الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في زكاة الفطر
بسم الله الرحمن الرحيم
سوف نتكلم عن زكاة الفطر من حيث
أولاً: حكمها والحكمة منها.
ثانياً: جنسها.
ثالثاً: قدرها.
رابعاً: وقت إخراجها.
خامساً: مكان إخراجها.
أما الأول من حيث حكم الصدقة: فحكمها أنها فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير» .
وقال أبو سعيد رضي الله عنه: «كنا نخرجها على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا التمر، والشعير، والزبيب والأقط» . ولم يكن البر شائعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كثر البر وشاع بعد ذلك.
فهذا حكم هذه الزكاة، فهي فريضة على الصغير والكبير والذكر والأنثى من المسلمين، وأما الحمل في البطن فإن الإخراج عنه ليس بواجب، وإن أخرج الإنسان عنه تطوعاً فقد روي ذلك عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
وقول ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم» دليل على أنها فرض عين.
والأصل في فرض العين أن يكون على المكلف نفسه، أي على من فرض عليه.
فالإنسان يجب أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه، والابن يجب أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه، وكذلك كل مكلف يجب أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه؛ لأنه هو المخاطب بها، ولكن إذا كان رب الأسرة يخرج زكاة الفطر على مشهد من أهله وأولاده، فإذا وافقوا على أن يكون هو المخرج للزكاة فلا حرج في هذا.
وأما الحكمة من فرض هذه الزكاة، فالحكمة جاء بها الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين» .
هذه هي الحكمة، فهي طهرة للصائم، لأن الصائم لا يخلو في صومه من لغو، ورفث، وكلام محرم، فهذه الزكاة تطهر الصوم، وكذلك تكون طعمة للمساكين في هذا اليوم أي يوم العيد لأجل أن يشاركوا الأغنياء فرحتهم بعيدهم.
ثانياً: وأما جنس هذه الفطرة فاستمع إليها من الحديث الذي أشرنا إليه «فرضها صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير» وقال أبو سعيد: «كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام» فالذي
حدث «أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعاً من شعير» هو عبد الله بن عمر، والذي قال:«كنا نخرجها صاعاً من طعام» هو أبو سعيد الخدري، وكلاهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما.
فابن عمر رضي الله عنهما حكى فرض النبي صلى الله عليه وسلم بجنس هذه الزكاة من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم «فرضها صاعاً من تمر أو من شعير» .
وأبو سعيد رضي الله عنه ذكر حال الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم «يخرجونها صاعاً من طعام» وبهذا يتبين أن الجنس الواجب إخراجه في زكاة الفطر هو الطعام، وأن الإنسان لو أخرجها من الدراهم فإنها لا تجزئه، ولو أخرجها من الثياب فإنها لا تجزئه، ولو أخرجها من الفرش فإنها لا تجزئه، ولو أخرجها من الا"لات الأخرى كالأواني ونحوها فإنها لا تجزئه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعاً من تمر، أو من شعير.
وكل قياس، أو نظر يخالف النص فإنه مردود على صاحبه، ونحن متعبدون لله عز وجل بما جاء في شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لسنا متعبدين بما تهواه نفوسنا، أو بما ترجحه عقولنا، مادام في المسألة نص، فإنه لا خيار لنا فيما نذهب إليه ولا اختيار {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} .
فإذا كان هذا ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير» .
وإذا كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: «كنا
نخرجها صاعاً من طعام» . فهل الدراهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مفقودة حتى لا تجد إلا الطعام؟
كلا بل الدراهم كانت موجودة، والذهب موجود، والفضة موجودة، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه «الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر وبالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح» .
كل هذا موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يختر النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرض زكاة الفطر على أمته إلا صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير فكيف يسوغ لنا بعد ذلك أن نقول: إن الأفضل الآن أن تخرجها دراهم؟! إن هذا القياس في مقابلة النص، وهو مردود وفاسد الاعتبار.
نعم قد نقول: إن الأنفع أن نخرجها من الدراهم؛ لأنه إذا أخرجناها من الدراهم انتفع بها، ولكن مادام الأمر منصوصاً عليه، فإنه لا عدول لنا عما نص عليه الشرع، فالشرع أعلم منا، فقد يكون في هذا الزمن الدراهم خير من الطعام، لكن ربما تأتي أزمان يكون الطعام خيراً من الدراهم، بل قد يكون الصاع من الطعام يعادل صاعاً من فضة.
والناس إذا قلنا لهم: أخرجوها من الدراهم واعتادوا إخراجها من الدراهم صعب عليهم الانتقال فيما بعد إلى إخراجها من الطعام؛ ذلك لأن إخراجها من الدراهم أسهل وأيسر، ولأنه
إذا غلا الطعام وارتفعت أسعاره، فإن الإنسان يصعب عليه أن يخرج الطعام لكونه غالياً، ولكون سعره رفيعاً.
فلهذا كانت الحكمة بلا شك هي ما قال به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول بعض الناس: إننا إذا أعطينا الفقير صاعاً من طعام فإنه يبيعه ونحن نراه رأي العين ويبيعه بنصف ثمنه، أو أقل أو أكثر؟
فنقول: نحن ليس علينا من فعل الفقير شيء، بل علينا أن نفعل ما أمرنا به، وأن نقول سمعنا وأطعنا، وأن نبذل الطعام، ثم للفقير الذي ملكه الخيار فيما شاء، فإن شاء أكله، وإن شاء ادخره، وإن شاء باعه، وإن شاء أهداه، وإن شاء دفعه صدقة عن نفسه، فليس علينا من هذا شيء، فالشيء الذي أمرنا به صاعاً من طعام.
وما موقفنا أمام الله عز وجل إذا خالفنا ما فرضه رسوله صلى الله عليه وسلم فهل لنا حجة أن نقول: يا ربنا إننا رأينا أن الدراهم خير، أبداً.
فإن الخير ما اختاره الله لنا، وما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا.
فيا عباد الله لا نذهب بعيداً في القياس حتى نتجاوز ما فرضه الله علينا، فإن عقولنا متهمة، وإن عقولنا قاصرة، وإن الشرع محكم من عند الله عز وجل، لا يمكن أن يكون فيه خلل، ولا نقص، وإن عقولنا لا تتجاوز نظر ما نحن فيه في هذا العصر.
ولكن علم الله عز وجل المحيط بكل شيء، والذي فرض علينا أن نخرج هذه الصدقة صاعاً من طعام، إنه علم لا نهاية له. فإني أقول ذلك نصحاً لكم، وإقامة للحجة، وإبراءً للذمة، وحتى
لا يغتر مغتر بما يراه بعض الفقهاء؛ لأن كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها صاعاً من تمر، أو شعير، وهو طعام ذلك الوقت، فإننا سنرفض قول كل من سواه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهل يجب أن يكون هذا الطعام من أشياء معينة وهي البر، والتمر، والشعير، والزبيب، والأقط، أو يجزىء من أي طعام؟
الجواب: إذا نظرنا إلى حديث أبي سعيد الخدري: «كنا نخرجها صاعاً من طعام، وكان طعامنا التمر والشعير والزبيب والأقط» .
وإذا نظرنا إلى حديث ابن عباس فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم «طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين» .
علمنا أن الطعام هو الواجب، سواء كان من هذه الأصناف الخمسة أم من غيرها، وأن هذه الأصناف الخمسة إنما ذكرت لأنها كانت طعام الناس في ذلك الوقت، ويكون التنصيص على أعيانها من باب التمثيل لا من باب التعيين.
وعليه فإذا وجدت أطعمة أخرى للناس يطعمونها فإننا نخرج من هذه الأطعمة، فيوجد الآن أطعمة أنفع للناس من هذه الأطعمة مثل الأرز، فإن الأرز الآن طعام غالب الناس في هذه البلاد وهو أنفع بكثير للناس من بقية هذه الأنواع، فإذا أخرج
الإنسان من الأرز فإن ذلك مجزىء، بل قد نقول: إنه الأفضل، لأنه أنفع للفقير وأيسر، ولقد قدرنا أننا في منطقة لا يطعم أهلها إلا السمك هذا طعامهم، فهل يجزىء من السمك، نعم يجزىء، لأن العبرة بما كان طعاماً وهو يختلف باختلاف الأزمان، واختلاف الأحوال واختلاف البلدان.
وعليه فالمدار على الطعام، وهذا جنس ما تخرج منه الفطرة.
ثالثاً: أما قدره فإنه صاع لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً» ، وقول أبي سعيد رضي الله عنه:«كنا نخرجها صاعاً من طعام» .
ومن المعلوم أن هذه الأصناف التي جاءت في الحديث عن أبي سعيد أربعة: تمر، وزبيب، وشعير، وأقط.
والأقط هو اللبن المجفف يجعل أقراصاً، أو يجعل فتيتاً ويأكل، فهذه الأصناف هل هي متفقة القيمة أو مختلفة؟
الغالب أنها مختلفة، لكن ربما يأتي زمان تتفق، ولكن الغالب أنها مختلفة.
ولماذا قدرها الرسول صلى الله عليه وسلم صاعاً مع اختلافها؛ لأجل أن لا يكون هناك افتراق؛ لأنه لو قيل الواجب صاعاً من تمر، أو ما يعادله من الزبيب، أو الشعير، أو الأقط حصل اختلاف في التقويم، وصار هناك ارتباك.
ولكن الشرع جعلها صاعاً؛ لأجل أن يكون أضبط للناس ويخرج الإنسان من هذه الأنواع ومن غيرها ما يكون طعاماً، فإذا قلت ما مقدار الصاع؟
فإننا قد حررناه فبلغ كيلوين وأربعين غراماً بالبر الرزين الدجن الذي ليس خفيفاً وليس فيه عيب.
فإذا اتخذت إناءً يسع كيلوين وأربعين غراماً من البر الرزين ثم قست به الفطرة فقد أديت الصاع، ومعلوم أن هذا المقدار أقل من الصاع المعروف الآن، وأقل من الكيل المعروف في الحجاز.
لكن صاع النبي صلى الله عليه وسلم أقل من الصاع المعمول بنجد، ومن الكيل المعهود في الحجاز.
رابعاً: وقت الإخراج: زمانها يوم العيد قبل الصلاة، لقول ابن عمر رضي الله عنهما:«وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» ، هذا زمانها، وهذا أفضل وقت تخرج فيه.
ولكن يجوز أن تخرج قبل العيد بيوم أو يومين، فيجوز أن يخرجها ليلة التاسع والعشرين، ويجوز أن يخرجها يوم التاسع والعشرين، يجوز أن يخرجها ليلة الثلاثين ويوم الثلاثين.
أما إخراجها يوم سبع وعشرين، فإنه لا يجزىء، وأما إخراجها في اليوم الثامن والعشرين فعلى خطر، فإن كان الشهر ثلاثين لم تجزىء، وإن كان الشهر تسعة وعشرين أجزأ، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يخرجها قبل اليوم التاسع والعشرين لئلا يقع في الخطر.
وأما إخراجها بعد صلاة العيد فإنه محرم، ولا يجوز، ولا تقبل منه على أنها صدقة الفطر لحديث ابن عباس رضي الله
عنهما: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» ، اللهم إلا إذا أتى العيد والإنسان ليس عنده ما يخرج، أو ليس عنده من يخرج إليه، ففي هذه الحال يخرجها متى تيسر له إخراجها.
وكذلك لو لم يعلم بالعيد إلا في وقت مباغت لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة وأخر إخراجها، فإن في هذه الحال تخرج ولو بعد الصلاة، وكذلك لو اعتمد بعض الناس على بعض، مثل أن تكون العائلة اعتمدت على قيمهم وهو في بلد آخر، ثم تبين أنه لم يخرج، فإنه يخرج ولو بعد العيد، وكذلك لو كان أحد من الناس في بلد آخر كبلاد الغرب مثلاً، وقد اعتمد في الإخراج على أهله، وهم اعتمدوا في الإخراج عليه، فإنه في هذه الحال تخرج ولو بعد العيد.
خامساً: وأما مكان إخراجها، فإن مكان إخراجها هو المكان الذي يدركك العيد وأنت فيه، سواء كان بلدك أم بلداً آخر.
وعلى هذا فالمعتمرون في مكة الذين سيبقون إلى العيد، الأصل أنهم يخرجون زكاة الفطر في مكة، فيكون قد اجتمع في حقهم: أن مكة مكان إقامتهم في وقت الإخراج، وأن مكة أفضل من غيرها؛ لأن الأعمال الصالحة في مكة أفضل من الأعمال الصالحة في غيرها.
وإذا كنت في بلد آخر غير مكة وأدركك العيد، فإنك تخرج الزكاة في البلد الذي أدركك العيد وأنت فيه.
وهل يجوز أن تخرجها في محل إقامتك بأن توكل أهلك في إخراجها؟
نعم يجوز ذلك ولا حرج.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.