الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة حول الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فالزكاة من أهم أحكام الإسلام وأعظمها وأجلها شأناً وقدراً، والزكاة حق المال، ولما تركها من تركها من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم المسلمون، وقال أبو بكر رضي الله عنه:«والذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً أو قال: عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على ذلك» .
ولا يخفى علينا جميعاً ونحن نقرأ كتاب الله عز وجل أن الزكاة دائماً تقرن مع الصلاة وذلك لأهميتها، لأن الصلاة حق البدن وعمل البدن، والزكاة حق المال وبذل المال، والمال لا يخفى أنه حبيب إلى النفوس كما قال تعالى:{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} ، والخير المال، وعلى هذا فالزكاة لها أهمية عظيمة.
وقد جاءت النصوص الكثيرة في كتاب الله عز وجل تدل على الترغيب في الإنفاق، وعلى الترهيب من البخل، فقال الله عز وجل:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَأَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الجنة بالربوة لا شك أنها تعطي ثماراً عظيمة؛ لأن الجنة هي البستان الكثير
الأشجار، والربوة هي المكان المرتفع من الأرض، فهي ظاهرة متبينة للهواء وللشمس، فتؤتي أكلها ضعفين، وقد بين الله كيفية ذلك في قوله:{كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا تصدق بعدل تمرة (أي ما يعادلها) من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله تعالى يأخذها بيمينه فيربيها كما يربي الإنسان فَلُّوه يعني مُهره الصغير حتى تكون مثل الجبل.
والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة.
أما الوعيد على تركها فلنستمع إلى آيتين وحديثين، أما الآية الأولى: فقول الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} يعني لا يظنون أنه خيٌر لهم {بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} كيف يكون شًّرا وهم يدخرون المال لينتفعوا به عند الشدائد؟ يكون شًّرا بينه الله تعالى بقوله: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} . وبين النبي صلى الله عليه وسلم كيف هذا التطويق؟ فقال: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع» قال العلماء: الشجاع: هي الحية العظيمة الذكر. والأقرع: الأملس، رأسه ليس فيه زغب، وذلك لأنه قد تساقط شعره من كثرة السم عياذاً بالله «له زبيبتان» الزبيبتان
غدتان في رأسه مملوءتان من السم «يأخذ بلهزمتيه» يعني شدقيه «فيقول أنا مالك أنا كنزك» وهذا يكون يوم القيامة.
وانظر كيف كان يأخذ بلهزمتيه؟ أي: بشدقي صاحبه حتى يكون ذلك أشد في إهانته؛ لأنه كان في الحياة الدنيا يتشدق في ماله أنا عندي كذا، وأنا عندي كذا، فيأخذ هذا الشجاع الأقرع بلهزمتيه بهاتين الشدقين اللتين طالما امتلأ فمه بالكلام والفخر، ثم يقول: هذا المال يؤنب هذا الرجل «أنا مالك أنا كنزك» .
تصور ماذا تكون حسرته يوم القيامة! هذا المال الذي كان يحرسه في حياته أصبح يوم القيامة عدوًّا له.
أما الآية الثانية: فهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} .
قال العلماء معنى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} هم الذين لا يؤدون زكاتها ولو كانت على ظهر الأرض فإنها كنز إذا لم تؤد الزكاة، فإن أديت الزكاة فليست بكنز ولو كانت بباطن الأرض.
فالذين يكنزون الذهب والفضة: هم الذين لا يؤدون زكاتها، يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم، وظهورهم من كل جانب. الجباه من الأمام، والجنوب من اليمين والشمال، والظهور من الخلف، وقد فسّر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية في
قوله فيما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من صاحب ذهب وفضة لا يؤدي منها حقها وفي رواية زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» . وهذه عقوبة عظيمة. والإنسان لا يستطيع أن يضع يده في أقل جمرة في الدنيا ولا دقيقة واحدة مع أن نار الآخرة فُضِّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، يعني حرارة نار الآخرة كحرارة هذه النار في الدنيا سبعين مرة، مَن يطيق هذا؟ نسأل الله العافية، ولكن الله تعالى يعطيهم في ذلك الوقت أبداناً تتحمل هذا؛ لأنها لو لم تتحمل لهلكت من أول مرة وفقدت العذاب، لكن يعطيهم الله تعالى أجساماً تتحمل هذا العذاب، ولكنها تتألم به، ولهذا يقول أهل النار لمالك خازن النار يقولون:{يامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} يريحنا من هذا {قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} .
فالزكاة شأنها عظيم وخطرها كبير، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله في رواية عنه قال:«إن الذي يمنع الزكاة بخلاً يكون كافراً كالذي يترك الصلاة تهاوناً» ، لأن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، وقد قال الله تعالى:{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاةَ وَءااتَوُاْ الزكاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الأَْيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} . فرتب الأخوة على إيتاء الزكاة مع إقامة الصلاة، وهذه الرواية لولا حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي
ذكرناه آنفاً وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» لولا هذا الحديث لقلنا: إن تارك الزكاة بخلاً كافر، لكن قوله صلى الله عليه وسلم:«يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» يدل على أنه ليس بكافر؛ لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة.
على كل حال الخطر عظيم، وإذا تركها الإنسان ولم يزك ومات فهل يجزىء عنه ويبرىء ذمته إذا أدى الورثة عنه الزكاة؟
يقول ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن: (إن القواعد الشرعية تقتضي أن لا ينفعه إخراج ورثته عنه) لأن العمل بعد موته عمل الورثة، وهو في حياته لم يؤد، ولم يكن عنده تفكير في أن يؤدي. فإذا أدى عنه غيره بعد موته كيف يجزىء عنه؟ وصدق رحمه الله، فالقواعد الشرعية تقتضي أننا لو بذلنا كل ماله في الفقراء ما برئت ذمته، لأنه مات على ترك الزكاة والعياذ بالله.
ومن الذي أعطاك المال؟ الله عز وجل، ولم يطلب منك من هذا المال إلا الشيء اليسير، وهذا الشيء اليسير يتم به إيمانك، وتتم به أخلاقك، تكون من الكرماء، وينمو به مالك {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وحينئذ لابد أن نعرف ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة؟ ومن الذي تدفع إليهم الزكاة؟
فنقول: وبالله نقول، ونسأله أن يلهمنا الصواب: الزكاة تجب في أموال معينة فليس كل مال فيه زكاة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:«ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة»
السيارة التي تكدها لا زكاة فيها، الدار التي تسكنها لا زكاة فيها، الدار التي تؤجرها لا زكاة فيها، قد نقول أكثر الأموال لا زكاة فيها، الزكاة في أصناف معينة، وهي:
أولاً: بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم إذا كانت ترعى، أما إذا كان أنت الذي تأتي بالعلف إليها فليس فيها زكاة، لو كان عندك ألف بعير وأنت الذي تعلفها وليست للتجارة بل هي للتنمية فليس عليك فيها زكاة.
ثانياً: الخارج من الأرض وليس كل الخارج من الأرض أيضاً فيه زكاة، الخارج من الأرض من الحبوب والثمار فقط، أما الخضروات وما أشبهها فليس فيها زكاة.
ثالثاً: الذهب.
رابعاً: الفضة.
خامساً: عروض التجارة.
هذه الأموال الزكوية، وهناك أشياء فيها خلاف بين العلماء، نتكلم الآن على ثلاثة منها، لأنها هي التي تكثر في أيدي الناس وهي: الذهب والفضة، وعروض التجارة. هذه هي الكثيرة عند الحضر والبدو.
الذهب: تجب فيه الزكاة بكل حال على أي حال كان، سواء كان دنانير أو تبراً (وهو القطع من الذهب) أو كان حلياً تلبسه المرأة وتعيره؛ لأن النصوص الواردة في وجوب الزكاة فيه عامة ما خصصت ومطلقة غير مقيدة.
فمن ذلك: ما ذكرناه آنفاً حديث أبي هريرة الذي أخرجه
مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها» ولا شك أن الحلي من الذهب يقال لمن اقتناه: إنه صاحب ذهب. ولا شك في هذا، حتى إن ابن حزم رحمه الله استدل على وجوب الزكاة فيه بقوله صلى الله عليه وسلم:«في الرقة ربع العشر» . وقال: إن الرقة اسم للفضة، سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة.
فالحديث عام فمن أخرج منه الحلي وقال: إن حلي المرأة ليس فيه زكاة فعليه الدليل. أما إن أفصح الخلق وأنصح الخلق وأعلم الخلق يقول: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها» . ونأتي ونخرج شيئاً من عموم كلامه بلا دليل، فليس لنا حجة عند الله يوم القيامة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعلم أنه أعلم الخلق بما يقول، وبمعنى ما يقول، ونعلم أنه أنصح الخلق، لا يمكن أن يلبس على الناس، ويأتي بلفظ عام، وبعض أفراده خارج منه ولم يبينه، ونعلم أيضاً أنه أفصح الخلق لا ينطق بلفظ عام وهو يريد الخاص، لأنه يستطيع أن يعبر بالخاص أو أن يخصص بعد ذكر العام.
وعلى هذا نقول لمن أخرج الحلي من وجوب الزكاة: هات الدليل؟
إذا جئت بدليل من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله فعلى العين والرأس، نضع كل أقوال العلماء التي تخالف هذا الدليل صفراً على اليسار، ونضرب بها عرض الحائط. أما أن تأتي بقياس أنت تنقضه بنفسك فنحن لا نقبل قياساً يخالف النص أبداً، كل
قياس يخالف النص فإنه باطل فاسد الاعتبار، كيف نقيس الحلي من الذهب على غيره، والذهب تجب الزكاة بعينه؟ ولهذا لا يشترط فيه التجارة لو كان عند الإنسان ما أراد به التجارة وجبت فيه الزكاة، فكيف نقيس الحلي من الذهب على الثياب؟ والثياب أصلها ليس فيها زكاة، حتى نقول: إنها إذا أعدت للاستعمال لا زكاة فيها، فالذهب الزكاة واجبة بعينه، ولهذا لو أن الإنسان عنده مئة دينار يعدها للنفقة كل يوم يأخذ منها ما تيسر فإن عليه الزكاة إذا حال الحول وكانت نصاباً، ولو كانت للنفقة والنفقة أشد حاجة من التحلي. التحلي كمال فكيف نسقط الزكاة بالحلي ونوجبها بالنفقة؟! كل الأقيسة التي ذكرها المانعون من وجوب الزكاة كلها منتقضة، إن قالوا: قياساً على الثياب. قلنا: هذا خطأ.
أولاً: لأنه قياس في مقابلة النص.
ثانياً: لأنه لا يصح القياس؛ لأن الثياب أصلها لا زكاة فيها.
ثالثاً: أنكم تقولون: إذا كان الذهب الحلي محرماً كرجل لبس ذهباً ففيه الزكاة، مع أن الثياب المحرمة لو أن الرجل لبس الحرير لا زكاة فيه، والقاعدة:«أن القياس يستوي فيه الفرع والأصل» .
أيضاً تقولون: لو كان عند الإنسان ثياب يؤجرها، كل ما احتاج أحد إلى ثوب جاء واستأجر منه قالوا: فلا زكاة فيها. لكن لو كان عنده ذهب يؤجره قالوا: فيه الزكاة، إذاً أين القياس؟ إنسان عنده ذهب كان معده للبس ثم تحولت نيته وأعده للتجارة قالوا: فيه زكاة مادام تحول من اللبس إلى التجارة، يكون فيه زكاة.
عنده ثياب أعدها للبس ثم نوى أن تكون للتجارة، يقولون:
ما تكون للتجارة، إذاً لماذا الذهب يكون للتجارة وهذا ما يكون؟ قالوا: لأن الأصل في الذهب وجوب الزكاة. إذاً ما الذي هدم هذا الأصل؟
نقول هذا بقطع النظر عن النص الخاص في هذه المسألة، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، المسكتان يعني السوارين، قال:«أتؤدين زكاة هذا؟» قالت: لا، قال:«أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟» .
وهذا الحديث نص في الموضوع. والحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وقال ابن حجر في بلوغ المرام: إن إسناده قوي. ولله در ابن حجر، حيث أتى بهذا الحديث في كتابه، وقال: إسناده قوي مع أنه شافعي، والشافعي لا يرى وجوب الزكاة فيه، ولكن الحق أحق أن يتبع، أما سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فقال: إن إسناده صحيح، وإذا كان إسناده صحيحاً وهو مؤيد بعموم الحديث الثابت في مسلم فلا يبقى للإنسان عذر.
قال بعض الذين لا يوجبون الزكاة في الحلي قالوا: إن هذا الحديث ضعيف سنداً ومتناً، والحديث إذا كان ضعيفاً سنداً، أو متناً فليس بحجة، وهذا كلام صحيح، أن الضعيف ليس بحجة، ولكن هل ينطبق على هذا أو لا؟ قالوا: لأن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده جرحه بعض العلماء، وقال: روايته ضعيفة لا تقبل.
قلنا: من الذي قال هذا من أئمة الحديث الذين يرجع إليهم
في الحديث تصحيحاً وتضعيفاً؟ الإمام أحمد من أئمة الحديث، والبخاري كذلك، وإسحاق بن راهويه من أئمة الحديث، يحيى بن معين من الأئمة رحمهم الله قال البخاري رحمه الله في عمرو بن شعيب قال:«إن الإمام أحمد رحمه الله ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا رأيتهم كلهم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولم يرده أحد من المسلمين، فمن الناس بعد هؤلاء يقوله البخاري. بل الأئمة الأربعة كلهم احتجوا به في حديث المرأة إذا تزوجت فإن حضانتها لابنها تسقط، يعني مثلاً إنسان طلق امرأته وله منها ابن أقل من سبع سنين من الذي يحضنه؟ الأم لكن إذا تزوجت بأجنبي من المحضون سقطت حضانتها. يقول ابن القيم رحمه الله: ليس في هذا من السنة إلا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومع ذلك احتج به الأئمة الأربعة، فكيف إذا جاءنا حديث يوافق ما نذهب إليه رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قلنا: هذا صحيح حجة، وإذا جاء حديث يخالف ما نرى قلنا: إن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ضعيف. هذا خطأ عظيم، فإما أن يكون الرجل ضعيفاً لا يقبل أي حديث ينفرد به، وإما أن يكون حجة ويقبل في أي حديث، وهذا هو الحق حتى إن إسحاق بن راهويه رحمه الله قال: «إذا كان مَن دون عمرو بن شعيب ثقة يعني الذي يروي عن عمرو بن شعيب ثقة فإنه كحديث مالك عن نافع عن ابن عمر» . ومالك عن نافع عن ابن عمر يسميه أهل مصطلح الحديث سلسلة الذهب. أي: أصح شيء.
وأنا رأيت بعض المحدثين قال: إن العلماء أجمعوا على توثيق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لكن نقل الإجماع فيه نظر، لأن الصحيح أن فيه خلافاً لكن أئمة المحدثين وهم أهل الشأن، كما قال النووي رحمه الله في مقدمة شرح المهذب، قال: إن الأكثر من أهل العلم والمحققين من أهل العلم كلهم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهم أهل الشأن. لذلك سقطت هذه العلة أي: تعليل الحديث بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ساقطة وصارت علة عليلة بل علة ميتة.
قالوا: هو أيضاً ضعيف من حيث المتن لماذا؟
قالوا: كيف الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لها: «أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار» وهي جاهلة هل الرسول يتوعد الجاهل؟ النبي عليه الصلاة والسلام أشد الناس حلماً، وأرأف الناس بالمؤمنين كيف يتوعدها ويقول:«أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار» وهي جاهلة لا تدري، والجاهل لا يخاطب بهذا الخطاب، فكيف يخاطبه أرأف الخلق بالمؤمنين بهذا الخطاب؟ هذه علة توجب رد الحديث ولو صح سنده؛ لأن من شرط صحة الحديث أن يكون غير معلل ولا شاذ ومتن هذا الحديث منكر، لأنه يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يخاطب هذه المرأة وهي جاهلة بهذا الخطاب؟
فنقول لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أحلم الخلق بالخلق، لا شك في هذا وأرأف الخلق بالخلق ولكن هناك أدلة ونصوص عامة في وجوب الزكاة في الذهب، فإذا وجد إنسان عنده ذهب وقال: لم أود زكاته
فإنه يستحق أن يوبخ، لأنه قد تقرر بأن الذهب تجب فيه الزكاة، فإذا سئلت امرأة هل تؤدين زكاة هذا الحلي؟ وقالت: لا، إذاً هي عرضت نفسها للعقوبة، لأن وجوب الزكاة في الذهب معلوم، فإذا كان معلوماً فمن فرط فيه استحق أن يقال له مثل هذا الكلام.
ونظير هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً عليه خاتم ذهب، تقدم النبي عليه الصلاة والسلام أو دعا الرجل وأخذ هو بنفسه الخاتم ونزعه من الرجل ورمى به، وقال:«يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده» وهذا كلام شديد، فيأتي إنسان ويقول: لماذا يكلمه الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام الشديد وهو جاهل؟ نقول: لأنه قد تقرر عندهم أن الذهب حرام على الرجال، فكان هذا الأسلوب مناسباً لهذا الرجل، نظير الأسلوب الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة:«أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟» .
وبهذا عرفنا أن هذا الأسلوب الذي استعمله الرسول عليه الصلاة والسلام مع هذه المرأة موافقاً تماماً للحكمة، وموافقاً لمقتضى الحال، وليس فيه شذوذ ولا مخالفة لهدي النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا انتفت العلتان اللتان علل بهما هذا الحديث، وصار الحديث سالماً بذاته، سالماً عن معارض خارج وليس هناك حديث يعارض هذا الحديث أبداً، وهو بنفسه سالم من هذه العلل، ولا عذر للإنسان بعد ذلك أن يترك العمل به.
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أن الزكاة تجب في
حلي المرأة، وأنه لا عذر للإنسان بترك تزكيته.
بقي أن يقال: كيف اختلف العلماء؟
نقول: العلماء ليست هذه أول مسألة يختلفون فيها وإذا اختلفوا فالمرجع كتاب الله تعالى وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأئمة المذاهب الإسلامية أربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله.
أبو حنيفة يرى وجوب الزكاة في الذهب (الحلي) .
ومالك والشافعي لا يرون الوجوب إلا في بعض المسائل التي يذكرونها، لكن الأصل عندهم عدم الوجوب.
والإمام أحمد: لسعة علمه له في هذه المسألة روايتان: رواية قال: يجب، ورواية قال: ما يجب، ولهذا لا يصح أن نقول: إن مذهب الإمام أحمد الشخصي أنه لا يرى الوجوب، بل نقول: إن الإمام أحمد له في ذلك روايتان، قولان: يقول بالوجوب، ومرة قال بعدم الوجوب، ولا ندري أيتهما أسبق، فمرة وافق أبا حنيفة، ومرة وافق مالكاً والشافعي.
وأيًّا كان فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا إلى قول فلان وفلان، مهما كانت أقوال العلماء، يجب أن تعرض على الكتاب والسنة، وقد تبين والحمد لله أن الأدلة تؤيد القول بالوجوب.
الفضة: أيضاً مما تجب فيه الزكاة بالنص والإجماع، ولكن لا تجب الزكاة إلا إذا بلغت النصاب، والنصاب في الذهب عشرون ديناراً، والدينار مثقال، وعلى هذا فيكون نصاب الذهب عشرين
مثقالاً، وهو حسب ما قال لنا الصاغة: عشرة جنيهات سعودي وخمسة أثمان.
وقال بعض العلماء: إنه أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع جنيه بناء على أنه قد خلط بالذهب الجنيه خلط فيه معدن آخر نحاس أو شيء آخر من أجل أن يصلبه، لأن معدن الذهب لين، وقد أضيف إليه بعض الشيء، ليصلبه على كل حال إن اعتبر الإنسان عشرة جنيهات وخمسة أثمان واحتاط فخير، وإن قال: الأصل عدم بلوغ النصاب حتى يبلغ أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع فلا بأس. والمسألة هينة لكن إذا بلغ هذا المقدار وجب أن يزكى، وكيف يزكَّى؟
إن كانت دنانير فتزكى منها يعني إنسان عنده أربعون ديناراً فيخرج ديناراً واحداً، لأن فيها ربع العشر.
وبالنسبة للفضة: إذا بلغت مائتي درهم، والدراهم نسبتها للمثاقيل كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، فتكون مائتي الدرهم، مئة وأربعين مثقالاً. فإذا كان عند الإنسان مائة وأربعون مثقالاً من الفضة وجب عليه الزكاة، وعليه بالجرامات خمسمائة وخمسة وتسعون، فإذا كان عند الإنسان من الفضة هذا المقدار وجبت عليه الزكاة، وما دون ذلك ليس فيه زكاة، إذ لابد من بلوغ النصاب.
وهو بالنسبة للجنيهات السعودية إما إحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع أو عشرة وخمسة أثمان، وبالنسبة للفضة قالوا: إن ستة وخمسين من ريال الفضة نصاب وما دونها فليس نصاب.
وستة وخمسون بالنسبة للورق الآن تبلغ خمسمائة وستين، لأنه يقال لي: إنه في هذه الا"يام قيمة الريال السعودي من الفضة
عشر ورقات، فأنت إذاً ضربت
65 01 × 065 إذاً هذا النصاب من الورق (065) تجب الزكاة ومقدارها ربع العشر وكيفية استخراجها أن تقسم ما عندك على (04) فإذا كان عندك أربعون ألفاً (000ر04) ففيها ألف (0001) وأربعمائة ألف (000ر004) فيها عشرة آلاف ريال (000ر01) وهذا هو الواجب.
والأوراق النقدية: تقدر قيمتها بالفضة؛ لأن تقديرها بالفضة أنفع للفقراء من تقديرها بالذهب، فتقدر بالفضة ويخرج منها ربع العشر.
عروض التجارة:
تشمل كل الأموال، كل مال يمكن أن يكون عروض تجارة، لأن عروض التجارة لها حد، وليس لها عد، يعني أنها محدودة لا معدودة.
والحد (كل ما أعده الإنسان للربح فهو عروض تجارة) .
وسمي عروضاً؛ لأنه لا يبقى عند صاحبه، بل يعرض ويزول؛ لأن صاحب التجارة يشتري السلعة في الصباح ويبيعها في المساء، لا يريد أن تبقى عنده، إذا ربّحت باعها مباشرة، يمكن يشتري خمس أو ست سلع في اليوم الواحد؛ لأنه لا يريد إلا الربح.
أما ما أعده الإنسان للبيع لانتهاء غرضه منه فليس عروض تجارة، فعلى هذا لو اشتريت أرضاً لتبني عليها بيتاً ثم بدا لك ألا تفعل، وعرضتها للبيع، فهل هذه عروض تجارة؟ لا. لأني ما أردت الربح إنما انقضى غرضي من هذا فأردت أن أبيعه، وكذلك
لو كان للإنسان منحة من الدولة أخذها ليبني عليها ثم بدا له ألا يفعل، أو أخذها ثم أراد أن يبيعها لكن ما قصد الربح إنما قصد متى جاء طالبها باعها، فهذه ليست عروض تجارة.
إنسان آخر عنده سيارة اشترى غيرها، ويريد أن يبيع الأولى وعرضها في المعرض فليس فيها زكاة؛ لأنها ليست عروض تجارة.
فعروض التجارة هي الأموال التي أعدها الإنسان للربح، سواء كانت سيارات، أو أراضي، أو أقمشة، أو غير ذلك، يعني أنها محدود.
ومقدار زكاتها ربع العشر فنقسم قيمتها على أربعين (04) وهل المعتبر ثمنها الذي اشتريت به أو قيمتها عند تمام الحول؟
المعتبر قيمتها عند تمام الحول، فلو اشتريت هذه السلعة للتجارة بعشرة آلاف ريال، وقبل أن يتم الحول بعشرة أيام صارت تساوي عشرين ألفاً فتزكي عشرين، لأن الربح يتبع رأس المال، ولا يشترط له الحول، وبالعكس: لو اشتريتها بعشرة آلاف وقبل تمام الحول بعشرة أيام صارت تساوي خمسة ألاف، فإني أزكي خمسة آلاف؛ لأن هذا هو قيمتها.
مسألة: إنسان صاحب بقالة السلع تذهب وتجيء وتختلف، ما الذي يقوم عند تمام الحول؟
يقوَّم الموجود في الدكان من أي صنف كان، لكن الأشياء الباقية لا تقوم ولا تقدر، ولا فيها زكاة مثل الدواليب والثلاجات والفريزرات وما أشبهها، هذه لا تثمن، لا زكاة فيها، لأنها لا تباع، وإذا كانت لا تباع فليس فيها زكاة.
مسألة: المصانع فيها مواد خام، وفيها آلات متحركة، وفيها آلات ثابتة ما الذي يقدر؟
المواد الخام التي تصنع هي التي تقدر وتثمن وتزكى، أما المكائن والأشياء الثابتة كالدواليب وغيرها فهذه ليس فيها زكاة؛ لأنها ليست للتجارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقة» .
زكاة الديون:
إذا كان للإنسان ديون على الناس من ذهب أو فضة فما الحكم؟
نقول: إذا كان للإنسان ديون على الناس من ذهب أو فضة (احترازاً مما لو كانت الديون من التمر أو من البر أو من الرز فهذه ليس فيها زكاة) لكن إذا كانت الديون من الذهب والفضة، فأصح الأقوال في هذه المسألة أنه إذا كان الدين في ذمة شخص غني وفّي أي غير مماطل فعليك زكاته كل سنة، لكن أنت بالخيار إن شئت تخرجها مع مالك، وإن شئت انتظر حتى تقبضه ثم تخرجها عمّا مضى من السنوات.
أما إذا كان الدين على شخص فقير، أو على مماطل لا يمكنك مطالبته لكونها على شخص كبير، أو على أبيك لا تستطيع تطالبه فهذا ليس فيه زكاة، إلا إذا قبضته تزكيه سنة واحدة ولو مضى عليه عشرون سنة.
مسألة: لو أن شخصاً مات في نصف السنة وخلّف أموالاً
كثيرة وكان من عادته أن يؤدي الزكاة في رمضان، وهو قد مات في ربيع الآخر وجاء رمضان هل نزكي المال؟
الجواب: نقول هنا لا يزكي في رمضان لأن المال انتقل من الأول إلى الورثة، ويبتدىء الحول عند الورثة من الساعة التي مات فيها الميت في ربيع الآخر، فتجب الزكاة على الورثة بالشروط المعروفة، يعني إذا كان كل واحد يملك النصاب وما أشبه ذلك.
أهل الزكاة:
أهل الزكاة لم يكل الله تعالى أمره إلى أحد، كما قسم المواريث قسم الزكاة، فقال:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
الأربعة الأول وهم: {لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ،جاءت الآية باللام، لأن هؤلاء الأربعة يجب أن تملكوا تعطيهم هم بأنفسهم.
وأما الرقاب، والغارمين، وسبيل الله، وابن السبيل فلا يجب أن يملكوا.
الرقاب: تشتري عبداً من السوق في الزكاة وتعتقه، وهو لم يملك شيئاً منك.
الغارمين: تعرف أن شخصاً مديناً يحتاج إلى وفاء الدين، فتذهب إلى دائنه وتؤدي عنه، وهذه تجزىء مع أن المدين ما ملكه بل أنا أوفيت عنه.
في سبيل الله: تشتري للمجاهدين سلاحاً من الزكاة، ولا
تعطيهم دراهم، فأنت لم تملكهم الزكاة، فهذه تجزىء ولا مانع.
ابن السبيل: تشتري له دابة يسير عليها، أو تعطيه ما يشتري به كله سواء، وعلى هذا فنقول: إن أصحاب الزكاة هم هؤلاء الثمانية فقط.
الفقراء والمساكين: هم الذين لا يجدون كفايتهم وكفاية أولادهم لمدة سنة، فإذا وجدنا شخصاً له راتب قدره أربعة آلاف في الشهر، وينفق في الشهر ستة آلاف فنعطيه من الزكاة ألفين كل شهر وجدنا شخصاً راتبه ثلاثة آلاف، لكن ينفق ستة آلاف فنعطيه ثلاثة آلاف وهلم جرا.
العاملون عليها قال العلماء: هم اللجنة التي تقيمها الدولة لقبض الزكوات وصرفها في أهلها، وأما الشخص المعين الذي أعطيه زكاتي يفرقها، فهذا ليس عاملاً عليها، هذا وكيل لي.
فالعامل عليها الذي له ولاية، منصوب من قبل الدولة يجبي الزكاة ويفرقها.
الرقاب: ثلاثة أصناف:
عبد يشترى فيعتق، مكاتب يعان في مكاتبته، أسير مسلم يشترى من الكفار.
الغارمون: هم المدينون، رجل عليه دين ولا يستطيع أن يوفي فيوفى عنه حتى لو كان عنده نفقة، ولا يحتاج لشيء من النفقة، لكنه مدين ولا يستطيع الوفاء فنوفي عنه.
فهذا رجل راتبه ستة آلاف في الشهر، لكنه يأكلها كلها؛ لأن العائلة كثيرة، والبيت أجار، وعليه عشرون ألفاً من الدين.
في سبيل الله: هم الغزاة يعطون هم بأنفسهم ما يكفيهم، أو تشترى لهم أسلحة.
ابن السبيل: هو المسافر الذي انقضت نفقته في أثناء السفر فيعطى ما يوصله إلى بلده.
* رجل غني عنده ما يكفيه وعائلته، لكن محتاج إلى زواج، وليس عنده مهر فنزوجه من الزكاة، ولو طلب زوجة ثانية نزوجه من الزكاة، ولو طلب ثالثة نزوجه، وكذلك رابعة فنزوجه، لأن حاجة الإنسان إلى النكاح كحاجته إلى الأكل والشرب، فيعطى مقدار حاجته، ولو بلغ أربع زوجات فلا مانع.
* رجل مدين بدين مؤجل هل نوفي الدين المؤجل أو نقول: انتظر حتى يحل؟ نقول: لا بأس أن نقضي الدين المؤجل، ما دمنا نعرف أنه عند الحلول لن يجد ما يوفي فيه.
* هل يجوز للإنسان أن يدفع الزكاة لزوجته؟
فيه تفصيل: إن كان يريد بدفع الزكاة الإنفاق عليها فإنه لا يجوز؛ لأنه إذا دفع إليها من الزكاة ما ينفق عليها به وفّر ماله، وهذا لا يجوز، وأما إذا كان يريد أن يسدد عنها ديناً ثابتاً عليها من قبل فإنه يجوز.
* هل يجوز للإنسان أن يدفع الزكاة لولده؟
فيه تفصيل: إن كان يريد أن يعطيه للنفقة مع وجوبها عليه فهذا لا يجوز، وإن كان يريد أن يقضي عنه ديناً كحادث سيارة مثلاً وتكسرت السيارة التي هو أصاب وثمّنت السيارة بعشرة آلاف، فإنه يجوز لأبيه أن يدفع عنه الزكاة من أجل هذا الحادث.
*
قتل نفساً خطأ فلزمته الدية فلا يجوز أن يعطيه من الزكاة؛ لأن الدية على العاقلة، واجبة على الأب وعلى العم وعلى الأخ، دية الخطأ على العاقلة، وإذا كانت على العاقلة لم يصح أن يعطيه الأب من زكاته.
* هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها لزوجها؟
نعم يجوز؛ لأن الزوجة لا يجب عليها الإنفاق على الزوج، بخلاف الزوج فإذا كان زوجها فقيراً جاز أن تعطيه من زكاتها.
هذه جملة حضرتني مما يتعلق بالزكاة والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فإنه من المعلوم عند كل واحد من المسلمين أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام» .
ومن المعلوم لكل قارىء يقرأ القرآن أن الزكاة قرينة الصلاة في كثير من المواضع، بل في أكثر المواضع.
وقد قال الله تعالى مبيناً فوائدها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
فبين الله سبحانه وتعالى فوائد الزكاة فذكر منها فائدتين:
الفائدة الأولى: أنها تطهر الإنسان من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار» . فهي تطهر الإنسان من ذنبه، لأن الذنوب نجس وقذر كما قال الله تعالى:{ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو"اْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَاذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} لكن المشرك لما لم يكن عنده عمل صالح صارت
نجاسته نجاسة مطلقة، أما المؤمن ذو المعاصي فإن نجاسته بحسب ما فيه من المعصية، فالصدقة تطهر الإنسان من ذنبه وتكفر عنه سيئاته.
الفائدة الثانية: التزكية وتنمية الأخلاق والإيمان، لأن الزكاة تزيد في إيمان العبد فإنها عمل صالح، وكل عمل صالح فإنه يزيد في إيمانه، وهي أيضاً تزيد في أخلاقه، فإنها تلحق المزكي بأهل الكرم والجود والإحسان.
ومن المعلوم لكل قارىء للقرآن أن الله توعد من بخل بالزكاة بوعيد عظيم شديد. فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .
وهذا التطويق فسره النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بمعاني كتاب الله، بأنه يمثل له أي المال يوم القيامة شجاعاً أقرع، والشجاع هو ذكر الحيات العظيم، والأقرع أملس الرأس الذي ليس على رأسه زغب، وذلك لكثرة سمه والعياذ بالله، قد تمزق شعره، له زبيبتان، يعني غدتين مملوءتين بالسم، يأخذ بلهزمتيه يعني بلهزمتي صاحب المال الذي بخل به يعني يعضه يقول:«أنا مالك أنا كنزك» ، وإنما يأخذ اللهزمتين، لأن صاحب المال في الدنيا يأكله بشدقيه، ويفخر به على الناس بالقول، فيملأ شدقيه بالفخر،
فكانت العقوبة أن هذا المال يأخذ بلهزمتيه ويقول: أنا مالك، أنا كنزك، وتأمل كيف تكون حسرته حيث يقول هذا المال الذي يعذبه في ذلك اليوم: أنا مالك أنا كنزك، فهذا المال الذي كان يحاسب عليه في الدنيا ويمنع ما أوجب الله عليه فيه، يقول المال يوم القيامة موبخاً له مؤنباً له: أنا مالك، أنا كنزك، وقال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} .
والذين يكنزون الذهب والفضة هم الذين لا يؤدون زكاتها حتى وإن جعلوها على رءوس الجبال.
أما الذين يؤدون زكاتها فليست بكنز لهم ولو دفنوها في الأرض السابعة.
وكيف يكون هذا الكي؟
استمع إلى تفسيره من أعلم الناس بكتاب الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها وفي رواية زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» .
هكذا يكوى بها، لا يكوى بها في يوم، أو شهر، أو سنة، بل في يوم مقداره خمسون ألف سنة.
والواحد منا في هذه الدنيا لا يصبر على شرارة من نار الدنيا مع أن نار الدنيا دون نار الآخرة بكثير، فقد فضلت نار الآخرة على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً يضاف إليها جزء نار هذه الدنيا فتكون في الحرارة بمقدار سبعين مرة من نار الدنيا. أسأل الله أن يجيرني وإياكم منها.
والزكاة صدقة من الصدقات لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
وإذا كانت الزكاة من الصدقات فإن كل نص يحث على الصدقة، ويرغب فيها ويبين فضلها تدخل فيه الزكاة من باب أولى، بل إني أقول: إن الأعمال الواجبة أحب إلى الله تعالى من الأعمال المستحبة، لما ثبت في الحديث القدسي الصحيح أن الله عز وجل يقول:«ما تقرب إلّي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه» ، عكس ما يفهمه بعض الناس، يظنون أن التطوع أفضل من الواجب، فأنت لو صرفت درهماً من الزكاة كان ذلك أفضل وأحب إلى الله، مما لو صرفت درهماً من صدقة التطوع.
وهكذا لو صليت ركعة من الفرائض كانت أحب إلى الله وأفضل، مما لو صليت ركعة من النوافل.
وإنك لتعجب أن بعض الناس إذا كان يصلي نافلة تجده عنده من الخشوع وحضور القلب بين يدي الله ما ليس عنده إذا صلى الفريضة، ولا أدري هل هذا من الشيطان، أو أن هذا لأن الفريضة اعتادها الإنسان وتكررت عليه كل يوم خمس مرات؟!
وقد قيل: «إذا كثر الإمساس قل الإحساس» ، ولكن يجب عليك أيها الأخ المسلم أن تعلم أن التقرب إلى الله فيما فرضه عليك أهم وأحب إلى الله وأفضل من أن تتقرب إليه بالتطوع، لأن الفرائض أصل، والتطوع نافلة وفرع.
ولهذا جاء في الحديث: أن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة.
والزكاة ثالث أركان الإسلام، من جحد وجوبها كفر، ومن تركها بخلاً وتهاوناً فقد قال الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايات عنه: إن تارك الزكاة بخلاً وتهاوناً يكون كافراً، كتارك الصلاة كسلاً وتهاوناً، ولكن الأدلة تدل على أن من بخل بالزكاة لا يكفر، ولا يخرج من الإسلام، ولكن عليه الوعيد الشديد لقوله تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .
فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية بقوله: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمتيه يقول: أنا مالك أنا كنزك» ، يقول ذلك توبيخاً وتقريعاً. ولكن لات حين مناص فات الأوان، وخلف مالاً عليه غرمه، ولغيره غنمه.
واستمع إلى الآية الثانية فيمن منع الزكاة وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} ويقال لهم توبيخاً وتقريعاً: {هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} .
أيها الأخ المسلم هل تدري معنى كنز الذهب والفضة؟
إن كنز الذهب والفضة بينه الله تعالى في قوله: {وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وهذا هو الكنز، أن لا تنفقها في سبيل الله، أي في شريعته التي أوجب الله عليك أن تنفقها فيه. وأهم ما تنفق فيه الأموال الزكاة.
إذن المراد بالكنز ما يجب بذله من المال، هذا هو الكنز حتى لو كان هذا المال على ظهر جبل بارزاً ظاهراً، ولكنه لا يؤدى فيه ما يجب فإنه كنز.
وإذا أدى الإنسان ما يجب في ماله فليس بكنز ولو دفنه تحت الأرض {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} فهذه أربع جهات الأرض: الأمام، والخلف، واليمين، والشمال، فمن الأمام تكوى بها الجباه، ومن الخلف الظهور، ومن اليمين والشمال الجنوب.
{يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} فما مقدار حرارة نار جهنم؟ إنها فضلت على نار الدنيا بتسعة وتسعين جزءاً، فنار الدنيا كلها مهما عظمت فإن نار الآخرة قد فضلت عليها بتسعة وتسعين جزءاً.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم» ، وهذه الشمس العظيمة الحرارة حرارتها من فيح جهنم.
وقد ذكر أهل العلم أن حرارتها لا تطاق، وأنه لو أخرج لها أعظم فلاذ على وجه الأرض، فإن هذا الفلاذ يتطاير كما يتطاير الدخان من شدة حرارة الشمس، وهذا واقع فإن بيننا وبين الشمس هذه المسافات العظيمة، ومع هذا تصل حرارتها إلى هذا الذي تحسونه في أيام الصيف.
إذن فالنار لا يمكن أن ندرك حقيقة حرها، ولكن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التقريب فضلت على هذه النار الدنيا كلها بتسعة وتسعين جزءاً، يصفح هذا الذهب والفضة يصفح صفائح من النار فهي نار محماة في نار والعياذ بالله يكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ومع ذلك هل تترك هذه الصفائح لتبرد وتخف؟ لا كلما بردت أعيدت إلى نار جهنم حتى تعود حرارتها كما كانت ثم يعاد الكي بها.
وأعتقد أن كل مؤمن يؤمن بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يبخل بالزكاة مهما كانت، ومهما كثرت حتى لو كانت مليوناً.
والزكاة لا تجب في كل ما يملكه الإنسان، وإنما تجب في أشياء معينة:
أولاً: الذهب والفضة: فإن الزكاة واجبة في الذهب والفضة على أي صفة كانت، سواء كانت نقوداً أو تبراً، وهو القطع من الذهب والفضة أو حليًّا، أو أواني، أو غير ذلك، مع أنه لا يجوز للإنسان أن يشرب في آنية الذهب والفضة كما هو معروف، المهم أن الزكاة تجب في الذهب والفضة بكل حال، لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ويقال لهم: {هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} . فيعذب هؤلاء المانعين الذين يمنعون ما أوجب الله عليهم في أموالهم، وأهمها الزكاة
يعذبون بعذاب جسمي وعذاب قلبي، فالعذاب الجسمي: جباههم، وجنوبهم، وظهورهم، والعذاب القلبي يقال لهم:{هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} فالتوبيخ والتنديم لا شك أنه يؤلم النفس فيعذبون عليها والعياذ بالله على منع ما يجب عليهم في أموالهم ظاهراً وباطناً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار» .
فقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة» عام لم يقيده النبي عليه الصلاة والسلام بشيء، وبناء على ذلك فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الزكاة واجبة في الحلي من الذهب والفضة، ويدل لهذا أحاديث خاصة في الحلي منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها:«أتؤدين زكاة هذا؟» قالت: لا. قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟» فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: «هما لله ورسوله» .
وهذا الحديث قواه الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام فقال: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي. وذكر له شاهدين أحدهما من حديث عائشة رضي الله عنها والثاني من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
وعلى هذا فلا قول لأحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن لأي إنسان أن يحتج بين يدي الله عز وجل يوم القيامة بقول فلان وفلان إلا بقول النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الإنسان تقوم عليه الحجة به، أما قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لن ينفعك يوم القيامة، ولهذا يقول الله تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} ولم يقل: ماذا أجبتم فلاناً وفلاناً. بل قال: ماذا أجبتم المرسلين؟ فماذا يكون جوابك يوم القيامة إذا سئلت: ماذا أجبت رسولي؟ بإيجاب الزكاة في الحلي وقد جاءك عنه نص عام ونص خاص؟ وهذا القول هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
والقول الثاني: أنه لا زكاة في الحلي إذا كان مُعدًّا للبس أو العرية، فتكون المسألة مسألة نزاع بين العلماء، والحكم بين العلماء في مسألة النزاع قوله تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} لا إلى فلان ولا إلى فلان، ولا يرجح بكثرة عدد، ولا بقوة علم، ولكن بما دل عليه الكتاب والسنة، وقال تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ، ونحن إذا رددنا هذه المسألة إلى الله تعالى
ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوجدنا أن القول الراجح هو قول من يقول بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة.
ولا تجب الزكاة في الذهب والفضة إلا إذا بلغ نصاباً:
والنصاب من الذهب عشرون مثقالاً، ومن الفضة مائة وأربعون مثقالاً، وقد حررت هذه فبلغت بالذهب خمسة وثمانين غراماً تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً، وفي الفضة ستة وخمسين ريالاً عربياً من الفضة، أو ما يقابلها من الأوراق النقدية، وكما نعرف أن الأوراق النقدية ترتفع أحياناً، وتنخفض أحياناً، فكانت هذه الأوراق النقدية أول ما خرجت الواحدة تساوي ريالاً من الفضة، أما الآن فالواحدة لا تساوي إلا عُشر ريال من الفضة، بعشر ورق من هذه الأوراق فيكون النصاب من هذه الأوراق خمسمائة وستون، فإذا زاد فعلى حسبه، فلو كان عند المرأة حلي من الذهب يبلغ ثمانين غراماً فقط فليس فيه زكاة، لأنه لم يبلغ النصاب، ولو كان عند الإنسان من الفضة خمسون ريالاً فليس فيها زكاة، ولو كان عند الإنسان نصف نصاب من البر ونصف نصاب من الشعير، فلا تجب الزكاة في أي واحد منهما مع أن القصد فيهما واحد وهو الاقتيات، فكذلك الذهب والفضة، لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب إلا إذا كان للتجارة. ولو كان عند الإنسان بنات صغار كل واحدة أعطاها من الحلي أقل من النصاب، فلا يضم الحلي إلى بعضه ليكمل النصاب، لأن كل واحدة تملك حليها ملكاً خاصًّا، فتعتبر كل واحدة منهن بنفسها، ولا يكون حينئذ فيه زكاة.
يقول بعض الناس: إذا كانت المرأة ليس عندها مال تدفع الزكاة منه، وليس عندها إلا الحلي فهل يجوز أن يقوم زوجها بأداء الزكاة عنها؟ فالجواب: نعم إذا رضيت بذلك فلا بأس، أو يقوم أحد من أقاربها كأخيها وأبيها فلا حرج أيضاً، فإن لم يقم أحد بذلك وليس عندها إلا الحلي فإنها تخرج من حليها أو تبيع من هذا الحلي وتزكي.
ومقدار زكاة الذهب والفضة ربع العشر، أي: واحد من أربعين، وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان مال من الذهب والفضة أو الأوراق النقدية فليقسمه على أربعين، وما خرج من القسمة فهو الزكاة، فإذا كان عنده على سبيل المثال أربعون ألفاً فزكاتها ألف ريال، وإذا كان عنده أربعمائة ألف فزكاتها عشرة آلاف ريال وهكذا.
الثالث: عروض التجارة: وهي كل ما أعده الإنسانللتجارة والربح من أي مال كان، فإذا قدرنا أنه رجل يتاجر بالماشية فهي عروض تجارة، أو يتاجر بالسيارات فهي عروض تجارة، وكذلك تجارة الأراضي، أو الأقمشة، أو الساعات وهكذا. المهم أن كل مال أعددته للتجارة فهو عروض تجارة تجب فيه الزكاة.
ولمعرفة مقدار زكاته، فإننا نقول له: قدر هذا المال إذا تم الحول وانظر كم قيمته، ثم اقسم القيمة على أربعين فما حصل فهو الزكاة، لأن عروض التجارة فيها ربع العشر، ووجه ذلك أن الغرض من عروض التجارة تكثير المال باعتبار القيمة، ولهذا تجد
صاحب العروض لا يقصد عين السلعة، فقد يشتري السلعة في الصباح وإذا كسب منها في آخر النهار، فإنها يبيعها بخلاف الإنسان الذي عنده سلعة للاقتناء، فإنه سيبقي هذه السلعة ولا يبيعها؛ لأن له غرضاً في عينها، أما صاحب العروض فغرضه تكثير الأموال باعتبار القيمة، ومن ثم يمكن أن نستدل على وجوب زكاة العروض بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى» فإن صاحب العروض لا يريد إلا القيمة في الواقع.
وعلى هذا فعروض التجارة يضم بعضها إلى بعض، فإذا كان عند الإنسان أقلام وأوراق ودفاتر كل واحد منها إذا نظرنا إليه وحده لم يبلغ النصاب، لكن بالنظر إلى الجميع تبلغ النصاب فيضم بعضها إلى بعض.
ولو أن إنساناً صاحب تجارة، كان يبيع ويشتري فاشترى سلعة قبل تمام الحلول بعشرة أيام، فهل نقول له: لا تزكها إلا إذا تمت الحول؟ أو نقول: زكها إذا تم حول مالك، وإن لم يكن لها إلا عشرة أيام؟ فالجواب هو الثاني، لأن عروض التجارة لا يشترط لها الحول إذا كانت مشتراة بما يتم حوله، وهذه مسألة تشكل على بعض الناس، ولهذا يكثر السؤال عنها.
الرابع: بهيمة الأنعام: وهي الإبل، والبقر، والغنم، وهذه يشترط لوجوب الزكاة فيها أن تكون سائمة. والسوم: هو الرعي
أي ترعى أكثر الحول، فإذا كانت هذه الإبل، أو البقر، أو الغنم معلوفة أي: أنها تعلف وليست ترعى، أو أنها ترعى شهر أو شهرين في السنة، والباقي تعلف فليس فيها زكاة مادامت متخذة للتنمية والاقتناء فليس فيها زكاة، فإذا كان هذا الذي يعلف عروض تجارة فهذا يجب عليه أن يزكيه وإن كان يعلفه وغرمه على علفها كغرم التاجر في أجرة الدكان وما أشبه ذلك.
الخامس: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار: فتجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب، ومقدار النصاب في الخارج من الأرض ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم زنته كيلوان وأربعون غراماً هكذا قدرناه وعلى هذا فإذا بلغ الخارج من الأرض من الحبوب والثمار هذا المقدار من الأصواع فإنه تجب فيه الزكاة، وما دون ذلك فليس فيه زكاة.
وهنا مسألة ينبغي أن نتنبه لها: فبعض الناس يكون له بيت واسع وفيه عدد من النخيل وهذه النخيل تخرج ثمراً يبلغ النصاب، ومع ذلك فإن الناس غافلون عن أداء زكاتها؛ لأنهم يقولون: إنها في البيت. فيظنون أن الزكاة إنما تجب في البساتين، وهذا لا شك أنه غفلة، وإلا فالناس ولله الحمد لا يهمهم أن يخرجوا منها الزكاة.
ومقدار زكاة الخارج من الأرض إذا كان يسقى بمؤنة نصف العشر، وإن كان يسقى بغير مؤنة فالعشر كاملاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت السماء العشر، وفيما كان عثرياً نصف
العشر» ، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن الذي يسقى بمؤنة يتعب عليه الفلاح، والذي يسقى بغير مؤنة لا يتعب عليه.
أهل الزكاة:
واعلم أن الزكاة لا تبرأ بها الذمة حتى تصرفها في الأصناف الذين أوجب الله صرفها فيهم، كما قال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
أولاً وثانياً: {للفقراء والمساكين} : هذان الصنفان يجمعهما الحاجة، لكن الفقراء أحوج من المساكين، لأن الله تعالى بدأ بهم، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم، فالفقراء كما قال الفقهاء رحمهم الله هم الذين يجدون أقل من نصف الكفاية، سواء كان المورد مستمراً، أو ثابتاً.
مثال ذلك: رجل عنده مغل أي عقار أو وقف يدر عليه في السنة عشرة آلاف ريال، وينفق في السنة واحداً وعشرين ألف ريال، فهذا فقير؛ لأنه يجد أقل من نصف الكفاية، وعلى هذا فنعطيه ما يكمل به كفايته، فنعطيه في هذا المثال أحد عشر ألفاً.
أما المسكين فهو أحسن حالاً من الفقير؛ لأنه يملك نصف الكفاية ودون تمام الكفاية.
مثال ذلك: لو أن رجلاً عنده مغل وقف أو عقارات يؤجره
يبلغ عشرة آلاف ريال، لكنه يحتاج في السنة إلى خمسة عشر ألف ريال فنعطيه خمسة آلاف ريال.
فهذان الصنفان يعطيان ما يكفيهما لمدة سنة.
ولو أن رجلاً راتبه خمسة آلاف ريال، وينفق خمسة آلاف ريال، ولكنه محتاج إلى الزواج والمهر عشرة آلاف ريال، فإنه يعطى ما يكفيه للزواج، وهو عشرة آلاف ريال، وإذا كان المهر أربعين ألفاً فإنه يعطى الأربعين ألفاً.
إذن الحاجة إلى الزواج كالحاجة للأكل والشرب، لأن الزواج من ضروريات الحياة، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر به الشباب فقال:«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» .
فالمحتاج للزواج يعطى ما يزوج به، لأن الزواج كما تقدم من أشد حاجات الإنسان وضروراته، حتى إن كان موظفاً وعنده ما يأكل وينفق، ولكنه لا يجد ما يتزوج به، فإنه يعطى من الزكاة قدر المهر حسب العرف.
وننبه هنا إلى أن أعظم النكاح بركة أقله مؤنة، وإنما يزوج الرجل لا دراهمه، فينبغي للولي أن ينظر في دين الرجل وخلقه، كما جاء في الحديث:«إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» .
وكذلك فبعض الناس الآن لا يزوجون بناتهم إلا إلى ابن العم أو ابن الأخ وما أشبه، وهذه عنصرية من رواسب الجاهلية، وهو إثم عظيم ومعصية لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو كذلك ظلم للبنت واحتكار ما ليس بحق للولي. والواجب على القاضي أن يتدخل في الأمر إذا رفع إليه، ويوقف هذا الولي، إما أن يزوجها، أو يزوجها القاضي مادام المتقدم لها كفء في دينه وخلقه. وبهذا تبطل هذه العادة السيئة.
وإن تقدم للمرأة من ليس أهلاً في دينه وخلقه ورضيت هي ورفض وليها، فيقدم رأي الولي ولا تزوج من هذا الشخص مهما تعلقت به.
وإن تقدم رجلان كلاهما ذو خلق ودين فرضيت بأحدهما ورفضت الآخر، فتزوج بمن اختارته وإن أبى الولي، فإن أجبرها على الزواج من الثاني الذي رفضته فالنكاح فاسد ولا تحل به المرأة للزوج، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح البكر حتى تستأذن، فإن زوجها وليها وهي كارهة فهذا ليس عليه أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو مردود، فيجب فسخ النكاح وتعود المرأة إلى حرية نفسها حتى ييسر الله لها من تتزوجه.
وإنما يخالف هواها إذا مالت لمن لا يرضى دينه ولا خلقه، فلا تطاع وإن بقيت بدون زواج.
وكذلك لا تجبر المرأة على من لا تريد وإن كان ذا خلق ودين.
ثالثاً: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} : وهم الذين رتبهم ولي الأمر ليأخذوا الزكاة من أصحابها ويصرفوها في مصرفها. أما من وكلته أنت ليوزع زكاتك فليس من العاملين عليها؛ لأن الله تعالى ذكر: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ولم يقل «العاملين فيها» لأن (على) تفيد الولاية.
قال العلماء: سادة العشائر والقبائل الذين يرجى إسلامهم، أو يرجى كف شرهم، أو يرجى إسلام نظيرهم، فهؤلاء هم المؤلفة قلوبهم.
يكون رجلاً كافراً لكن إذا أعطيناه من الزكاة لان قلبه وآمن فنعطيه من الزكاة، ورجل مؤمن لكنه ناقص الإيمان فنعطيه من الزكاة، لأجل أن يقوى إيمانه فهذا أيضاً يصح، لأن هذا من المؤلفة قلوبهم، ورجل مؤمن كامل الإيمان لكن له نظير من الولاة خبيث شرير يؤذي المسلمين فنعطي هذا الرجل لأجل إسلام نظيره ونتقي شره.
المهم أن المؤلفة قلوبهم كل من يعطون لدفع شرورهم، أو شر نظرائهم، أو إيمانهم، أو تقوية إيمانهم، لكن هل يشترط أن يكون ذلك المؤلف سيداً مطاعاً في قومه، أو يعطى وإن كان غير سيد وغير مطاع في قومه، فيرى بعض العلماء أنه لابد أن يكون سيداً مطاعاً في قومه؛ لأننا إذا أعطيناه لتأليف قلبه، وائتلف قلبه إلينا صار نفعه عاماً وليس خاصاً فيه وفي قومه.
أما إذا كان شخصاً عاديًّا وهو ضعيف الإيمان وغرضنا أن
نعطيه من الزكاة لتقوية إيمانه فيرى بعض هؤلاء العلماء الذين يشترطون في المؤلف أن يكون سيداً يرون أنه لا يعطى من الزكاة؛ لأن المنفعة المرتجاة منه خاصة، ولكن القول الصحيح عندي أنه يعطى وإن كان فرداً لعموم الآية:{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ولأنه إذا كان الرجل يعطى لحياته الجسدية إذا كان فقيراً يحتاج إلى طعام أو شراب ولباس، فإن إعطاءه لحياة قلبه من باب أولى، لأن حاجة الإنسان إلى الإيمان أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب واللباس، فإذا وجدنا شخصاً أسلم حديثاً يحتاج إلى أن يقوى إيمانه فلا حرج علينا أن نعطيه من الزكاة مادمنا نعرف أنه مقبل. ولا ريب أن الهدية تذهب السخيمة وتوجب المودة.
ومعنى السخيمة: الحقد والبغضاء، وأما توجب المودة فظاهر، ولهذا جاء في الحديث:«تهادوا تحابوا فإن الهدية تذهب السخيمة» ، وهذا أمر مشاهد.
خامساً: {وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ثم قال: {وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وهنا اختلف الأسلوب لأنه في الأربعة باللام، أما الرقاب فقال:{وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ولم يقل (وللرقاب) واختلاف الحرف يوجب اختلاف المعنى. والرقاب هي ثلاثة أشياء:
الأول: مملوك نشتريه من الزكاة لنعتقه.
الثاني: مكاتب ثبت عليه دين لسيده فنعينه في دينه.
الثالث: أسير مسلم عند الكفار نفديه بمال من الزكاة، أو مختطف عند أناس ظلمة وطلبوا فدية، فنفديه من الزكاة.
أما الرقيق الذي اشتريناه لنعتقه، يعني عبد عند سيده قلنا له: أعتق العبد ويحصل لك الأجر، قال: لا أنا محتاج للدراهم فنعطيه من الزكاة ونشتري العبد ثم نعتقه.
والمكاتب قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِى" ءَاتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحياةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . فالعبد إذا طلب من سيده أن يعتقه على مال ووافق السيد: وقال كاتبتك على أن تدفع لي كذا وكذا من المال، فنعينه على قضاء دين كتابته من الزكاة.
والأسير المسلم عند الكفار، مثل ما يكون بين طائفة من المسلمين وطائفة من الكفار قتال فيأسرون أحداً من المسلمين عندهم، ويقولون: لا ندفع إليكم هذا السير إلا بمال، فيجوز أن نعطي هؤلاء الكفار لفكاك الأسير من الزكاة، لأننا فككنا بذلك رقبة.
وكذلك الإنسان المختطف عند ظلمة لا نستطيع أن نخلصه منهم يقولون: لا نطلقه إلا بفدية من المال، فإن في هذه الحال نعطيه من الزكاة لإعتاق هذا المختطف.
سادساً: {وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} : والغارمون هم المدينون الذين عليهم دين للناس، والغرم ينقسم إلى قسمين: غرم لإصلاح ذات البين، وغرم لحوائج خاصة للشخص.
فأما الأول فمثل: أن يقع بين قبيلتين شجار ونزاع وعدوان
من بعضهم على بعض فيأتي رجل خير طيب، ويقول لهاتين القبيلتين: أنا أصلح بينكما بمال أدفعه لكل واحدة منكما، ويلتزم في ذمته بمليون ريال خمسمائة لهذه الطائفة، وخمسمائة لهذه الطائفة.
فهذا نعطيه من الزكاة لإيتاء هذا الغرم، لأن هذا الرجل محسن وقائم بين الناس بالإصلاح، فكان من مكافأته ومجازاته أن نتحمل عنه ما التزمه من الزكاة حتى ولو كان غنيًّا.
وأما الغارم لنفسه في حاجاته الخاصة. فرجل اشترى بيتاً ليسكنه بخمسمائة ألف ريال فيجوز أن نعطيه لقضاء دينه من الزكاة؛ لأنه غارم لكن بشرط أن يكون فقيراً لا يملك ما يقضى به الدين، فإن كان يملك ما يقضى به الدين فإنا لا نعطيه من الزكاة؛ لأنه مستغن عنها بما عنده.
ولو أننا ذهبنا إلى الدائن وقضينا الدين من غير أن يشعر المدين فننظر إلى الآية: {وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي «وفي الغارمين» (وفي) للظرفية، أما الفقراء فقال الله عز وجل:«للفقراء» واللام للتمليك، ولهذا يجوز أن نذهب إلى الدائن ونقضي دين الغريم ولو بدون علمه؛ لأن الله تعالى لم يشترط تمليكه، فلم يقل:(وللغارمين) وإنما قال: {وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وفي للظرفية فإذا دفعنا الزكاة في الغرم حصل المقصود.
ولكن أيهما أحسن أن نعطي الغارم المال ليقضي به دينه، أو أن نذهب نحن إلى الدائن ونسدد الدين؟
الواقع أنها تختلف: فإذا كان الغارم صاحب دين وثقة،
ونعرف أنه حريص على قضاء دينه، فالأفضل أن نعطيها الغارم ليقضي دينه هو بنفسه، لئلا يخجل إذا قضينا نحن دينه عنه.
أما إذا كان الغارم شخصاً مفسداً للمال مبذراً له، وإذا أعطيناه المال ليقضي به دينه فذهب ليشتري به الأمور التي يستغني عنها وظل دينه على ذمته فهذا نذهب نحن إلى الطالب ونسدد الدين وإن لم يعلم؛ لأن الذي ينبغي أن نراعي المصالح، والله عز وجل لم يشترط تمليك الغارم.
مسألة: رجل توفي وعليه دين فهل يجوز أن نقضي دين المتوفى من الزكاة؟
إن كان هذا المدين الذي مات قد خلف تركه فلا نقضي عنه، لأنه غني بما خلف، ويجب على ورثته أن يبادروا لقضاء دينه من ماله؛ لأن المال ماله، وحق الورثة لا يكون إلا بعد قضاء الدين، فإذا لم يكن له مال فهل نقضي دينه من الزكاة؟
فأكثر العلماء على أنه لا يجوز قضاء دينه من الزكاة، بل حكى ابن عبد البر وأبو عبيد إجماع العلماء على أنه لا يجوز أن يقضى دين الميت من الزكاة: فالمذاهب الأربعة كلها على المنع، وغيرهم من العلماء إلا القليل كلهم على المنع، أنه لا يقضى دين الميت من الزكاة.
وذهب قلة من العلماء إلى أنه يجوز أن يقضى دين الميت من الزكاة واستدلوا بقوله: {وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أن الله لم يشترط تمليك الغارم، والميت محتاج إلى قضاء دينه، ولكن القول الراجح أنه لا يجوز أن يقضى دين الميت من الزكاة.
سابعاً: {وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سبيل الله هو القتال لتكون كلمة الله عز وجل هي العليا، وليس المراد بسبيل الله جميع طرق الخير كما قيل، لأنه لو كان المراد بذلك جميع طرق الخير لم يكن للحصر فائدة في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فلو قلنا: إن جميع طرق الخير داخلة ما بقي فائدة للحصر، وعلى هذا فالمراد {وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} الجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بميزان عدل قسط غير جائر، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ فقال:«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» .
ومن قاتل لغير ذلك فلا يستحق شيئاً من الزكاة.
والمقاتل في سبيل الله يعطى من الزكاة مالاً، أو سلاحاً يشترى ويعطى له.
وهنا ننبه على أنه وإن قتل الرجل في سبيل الله فلا يقال هو شهيد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك» .
فقوله عليه الصلاة والسلام: «والله أعلم بمن يكلم في سبيله» دليل على أن الأمر راجع إلى ما في قلبه، وهو غير معلوم لنا. ولأنك
لو شهدت أنه شهيد، لجاز لك أن تشهد أنه في الجنة، وهذا لا يجوز إلا لمن شهد له الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ونشهد لكل شهيد أنه في الجنة، لكن ليس لرجل بعينه، كما نشهد لكل مؤمن بالجنة، لكن لا لشخص بعينه، ففرق بين التعميم والتخصيص.
وكذلك لا يقال: فلان شهيد إن شاءالله، لأن إن شاءالله تستخدم للتحقق، ولكن نقول: نرجو أن يكون من الشهداء.
فهل نعطي المجاهدين أو نشتري لهم؟ {وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يشمل إعطاء المجاهدين، وشراء الأسلحة لهم؛ لأن الكل داخل في قوله:{وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ولم يشترط الله عز وجل التمليك حتى نقول: إنه لابد أن يعطى المجاهد فقط.
ومن الجهاد في سبيل الله طلب العلم الشرعي، بل قد يكون أوجب وأولى من الجهاد بالسلاح، لاسيما إذا اشرأبت أعناق البدع وظهرت الغوغاء في الفتاوى، وارتكب كل إنسان رأيه وإن كان قاصراً في علمه، لأن هذه بلية عظيمة أن يبدأ ظهور البدع في المجتمع، ولا يجد المبتدع من يردعه عن بدعته بالبرهان الصحيح، أو أن تكثر الفتاوى التي تصدر من قاصر، أو مقصر، إما من قاصر في علمه، أو مقصر في التحري وطلب الحق، ففي مثل هذه الحال يكون طلب العلم من أوجب الواجبات، ولابد أن يكون لدينا علم تام راسخ ندفع به الشبهات، ونحقق به المسائل والأحكام الشرعية حتى لا يضيع الشرع ويتفرق الناس.
إذن فطلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، فلو جاءنا رجل ليس عنده مال وهو قادر على التكسب لكنه يريد أن يتفرغ لطلب العلم الشرعي فإنه يجوز أن نعطيه من الزكاة ليتوفر له الوقت فنعطيه ما يقوم بكفايته من الملابس، والأكل، والشرب، والسكن والكتب اللازمة التي يحتاج إليها فقط.
ثامناً: {وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} والسبيل هو الطريق وسمي ابن السبيل؛ لأنه ملازم للطريق، والملازم للشيء قد يقال من باب التوسع في اللغة العربية: إنه ابنه كما يقال: (ابن الماء) لطير الماء.
فابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر، ولم يجد ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، وإن كان في بلده غنيًّا.
مثال: لو أن رجلاً في بلده عنده ملايين الدراهم وقد أتى في سفره بدراهم كثيرة، ولكن ضاعت منه، أو سُرقت فأصبح الآن محتاجاً، فإننا نعطيه ما يوصله إلى بلده؛ لأنه محتاج، والزكاة قد شرعت لدفع حاجات المسلمين.
هذه الأصناف التي ذكرها الله عز وجل يجب أن تصرف الزكاة إليها لقوله تعالى: {فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ، وفي ختم الآية بالعلم والحكمة دليل على أن المسألة ليس للرأي فيها مجال، وأن الله تعالى قسمها قسماً اقتضته حكمته المتضمنة للعلم.
مسألة: رجل فقير أعطيناه من الزكاة لمدة سنة ثم أغناه الله في أثناء السنة، هل يجب عليه أن يرد ما أعطيناه؟ فلا يجب عليه رد الزكاة؛ لأنه ملك حين أعطيناه إياه.
مثال آخر: رجل أعطيناه مالاً يوفي به دينه فذهب إلى الدائن وقال: أنا سأوفيك الدين، وكان الذي أعطيناه عشرة آلاف ريال وتبين أنه لم يبق عليه من دينه إلا خمسة آلاف ريال فقط، فهل يرد علينا الخمسة الزائدة؟
نعم، يجب أن يرد الخمسة الزائدة؛ لأن الله تعالى يقول:{وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} عطفاً على قوله: {وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ومعنى ذلك أن الغارم لا يملك ما يعطى، وإنما يملك الوفاء به فقط. فإذا تبين أنه ليس غريماً به وجب عليه أن يرده إلينا.
مثال آخر: رجل موظف راتبه ثلاثة آلاف ريال، ولكنه شاب لم يتزوج ويحتاج إلى زواج، فهل يجوز أن نعطيه من الزكاة ما يتزوج به؟
نعم يعطى من الزكاة ما يتزوج به، حتى لو كان المهر خمسة آلاف ريال ومعه ثلاثة فنكمل له ألفي ريال، ولو كان عشرة آلاف ريال نكمل له سبعة آلاف، وإن كان عشرين نكمل له سبعة عشر ألف.
مثال آخر: رجل عنده زوجة ويريد زوجة أخرى وليس عنده مهر لها، فهذا ينظر في حاله، فإذا كانت الزوجة الواحدة لا تكفيه نعطيه للزوجة الثانية، وللثالثة كذلك وللرابعة كذلك.
ونحن نرى بعض الا"باء نسأل الله لهم الهداية يكون عندهم مال كثير، ويكون عنده ابن يحتاج إلى زواج، وإذا طلب منه أن يزوجه، يقول له: زوج نفسك، وهذا حرام على الأب، ويجوز للابن في هذه الحال إذا قدر على شيء من مال أبيه أن يأخذه ويتزوج به؛ لأن هذا من كفايته، وأخذ الإنسان كفايته ممن تجب عليه النفقة جائز.
والدليل: حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها أنها شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أنه لا يعطيها ما يكفيها من نفقة ولدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك بالمعروف» .
فهؤلاء هم المستحقون للزكاة ومن عداهم، فإنه لا يستحق، ولكن إذا ابتليت بشخص يأتي إليك ويقول: أعطني من الزكاة فأنا أستحق، فهل تصدقه وتعطيه من الزكاة؟ ينظر فإذا كان يغلب على ظنك صدقه فأعطه، وإن كان يغلب على ظنك كذبه فلا تعطه، وإذا كنت جاهلاً متردداً هل يستحق أم لا؟ فأعطه بعد أن تخبره بأنه لا حظ في الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، ولهذا لما جاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر فيهما صلى الله عليه وسلم فوجدهما جلدين أي قويين قال:«إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» .
وهل يجوز إعطاء الأقارب من زكاتك؟
نعم يجوز؛ لأن الآية عامة ليس فيها استثناء، وذلك بشرط أن لا يكون في ذلك توفيراً لمالك، فإن كان في ذلك توفيراً لمالك بحيث إذا أعطيتهم وفرت عليك مالك فهذا لا يجوز، ومتى يكون توفيراً لمالك؟
إذا كانت نفقته واجبة عليك، فإذا أعطيته من الزكاة وفرت عليك النفقة، وحينئذ تكون كأنك لم تؤد الزكاة.
وإذا كان القريب لا تجب عليك نفقته وأعطيته وهو من أهل الزكاة فلا بأس، وهي صدقة وصلة.
مثال: رجل له أخ فقير ولأخيه أبناء وهم فقراء، فيجوز أن يعطيه، لأنه في هذه الحال لا تجب نفقته لأخيه.
مثال آخر: رجل عنده مال لكنه مال قليل لا يكفي الإنفاق على قريبه الذي تجب له النفقة عليه، فهل يجوز أن نعطيه من الزكاة؟
نعم يجوز أن نعطيه من الزكاة.
وصورة ذلك: امرأة عندها حلي ولها أم، لكن مالها لا يتسع للإنفاق على أمها، فهل يجوز أن تعطي أمها من زكاتها؟
نعم يجوز؛ لأنها في هذه الحال لا توفر المال على نفسها.
مثال آخر: رجل له ابن وهذا الابن عليه ديون للناس بسبب خسائر ألمت به، فهل يجوز للأب أن يقضي دين ولده من الزكاة؟
الجواب: نعم يجوز، لأن الأب لا يلزمه أن يقضي الدين عن ولده، فإذا سدد عنه من الزكاة لم يكن موفراً لماله، ولهذا يجوز دفع الزكاة إلى الأقارب بكل حال إذا كانوا من الغارمين، يعني من
الذين عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها، فالقاعدة العامة:«أنه إذا كان في دفع الزكاة لشخص ما توفير لمالك فإن دفعها لهذا الإنسان لا يجزىء» ، لأنك تكون بذلك رفعت عن نفسك ضرراً وجلبت لها نفعاً، وهذا يؤثر في إجزاء الزكاة.