الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعظم مما مرت حكايته من صنيعهم مع هذا الكافر الحربي، فافهم ذلك. والله المسؤول المرجو الإجابة أن ينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين، وأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، وصلى الله على عبده ورسوله النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
الرسالة الرابعة [حكم من يسافر إلى بلاد المشركين]
(قال جامع الرسائل) : وله أيضا -قدس الله روحه ونور ضريحه- رسالة إلى محمد بن علي آل موسى في مسألة السفر إلى بلاد المشركين، وقد ذكر له – أعني محمد بن علي – من جهة فتوى الشيخ الإمام، وعلم الهداة الأعلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن فيمن يسافر إلى بلد المشركين، فشرح ووضح فتوى والده، وكشف القناع عن محاسن معانيها وقطع – بالوجوه الساطعة أساريرها الراسخة مبانيها – ما يتعلق به كل مبطل، وأزاح بما أبداه غبار كل مشكل، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ المكرم محمد بن علي آل موسى -سلمه الله تعالى-، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وسبق إليك خط مع البداة، أشرت فيه إلى المسألة التي ذكرت لي من جهة فتوى الوالد الشيخ -قدس الله روحه ونور ضريحه- فيمن يسافر إلى بلاد المشركين. وفي هذه الأيام ورد علينا خط من ولد العجيري ذكر فيه أن لفظ الوالد في جوابه قوله: وأما السفر إلى بلاد المشركين للتجارة فقد عمت به البلوى، وهو نقص في دين من فعله لكونه عرض نفسه للفتنة بمخالطة المشركين فينبغي هجره وكراهته، هذا هو الذي يفعله المسلمون معه من غير تعنيف ولا سب
ولا ضرب، ويكفي في حقه إظهار الإنكار عليه، وإنكار فعله، ولو لم يكن حاضرا؛ والمعصية إذا وجدت أنكرت على من فعلها، أو رضيها إذا اطلع عليها. انتهى ما نقله. وهذه العبارة بحمد الله ليس فيها ما يتعلق به كل مبطل لوجوه:(منها) : أن الذي وقع في هذه الأعصار – وكلامنا بصدده – أمر يجل عن الوصف، وقد اشتمل مع السفر على منكرات عظيمة منها موالاة المشركين وقد عرفتم ما فيها من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وعرفتم أن مسمى المولاة يقع على شعب متفاوتة، منها ما يوجب الردة كذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات. وعرفتم قوله –تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} 1، وأنها نزلت فيمن كاتب المشركين بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعل ذلك من الموالاة المحرمة، وإن اطمأن قلبه بالإيمان، وكذلك من رأى أن في ولايتهم مصلحة للناس أو للحضر، وهذا واقع مشاهد تعرفونه من حال أكثر هؤلاء الذين يسافرون إلى تلك البلاد، وربما نقل بعضهم من المكاتبات إلى أهل الإسلام ما يستفزونهم به، ويدعونهم إلى طاعتهم وصحبتهم والانحياز إلى ولايتهم. فالذي يظهر هذه الفتوى، ويستدل بها على مثل هذه الحال من أجهل الناس بمدارك الشرع ومقاصد أهل العلم، وهو كمن يستدل بتقبيل الصائم على أن الوطء لا يبطل صيامه، وهذا من جنس ما حصل من هؤلاء الجهلة في رسالة ابن عجلان، وما فيها من الاستدلال على جواز خيانة الله ورسوله، وتخلية بلاد المسلمين، وتسليط أهل الشرك عليها وأهل التعطيل، والكفر بآيات الله، وغير ذلك من ظهور سلطانهم وإبطال الشرع بالكلية بمسألة خلافية في جواز الاستعانة بمشرك ليس له دولة ولا صولة ولا دخل
1 سورة الممتحنة آية: 1.
في الرأي مع أنها من المسائل المردودة على قائلها كما بسط في غير موضع. وبالجملة فإظهار مثل هذه الفتوى في هذه الأعصار من الوسائل المفضية إلى أكبر محذور، وأعظم المفاسد والشرور، مع أن عبارة الشيخ إذا تأملها المنصف وجد فيها ما يرد على هؤلاء المبطلة، وقول الشيخ قد عمت به البلوى يبين أن الجواب في الجاري في وقته مع ظهور الإسلام وغربته، وإظهار دين من سافر إلى جهاتهم، وليس في ذلك ما في السفر إليهم في هذه الأوقات، إذ هو مسالمة وإعراض عما وجب من فروض التعيين. وإذا هجم العدو وصار الجهاد فرض عين يحرم تركه ولو للسفر المباح، فكيف هذا السفر؟ وأيضا فكلام الشيخ يحمل على ما ذكره الفقهاء في أن عامة الناس ليس لهم أن يفتاتوا على ولي الأمر في الحدود والتعزيرات إلا بإذن. وقد عرفتم حال أكثر الولاة في عدم الاهتمام بهذا الأصل، فالافتيات عليهم بالحبس والضرب ونحو ذلك مفسدة تمنعها الشريعة ولا تقرها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فهذا يوجب للشيخ وأمثاله مراعاة المصلحة الشرعية في الفتوى الجزئية لا سيما في مخاطبة العامة. وقول الشيخ: لكونه عرض نفسه للفتنة بمخالطة المشركين صريح في أن الكلام فيمن لم يفتتن، ولم يستخف بدينه، وقد عرفتم حال أكثر الناس في هذا الوقت، وأقل الفتنة أن يستخفي بدينه، وجمهورهم يظهر الموافقة بلسان الحال ولسان المقال، فهذا الضرب ليس داخلا في كلام الشيخ رحمه الله. وقوله: ينبغي هجره وكراهته بيان ما يستطيعه كل أحد، وأما ولاة الأمور ومن له سلطان أو قدرة فعليه تغيير المنكر باليد، ومن لم
يستطع فباللسان، ومن لم يستطع فبالقلب؛ وهذا نص الحديث النبوي فلا يجوز العدول عنه وإساءة الظن بأهل العلم، بل يحمل كلامهم على ما وافقه. والمصرّ المكابر لا ينتهي إلا إذا غير فعله بالأدب، أو الحبس، وهو داخل في عموم الحديث. وقد شاهدنا من الوالد رحمه الله تعنيف هذا الجنس وذمهم، وذكر حكم الله ورسوله في تحريم مخالطة المشركين مع عدم التمكن من إظهار الدين. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن التعزيرات تفعل بحسب المصلحة، وليس لها حد محدود، بل بحسب ما يزيل المفسدة ويوجب المصلحة، وذكر قتل شارب الخمر في الرابعة وأنه من هذا الباب، وأشار إلى ذلك في اختياراته. وكذلك غيره من المحققين ذكروا أن التعزير على الكبائر والمحرمات غير مقدر، بل بحسب المصلحة؛ وهذه قواعد كلية تدخل فيها تلك القضية الجزئية. وقول الشيخ: والمعصية إذا وجدت أنكرت على من فعلها ورضيها، ليس فيه أن الإنكار بمجرد القول، بل هو بحسب المراتب الثلاث المذكورة في الحديث، وإلا لخالف نص الحديث، بل يتعين حمل كلام الشيخ عليه لموافقة الحديث النبوي لا على ما خالفه، وأسقط من الإنكار ركنه الأعظم. ومن شم رائحة العلم لم يعرض هذه الفتوى لأهل هذه القبائح الشنيعة، ويجعلها وسيلة إلى مخالفة واجبات الشريعة؛ ومثل هذا الذي أظهر الفتوى يجعله بعض المنتسبين منفاخا ينفخ به ما يستتر من إظهاره وإشاعته. والواجب على مثلك النظر في أصول الشريعة ومعرفة مقادير المصالح والمفاسد، وتأمل قوله – تعالى-:{وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} 1 الآية، وانظر ما ذكره المفسرون حتى أدخل بعضهم لياقة الدواة وبري القلم في الركون. وذلك لأن ذنب الشرك أعظم ذنب عصي الله به على اختلاف رتبه،
1 سورة الإسراء آية: 74.
فكيف إذا انضاف إليه ما هو أفحش من الاستهزاء بآيات الله، وعزل أحكامه وأوامره، وتسمية ما ضاده وخالفه بالعدالة؟ والله يعلم ورسوله والمؤمنون أنها الكفر والجهل والضلالة. ومن له أدنى أنفة وفي قلبه نصيب من الحياة يغار لله ورسله وكتابه ودينه، ويشتد إنكاره وبراءته في كل محفل وكل مجلس؛ وهذا من الجهاد الذي لا يحصل جهاد العدو إلا به. فاغتنم إظهار دين الله، والمذاكرة به، وذم ما خالف والبراءة منه ومن أهله، وتأمل الوسائل المفضية إلى هذه المفسدة الكبرى، وتأمل نصوص الشارع في قطع الوسائل والذرائع. وأكثر الناس ولو تبرأ من هذا ومن أهله فهو جند لمن تولاهم، وأنس بهم، وأقام بحماهم والله المستعان. وهذا الخط اقرأه على من تحب من إخوانك وبلغ سلامي والدك، وخواص الإخوان.