر يرسل إليه يسأله عن قضايا عمر وأحكامه، ولم يختلف

(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وفي "تهذيب الكمال" (11/ 73): وقال عثمان الحارثي النحاس: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أفضل التابعين سعيد بن المسيب.

(2)

قال سعيد بن المسيب: "ولدت لستتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت خلافته عشر سنين وأربعة أشهر". رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(5/ 119 - 120) والامام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال"(1/ 149 رقم 48) بسند صحيح عنه.

(3)

في رواية أبي طالب، كما في "الجرح والتعديل"(4/ 60).

ص: 132

عليه اثنان في قبولها.

قالوا: وأيضًا فهذا مالك يحتج بالمراسيل، وهو المقدم لعمل أهل المدينة على الخبر، فلولا أن ذلك عنده عمل متوارث عند أهل المدينة (سلفهم عن خلفهم)(1) لما بني عليه الأحكام، وجعله أصلًا في الحلال والحرام.

قالوا: وأيضًا فلو أن حاكمًا حكم بشهادة شاهدين عدلين وأسجل به ولم يسمهما لم يجز لأحدٍ الاعتراض على حكمه لأجل ترك تسمية الشهود.

وعند التحقيق إذا تمحص (2) محل النزاع، فلا نزاع بنن الفريقين؛ فإن الذين قبلوا المرسل إنما يقبلونه إذا كان المرسِل من عادته أن لا يروي إلا عن ثقة، قال أبو بكر الرازي في كتابه في الأصول: من علمنا حاله أنه يرسل الحديث عمن لا يوثق بروايته ولا يجوز حمل الحديث عنه فهو غير مقبول المراسيل عندنا، وإنما كلامنا في من لا يرسل إلا عن الثقات الإثبات عنده وعلى هذا فيزول الخلاف في المسألة، وتتفق الأدلة من الجانبين، والله أعلم.

(1) كذا في "الأصل" وفيه قلب؛ فالصواب: (خلفهم عن سلفهم) والله أعلم.

(2)

مشتبهة في "الأصل" ولعلها كما أثبته، والله أعلم.

ص: 133

فصل

قال ابن حزم (1): وأما رسالة عمر -يعني: في القياس- فحدثنا بها أحمد بن عمر العذري، ثنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي، ثنا أبو سعيد الخليل بن أحمد القاضي السجستاني، ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا يوسف بن موسى القطان، ثنا عبيد الله (2) بن موسى، ثنا عبد الملك بن الوليد ابن معدان، عن أبيه، قال:"كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري. .. "، فذكر الرسالة، وفيها: "الفهم (3) يعني فيما يتلجلج في صدرك بما ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله، ثم اعرف الأشكال والأمثال، وقس الأمور عند ذلك، ثم اعمد إلى أشبهها بالحق وأقربها إلى الله عز وجل

" وذكر باقي الرسالة.

وحدثناها أحمد بن عمر، ثنا عبد الرحمن بن الحسن الشافعي، ثنا أحمد بن محمد الكرخي (4)، ثنا محمد بن عبد الله العلاف، ثنا أحمد بن علي بن محمد الوراق، ثنا عبد الله بن سعيد (5)، ثنا أبو عبد الله محمد بن (6) يحيى بن أبي عمر العدني (7)، ثنا سفيان، عن إدريس بن يزيد الأودي، عن

(1)"الأحكام في أصول الأحكام"(7/ 1287).

(2)

في "الأصل": (عبد الله) مكبرًا، والمثبت من "الأحكام"، وهو عبيد الله بن موسى بن أبي المختار أبو محمد الكوفي، ترجمته في "تهذيب الكمال"(19/ 164).

(3)

في "الأحكام": (الفهم الفهم).

(4)

في "الأحكام": (الكرجي) بالجيم.

(5)

في "الأحكام": (سعد).

(6)

زاد بعدها في "الأصل": (أبي) وهي زيادة مقحمة ليست في "الأحكام"، ومحمد بن يحيى ابن أبي عمر العدني ترجمته في "تهذيب الكمال"(26/ 639).

(7)

في "الأصل": (الدني) وهو تحريف، والعدني: بفتح العين والدال المهملتين وفي آخرها =

ص: 134

سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى

" فذكر الرسالة، وفيها: "الفهم الفهم (1) فيما يتلجلج في نفسك مما ليس في الكتاب ولا في السنة، ثم قس الأمور بعضها ببعض، وانظر أشبهها بالحق وأحبها إلى الله فأعمل به". وفيها أيضًا: "المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودًا في حدٍّ، أو مجربًا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو قرابة

" {وذكر باقيها} (2).

قال أبو محمد بن حزم (3): وهذا لا يصح؛ وإن السند الأول فيه عبد الملك بن الوليد بن معدان، وهو كوفي متروك الحديث ساقط بلا خلاف (4)، وأبوه مجهول (5).

= النون، نسبة إلى بلدة من بلاد اليمن، يقال لها: عدن، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر كان أبوه من عدن؛ فنسب إليها "الأنساب"(4/ 166).

(1)

في "الأحكام": (الفهم) مرة واحدة.

(2)

في "الأصل": (وذكرنا فيها) والمثبت من "الأحكام".

(3)

"الإحكام في أصول الأحكام"(7/ 1287 - 1288).

(4)

في هذا القول تهويل؛ فإن الإمام يحيى بن معين قال في رواية إسحاق بن منصور: صالح. كما في "الجرح والتعديل"(5/ 373) وقال في رواية ابن محرز: ليس به بأس. "سؤلات ابن محرز"(1/ 92 رقم 346) وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. "الجرح والتعديل"(5/ 374) وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 436): فيه نظر. وقال النسائي: ليس بالقوي. كما في " تهذيب الكمال"(18/ 432) وقال ابن عدي في "الكامل"(6/ 535): روى أحاديث لا يتابع عليها. وقال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 135): منكر الحديث جدًّا ممن يقلب الأسانيد، لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه.

(5)

ذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 493 - 494) وقال: يعتبر بحديثه ما لم يروه عنه ابنه.

وفي "الميزان"(4/ 349): الوليد بن معدان حدث عنه ولده عبد الملك قال ابن حزم: كلاهما ساقط. قلت: انفرد بحديث عمر رضي الله عنه في كتابه إلى أبي موسى أن يجتهد رأيه اهـ

ص: 135

وأما السند الثاني فمن بين الكرخي إلى سفيان مجهولون (1)، وهو أيضًا

(1) كذا جهَّل العلامةُ ابن حزم جماعةَ في الإسناد، منهم الإمام محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، وهو إمام كبير، له مسندٌ معروفٌ - جمع روائده على الكتب الستة و"مسند الإمام أحمد" الحافظ ابن حجر في كتابه "المطالب العالية" وجمع زوائده على الكتب الستة الحافظ البوصيري في كتابه "إتحاف الخيرة بزوائد المسانيد العشرة" - روى عنه مسلم والترمذي وابن ماجه، وروى النسائي عن رجل عنه، وقد وثقه يحيى بن معين والدارقطني وابن حبان، وقال أبو حاتم الرازي: كان صدوقًا. وقال مسلمة: لا بأس به. وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عمن يكتب عنه، فقال: أما بمكة فابن أبي عمر. ترجمته في "تهذيب الكمال"(26/ 639 - 642).

وأما الرواة عنه فقد توبعوا جميعًا، قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 103): أخبرنا عبد الوارث، قال حدثني القاسم، قال: حدثني الخشني، قال: حدثني ابن أبي عمر العدني، قال: حدثني سفيان به.

وقد توبع الإمام محمد بن يحيى العدني أيضًا؛ تابعه الإمام أحمد بن حنبل، عند الدارقطني في "سننه"(4/ 207)، وتابعه يحيى بن الربيع المكي عند البيهقي في "سننه"(10/ 115) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/ 72) لكنهما لم يذكرا أبا بردة في الإسناد.

ولهذه الرسالة عن عمر بن الخطاب أسانيد أخرى:

قال أبو عبيد: ثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان، وقال أبو نعيم: عن جعفر بن برقان، عن معمر البصري، عن أبي العوام قال: كتب عمر إلى أبي موسى

فذكرها، كما في "إعلام الموقعين"(1/ 85 - 86).

ورواها البيهقي في "سننه"(10/ 150) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/ 71) من طريق ابن كناسة عن جعفر بن برقان به.

ورواها الدارقطني في "سننه"(4/ 206) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/ 70) من طريق عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح الهذلي قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى

، فذكرها.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة"(6/ 71): ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء وبنوا عليها واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه. اهـ. =

ص: 136

منقطع؛ فبطل القول به جملة، ويكفي أنه لا حجة في قول أحدٍ دون النبي عليه السلام.

قال العقيلي في كتابه (1): عبد الملك بن الوليد بن معدان الضبعي، حدثني آدم قال: سمعت البخاري قال: عبد الملك بن الوليد بن معدان الضبعي فيه نظر. ومن حديثه ما حدثناه عبد الله بن أحمد بن أبي مسرّة، ثنا بدل بن المحُبَّر، ثنا عبد الملك بن الوليد بن معدان الضبعي، أنا عاصم ابن بهدلة، عن زر وأبي وائل، عن عبد الله قال: "ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الضحى (2) وركعتي الغداة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3). قال: ولا يُتابع عليه بهذا الإسناد، وقد روي هذا المتن بإسنادٍ جيدٍ.

= وقال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين"(1/ 86): وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه. انتهى، ثم أفاض رحمه الله في شرحه.

(1)

"الضعفاء الكبير"(3/ 38).

(2)

في "الضعفاء الكبير": (الفجر).

(3)

رواه الترمذي (3/ 296 - 297 رقم 431) وابن ماجه (1/ 369 رقم 1166) من طريق بدل ابن المحبر به، ولم يذكر الترمذي زرًّا في الإسناد، وقال الترمذي: حديث غريب من حديث ابن مسعود، لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن معدان عن عاصم.

ص: 137