الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ الفاضل
…
حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتابكم المؤرخ 10/2/1409 هـ وصل ومعه:
رسالتكم (......) ، وقد طلبتم الإفادة عما أراه من ملاحظة بقطع النظر عن أصل الخلاف في ذلك. والذي أرى في هذه الرسالة الجيدة أن فيها ذكر أشياء يجب حذفها، وترك أشياء ينبغي أو يجب ذكرها.
أما التي يجب حذفها فهي:
أولاً: التنديد بمن يذكر الناس بوجوب زكاة الحلي وينذرهم بما أنذرهم به النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت المناسب، فإنه لا يخفى أن هذا أمر لا يعاب على من يرى صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مما يحمد عليه المبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان عليه تقوى الله تعالى في تبليغ ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خصوصاً عند الحاجة إلى ذلك، وكما أن القائلين بعدم الوجوب ينشرون ذلك عن طريق وسائل الإعلام، ودرجات المنابر، ولا يلومهم القائلون بالوجوب ولا ينددون بهم، فيقولوا: إنكم قمتم بذلك معارضين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرون أن نشر أحد القولين في المسائل من باب الإلزام بها، ولا ريب أن من حاول إلزام الناس برأيه فقد بوأ نفسه مكان الرسالة،
واتخذ نفسه شريكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم نسأل الله العافية. والإنسان إذا أبان ما يعتقده الحق فقد أبرأ ذمته، سواء قبله الناس أم لم يقبلوه، وسواء استحسنوا صنيعه أم عابوه.
ثانياً: لمز الإمام أبي حنيفة رحمه الله بكونه إنما ذهب إلى وجوب زكاة الحلي لقول ابن مسعود رضي الله عنه لا اتباع الا"ثار المروية في هذه المسألة، وإلا لكان المسارعون إلى الأخذ بها من الأئمة هم أوسع منه اطلاعاً على الا"ثار وأرغب في قبولها.
فإنه لا يخفى أن الإنسان قد يحيط علماً بمسألة لم يحط بها من هو أوسع منه علماً وأعمق منه فهماً، وقد خفي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم حكم الإقدام على أرض الطاعون حتى جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فحدثهم بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. على أن عن الإمام أحمد رحمه الله رواية موافقة لمذهب أبي حنيفة رحمه الله نقلها في المحرر والفروع والإنصاف وغيرهم.
ثالثاً: قولكم: (إن عمرو بن شعيب جرَّحه علماء الحديث) ، ومن المعلوم أن ظاهر العبارة إجماع المحدثين على جرحه، وليس الأمر كذلك، وهذا مقابل لقول أحمد محمد شاكر في (الباعث الحثيث) ص 822: عن عمرو أنه ثقة من غير خلاف. والحق أن الرجل مختلف فيه، لكن جمهور المحدثين على توثيقه، وعلى الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده ففي تهذيب التهذيب لابن حجر 8/94 قال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني،
وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين. قال البخاري: من الناس بعدهم؟ وفي ص 05 عن إسحاق بن راهويه: إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة، فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر، قال النووي في مقدمات شرح المهذب (1/111 المكتبة العالمية) : وهذا التشبيه في نهاية الجلالة من مثل إسحاق رحمه الله، ثم قال بعد أن نقل عن أصحابهم منع الاحتجاج به، وترجح عنده (أي صاحب المهذب) في حال تصنيف المهذب جواز الاحتجاج به، كما قال المحققون من أهل الحديث والأكثرون وهم أهل هذا الفن، وعنهم يؤخذ، ويكفي فيه ما ذكرناه عن إمام المحدثين البخاري اه. وفي زاد المعاد لابن القيم (4/932 ط السنة المحمدية) في الكلام على سقوط الحضانة بتزوج الأم: ذكر أنه ليس في سقوط الحضانة بالتزويج غير حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأنه ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم، وأبطل قول من يقول: إن حديثه مرسل أو منقطع، وأجاب ص 652 عن اعتراض ابن حزم على الاستدلال بحديثه بأنه إذا تعارض معنا في الاحتجاج برجل قول ابن حزم وقول البخاري وأحمد، وابن المديني، والحميدي، وإسحاق بن راهويه وأمثالهم لم نلتفت إلى سواهم.
ورجل هذه حاله وهذا كلام عامة المحدثين في روايته عن أبيه عن جده لا ينبغي إطلاق القول بأنه جرحه علماء الحديث.
وأما التي ينبغي ذكرها أو يجب فهي:
أولاً: ذكر الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله في وجوب الزكاة في الحلي.
ثانياً: ذكر قول بعض المعاصرين في وجوب الزكاة فيه كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز؛ لأنه لا تخفى منزلته عند الناس واعتبار قوله ليكون في مقابل من ذكرتم قوله من المعاصرين بعدم الوجوب.
ثالثاً: ذكر قول ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص 182 ط المدني) أن الراجح أنه لا يخلو الحلي من زكاة أو عارية. اه وهذا يدل على أنه لا يرى انتفاء الوجوب مطلقاً مع أنكم عددتموه (ص 6 7) من الرسالة ممن يقول بالنفي.
رابعاً: ذكر قول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسيره (2/754) : وإخراج زكاة الحلي أحوط؛ لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والعلم عند الله. اه
وإنما كان ينبغي ذكر ذلك لأنكم ذكرتم في معرض كلامكم على حديث عائشة رضي الله عنها في إخراج زكاة مال اليتامى ولا تخرجها عن حلي بنات أخيها، أن الشنقيطي قال: وهذا الإسناد عن عائشة في غاية الصحة، وقال: يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه حسبها من النار، ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها، مع أن المعروف عنها القول بوجوب الزكاة في أموال اليتامى. ومن قرأ ما نقلتموه عن الشنقيطي فسيرى أنه لا يرى وجوب الزكاة ولا الاحتياط.
خامساً: ذكر قول ابن حزم في وجوب زكاة الحلي من الذهب والفضة كما صرح به (6/57 من المحلى) وإنما كان ينبغي ذكر ذلك لأنكم ذكرتم عنه ما نصه: ما احتج به على إيجاب الزكاة في الحلي آثار واهية لا وجه للاشتغال بها. ومن المعلوم أن مثل هذا التعبير يوهم إيهاماً كبيراً أن ابن حزم لا يرى وجوب الزكاة في الحلي، بل لا يطرأ على البال أنه يرى الوجوب بعد هذا القول، لاسيما وأنكم عددتموه في ص 6 و73 من الرسالة ممن قال بعدم الوجوب.
هذا ما رأيت إبداءه حسب طلبكم أسأل الله أن ينفع به.
ويصلكم إن شاءالله تعالى صورة رسالة كتبتها سابقاً حول الموضوع، أسأل الله تعالى أن ينفع بها. ويصلكم كذلك إن شاءالله تعالى قصاصة فيها تعليق على حديث في كتاب نيل المآرب أعطانيها أحد الطلبة البارحة. والله يحفظكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 2/3/9041هـ.