الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام على حديث "أفرضكم زيد
"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحدًا، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، هذا جزء نفيس في علل حديث:"أفرضكم زيد" للحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله رحمة واسعة- جمع فيه ابن عبد الهادي طرق الحديث وألفاظه، وذكر متابعاته وشواهده، ونقل كلام أهل العلم عليها، وصحح وعلَّل، وجرح وعدَّل، فكفى رحمه الله وشفى.
وهو أحد آثار المؤلف رحمه الله المتبقية التي تدل على براعته في علم الحديث، خاصة علم العلل -الذي هو أدق علوم الحديث وأخصها، فلم يتكلم فيه إلا قلة قليلة من أكابر علماء الحديث، رحمهم الله رحمة واسعة- ومعرفة أحوال الرواة وجرحهم وتعديلهم، بحيث يظهر منه جليًّا صدق قول الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله وهو يصف المؤلف رحمه الله: وعُني بالحديث وفنونه، ومعرفة الرجال والعلل، وبرع في ذلك. اهـ.
بدأ المؤلف هذا الجزء برواية الحديث بإسناده عن عدة من شيوخه سمى منهم الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ثم خرج الحديث من المسند والكتب الستة وغيرها ثم ذكر أن العلماء اختلفوا في هذا الحديث قديمًا وحديثًا، ثم نقل كلام الحافظ الدارقطني في "العلل"، ثم كلام الحافظ
الخطيب البغدادي في كتابه "الفصل للوصل المدرج في النقل"، ثم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم ذكر متابعات الحديث وشواهده، وتكلم عليها طريقًا طريقًا وأطال النفس في ذلك، ونقل في ثنايا ذلك كلام الأئمة على هذا الحديث وطرقه كالترمذي، والحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر، وغيرهم، وتكلم على جرح الرواة بكلام شاف، ونقل في ذلك عن الأئمة: كالإمام أحمد، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي، وأبي داود السجستاني، وعمرو بن علي الفلاس، والنسائي، وابن عدي، وابن حبان، والدارقطني، والعقيلي، والجوزجاني، وأبي القاسم البغوي، وابن خراش، وابن الجنيد، والحاكم، والأزدي، والخطيب البغدادي، وغيرهم.
وتكلم في ثنايا ذلك على قواعد هامة في علم الحديث، كتعارض الجرح والتعديل، وتكلم عن مراسيل الحسن البصري، وغير ذلك من الفوائد الفرائد المنثورة في ثنايا هذا الجزء البديع.
وصف النسخة الخطية
لم أقف لهذا الجزء إلا على نسخة واحدة، محفوظة في المكتبة الأزهرية بالقاهرة، ضمن مجموع (رقم 235)، تبدأ من الورقة الخامسة عشر إلى الورقة الخامسة والعشرين، وخطها جيد، ولم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، مسطرتها: عشرون سطرًا.
صحة نسبة هذا الجزء لابن عبد الهادي:
ولا ريب في نسبة هذا الجزء للحافظ ابن عبد الهادي فقد نسبه له الناسخ في أوله، وقد بدأ ابن عبد الهادي برواية الحديث عن شيخه الإمام
أبي الحجاج المزي، وهو أحد شيوخه الأعلام، قال ابن رجب عن المؤلف: ولازم أبا الحجاج المزي الحافظ حتى برع عليه في الرجال. اهـ. ونقل المؤلف في ثنايا الجزء عن شيخه الإمام ابن تيمية، فقال:"وقد كان شيخنا الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله يتكلم في هذا الحديث" وحفاوة المؤلف بشيخه ابن تيمية أمر مشهور.
وقد نسب هذا الجزء للمؤلف: ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 439)، وابن طولون في "القلائد الجوهرية"(2/ 433)، والعليمي في "المنهج الأحمد"(5/ 80) وفي "الدر المنضد"(2/ 509) وابن ضويان في "رفع النقاب"(316)(1).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) انظر "معجم مصنفات الحنابلة"(4/ 56 - 57).
أول النسخة الخطية
آخر النسخة الخطية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام الحافظ الناقد الجهبذ شمس الدين محمد بن عبد الهادي المقدسي:
أخبرنا غير واحد من شيوخنا سماعًا عليهم -منهم الحافظ أبو الحجاج المزي- قالوا: أنا أبو الغنائم المُسَلَّم بن محمد بن المُسَلَّم بن عَلَّان، أنا أبو علي حنبل بن عبد الله الرصافي، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المُذْهِب، أنا أبو بكر أحمد ابن جعفر القَطِيعي، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله ابن أحمد بن حنبل، ثنا أبي (1) -الإمام أحمد بن حنبل- ثنا وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياءً عثمان وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله عز وجل أُبيٌّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"(2).
ورواه أحمد (3) أيضًا عن عفان [ثنا](4) وهيب عن خالد الحذاء.
وقال أبو عبد الله بن ماجة في "سننه"(5): ثنا محمد بن المثنى، ثنا
(1)"المسند"(3/ 184).
(2)
رواه الخطيب البغدادي في كتاب "الفصل للوصل المدرج في النقل"(2/ 678) عن الحسن بن علي التميمي -وهو أبو علي بن المذهب- به.
(3)
"المسند"(3/ 281).
(4)
سقطت من "الأصل" وأثبتها من "المسند".
(5)
"سنن ابن ماجة"(1/ 55 رقم 154).
عبد الوهاب ابن عبد المجيد، ثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان (1) وأقرؤهم لكتاب الله أُبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أمينًا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
حدثنا (2) علي بن محمد، ثنا وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
ورواه الترمذي (3) عن محمد بن بشار، عن عبد الوهاب الثقفي، وقال: حسن صحيح (4).
ورواه النسائي (5) عن أحمد بن سليمان، عن عفان، عن وهيب، عن
(1) زاد بعدها في "سنن ابن ماجه" المطبوع: "وأقضاهم علي بن أبي طالب" وليست هذه الزيادة في نسخة الإمام ابن قدامة الخطية المتقنة للسنن (1/ 28).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 55 رقم 155)، ولم يسق لفظه في النسخة المطبوعة، بل قيل:"عن أبي قلابة مثله -عند ابن قدامة- غير أنه يقول في حق زيد: وأعلمهم بالفرائض". وسيق الحديث بلفظه كما هنا في نسخة الإمام ابن قدامة (1/ 29).
(3)
"جامع الترمذي"(5/ 623 رقم 3791) وروى الذهبي في "السير"(4/ 474) هنا الحديث من طريق الترمذي.
(4)
لما ذكر عبد الحق الأشييلي هذا الحديث في "أحكامه الوسطى"(3/ 339) من "جامع الترمذي" وذكر كلام الترمذي هذا عفبه فقال: كذا قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح"، والمتفق على المسند في هذا الحديث ذكر أبي عبيدة، وأول الحديث إنما يرويه الحفاظ من أهل البصرة عن خالد، عن أبي قلابة مرسلاً. اهـ.
(5)
"سنن النسائي الكبرى"(5/ 67 رقم 8242).
خالد الحذاء.
وعن (1) محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم، عن عبد الوهاب الثقفي.
ورواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب "المستدرك على الصحيحين"(2) وقال: هو على شرط الشيخين (3).
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي (4): أبنا أبو الحسين بن بشران -ببغداد- أنا أبو جعفر محمد بن عَمرو بن [البختري](5) الرزاز، ثنا حنبل بن إسحاق، ثنا قبيصة أبن عقبة، ثنا سفيان بن سعيد، عن خالد وعاصم، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله رضي الله عنه: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، واصدقهم حياءً عثمان، وأفرضهم زيد،
(1)"سنن النسائي الكبرى"(5/ 78 رقم 8287).
(2)
"المستدرك"(3/ 422).
(3)
نص كلام الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وإنما اتفقا بإسناده على ذكر أبي عبيدة فقط، وقد ذكرت علته في كتاب "التلخيص". اهـ.
قلت: قد ذكر الحاكم علته في كتاب "معرفة علوم الحديث"(ص 114) فقال في كلامه على النوع الثاني من علل الحديث بعد أن ذكر رواية قبيصة عن سفيان -: وهذا من نوع آخر علته، فلو صح بإسناده لأخرج في "الصحيح"، إنما روى خالد الحذاء عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي
…
" مرسلا، وأسند ووصل: "إن لكل أمة أمينًا، وأبو عبيدة أمين هذه الأمة". هكذا رواه البصريون الحفاظ عن خالد الحذاء وعاصم جميعاً، وأسقط المرسل من الحديث، وخرج المتصل بذكر أبي عبيدة في "الصحيحين".
(4)
"السنن الكبرى"(6/ 210).
(5)
في "الأصل": (الختري) بإسقاط الباء الموحدة، وهو خطأ، والمثبت من "سنن البيهقي"، وهو أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري بن مدرك الرزاز مسند العراق، ترجمته في "سير أعلام النبلاء"(15/ 385 - 386).
وأقرؤهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ (1) وإن لكل أمة أمينًا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
قال: وكذلك رواه قطبة بن العلاء، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس موصولًا.
وكذلك رواه وهيب بن خالد وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن خالد الحذاء موصولاً.
أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمداباذي (2)، ثنا أبو قلابة؛ ثنا عفان: وسهل بن بكار {قالا} (3): أبنا وهيب، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم أُبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
حدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا علي {بن} (4) حمشاذ العدل، ثنا أبو المثنى ومحمد بن أيوب، قال: ثنا مسدد، ثنا عبد الوهاب، ح،
وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عَمْرو، أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا
(1) زاد في "الأصل" بعد ما: "ابن" وهي زيادة مقحمة ليست في "سنن البيهقي".
(2)
بضم الميم، وفتح ثانيه، بينهما الحاء المهملة، وبعدها الدال المهملة، ثم الباء المنقوطه بواحدة بين الألفين، رفي آخرها الذال المعجمة، هذه النسبة الى محمداباذ وهي محلة خارج نيسابور "الأنساب" للسمعاني (5/ 216).
(3)
في "الأصل": قال. والمثبت من "سنن البيهقي" لأن الضمير يعود على سهل ويكار معًا.
(4)
سقطت في "الأصل" وأثبتها من "سنن البيهقي" وعلي بن حمشاذ العدل أبو الحسن الإمام الحافظ شبيخ نيسابور، ترجمته في "سير أعلام النبلاء"(15/ 398 - 400).
محمد بن نصر، ثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمني بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دبن الله عمر .. " ثم ذكرا ما بعده بمعناه.
ورواه بشر بن المفضل واسماعيل ابن عُلَيَّة ومحمد بن أبي عدي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً إلا قوله في أبي عبيدة فإنهم وصلوه في آخره، فجعلوه عن أنس بن مالك عن النبي رضي الله عنه، وكل هؤلاء الرواة ثقات أثبات، والله أعلم. انتهى كلامه.
وقد اختلف العلماء في هذا الحديث قديمًا وحديثًا، فقال بعضهم: الصحيح أنه مرسل. وقال بعضهم: هو منقطع لم يسمعه أبو قلابة من أنس، والصحيح منه ذكر أبي عبيدة.
وقد ذكر ابن عبد البر في كتاب "الاستيعاب"(1): أن أكثر الرواة رووه مرسلا.
وقد سُئِل عنه الإمام الحافظ الحبر أبو الحسن الدارقطني في كتاب "العلل"(2) فقال: يرويه خالد الحذاء وعاصم الأحول، واختلف عنهما:
فأما حديث خالد الحذاء فرواه إسماعيل ابن عُلَيَّة، عن خالد، عن أبي قلابة مرسلا (3).
(1)"الاستيعاب"(1/ 50).
(2)
لم أقف عليه في النسخة الخطية من "العلل الواردة في الأحاديث" للدارقطني.
(3)
رواه الخطيب في "الفصل"(2/ 682 - 683).
وروى منه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 488 رقم 6) فضل عثمان بن عفان فقط.
واختلف عن الثوري:
فرواه قبيصة، عن الثوري، عن خالد وعاصم، عن أبي قلابة، عن أنس (1).
وخالفه معلى بن عبدالرحمن؛ فرواه عن الثوري، عن عاصم، عن أبي قلابة، عن ابن عمر (2)، وعن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس.
ورواه وكيع عن الثوري، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس.
ورواه ابن عيينة، وحماد بن سلمة وحماد بن زيد، عن عاصم، عن أبي قلابة مرسلاً.
ورواه أبو قحذم النضر بن معبد، عن أبي قلابة أيضًا.
وروى شعبة من هذا الحديث كلمة -وهي فضيلة أبي عبيدة بن الجراح خاصة- عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس. واختلف عن شعبة في ذلك:
فقيل: عن سليمان بن حرب، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس.
وقيل: عن أبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، عن شعبة، عن
(1) رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(2/ 588 رقم 1282) والطحاوي في "المشكل"(2/ 280 رقم 809) والحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص 114) وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 122) والخطيب في "الفصل"(2/ 676) والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 210) وابن عساكر في "تاريخه"(7/ 327 رقم 1976، 19/ 310 رقم 4465، 39/ 95 رقم 7863) والذهبي في "المعجم المختص بالمحدثين"(ص 70 - 71).
وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث الثوري، لم وروه عنه عن عاصم وخالد -فيما أعلم- إلا قبيصة.
وقال الذهبي: هذا الحديث نظيف الإسناد، ثابت عن أبي قلابة، لكن عُلِّل بأن أبا قلابة لم يسمع من أنس، مع أن روايته عن أنس في الصحاح في عدة أحاديث.
(2)
رواه الخطيب في "الفصل للوصل"(2/ 682).
عاصم الأحول، عن أنس.
وقيل: عن أبي عمر الحوضي عن شعبة، عن قتادة، عن أنس.
وأصحها شعبة، عن خالد، عن أبي قلابة عن أنس.
وهذا الذي صححه الدارقطني هو الذي رواه البخاري في "صحيحه"(1) من حديث شعبة، فقال: حدثنا أبو الوليد، ثنا شعبة، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وكذلك رواه مسلم في "صحيحه"(2) -ذكر أبي عبيدة فقط- من حديث إسماعيل ابن عُلَيَّة، عن خالد، فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل ابن علية، عن خالد، ح،
قال: حدثني زهير بن حرب، ثنا إسماعيل، أنا خالد، عن أبي قلابة، قال: قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل أمة أمينًا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وقد تقدم أن بشر بن المفضل ومحمد بن أبي {عدي} (3) وهما ثقتان ثبتان - رويا الحديث أيضًا عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، إلا ذكر أبي عبيدة.
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في الجزء السادس من كتاب "الفصل للوصل المدرج في النقل"(4) - بعد أن روى الحديث من رواية قبيصة، عن
(1)"صحيح البخاري"(7/ 696 رقم 4382).
(2)
صحيح مسلم (4/ 1881 رقم 1419).
(3)
سقطت من "الأصل"، وتقدم في كلام البيهقي على الصواب.
(4)
"الفصل للوصل المدرج في النقل"(2/ 676 - 678).
سفيان، عن خالد وعاصم، عن أبي قلابة، عن أنس -: كذا روى هذا الحديث قبيصة بن عقبة، عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء وعاصم الأحول، فانفرد بتجويده والجمع فيه بين خالد وعاصم، وخالفه وكيع بن الجراح و (عُبَيد الله)(1) الأشجعي وقطبة بن العلاء؛ فرووه عن الثوري، عن خالد -وحده- عن أبي قلابة، عن أنس.
ورواه عن خالد كذلك عبد الوهاب الثقفي ووهيب بن خالد وعمر بن حبيب القاضي (2).
ورواه معلى بن عبد الرحمن، عن سفيان الثوري، عن خالد، عن أبي قلابة، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ووهم في هذا القول.
ولم يكن أبو قلابة يسند جميع المتن، وإنما كان يرسله غير ذكر أبي عبيدة وحده؛ فإنه كان يسنده عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى ذلك عن خالد الحذاء عن أبي قلابة إسماعيلُ بن عُلَيَّة مُبيَّنًا مفصلا، وميزَ المسند من المرسل بعد أن ساقه سياقة واحدة.
ورواه حماد بن زيد (3) ومعمر بن راشد (4)(عن عاصم الأحول، عن أبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وأدرجا فيه)(5) ذكر أبي عبيدة.
وكذلك رواه أبو قحذم النضر بن معبد (6)، عن أبي قلابة، عن النبي
(1) تصحفت في "الفصل" إلى: "عَبْدالله" مكبراً.
(2)
رواه الخطيب في "الفصل"(2/ 681).
(3)
رواية حماد بن زيد المرسلة رواها الخطيب في "الفصل"(2/ 683).
(4)
رواية معمر المرسلة رواها عبد الرزاق في "مصنفه"(20387)، والخطيب في "الفصل"(2/ 684).
(5)
سقطت من كتاب "الفصل" المطبوع فلتستدرك من هنا.
(6)
روايته عند الخطيب في "الفصل"(2/ 684 - 685).
- صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وقد أفرد شعبة بن الحجاج - في روايته عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة - المسند من هذا الحديث فقط في ذكر أبي عبيدة.
ورُوي عن سعيد بن أبي عروبة (1)، وعن معمر بن راشد (2)، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بطوله.
فأما سعيد فلا أعلم رواه إلا محمد بن حميد الرازي، عن مهران بن أبي عمر، عنه.
وأما معمر فاختلف عليه فيه: فأسنده ووصله عنه داود بن عبد الرحمن العطار، وأرسله عنه عبد الرزاق بن همام.
ثم ساق الخطيب جميع ذلك بأسانيده، وقال (3) -بعد ذلك-: فأما حديث أبي قلابة فالصحيح منه المسند المتصل ذكر أبي عبيدة حسب، وما سوى ذلك (مرسلا)(4) غير متصل، والله أعلم.
وقال أبو عمر بن عبد البر (5): ويُروى من حديث أبي قلابة عن أنس، ومنهم من يرويه مرسلاً -وهو الأكثر- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر
…
" فذكر الحديث.
وقد كان شيخنا الإمام العلَّامة أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله
(1) روايته في "الفصل"(2/ 685 - 687).
(2)
روايته في "جامع الترمذي"(5/ 623 رقم 3790) -كما سيأتي- و"الفصل للوصل"(2/ 686 - 687).
(3)
"الفصل للوصل"(2/ 687).
(4)
في "الفصل للوصل"(مرسل).
(5)
"الاستيعاب"(1/ 50).
يتكلم في هذا الحديث، ويقول: هو حديث ضعيف، قال: ولا أعلم أن زيد بن ثابت تكلم في الفرائض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا على عهد أبي بكر، ولهذا لم يختلفوا في الجد على عهد أبي بكر، وإنما وقع النزاع بينهم فيه في خلافة عمر رضي الله عنه، ولم يكن زيذ معروفا في الفرائض في خلافة أبي بكر (1).
فإن قيل: فقد روي هذا الحديث من غير حديث أبي قلابة عن أنس؛ فرواه معمر، عن قتادة، عن أنس، قال الترمذي (2): حدثنا سفيان بن وكيع، ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن داود العطار، عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ئابت، وأقرؤوهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
فالجواب: إن مثل هذا الإسناد لا يُحتج به؛ لغرابته وضعف راويه، قال الترمذي: هو حديث (غريب)(3) لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه.
(1) وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(31/ 342): وبعضهم يحتج لذلك بقوله: " أفرضكم زيد" وهو حديث ضعيف لا أصل له، ولم يكن زيد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم معروفًا بالفرائض.
(2)
"جامع الترمذي"(5/ 623 رقم 3790) وروى الذهبي هذا الحديث في "السير"(4/ 474 - 475) من طريق الترمذي، وقال: قلت: سفيان ليس بحُجة.
(3)
كذا في "عارضة الأحوذي"(13/ 202) و"تحفة الأشراف"(1/ 346 رقم 1344) و"تحفة الأحوذي"(10/ 294 رقم 3779) و"سير أعلام النبلاء"(4/ 475)، ووقع في نسخة "جامع الترمذي" المطبوعة: حسن غريب.
والظاهر أن هذا الإسناد اشتبه على سفيان بن وكيع بحديث أبي قلابة، أو أدخله عليه وراقه؛ فإنه كان له وراق سوء يُدخل عليه الأحاديث.
قال البخاري (1) في سفيان بن وكيع: يتكلمون فيه لأشياء لقنوه.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم (2): سألت أبا زرعة عنه، فقال: لا يُشتغل به. قيل له: كان يكذب؟ قال: كان أبوه رجلًا صالحًا، قيل له: أكان يتهم بالكذب؟ قال: نعم.
وقال عبد الرحمن (3) أيضًا: سمعت أبي يقول: جاءني جماعة من مشايخ الكوفة فقالوا: بلغنا أنك تختلف إلى مشايخ الكوفة وتركت سفيان ابن وكيع، أما كنت ترعى له في أبيه؟ فقلت لهم: إني أوجب له حقه، وأحب أن تجري أموره على الستر، وله وراق قد أفسد حديثه. قالوا: فنحن نقول له يبعد الوراق عن نفسه. فوعدتهم أن أجيئه، فأتيته مع جماعة من أهل الحديث، فقلت له: إن حقك واجب علينا في شيخك وفي نفسك، ولو صنت (عن)(4) نفسك وكنت تقتصر على كتب أبيك لكانت الرحلة إليك في ذلك، فكيف وقد سمعت. فقال: ما الذي تنقم عليَّ؟ فقلت: قد {أدخل} (5) وراقك بين ورقك ما ليس من حديثك. قال: فكيف السبيل في هذا؟ قلت: {ترمي} (6) بالمخرجات وتقتصر على الأصول، ولا تقرأ إلا من أصولك،
(1)"التاريخ الصغير"(2/ 380) ورواه ابن عدي في "الكامل"(4/ 479).
(2)
"الجرح والتعديل"(4/ 231).
(3)
الجرح والتعديل" (4/ 231 - 232).
(4)
كذا في "الأصل" وليست في "الجرح والتعديل" ولعلها رائدة.
(5)
في "الأصل": (أخل) والمثبت من "الجرح والتعديل".
(6)
في "الأصل": (تري) والمثبت من "الجرح والتعديل".
ونحي هذا الوراق عن نفسك، وتدعو بابن كرامة وتوليه أصولك فإنه يوثق به. فقال: مقبولا (1) منك. قال: وبلغني أن وراقه كان قد أدخلوه بيتًا يسمع (2) علينا الحديث فما فعل شيئًا مما قال؛ فيطل الشيخ، وكان يحدث بتلك الأحاديث التي قد أدخلت بين حديثه وقد سرق من حديث المحدثين. سئل عنه أبي فقال: لين.
وقال بكر بن مقبل (3): سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ثلاثة ليست لهم محاباة عندنا. فذكر منهم سفيان بن وكيع.
وقال النسائي (4): لا يحدث عنه ليس بشيء.
وقال ابن عدي (5): له حديث كثير، وإنما بلاؤه أنه كان يتلقن ما لقن، ويقال: كان له وراق يلقنه من حديث موقوف يرفعه وحديث مرسل فيوصله، أو يبدل في الإسناد قومًا بدل قوم، كما بينت طرفًا منه في هذه الأخبار التي ذكرتها.
وقال أبو حاتم بن حبان (6): كان سفيان بن وكيع شيخًا فاضلاً صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراق سوء كان يُدخل عليه الحديث، وكان يثق به، فيجيب فيما يقرأ عليه، وقيل له بعد ذلك في أشياء منها فلم يرجع فمن أجل إصراره على ما قيل له استحق الترك، وكان ابن خزيمة يروي عنه، وسمعته يقول: ثنا بعض
(1) في "الجرح والتعديل": (مقبول).
(2)
في "الجرح والتعديل": (يتسمع).
(3)
رواه ابن عدي في "الكامل"(4/ 479 - 480).
(4)
في كتاب "الضعفاء والمتروكين"(رقم 132): سفيان بن وكيع بن الجراح ليس بشيء.
(5)
"الكامل"(4/ 482).
(6)
كتاب "المجروحين"(1/ 355).
من أمسكنا عن ذكره. وهو من الضرب الذي ذكرته مرارًا أن لو خرَّ من السماء فتخطفه الطير أحب إليه من أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه (1) أفسدوه، وما كان ابن خزيمة يحدث عنه إلا بالحرف بعد الحرف، وما سمعت منه عن سفيان بن وكيع إلا حديث الأشعث (2) بن عبد الملك فقط.
وقال الدارقطني: سفيان بن وكيع كان بليته وراق له يقال له: قرطمة، وكان وراقه هذا غير مأمون، وذكر له أحاديث لقنه إياها.
فإذا كانت هذه حال سفيان بن وكيع وقد إنفرد بهذا الحديث، ولم يتابعه عليه أحد، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي عنه، ولا رواه أحمد في "مسنده"، فكيف يجوز أن يُحتج به، أو يكون شاهداً لغيره، والله أعلم.
ثم رأيت عبد الرزاق قد روى هذا الحديث عن معمر، عن قتادة مرسلًا؛ وهو الصواب.
قال الخطيب (3): أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي، أنا {أبو} (4) محمد حاجب بن أحمد الطوسي، ثنا محمد بن حماد، ثنا عبد الرزاق (5)، أبنا معمر، قال: سمعت قتادة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقواهم في أمر الله عمر، وأقضاهم علي،
(1) في "المجروحين": (ولكنهم).
(2)
في "المجروحين": (إلا حديثًا للأشعث).
(3)
كتاب "الفصل للوصل المدرج في النقل"(2/ 687).
(4)
تحرفت في "الأصل" إلى: (ابن) والمثبت من "الفصل" وهو الصواب، وأبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي ترجمته في "السير"(15/ 336 - 337).
(5)
الحديث في "مصنف عبد الرزاق"(11/ 225 رقم 20387).
وأصدقهم حياءً عثمان، وأمين أمتي أبو عبيدة بن الجراح، وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ، (وأقرؤهم أبيٌّ)(1) وأفرضهم زيد بن ثابت".
قال الخطيب: وإرسال هذا الحديث عن معمر عن قتادة أصح من إيصاله.
فإن قيل: فقد روي هذا الحديث من رواية محمد بن المنكدر عن جابر، قال أبو القاسم الطبراني في "معجمه الصغير" (2): حدثنا علي بن جعفر الملحمي الأصبهاني، ثنا محمد بن الوليد العباسي، ثنا عثمان بن زفر، ثنا مندل به علي، عن ابن جريج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بامتي أبو بكر ...... " الحديث.
فالجواب: أن هذا الإسناد ضعيف غريب جداً بل موضوع، ومندل بن علي تكلم فيه الإمام أحمد بن حنبل (3) ويحيى (4) والنسائي (5) وابن حبان (6) والدارقطني (7) وغيرهم (8)، والحمل في هذا الحديث على محمد بن الوليد،
(1) ليست في "الفصل" وهي ثابتة في "المصنف".
(2)
"المعجم الصغير"(1/ 201) وقال الطبراني: لم يروه عن ابن جريج الا مندل. ورواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 13) عن الطبراني به.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال"(1/ 412 رقم 871).
(4)
قال في رواية الدوري: ضعيف. "تاريخ الدوري"(4/ 44 رقم 3057) وقال في رواية ابن أبي خيثمة: ليس بشيء. "الجرح والتعديل"(8/ 435) وقال مرة: ليس به بأس. وقال مرة: صالح. انظر "الجرح والتعديل"(8/ 435) و "تهذيب الكمال"(28/ 495 - 496) وحاشيته.
(5)
كتاب "الضعفاء والمتروكين"(606).
(6)
كتاب "المجروحين"(3/ 24 - 25).
(7)
"الضعفاء والمتروكون"(176) و "سؤالات البرقاني"(110).
(8)
منهم: علي بن المديني، والبخاري، وأبو زرعة الرازي، ويعقوب بن شيبة، وابن عدي. كما في "تهذيب الكمال"(28/ 496 - 497).