الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* * *
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة المكرم الشيخ محمد بن صالح العثيمين سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
اتصل بنا مندوب من
…
كجباة لزكاة الثمار، وأشاروا إلى تشكيل هيئة لتقديرها بدراهم، ويكون كل نوع يقدر على حدة بدراهم، وعمال الحكومة قد قدروها كالمعتاد، وحيث إننا لم يسبق هذا التصرف طيلة السنين الماضية ولم نسمع به من عند النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود أفاضل علماء موثوق بعلمهم وعملهم، ولم يتعرض أحد منهم لذلك، ونحن ولله الحمد لا ننكر وجوب الزكاة، ولم نمتنع من دفعها، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى معاذاً رضي الله عنه بقوله:«إياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم» إلخ. والهيئة المشكلة لا علم لها بما يلحق ثمار النخيل من الأجور والمؤنة، والنقص والعيب، والفقهاء نصوا على أن يترك لهم الربع، أو الثلث. لذا نطلب الإيضاح لنا بالأدلة الشرعية لنكون على بصيرة، لأن هذا التصرف بتحويلها إلى دراهم يوجب التشويش وربما سبب مشاكل، أفيدونا وفقكم الله والسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سؤالكم عن تصرف الهيئة المشكلة لتقدير زكاة الثمار بدراهم، وكل نوع على حدة. إلخ ما ذكرتم.
نفيدكم: أولاً: أن ولاة الأمور إذا رأوا المصلحة في شيء لا يخالف الشريعة فإن طاعتهم واجبة، لقول الله تعالى:{يَ "اأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} .
ثانياً: أن أخذ زكاة النخيل، كل نوع على حدة ليس مخالفاً للشرع، بل هو الواجب عند فقهاء الحنابلة رحمهم الله تعالى كما صرحوا به في كتبهم المختصرة والمطولة، قال في شرح الزاد (ص 773 ج 1 مع حاشية العنقري) : ويزكى كل نوع على حدته أي مفرده. وقال في المنتهى وشرحه (ص 984 ج1 ط مقبل) : ويجب خرص متنوع، كل نوع على حدة، وتزكيته أي المتنوع من ثمر وزرع كل نوع على حدة. وقال في الإقناع وشرحه (ص 554 ج 1ط مقبل) : ويأخذ العشر من كل نوع على حده بحصته، ولو شق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها؛ لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فينبغي أن يتساووا في كل نوع، فإن أخرج الوسط عن جيد ورديء بقدر قيمتي الواجب منهما لم يجزئه، أو أخرج الرديء عن الجيد بالقيمة بأن زاد في الرديء بحيث يساوي قيمة الواجب من الجيد لم يجزئه. اه. وقال في الإنصاف (ص 211 ج 3) : ويؤخذ العشر من كل نوع على حدة، هذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
اه. وقال في المغني (ص 217 ج 2) عن القول بأنه يخرج من كل نوع على حدة. إنه قول أكثر أهل العلم.
ثالثاً: وأما أخذ الدراهم عن التمر ففيه مصلحة كبيرة للفقراء؛ لأنه أنفع لهم وأرغب إليهم، ولقد مضت السنوات السابقة والتمور المقبوضة زكاة في المخازن لم يستفد منها أحد حتى فسدت، وقد علم الناس كلهم قلة رغبة الناس في التمر هذه السنين، فكيف تطيب نفس الفلاح، أو أهل الأصل أن يبيعوا تمورهم بدراهم ثم يخرجوا زكاتها من التمر، وربما يكون من نوع لا يساوي زكاة النوع الجيد. وعليه فإخراج الدراهم فيه فائدة لرب المال من الفلاحين وأهل الأصل، وهي تيقن إبراء ذممهم وخروجهم من العهدة. وإجزاء القيمة عن الزكاة هو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وعنه رواية أخرى يجزىء للحاجة. وذكر بعضهم رواية أخرى يجزىء للمصلحة، هذا معنى ما قاله في الفروع (ص 365 ج 2 ط آل ثاني) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (ص 28، 38 ج 52 لابن القاسم) : وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، وذكر لذلك أمثلة منها أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، ومنها أن يرى الساعي (يعني جابي الزكاة) أن أخذها أنفع للفقراء.
رابعاً: وأما إذا بيع النخل ثمرته بدراهم فإن العدل الذي تبرأ به الذمة أن يخرج الزكاة من الدراهم، إذا كان ذلك أرغب للفقراء وأنفع لهم، قال في الفروع (ص 565 ج 2 ط آل ثاني) : ونقل عنه (
يعني عن الإمام أحمد) صالح وابن منصور إذا باع ثمره أو زرعه وقد بلغ ففي ثمنه العشر أو نصفه. ونقل أبو طالب: يتصدق بعشر الثمن. قال القاضي: أطلق القول هنا أن الزكاة في الثمن وخيّر في رواية أبي داود، وعنه لا يجزىء أن يخرج من الثمن. اه. والقول الأول وهو إخراج الزكاة من الثمن إذا بيع أقرب إلى العدل، وأظهر في براءة الذمة، لاسيما مع اختلاف الأنواع ومشقة الإخراج من كل نوع على حدة.
وبهذا علم أن أخذ القيمة عن الزكاة، أو أخذ الزكاة من ثمن الثمر أو الزرع إذا بيع ليس مخالفاً للشرع، بل هو من الشرع إذا دعت الحاجة، أو المصلحة إليه، أو كان أقرب إلى العدل.
وأما كون هذا لم يسبق طيلة السنين الماضية مع وجود علماء أفاضل موثوق بعلمهم وعملهم، فجوابه: أن كونه لم يسبق لا يوجب أن لا يكون حقًّا، فالحق ثابت سواء عمل به أم لم يعمل به، وعذر العلماء في ترك العمل: أن الحاجة لم تكن داعية إليه في أوقاتهم، فلم يكن هذا الاختلاف الكبير بين أنواع التمر، وكان تمر الشقر في وقتهم هو النوع الوسط إن لم يكن الخيار. فقد حدثني من أثق به: أن تمر الشقر كان أغلى عند الناس فيما سبق من تمر السكري، وكان غالب قوتهم من التمر تمر الشقر، ولم تكثر تمور البرحي الغالية في ذلك الوقت، فمن أجل هذا لم يتعرض العلماء للناس في إخراج زكاتهم من الشقر، أما لما تغير الوضع واختلفت أنواع التمور هذا الاختلاف الكبير، فإنه لابد أن يعاد النظر في هذا،
ويلزم الناس بالعدل، لأن الحكم يدور مع علته، كما هو معلوم مقرر عند أهل العلم.
خامساً: وأما وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في قوله: «وإياك وكرائم أموالهم» فإن الذي أوصاه بذلك رسول من قال: {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو"اْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَْرْضِ وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاّ" أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُو"اْ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
فالكريم من المال: الجيد منه. والخبيث منه: الرديء، والجودة والرداءة أمران نسبيان، فقد يكون الجيد في مال شخص رديئاً في مال آخر، فإذا قدر أن شخصاً عنده بستان فيه برحي وسكري كان السكري رديئاً بالنسبة للبرحي؛ لأنه أقل ثمناً ورغبة عند الناس، وإذا قدر أن شخصاً عنده بستان فيه سكري وشقر كان السكري جيداً بالنسبة للشقر؛ لأنه أغلى وأرغب عند الناس، ولهذا قال الله تعالى:{وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاّ" أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُو"اْ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} ثم قال: {وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاّ" أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُو"اْ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} يعني لو كان الحق لكم لم تأخذوا هذا الرديء من المال، إلا على إغماض.
ومن المعلوم أن الواجب في زكاة الثمار والزروع نصف العشر إن كان يسقى بمؤونة، والعشر كاملاً إن كان يسقى بدون مؤونة، فإذا كان لك العشر أو نصفه من بستان فيه برحي وشقر: فهل ترضى أن تعطى من الشقر وينفرد شريكك في البرحي؟ الجواب
سيكون بالنفي، أي أنك لا ترضى إلا على إغماض، فإذا كان كذلك فكيف ترضى أن يكون نصيب زكاتك من الشقر بدلاً عن البرحي أو السكري مع ظهور الفرق الكبير بينهما رغبة وقيمة. والحديث ظاهر فيما يطابق الآية، لأنه أضاف الكرائم إلى أموالهم فكريم كل مال بحسبه.
والمقصود من تحذير النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً بقوله: «إياك وكرائم أموالهم» أن يأخذ الجيد من المال عن الوسط أو الرديء منه؛ لأن ذلك ظلم لصاحب المال، ولهذا أردفه بقوله:«واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» كما أن أخذ الوسط أو الردىء عن الجيد ظلم لأهل الزكاة، والعدل أن يؤخذ عن الجيد جيد، وعن الوسط وسط، وعن الردىء منه، فإذا أخذنا عن الكريم كريماً فهذا هو العدل المأمور به في قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى" أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} وقوله: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} .
وإني أضرب لك مثلاً يتضح به الأمر لمن شاءالله:
لو كان لك بستان ربعه برحي، وربعه سكري، وربعه أمهات حمام، وربعه شقر وكان مقداره ثمانية آلاف كيلو من كل نوع ألفان من الكيلوات،وكان الكيلو من البرحي باثني عشر ريالاً، ومن السكري بستة ريالات، ومن أمهات حمام بثلاثة ريالات، ومن الشقر بريالين، فإن قيمة البرحي أربعة وعشرون ألفاً، وقيمة السكري اثنا عشر ألفاً، وقيمة أمهات حمام ستة آلاف ريال، وقيمة الشقر أربعة
آلاف ريال. فزكاة البرحي تساوي ألفاً ومائتي ريال، وزكاة السكري تساوي ستمائة ريال، وزكاة أمهات حمام تساوي ثلاثمائة ريال، وزكاة الشقر تساوي مائتي ريال، فتبلغ زكاة الجميع ألفين وثلاثمائة ريال إذا أخرج زكاة كل نوع منه، ولو أخرجها من البرحي لبلغت أربعة آلاف وثمانمائة ريال، ولو أخرجها من الشقر لم تبلغ إلا ثمانمائة ريال. فإلزام المزكي بإخراجها من البرحي ظلم له وهو الذي حذر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً منه، والاكتفاء بإخراجها من الشقر ظلم لأهل الزكاة، وهو الذي نهى الله عنه في قوله:{وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاّ" أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُو"اْ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} وهو خلاف ما أمر الله به من العدل.
وبهذا المثل يتبين ما وقع فيه كثير من الناس اليوم من ظلم أنفسهم وظلم غيرهم بإخراج الزكاة عن الأنواع الجيدة من أنواع رديئة بالنسبة إليها. وأن الواجب على المؤمن أن ينظر بعين البصيرة والعدل في إخراج الواجب عليه، وأن يحاسب نفسه اليوم لأنه يستطيع التخلص قبل أن يأتيه الموت فيقول:{رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّى" أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} أو يقول: {رَبِّ لَوْلا" أَخَّرْتَنِى" إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} أو يقول: {ياحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} .
سادساً: وأما قول القائل: أنا لم أمتنع من دفع الزكاة. فنقول: إن من دفع الرديء زكاة عن الجيد لم يدفع الزكاة في الحقيقة؛ لأن الزكاة معتبرة بالكمية والكيفية، فنقص الوصف فيها كنقص المقدار.
سابعاً: وأما قولكم: إن هيئة النظر لا علم لها بالمؤونة وما يلحق الثمار من العيب ونحو ذلك. فنقول: هذا صحيح، ولكن
لصاحب الثمر أو الزرع أن يبين للهيئة الواقع، ثم تنظر الهيئة ماذا عليه في حكم الشرع.
ثامناً: وأما قولكم: إن الفقهاء نصوا على أن يترك لصاحب
الثمر الثلث أو الربع. فهذا مبني على حديث سهل بن أبي حتمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع» ، وقد تفرد به راوٍ لا تعرف حاله، ثم إن العلماء اختلفوا في المراد بترك الثلث أو الربع فقيل: يترك ليخرجوه زكاة لمن يعرفون ويحبون أن يخصوه بها، وقيل: يترك بلا زكاة. فعلى الأول يكون المعنى اتركوا ثلث الزكاة أو ربعها يخرجونه هم، وعلى الثاني يكون المعنى: أسقطوا عنهم ثلث الزكاة أو ربعها، وعلى كلا المعنيين فإن الفرق قد يكون بين قيمة الجيد والوسط والرديء أكثر من الثلث كما يعلم من المثال السابق.
هذا وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يترك لصاحب الثمر شيء لا ثلث ولا ربع، قال النووي في المجموع ص 634 ج 5 تحقيق محمد نجيب المطيعي: المذهب الصحيح المشهور يعني من مذهب الشافعية الذي قطع به المصنف والأكثرون أنه يخرص جميع النخل والعنب، وفيه قول للشافعي: أنه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله، ويختلف باختلاف حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم، ثم ذكر من حكاه من الشافعية، وقال في حكاية الماوردي أنه يترك الربع أو الثلث اه. وحكى ابن حزم في المحلى (ص 952
ج 5) عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يترك له شيئاً. وقال ابن عبد البر في كتاب الكافي (ص 603 ج 1) : والمشهور من مذهب مالك أنه لا يترك الخارص شيئاً في خرصه من ثمر النخل أو العنب إلا خرصه اه.
وخلاصة جواب كتابكم ما يلي:
1 أن طاعة ولاة الأمور واجبة إذا رأوا المصلحة في أمر لا يخالفه الشرع.
2 أن أخذ زكاة النخيل من كل نوع على حدته ليس مخالفاً للشرع، بل هو الواجب في مذهب الحنابلة وأكثر أهل العلم.
3 أن أخذ الدراهم عن زكاة التمر فيه مصلحة للفقراء، وفائدة لرب المال، وأنه مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
4 أن أخذ زكاة الثمار من القيمة إذا بيعت من تمام العدل، وأن هذه رواية عن الإمام أحمد نقلها صالح، وابن منصور، وأبو طالب. وذكرنا عذر العلماء عن العمل بذلك فيما سبق.
5 أن المراد بتحذير النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً عن أخذ كرائم الأموال أخذها عن الرديء والوسط؛ لأن ذلك ظلم لرب المال، وضربنا مثلاً يتضح به المراد.
6 أن الزكاة معتبرة بالكمية والكيفية، فنقص الوصف فيها كنقص المقدار.
7 أنه إذا كانت هيئة النظر لا تعلم ما يلحق الثمار من النقص فلصاحب الثمار أن يخبرها؛ لتنظر حكم الشرع في ذلك.
8 أن ترك الثلث أو الربع لصاحب الثمر ليس محل إجماع من العلماء، فمذهب المالكية والشافعية أنه لا يترك، وحكاه ابن حزم عن الحنفية. والحديث المذكور فيه، محل نظر في سنده ومعناه.
هذا ما لزم، والله يحفظكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتبه محمد الصالح العثيمين في 17/3/1420 هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى
…
حفظه الله وتولاه في الدنيا والآخرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد.
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو الجواد الكريم. ثم إن نعم الله تعالى كثيرة لا تعد ولا تحصى، وخصوصاً ما أنعم به علينا في الأعوام الأخيرة بأنواع ثمار النخيل اللذيذة الطعم، المريئة المأكل، التي تفضل كثيراً مما كان شائعاً من قبل في المأكل والنوع والقيمة، {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الاُْكُلِ إِنَّ فِى ذالِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقد أمرنا الله سبحانه أن نأكل من هذه الطيبات ونشكره عليها، ومن أوجب الشكر أن نخرج ما أوجبه الله علينا من الزكاة فيها، فإن الزكاة أوجب واجبات المال، وهي أحد أركان الإسلام، وأهميتها عظيمة، وأخطارها جسيمة. لذلك وجب علّي أن أذكر أخي بما أوجب الله تعالى، فقد بيّن الله تعالى فيما آتاه نبيه من البينات والهدى ما يجب إخراجه في الزكاة قدراً وصفة:
فأما القدر: فهو العشر كاملاً، فيما لا يحتاج إلى كلفة في إخراج الماء لسقيه: كالذي يشرب بالقصب السائحة والأنهار والعيون، أو يشرب بعروقه، ونصف العشر فيما يحتاج إلى كلفة مثل الذي يشرب بالسواني والمكائن.
وأما الصفة: فقد قال الله عز وجل: {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو"اْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَْرْضِ وَلَا تَيَمَّمُواْ
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاّ" أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُو"اْ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاّ" أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُو"اْ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} فنهى الله تعالى عن قصد الإنفاق من الخبيث وهو الرديء هنا، وأشار إلى الحكمة في ذلك، وهو أنه ليس من العدل فإنكم لو أعطيتموه لم تأخذوه إلا على إغماض وكراهية. والنهي لا يتضمن إلا النهي عن قصد الرديء ففهم من ذلك جواز إخراج المتوسط، وهو أقل الواجب، كما فهم من الآية جواز إخراج الطيب، وهذا أكمل وأفضل.
وإذا كانت الآية دالة على جواز إخراج المتوسط فإنه يجوز إخراج المتوسط إذا كان النوع واحداً، مثل أن يكون البستان كله شقر أو كله سكري أو كله برحي، ويكون البعض طيباً والبعض رديئاً والبعض متوسطاً، فتخرج من المتوسط بالقسط، وأما إذا كانت الأنواع متعددة مثل أن يكون البستان أنواعاً بعضه سكري، وبعضه شقر، وبعضه برحي، وبعضه دقل أخرى، فإن مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه أنه يجب عليك أن تخرج زكاة كل نوع على حدة، فتخرج زكاة السكري من السكري، وزكاة الشقر من الشقر، وزكاة البرحي من البرحي، حتى لو كانت نخلة واحدة من نوع وجب عليك أن تخرج زكاتها منها، هذا هو المذهب كما صرح به الأصحاب رحمهم الله في كتبهم المختصرة والمطولة، وأنا لا أقول: إنه يجب على الإنسان أن يعمل بهذا القول، لأنه مشقة وحرج خصوصاً إذا كثرت الأنواع وقلَّت أفرادها، والله سبحانه وتعالى ما جعل علينا في الدين من حرج، ولكني أقول: إنه يجوز إن شاءالله أن يخرج من متوسط الأنواع، كما يجوز أن يخرج من متوسط الأفراد، لكن بشرط مراعاة العدل ومساواة أهل الزكاة في
الواجب، فإذا قدرنا أن البستان ثلاثة أنواع: نوع طيب، ونوع رديء ونوع متوسط، وكانت قيمة الطيب تزيد على قيمة المتوسط بقدر نقص قيمة الرديء عن المتوسط فحينئذ يجوز أن يخرج من المتوسط؛ لأن نقصه عن قيمة الطيب يقابل زيادته على قيمة الرديء، فأما إذا كانت قيمة الطيب تزيد على قيمة ما يسمى بالمتوسط أكثر مما يزيد المتوسط على قيمة الرديء فكيف يقال: إنه متوسط؟ وكيف يجوز أن نخرج منه؟ هل هذا من العدل أو مساواة أهل الزكاة؟!
إن أهل الزكاة شركاء لك فيما أوجب الله عليك لهم، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لهم سهماً مشاعاً، وغاية ما رخص فيه أن تعطيهم من المتوسط، فلو قدرنا أن لك سهماً مشاعاً في بستان شخص يجب لك من متوسطه: هل تقبل أن يعطيك من رديئه؟ لا، لا تقبل ذلك إلا على إغماض أو محاباة، ولا محاباة في الزكاة إلا بإخراج المتوسط فقط.
ولنضرب مثلاً يتضح به المقصود: لقد كان البستان الذي يشتمل على الكثير من هذه الأنواع الطيبة يباع مثلاً بعشرة آلاف أو أكثر وقد خرص مثلاً عشرة آلاف وزنة، فيخرج صاحب البستان عنه خمسمائة وزنة من الشقر باعتبار أن هذا هو نصف العشر، وهذه الخمسمائة في وقتنا هذا ربما لا تساوي إلا مائتي ريال أو تزيد خمسين ريالاً أو تنقص خمسين ريالاً، فهل مائتا ريال أو مائتان وخمسون نصف عشر عشرة آلاف؟ كلا. إذن فالواجب على المسلم أن يلاحظ ذلك ويحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب عليها في الآخرة.
لكن ههنا أمر مشكل ربما يرد على المرء وهو: لماذا لم يتكلم العلماء السابقون في البلد على هذه المسألة كمشائخنا الذين أدركناهم؟ ولماذا أقروا الناس على إخراج الشقر وسكتوا عنهم من غير تفصيل؟
والجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أن الأنواع الطيبة خصوصاً البرحي لم تكن فيما مضى بهذه الكثرة، وإنما هي أفراد قليلة بالنسبة للأنواع التي في البساتين.
الثاني: أنه لم يكن التفاوت بين قيمتها وقيمة الشقر مثل ما كان عليه في وقتنا الحاضر، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كما قال ذلك أهل العلم والفقه.
ثم إنه متى قامت الحجة واستبان الدليل من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن لأحد عذر في ترك العمل بمقتضاه.
فإن قيل: فكيف نخرج بعد أن عرفنا أن الشقر ليست هي النوع المتوسط إذا كانت قيمة الأنواع التي فوقها تزيد على قيمتها أكثر مما تنقص عنها قيمة الرديء؟
فالجواب أن نقول: إن الزكاة وجبت لمواساة الفقراء وسد حاجتهم، وأكثر الناس الآن يبيعون هذه الأنواع الطيبة بالدراهم فإذا أخرجوا الفرق دراهم فأرجو أن يكون ذلك جائزاً؛ لأنهم واسوا الفقير في ذلك، ولأن الدراهم أرغب للفقير غالباً من التمر.
هذا حررته لكم للتذكير بهذه المسألة لأهميتها وعظم خطرها وأعتقد أنكم قد رأيتم أو سترون ما رأيته أنا إن شاءالله، وإنكم
سوف تستعينون الله على أنفسكم بإبراء ذمتكم وإخراج الواجب قبل يوم القيامة إذا علمتم أن الزكاة ليست مغرماً وخسارة، وإنما هي إيمان ومغنم وبركة وفلاح وسعادة، وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن رأى الحق حقًّا واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعه. في 27/3/1383 هـ.