الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في زكاة الحلي
المرأة هي التي تحتاج إلى الحلي لنفسها من أجل أن تكمل به، واستمع إلى قول الله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} .
ما الذي ضربه مثلاً للرحمن قال: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} .
وتفسير هذه الآية في سورة الزخرف: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} .
بين فيها نصين عظيمين: جسدي يحتاج إلى حلية {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} . ونص بلاغة وبيان، {فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} وإذا كان غير مبين في الخصام فهو أيضاً ناقص التفكير، أي أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين كمن لا ينشأ في الحلية وهو في الخصام مبين.
فهل يستوي هذا وهذا؟ لا.
أقول: إن الزكاة تجب في الذهب والفضة وإن كان حليًّا، لكن يأتينا رجل ويقول: دعواكم وجوب الزكاة في حلي المرأة تحتاج إلى دليل فما موقفنا نحن؟
الواجب على أهل العلم أن يقنعوا من طلب الدليل بالدليل، لأن معه حقًّا، فالله عز وجل ما أرسل الرسل إلى الخلق إلا بآيات تقيم بها الحجة وتدل على رسالتهم.
فنحن أيضاً إذا قلنا قولاً، وقلنا: إن هذا هو الشرع، أو هذا هو الواجب، أو هذا حرام، أو هذا حلال، فلكل مسلم الحق أن يقول: أين الدليل؟
والرجل الذي يقول: أين الدليل تحدياً فلك الحق أن تقول: قد أبلغناك وحسابك على الله.
وأما من علمنا أنه يريد الدليل ليبني عبادته على بصيرة، فإننا نشكره على ذلك، ونبين له الدليل ما استطعنا، فالدليل على ذلك:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب أو فضة لا يؤدي منها حقها إلا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار» .
والمرأة التي عندها حلي صاحبة ذهب وحق المال الزكاة، كما قال الصديق رضي الله عنه:«الزكاة حق المال» .
إذن «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها» وعليه فهذا الحديث بعمومه دليل على أنه يجب على المرأة أن تزكي حليها من الذهب أو الفضة، لأنها داخلة في قول:«ما من صاحب ذهب ولا فضة» .
لكن لو كان الذي يخاطبك طالب علم وقال: إن النص الآن دلالته على الإفراد ظنية وليست قطعية، ونحن نريد أن يكون هناك نص في الموضوع، أي في وجوب الزكاة في الحلي.
قلنا له:
أولاً: الأصل في خطاب الشرع إذا كان عامًّا أن يتناول جميع الأفراد، لأننا نعلم أن الشارع الذي تكلم بهذا النص هو أعلم من
تكلم بمراده، ويعرف ويعلم كل ما يتناوله هذا اللفظ من المعنى، ولو كان شيء من الأفراد مستثنى لاستثناه، لأنه لو كان هناك شيء من الأفراد يخالف حكم العام ولم يستثنه لم يبلغ ما أنزل إليه من ربه.
ثانياً: كلنا يعلم أن أنصح الخلق للخلق هو الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يأتي بخطاب عام يستثنى منه شيء من بعض أفراده ولا يبين ذلك، لأن هذا خلاف النصيحة.
ثالثاً: كلنا يعلم أن أفصح الخلق لما ينطق به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يأتي بلفظ عام وهو يريد به بعض أفراده، فهذا خلاف الخطاب.
هذا هو الجواب الأول لمن ادعى أن العام دلالته على جميع أفراده دلالة ظنية.
المرحلة الثانية في الجواب: أن نذكر الأدلة الخاصة على وجوب الزكاة في الحلي:
واستمع إلى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عههما قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، والمسكتان أي سواران فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أتؤدين زكاة هذا؟» قالت: لا، قال:«أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار» ، الله أكبر. فهل المرأة قالت: يا رسول الله أعددت هذين السوارين للبس، فكيف تجب الزكاة علّي فيهما، ولا تجب الزكاة علَّي في السوار فكيف أعذب بالنار؟ لم تقل هذا. بل
استسلمت، وخلعت السوارين وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله.
لقد اختار الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أطوع الناس، وأتبعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث لم يتلكؤا في قبوله، ولم يترددوا في تنفيذه، بل يقولون بألسنتهم وأفعالهم: سمعنا وأطعنا.
والأمثلة على ذلك كثيرة، ليس هذا موضع ذكرها. فهذه المرأة استجابت فوراً فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي، وله شاهد من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما وهو قوي بدونهما، لكن كلما زاد في القوة ازدادت الثقة.
ونحن نشكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن ساق هذا الحديث في بلوغ المرام، وأيده وقواه، مع أن مذهبه شافعي، والشافعية لا يرون وجوب الزكاة في الحلي، ولكن مثل هؤلاء العلماء الكبار وإن كانوا ينتسبون إلى المذهب لا يرون أن المذهب واجب الاتباع في كل شيء، بل إذا خالف مذهبهم الدليل ضربوا به عرض الحائط وأخذوا بالدليل.
فهو في الحقيقة يشكر على سياق هذا الحديث في بلوغ المرام وعلى تقويته وترجمته.
إذن عندنا دليل من السنة عام وخاص، وفيه دليل أيضاً من القرآن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا
يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي يمنعون ما وجب بذله منها، فيدخل في هذا أيضاً وعليه فتكون الآية والحديثان اللذان ذكرناهما كلها تدل على وجوب زكاة الحلي.
لكن قد يقول رجل: لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس في الحلي زكاة» وهذا خاص يخصص حديث أبي هريرة «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منه حقها» ومعلوم عند أهل العلم أن الخاص يخصص عموم العام، فما هو الجواب على هذا؟
الجواب: فنجيبه بجوابين:
الجواب الأول: هل صح هذا الحديث أم لم يصح، وهذا لابد منه، لأن المستدل بالسنة يطالب بأمرين:
أولاً: ثبوت النص.
ثانياً: ثبوت دلالته أي الحكم.
والمستدل بالقرآن يطالب بأمر واحد فقط، وهو إثبات دلالة القرآن على الحكم.
فهذا الدليل أي الحديث قال كثير من أهل العلم: إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يصح فلا يكون مستقيماً لمعارضته الأحاديث الصحيحة، لأن ما لا يصح لا يجوز العمل به وإن لم يعارض، فضلاً عما إذا عورض.
وعلى تقدير صحته نقول له: هل أنت تقول بموجب هذا الحديث، وتسقط الزكاة في كل حلي، فإن قال: نعم، قلنا له ليس الأمر كذلك.
وإن قال لا، قلنا خالفت دليلك؛ لأن الدليل «ليس في الحلي زكاة» عام وأنت تقول: إن الحلي إذا أعد للأجرة، أو أعد للنفقة، أو كان محرماً وجبت فيه الزكاة، فخالفت الدليل.
وعلى هذا يبطل استدلاله بهذا الحديث من حيث السند، ومن حيث القول بموجبه.
فلو قال لنا هل أنتم تثبتون القياس؟ نقول له: نعم نثبت القياس الصحيح؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} .
فنثبت القياس الصحيح، قال: إذن الحلي الملبوس كالثوب الملبوس، فهل أنتم توجبون على المرأة الزكاة في ثوبها الذي تلبسه؟، قلنا: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس على المسلم في عبده، ولا فرسه صدقة» .
فالشيء الذي يختص به الإنسان كالثياب لا زكاة فيه.
قال: إذن فالحلي مثل الثياب لا زكاة فيه، فنقول له: هذا القياس فاسد الاعتبار؛ لأنه في مقابلة النص، وكل قياس في مقابلة النص فإنه فاسد الاعتبار لا يعتبر أبداً.
وقلنا له أيضاً: قياسك لا يصح من حيث القياس، لا من حيث مخالفة النص، فأنت الآن تقول: إن الحلي إذا أعد للأجرة ففيه الزكاة، فهل تقول: إن الثياب إذا أعدت للأجرة فيها زكاة؟ سيقول: لا.
الثياب المعدة للأجرة لا زكاة فيها زكاة، والحلي المعدة للأجرة فيها الزكاة، فلا يصح القياس؛ لأن القياس يقتضي مساواة الفرع للأصل في الحكم، وإلا اختل القياس. وقد سبق تفصيل ذلك أكثر من مرة، وتبين أن القول الراجح الذي تبرأ به الذمة هو إخراج زكاة الحلي، والله أعلم.