الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
تكلم شيخنا على قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} (1) وعلى قوله تعالى: {أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} (2)، وحكى عن بعضهم أن المعنى تخونونها بارتكاب ما حرم عليكم. قال (3): فجعل الأنفس مفعول يختانون، وجعل الإنسان قد خانها، أي: ظلمها. قال: وهذا فيه نظر؛ فإن كل ذنب يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه، سواء فعله سرًّا أو علانية، وإن كان اختيان النفس هو ظلمها وارتكاب ما حرم عليها {كان كل} (4) مذنبٍ مختانًا لنفسه؛ وإن جهر بالذنوب، ومعلوم أن هذا اللفظ إنما استعمل في خاص من الذنوب فيما يُفعل سرًّا.
قال (5): ولفظ الخيانة حيث استعمل (ق 26 - ب) لا يُستعمل إلا فيما خفي عن المخون كالذي يخون أمانته فيخون من ائتمنه إذا كان لا يشاهده.
إلى أن قال (6): فإذا كان كذلك فالإنسان {كيف} (4) يخون نفسه، وهو لا يكتمها ما يفعله، ولا يفعله سرًّا عنها كما يخون من لا يشاهده؟
قال: والأشبه -والله أعلم- أن يكون قوله تعالى: {يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} (1)، مثل قوله:{إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} (7)، وقد ذهب الكوفيون
(1) سورة النساء، الآية:107.
(2)
سورة البقرة، الآية:187.
(3)
"مجموع الفتاوى"(14/ 438 - 439).
(4)
من "مجموع الفتاوى".
(5)
"مجموع الفتاوى"(14/ 440).
(6)
"مجموع الفتاوى"(14/ 441 - 444).
(7)
سورة البقرة، الآية:130.
وابن قتيبة أن مثل هذا منصوب على التمييز وإن كان معرفة، وقد ذكروا لذلك شواهد كثيرة من كلام العرب، مثل قولهم: آلم فلان رأسه، ووجع بطنه، ورشد أمره. ومنه قوله تعالى:{بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} (1) فالمعيشة نفسها بطرت، وقوله:{سَفِهَ نَفْسَهُ} (2) معناه: سفهت نفسه -أي: كانت سفيهة- فلما أضاف الفعل إليه نصبها على التمييز، وهذا الذي قاله الكوفيون أصح في اللغة والمعنى، فإن الإنسان هو السفيه نفسه، كما قال (ق 27 - أ) تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} (3) كذلك قوله: {تَخْتَانُونَ أَنفسَكُمْ} (4) ، أي {تختان} (5) أنفسكم، فالأنفس هي التي اختانت كما أنها السفيهة، وقال "اختانت" ولم يقل "خانت" لأن الافتعال {فيه زيادة فعل على ما في} (6) مجرد الخيانة.
قال (7) في أثناء كلامه: أو يكون قوله: {تَخْتَانُونَ أَنفُسَكمْ} (4)؛ أي يخون بعضكم بعضًا، كقوله:{فَاقْتُلُوأ أَنفُسَكمْ} (8)، فإن السارق وأقوامه خانوا إخوانهم المؤمنين، والمجامع إذا {كان} (9) جامع امرأته وهي لا تعلم أنه حرام؛ فقد خانها.
قال: والأول أشبه، والنفس هي {التي} (10) خانت؛ فإنها تحب الشهوة
(1) سورة القصص، الآية:58.
(2)
سورة البقرة، الآية:130.
(3)
سورة البقرة، الآية:142.
(4)
سورة البقرة، الآية:187.
(5)
في "الأصل": يختانون. والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(6)
في "الأصل": فيها على ما فيه. والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(7)
"مجموع الفتاوى"(14/ 443 - 444).
(8)
سورة البقرة، الآية:54.
(9)
من "مجموع الفتاوى".
(10)
بياض في "الأصل" والمثبت من "مجموع الفتاوى".
والمال والرياسة، وخان واختان مثل كسب واكتسب، فجعل الإنسان مختانًا، ثم بيَّن أن النفس هي التي تختان، كما أنها هي التي تسفه {لأن} (1) مبدأ ذلك {من} (2) شهوتها ليس هو مما {يأمر به العقل والرأي} (3) ومبدأ السفه منها لخفتها وطيشها، والإنسان (تارة تغلبه نفسه في السر على هواه)(4) بأمورٍ ينهاها عنه العقل (ق 27 - ب) والدين، فتكون نفسه (اختانت عليه)(5) وغلبته، وهذا يوجد كثيراً في أمر الجماع وأمر المال، ولهذا لا يؤتمن على ذلك أكثر الناس، ويقصد بالائتمان من لا تدعوه نفسه إلى الخيانة في ذلك، قال سعيد بن المسيب:"لو اؤتمنت على بيت المال لأديت الأمانة، ولو اؤتمنت على امرأةٍ سوداء حبشيةٍ لخشيت أن لا أؤدي الأمانة فيها". وكذلك المال لا يؤتمن عليه أصحاب الأنفس الحريصة على أخذه كيف اتفق.
وتكلم شيخنا على قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} (6)، واختار أن المعنى أن يكون النبي قُتِل (7) وأن من معه من الربيين (8) لم يهنوا بعد قتله، وضعَّف قول من قال إن الربيين (8) يهنوا بعد قتله، وضعَّف قول
(1) بياض في "الأصل"، والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(2)
من "مجموع الفتاوى".
(3)
في "الأصل": يأمره والفعل. والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(4)
في "مجموع الفتاوى": تأمره نفسه في السر.
(5)
في "مجموع الفتاوى": اختانته.
(6)
سورة آل عمران، الآية:146.
قرأها نافعٌ وابن كثير والبصريان {قُتِلَ} بضم القاف وكسر التاء من غير ألف، وقرأها الباقون {قَاتَلَ} بفتح الكاف والتاء وألف بينهما. "النشر في القراءات العشر"(2/ 242).
(7)
في "الأصل": قاتل.
(8)
في "الأصل": الربيون.
من قال: إن الربيين قُتلوا تضعيفًا كثيراً من عدة وجوهِ، والربيون هم الجماعة الكثيرة، قال: وقوله (ق 28 - أ): {مَعَهُ رِبِّيُّونَ} صفة للنبي لا حالاً (1). قال: وحذف الواو في مثل هذا دليل على أنها صفة بعد صفة ليست حالاً، وبهذا يظهر كمال المعنى وحسنه، فإن قوله:{مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} أي هم يتبعونه سواء كانوا معه حين قتل أو لم يكونوا، والمعنى على الأول؛ لأن المقصود جميع أتباع النبي صلى الله عليه وسلم لم يرتدوا لا من شهد مقتله ولا من غاب، فإن المقصود أن قَتْل النبي لا يُغير الإيمان من قلوب أتباعه.
وقال بعد أن ذكر قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} (2) قال: وهذا أشكل على بعض الناس، فيقول: الرسل قد قُتل بعضهم فكيف يكونون منصورون (3)؟
فيقال: القتل إذا كان على وجهٍ فيه عزة الدين وأهله كان هذا من كمال النصر، فإن الموت لا بد منه، فإذا مات ميتة يكون بها سعيداً في الآخرة فهذا غاية النصر (ق 28 - ب) كما كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه استشهد طائفة من أصحابه فصاروا إلى أعظم كرامةٍ، ومن بقي كان عزيزاً منصوراً، وكذلك كان الصحابة يقولون للكفار: أخبرنا نبينا أن من قُتل منا دخل الجنة، ومن عاش منا ملك رقابكم. فالمقتول إذا قُتل على هذا الوجه كان ذلك من تمام نصره ونصر أصحابه، ومن هذا الباب حديث الغلام الذي رواه مسلم (4) لما اتبع دين الراهب وترك دين الساحر، وأرادوا قتله مرةً بعد مرةٍ لم يطيقوا
(1)"مجموع الفتاوى"(1/ 58 - 60، 14/ 373 - 375).
(2)
سورة الصافات، الآيتان: 171 - 172.
(3)
كذا في "الأصل".
(4)
صحيح مسلم (4/ 2299 - 2301 رقم 3005) عن صهيب الرومي رضي الله عنه.
حتى علمهم {كيف} (1) يُقتل، ولما قُتل آمن الناس كلهم، فكان هذا نصراً لدينه، ولهذا لما قُتل عمر بن الخطاب شهيدًا بين المسلمين قُتل قاتله، وعثمان لما قتل شهيداً قتل قتلته، وانتصرت طائفة، وكذلك علي لما قتله الخوارج مستحلين قتله كانوا ممن أمر الله ورسوله بقتالهم، وكانوا مقهورين مع أهل السنة والجماعة (ق 29 - أ) فلم يمنع ذلك عز الإسلام وأهله، لا سيما والنبيون الذين قتلوا كان الله عز وجل ينتقم ممن قتلهم حتى يُقال: إنه قُتل على دم يحيى بن زكريا سبعون ألفًا.
وأطال شيخنا الكلام على الأسباط، وضعَّف قول من قال إنهم أولاد يعقوب لصلبه، واختار أنهم لم يكونوا أنبياء، وأن الأسباط أمم بني إسرائيل، وإنما سموا بالأسباط {من عهد} (2) موسى عليه السلام وذهب
(1) في "الأصل": بأنه.
(2)
بياض في "الأصل"، والمثبت من "الحاوي للفتاوى" للحافظ السيوطي (1/ 311)، وقد نقل كلام شيخ الإسلام في ذلك، وقد رأيت أنه من المناسب نقله هنا بتمامه لتعم الفائدة، قال الحافظ السيوطي وهو يتكلم عن الأسباط: ثم رأيت الشيخ تقي الدين بن تيمية ألَّف في هذه المسألة مؤلفاً خاصًّا، قال فيه ما ملخصه: الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا من أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم، وإنما احتج من قال إنهم نُبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء:{وَالْأَسْبَاطِ} وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذريته، كما يقال فيهم أيضاً: بنو إسرائيل، وقد كان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.
قال أبو سعيد الضرير: أصل السبط شجرة ملتفة كثيرة الأغصان، فسموا الأسباط لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة كذلك الأسباط كانوا من يعقوب، ومثل السبط الحافد، وكان الحسن والحسين سبطَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأسباط حفدة يعقوب، ذراري أبنائه الاثني عشر.
وقال تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ =
إلى أنه لم يكن بين موسى -لبني إسرائيل- ويوسف نبي، قال: والقرآن يدل
= أَسْبَاطًا أُمَمًا} فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل، كل سبط أمة، لا أنهم بنوه الاثنا عشر، بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطاً، فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس، ومن قال: الأسباط أولاد يعقوب لم يرد أنهم أولاده لصلبه بل أراد ذريته، كما يقال: بنو إسرائيل، وبنو آدم، فتخصيص الآية ببنيه لصلبه غلط لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى، ومن ادعاه فقط أخطأ خطأ بينًا.
والصواب أيضاً أن كونهم أسباطاً إنما سُموا به من عهد موسى للآية المتقدمة، ومن حينئذٍ كانت فيهم النبوة؛ فإنه لا يُعرف أنه كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف، ومما يؤيد هذا أن الله -تعالى- لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} الآيات فذكر يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط، فلو كان إخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه.
وأيضاً فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة، وإن كان قبل النبوة كما قال عن موسى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} الآية، وقال في يوسف كذلك، وفي الحديث:"أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي من نبي من نبي" فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم.
وهو تعالى لما قص قصة يوسف وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة ولا شيئًا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة: من عقوق الوالد وقطيعة الرحم، وإرقاق المسلم، وبيعه إلى بلاد الكفر، والكذب البين، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يحك عنهم شيئًا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجب لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف. ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف لآية غافر، ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك عُلم أنه لم يكن منهم نبي، فهذه وجوه متعددة يقوي بعضها بعضًا.
وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضاً، وأوصى بنقله إلى الشام فنقله موسى، والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن أنهم هم =
على أن أهل مصر لم يأتهم نبي بعد يوسف.
وقال شيخنا (1): الصواب أن الحج فُرِضَ سنة تسع أو عشر.
وقال في "شمول النصوص الأحكام"(لما تكلم شركًا له في عبد)(2): وتنازعوا هل يسري {العتق} (3) عقب العتاق أو لا يعتق حتى يؤدي الثمن؟ على قولين مشهورين، والأول هو المشهور في مذهب الشافعي وأحمد، والثاني (ق 29 - ب) قول مالك، وقول في مذهب الشافعي وأحمد، وهو الصحيح في الدليل.
وقال (4) في موضع آخر: من غلب على ماله الحلال جازت معاملته كما ذكره أصحاب الشافعي وأحمد، وإن غلب الحرام فهل معاملته محرمة أو
= الأسباط، وليس كذلك إنما الأسباط ذريتهم الذين قُطعوا أسباطاً من عهد موسى كل سبط أمة عظيمة، ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب، لقال: ويعقوب وبنيه؛ فإنه أوجز وأبين، واختير لفظ الأسباط على لفظ بني إسرائيل للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطاً من عهد موسى. هذا كله كلام ابن تيمية، والله أعلم.
(1)
"مجموع الفتاوى"(7/ 606، 26/ 7)، وأطال شيخ الإسلام في تقرير ذلك في "شرح العمدة"(2/ 217 - 222).
(2)
كذا في "الأصل" وفيه سقط ظاهر، وقد ذكر هذه المسألة العلامة ابن القيم في "تهذيب السنن"(12/ 275)، وهو يتحدث عن تملك مال الغير بالقيمة قال: كتملك الشقص المشفوع بثمنه، فإن نصيب الشريك يقدر دخوله في ملك المعتق، ثم يعتق عليه بعد ذلك، والقائلون بالسراية متفقون على أن يعتق كله على ملك المعتق، والولاء له دون الشريك، واختلفوا: هل يسري العتق عقب إعتاقه، أو لا يعتق حتى يؤدى الثمن؟ على قولين للشافعي، وهما في مذهب أحمد، قال شيخنا: والصحيح أنه لا يعتق إلا بالأداء. اهـ
(3)
ليست في "الأصل".
(4)
"مجموع الفتاوى"(29/ 241).
مكروهة؟ على وجهين.
قال (1): وللعلماء قولان في الدراهم هل تتعين بالتعيين في العقود والقبوض حتى في الغصب والوديعة؟ فقيل: تتعين مطلقًا، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين الراتبة (2).
وقال (3): من كان بينهما مال لا يقبل القسمة -كحيوان وآنية ونحو ذلك- فإذا طلب أحد الشريكين بيعها وقسمة الثمن أجبر الآخر على ذلك عند جمهور العلماء، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، وذكر بعض المالكية أن هذا إجماع؛ لأن حق الشريك في نصف قيمة الجميع لا في قيمة النصف.
وقال (4) في أثناء كلامه: قال: "ابن مسعود سئل عن رجل يعامل بالربا إذا أضاف غيره، قال: (ق 30 - أ) كل فإن مهنأه لك وحسابه {عليه} (5) ".
قال شيخنا (6): أما من ترك الصلاة جاهلًا بوجوبها مثل من أسلم في دار الحرب ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، فهذه المسألة للفقهاء فيها ثلاثة أقوال، وجهان في مذهب أحمد:
أحدها: عليه الإعادة مطلقًا، وهو قول الشافعي، وأحد الوجهين في
(1)"مجموع الفتاوى"(29/ 243).
(2)
كلمة "الراتبة" ليست في "مجموع الفتاوى"، وفيه: وقيل: لا تتعين مطلقًا، كقول ابن قاسم، وقيل: تتعين في الغصب والوديعة دون العقد، كقول أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى.
(3)
"مجموع الفتاوى"(29/ 248).
(4)
"مجموع الفتاوى"(29/ 247).
(5)
في "الأصل": علي. والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(6)
"مجموع الفتاوى"(22/ 100 - 103).
مذهب أحمد.
والثاني: عليه الإعادة إذا تركها بدار {الإسلام دون دار} (1) الحرب، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن دار الحرب دار {جهل} (2). يعذر به، بخلاف دار {الإسلام} (3).
الثالث: لا إعادة عليه مطلقًا، وهو الوجه الثاني في مذهب أحمد وغيره.
وأصل هذين الوجهين أن حكم الشارع هل يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: يثبت مطلقًا.
والثاني: لا يثبت مطلقًا.
والثالث: يثبت حكم الخطاب المبتدأ دون الخطاب الناسخ، كقضية أهل قباء، وكالنزاع المعروف (ق 30 - ب) في الوكيل إذا عُزل، فهل يثبت حكم العزل في حقه قبل العلم؟
وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص: مثل أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضّأ ثم يبلغه النص، ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل، ثم يبلغه ويتبين له النص فهل عليهم إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان من أحمد، ونظيره أن يمس ذكره ويصلي ثم يتبين له {وجوب} (4) الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في هذه المسائل عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله -تعالى- عفا
(1) سقطت من "الأصل" وأثبتها من "مجموع الفتاوى".
(2)
في "الأصل": جهاد. والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(3)
في "الأصل": السلام. والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(4)
من "مجموع الفتاوى".
عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (1) فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر وعماراً لما أجنبا - فلم يصل عمر وصلى عمار بالتمرغ (2) - أن يعيد واحد منهما (3)، وكذلك لم يأمر (ق 31 - أ) أبا ذر لما كان يجنب ويمكث {أيامًا} (4) لا يصلي (5)، وكذلك لم يأمر من أكل من الصّحابة حتى يتبين الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء (6)، كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان:
أحدهما: لا إعادة عليها، كما نُقل عن مالك وغيره؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:"إني أستحاض حيضة شديدة منكرة منعتني الصلاة والصيام"(7){أمرها} (4) بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء الماضي.
(1) سورة الإسراء، الآية:15.
(2)
بعدها في "الأصل" بياض، وكتب الناسخ قبالتها في الحاشية:"كذا بياض في الأصل" قلت: الكلام متصل في "مجموع الفتاوى" لا سقط فيه، والله أعلم.
(3)
رواه البخاري (1/ 528 رقم 338)، ومسلم (1/ 280 - 281 رقم 368) عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما.
(4)
من "مجموع الفتاوى".
(5)
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وتقدم (ص 95).
(6)
رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد وعدي بن حاتم الطائي رضي الله عنهما وتقدم (ص 96).
(7)
رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن حمنة بنت جحش رضي الله عنه وصححه الإمام أحمد والترمذي، وحسنه البخاري. وتقدم (ص 95).
قال شيخنا: وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي من يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا (ق 31 - ب) قيل للمرأة: صلي. تقول: حتى أكبر وأصير عجوز. ظانة أنه لا تخاطب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات، سواء كانوا كفاراً أو كانوا معذورين بالجهل.
قال شيخنا (1): إذا كان على الولد دين ولا وفاء له جاز أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره، وأما إذا كان محتاجًا إلى النفقة وليس لأبيه ما ينفق عليه ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه، وأما {إن} (2) كان مستغنيًا بنفقته (3) فلا حاجة {به} (2) إلى زكاته.
وقال: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثاً {إن شاء الله} (4) وقصده (5) بذلك أن لا يقع به الطلاق {فلا يقع به الطلاق، ولو فصل بين الطلاق} (6)
(1)"مجموع الفتاوى"(25/ 92).
(2)
من "مجموع الفتاوى".
(3)
في "مجموع الفتاوى": بنفقه أبيه.
(4)
بياض في "الأصل".
(5)
تحتمل أن تكون في "الأصل": وفصله.
(6)
ليست في "الأصل" ويقتضيها السياق ففي "مجموع الفتاوى"(33/ 238): سُئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل حلف بالطلاق، ثم استثنى هنيهة بقدر ما يمكن فيه الكلام؟ فأجاب: لا يقع فيه الطلاق، ولا كفارة عليه والحال هذه، ولو قيل له: قل إن شاء الله. ينفعه ذلك أيضاً، ولو لم يخطر له الاستثناء إلا لما قيل له، والله أعلم. اهـ.
وانظر عن الاستثناء في الطلاق "إعلام الموقعين"(4/ 54 - 81).
والاستثناء بسكوت يسير، لم يضر الفصل بينهما بل لا يقع به الطلاق والحال هذه، ولو لم (ق 32 - أ) يقصد النية إلا بعد قوله به، ففيه قولان، أظهرهما أن لا ينفعه الاستثناء.
وذكر شيخنا مسألة الصلاة على الغائب، قال: وفيها للعلماء قولان مشهوران:
أحدهما: يجوز، وهو قول الشافعي وأحمد في أشهر الروايات عنه - عند أكثر أصحابه.
والثاني: لا يجوز، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وذكر (1) ابن أبي موسى، وهو ثبت في نقل مذهب أحمد - ورجحناها في مذهبه.
ثم قال: ومن وجوب (2) الصلاة على الغائب الذي لم يصلى عليه فقد أحسن فيما قال، ولعل قوله أعدل الأقوال (3).
قال: وجوز طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد الصلاة على الغائب في البلد الواحد، ثم محققوهم قيدوا ذلك بما إذا مات الميت في أحد جانبي البلد {الكبير، ومنهم من أطلق البلد} (4) لم يقيده بالكبير، وكانت (ق 32 - ب) هذه
(1) كذا في "الأصل"، ولعل الصواب:"ذكرها".
(2)
كذا في "الأصل"، ولعل الصواب:"جوز".
(3)
"الاختيارات الفقهية"(ص 51)، وانظر زاد المعاد (1/ 520 - 521).
(4)
سقطت من "الأصل" وأثبتها بتصرف يسير من "الإنصاف" للمرداوي (2/ 534) حيث نقل المرداوي كلام شيخ الإسلام.
المسألة قد وقعت في عصر أبي حامد (1) وأبي عبد الله بن حامد (2) مات ميتٌ في أحد جانبي بغداد فصلَّى عليه أبو عبد الله بن حامد وطائفة من الجانب الآخر، وأنكر ذلك أكثر الفقهاء من أصحاب الإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهم: كأبي حفص البرمكي، وغيره.
قال شيخنا: وأما في زمن الشافعي وأحمد فلم يبلغنا أن أحداً صلى في أحد جانبي البلد ببغداد على من مات في الجانب الآخر مع كثرة الموتى وتوفر الهمم والدواعي على نقل ذلك، فتبين أن ذلك محدث لم يفعله أحد من الأئمة، وأما ما يفعله بعض الناس من أنه كل ليلة يصلي على جميع من مات من المسلمين فلا ريب أنه بدعة لم يفعله أحد من السلف (3)، والله أعلم.
قال (4): وأما لعنة المعين فالأولى تركها؛ لأنه يُمكن أن يتوب.
وقال (5) في حديث: "نهى عن بيع وشرط"(6): هذا حديث باطل ليس
(1) هو الأستاذ العلامة شيخ الإسلام أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني، شيخ الشافعية ببغداد، ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، ومات سنة ست وأربعمائة. ترجمته في "سير أعلام النبلاء"(17/ 193 - 197).
(2)
هو شيخ الحنابلة ومفتيهم أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي الوراق، مصنف كتاب "الجامع" في عشرين مجلداً في الاختلاف، مات سنة ثلاث وأربعمائة. ترجمته في "سير أعلام النبلاء"(17/ 203 - 204).
(3)
"الاختيارات الفقهية"(ص 51).
(4)
"مجموع الفتاوى"(22/ 63).
(5)
"مجموع الفتاوى"(18/ 63).
(6)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(4/ 335 رقم 4361)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص 128)، وأبو نعيم في "مسند أبي حنيفة"(ص 160)، وابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 185 - 186)، وابن حزم في "المحلى"(8/ 415) من طريق أبي حنيفة، عن عمرو بن شعيب، من أبيه، عن جده رضي الله عنه. =
في شيء (ق 33 - أ) من كتب المسلمين، وإنما يُروى في حكاية منقطعة (1)
هكذا قال شيخنا (2).
قال (3) في حديث: "نهى عن قفيز الطحان"(4): وهذا
= وضعَّفه ابن القطان كما في "نصب الراية"(4/ 18) - والهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 85).
ورواه أبو نعيم في "مسند أبي حنيفة"(ص 267) من طريق أبي حنيفة، عن يحيى بن عامر، عن رجل، عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه.
(1)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في "مجموع الفتاوى"(29/ 132): واحتجوا أيضاً بحديثٍ يُروى في حكاية عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى وشريك "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط"، وقد ذكره جماعة من المصنفين في الفقه، ولا يُوجد في شيء من دواوين الحديث، وقد أنكره أحمد وغيره من العلماء، وذكروا أنه لا يُعرف، وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه، وأجمع الفقهاه المعروفون من غير خلافٍ أعلمه عن غيرهم- أن اشتراط صفة في المبيع ونحوه -كاشتراط كون العبد كاتبًا أو صانعاً، أو اشتراط طول الثوب، أو قدر الأرض ونحو ذلك- شرط صحيح. اهـ.
وقال العلَّامة ابن القيم في "إعلام الموقعين"(2/ 346) عن هذا الحديث: لا يُعلم له إسناد يصح مع مخالفته للسنة الصحيحة، ولانعقاد الإجماع على خلافه.
(2)
قال المؤلف الحافظ ابن عبد الهادي في رسالته في الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يحتج بها الفقهاء والأصوليون (ص 20): وحديث "نهى عن بيع وشرط" رواه البيهقي بإسنادٍ ضعيفٍ، ورواه غيره من وجهٍ آخر لا يثبت، وأخطأ السهيلي في قوله:"رواه أبو داود".
(3)
"مجموع الفتاوى"(18/ 63).
(4)
رواه أبو يعلى في مسنده -كما في "نصب الراية"(4/ 140) - والدارقطني (3/ 47)، والبيهقي (5/ 339) من طريق هشام أبي كليب، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال:"نُهي عن عسب الفحل، وقفيز الطحان".
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 306) لما ذكر هذا الحديث في ترجمة هشام: هو منكر، وراويه لا يعرف.
وضعفه ابن القطان -كما في "التلخيص الحبير"(3/ 133) - وابن الملقن في "خلاصة =
أيضاً باطل (1).
قال (2): وأصول الأقوال في القراءة خلف الإمام ثلاثة طرفان ووسط:
فأحد الطرفين: أنه لا يُقرأ خلف الإمام بحالٍ.
والثاني: أنه يُقرأ بكل {حال} (3).
والثالث -وهو قول أكثر السلف-: أنه إذا سمع قراءة الإمام أنصت ولم يقرأ، وإذا لم يسمع قراءته قرأ لنفسه، هذا قول جمهور العلماء كالإمام مالك والإمام أحمد ابن حنبل وجمهور أصحابه، وطائفة من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة، والقول القديم للشافعي، وقول محمد بن الحسن.
وعلى هذا القول فهل القراءة حال مخافتة الإمام بالفاتحة واجبة على المأموم أو مستحبة؟ فيه قولان:
أحدهها: مستحبة، وهو قول الأكثرين كمالك ومحمد بن الحسن وغيرهما.
= البدر المنير" (2/ 190)، وابن حجر في "الدراية" (2/ 190).
ورواه مسدد في مسنده -كما في إتحاف الخيرة (3/ 330 رقم 2850) - عن خالد بن عبد الله، عن عطاء بن يسار، عن عبد الرحمن بن أبي نُعم مرسلاً.
(1)
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(30/ 113): هذا الحديث باطل لا أصل له، وليس هو في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا رواه إمام من الأئمة، والمدينة النبوية لم يكن بها طحان يطحن بالأجرة، ولا خباز يخبز بالأجرة، وأيضًا فأهل المدينة لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيال يُسمى القفيز، وإنما حدث هذا المكيال لما فُتحت العراق، وضُرب عليهم الخراج، فالعراق لم يُفتح على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يبين أن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
"مجموع الفتاوى"(23/ 265 - 267).
(3)
من "مجموع الفتاوى".
والثاني: أنها واجبة، وهو قول الشافعي (ق 33 - ب) القديم.
والاستماع حال جهر الإمام هل -أيضاً- واجب أو مستحب، والقراءة إذا سمع قراءة الإمام هل هي محرمة أو مكروهة، وهل تبطل الصلاة إذا قرأ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: أن القراءة حينئذٍ محرمة، وإذا قرأ بطلت صلاته، وهو أحد الوجهين اللذين حكاهما أبو عبد الله بن حامد في مذهب أحمد.
والثاني: أن الصلاة لا تبطل بذلك، وهو قول الأكثرين، وهو المشهور في مذهب أحمد.
والذين قالوا يقرأ حال الجهر والمخافتة إنما يأمرونه أن يقرأ حال الجهر الفاتحة خاصة، وما زاد على الفاتحة فإن المشروع أن يكون فيه مستمعاً لا قارئًا، وهل قراءته بالفاتحة مع الجهر واجبة أو مستحبة، على قولين:
أحدهما: أنها واجبة، وهو قول الشافعي في الجديد وقول ابن حزم.
والثاني: أنها مستحبة، وهو قول الأوزاعي والليث، واختيار جدي أبو (1) البركات.
(34 - أ) قال: (2): وإذا جهر الإمام استمع لقراءته، فإن كان لا يسمع لبعده فإنه يقرأ في أصح القولين، وهو قول أحمد وغيره، وإن كان لا يسمع لصممه، أو كان يسمع همهمة الإمام ولا يفقه ما يقول؛ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره، والأظهر أنه يقرأ لأن الأفضل أن يكون إما مستمعًا وإما قارئًا، وهذا ليس بمستمع يحصل له مقصود {الاستماع} (3) فقراءته أفضل له
(1) كذا في "الأصل" وله وجه في اللغة.
(2)
"مجموع الفتاوى"(23/ 268 - 269).
(3)
سقطت من "الأصل"، والمثبت من "مجموع الفتاوى".
من سكوته.
ثم قال (1): فنذكر الدليل {على الفصلين} (2) على أنه في حال الجهر يسمع، وأنه في حال المخافتة يقرأ. (ولم يتبين هل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب)(3).
قال (4) في أثناء كلامه: ويثبت أنه في هذا الحال قراءة الإمام {له قراءة} (5) كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وفي ذلك الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة"(6)، وهذا الحديث رُوي مرسلاً (ق 34 - ب) ومسنداً، لكن أكثر العلماء والأئمة الثقات رووه مرسلاً عن عبد الله بن شداد عن النبي
(1)"مجموع الفتاوى"(23/ 269).
(2)
في "الأصل": "عن الفضل بن علي"! والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(3)
هذا كلام الحافظ ابن عبد الهادي، يقول: إنه لم يتبين له هل اختار شيخ الإسلام هذا القول على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب، والله أعلم.
(4)
"مجموع الفتاوى"(23/ 271 - 27).
(5)
سقطت من "الأصل"، والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(6)
هذا الحديث قد رُوي مرفوعًا من حديث جابر بن عبد الله، وله عنه طرقٌ كثيرةٌ، وبسط الكلام عليها يحتاج إلى صفحات كثيرة، وفيها كلها مقال، وثبت عن جابر موقوفاً، وعن عبد الله بن شداد مرسلاً، قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/ 325): وحديث جابر قد رُوي مرفوعًا ومسنداً ومرسلاً، ، فأما الموقوف على جابر فثابت بلا نزاع، وكذلك المرسل ثابت بلا نزاع من رواية الأئمة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، وأما المسند فتكُلم فيه. اهـ.
وقد رُوي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة مرفوعًا، ولا يصح منها شيء، انظر للتفصيل "القراءة خلف الإمام" للبيهقي، و "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (2/ 842 - 849)، و"نصب الراية"(2/ 6 - 11) وغيرها.
- صلى الله عليه وسلم، وأسنده بعضهم، ورواه ابن ماجة (1) مسنداً، وهذا (2) المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومرسله من أكابر التّابعين، ومثل هذا المرسل يُحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد نصَّ الشافعي (3) على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل.
قال (4): وقيل: لا يستفتح ولا يتعوذ حال جهر الإمام؛ وهذا أصح.
وذكر حديث عبادة: "إذا كنتم ورائي فلا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(5).
(1) سنن ابن ماجة (1/ 277 رقم 850).
(2)
في "الأصل": وهو. والمثبت من "مجموع الفتاوى".
(3)
قال الإمام الشافعي في "الرسالة"(ص 461 - 463): فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدَّث حديثاً منقطعًا عن النبي اعتبر عليه بأمور:
منها: أن ينظر الى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون وأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه.
وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم؛ فإن وُجد ذلك كانت دلالة يقوى له مرسله، وهي أضعف من الأولى.
وإن لم يُوجد ذلك نُظر إلى بعض ما يُروى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً له، فإن وُجد يُوافق ما روى عن رسول الله كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح، إن شاء الله
وكذلك إذا وُجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي. اهـ.
وقد تقدم نقل الحافظ ابن عبد الهادي لكلام الإمام الشافعي، وعلق عليه تعليقًا نفيساً.
(4)
"مجموع الفتاوى"(23/ 280).
(5)
رواه الإمام أحمد (5/ 313، 322)، وأبو داود (1/ 217 رقم 823)، والترمذي (2/ 116 - 117 رقم 311)، والدارقطني (1/ 318 - 319)، وابن حبان (1785، =
قال (1): وهذا الحديث معتل عند أئمة الحديث كأحمد وغيره من الأئمة، وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع، وبيَّن أن الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلا بأم القرآن"(ق 35 - أ)، وهذا هو الذي أخرجاه في "الصحيحين"(2) رواه الزهري عن محمود بن الربيع، عن عبادة، وأما هذا الحديث فقط غلط فيه بعض الشاميين، وأصله أن عبادة كان يومًا في بيت المقدس فقال هذا، فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عبادة.
= 1792)، والحاكم (1/ 238) من طريق مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
وقال الترمذي: حديث عبادة حديث حسن، وروى هذا الحديث الزهري عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لَّا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" قال: وهذا أصح.
وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن.
ورواه أبو داود (1/ 217 رقم 824)، والنسائي (2/ 41)، والدارقطني (1/ 319 - 320) من طريق مكحول، عن نافع بن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن، ورجاله ثقات كلهم.
ورواه الدارقطني (1/ 319)، والحاكم (1/ 238) من طريق مكحول، عن أبي نعيم، عن عبادة رضي الله عنه.
قال الدارقطني: قال ابن صاعد: قوله: "عن أبي نعيم" إنما كان أبو نعيم المؤذن، وليس هو كما قال الوليد:"عن أبي نعيم عن عبادة".
ورواه أبو داود (1/ 218 رقم 825)، والدارقطني (1/ 319 - 320) من طريق مكحول، عن عبادة رضي الله عنه.
قال الدارقطني: هذا مرسل.
(1)
"مجموع الفتاوى"(23/ 286 - 287).
(2)
صحيح البخاري (2/ 276 رقم 756)، وصحيح مسلم (1/ 295 رقم 394).