الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصلاح، لئلا تتوهم غير ذلك من الأسباب، التي تنقل عنك من الاستطالة في الأعراض والاغتياب، إذ هي لا يلتفت إليها المؤمن العاقل، ولا يأخذ بها إلا غرّ مُماحل، وهي باقية ليوم ترجعون فيه إلى الله، ويجزي كل قائل بما زوره وافتراه، ولعل الله أن يمن برجوعك إلى الحق بعد الشرود، ويقضي بصحبتك على توحيد ربنا المعبود، فإني أتأسف على تنكب أمثالك،:{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} 1، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
الرسالة السابعة والستون: [رسالة إلى أهل الحوطة بالاعتصام بالتوحيد الخالص]
وله أيضا رحمه الله، وعفا عنه- رسالة إلى أهل الحوطة، هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الإخوان المكرمين من أهل الحوطة -سلمهم الله تعالى وهداهم-: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فأوصيكم بتقوى الله وطاعته، والاعتصام بحبله، وترك التفرق والاختلاف، ولزوم جماعة المسلمين، فقد قامت الحجة بكتاب الله وسنة رسوله، وعرفتم أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة. وقد أناخ بساحتكم من الفتن والمحن ما لا نشكوه إلا إلى الله، فمن ذلك الفتنة الكبرى، والعيبة العظمى، الفتنة بعساكر الشرك، أعداء الملة والدين. وقد اتسعت وأضرت، ولا ينجو المؤمن منها إلا بالاعتصام بحبل الله وتجرد التوحيد، والتحيز إلى أولياء الله؛ عباده المؤمنين، والبراءة كل البراءة ممن أشرك بالله وعدل به غيره، ولم ينزهه عما انتحله المشركون، وافتراه المكذبون.
1 سورة الأحزاب آية: 4.
وأفضل القرب إلى الله مقت أعدائه المشركين، وبغضهم، وعداوتهم، وجهادهم، وبهذا ينجو العبد من توليهم من دون المؤمنين، وإن لم يفعل ذلك فله من ولايتهم بحسب ما أخل به وتركه من ذلك. فالحذر الحذر مما يهدم الإسلام، ويقلع أساسه! قال الله -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 1 وانتفاء الشرط يدل على انتفاء الإيمان بحصول الموالاة؛ ونظائر هذه الآية في القرآن كثير. وكذلك الفتنة بالبغاة والمحاربين توجب من الاختلاف والتفرق، والبغضاء، وسفك الدماء، ونهب الأموال، وترك أوامر الله ورسوله، والإفساد في الأرض ما لا يحصيه إلا الله، وذلك مما لا يستقيم معه إسلام ولا يحصل بملابسته من الإيمان ما ينجي العبد من غضب الله وسخطه. وهذه الحالة وتلك الطريقة بها ذهاب الإسلام وأهله، وتسلط أعداء الله، وتمكنهم من بلاد المسلمين وهدم مبانيه والإعلام، فكيف يسعى فيها من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويؤمن بالجنة والنار، ويخاف سوء الحساب؟ فاتقوا الله عباد الله! ولا تذهب بكم الدنيا والأهواء، وشياطين الإنس والجن إلى ما يوجب الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي، والطرد عن الله وعن بابه، والخروج عن جملة أوليائه وأحبابه، قال -تعالى-:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 2 فتدبروا هذه الآيات الكريمات، وسارعوا إلى ما يحبه الرب ويرضاه من الجماعة والطاعات، وائتموا بالقرآن
1 سورة المائدة آية: 57.
2 سورة الزمر آية: 15.
وقفوا عند عجائبه، وما فيه من الحجة والبرهان؛ فإن الله تكفل لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، فيه نبأ من كان قبلكم، وفصل ما بينكم، لا يضل متبعه ولا يطفأ نوره، فما هذه المشاقة؟ وما هذا الاختلاف والتفرق، وقد جاءتكم النصائح، وتكررت إليكم المواعظ؟ قال -تعالى-:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 1، وقال الله -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} 2. وقد خرج الإمام أحمد من حديث الحارث الأشعري، بعد أن ذكر ما أمر به يحيى بن زكريا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وآمركم بخمس الله أمرني بهن: الجماعة، والسمع والطاعة، والهجرة والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثي جهنم، قالوا: يا رسول الله وإن صلى وصام، قال: وإن صلى وصام، وزعم أنه مسلم"3. فادعوا المسلمين بأسمائهم على ما سماهم الله به عز وجل المسلمين، المؤمنين، عباد الله؛ وهذه الخمس المذكورة في الحديث ألحقها بعضهم بالأركان الإسلامية التي لا يستقيم بناء ولا يستقر إلا بها، خلافا لما كانت عليه الجاهلية من ترك الجماعة والسمع والطاعة. نسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه والاعتصام بحبله، والامتثال لأمره، واتقاء غضبه وسخطه، فاحذروا الاختلاف:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 4،:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 5،:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} 6. وصلى الله على عبده ورسوله محمد النبي الأمي العربي الهاشمي وآله وصحبه وسلم.
1 سورة النساء آية: 115.
2 سورة النساء آية: 59.
3 الترمذي: الأمثال (2863) ، وأحمد (4/202) .
4 سورة الأنفال آية: 1.
5 سورة النور آية: 31.
6 سورة النحل آية: 91.