الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثالثة والستون: [دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى تجديد الدين]
وله أيضا -قدس الله روحه، وعفا عنه- رسالة إلى أهل الحوطة يذكر ما منَّ الله به عليهم من دعوة شيخ الإسلام، وعلم الهداة الأعلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلى ما دعت إليه الرسل من معرفة الله وخشيته وعبادته، والقيام بأركان الإسلام وأصول الإيمان، فقال رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الإخوان من أهل الحوطة، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: اعلموا أن الله بعث محمدا بالهدى ودين الحق، فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، ولا يكفي أحدهما عن الآخر في النجاة والسلامة من الوعيد الدنيوي والأخروي. وقد منَّ الله -تعالى- عليكم بدين الإسلام، واختصكم به دون كثير من الأنام لما أتاح الله لكم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فدعا إلى ما دعت إليه الرسل من معرفة الله وخشيته، وعبادته وحده لا شريك له، والقيام بالأركان الإسلامية والأصول الإيمانية. فأعز الله بذلك من قبله ونصره، ورفع قدرهم وشأنهم، وجعلهم ملوكا تهابهم الأمم، وينقاد لأمرهم جمهور العرب باديتهم وحاضرتهم. ولم يزالوا كذلك قاهرين حتى حدث ما حدث، ووقع ما وقع من الإعراض والقسوة، والتمادي على معاصي الله؛ فسلط عليهم العدو، وافترقت الكلمة وانخرم النظام، وعثا الفجرة اللئام في دماء أهل الإسلام وأموالهم، وكثر الخوض، ونسي العلم، والتبس أمر التوحيد والإيمان على كثير من الخلق.
وصارت فتنة عمياء صماء، لا يبصر صاحبها ولا يسمع، وما زال غمامها لم ينقشع، وليلها يحلولك ولا يدبر، وأبناؤها بساحتكم يحاولون إطفاء نور الله.. فسارعوا وبادروا إلى التوبة والإقلاع والندم والاستغفار، وتعاونوا على البر والتقوى وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال -تعالى-:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} 1. فراجعوا دينكم قبل أن يحل من أمر الله ما لا تدفعون، وينزل من بأسه ما لا تردون: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2. ويجب على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعينهم بحسب طاقته بيده أو بلسانه، وهذا من أسباب بقاء التوحيد فيكم والإسلام، وحمايتكم دياركم من عبادة الأوثان والأصنام، وحفظ ما خولكم الله من سوابغ الفضل والإنعام. وكثير من الناس يحصل منهم أسباب ووسائل وذرائع إلى زوال النعم، وحلول السخط والنقم، منها التهاون بنعمة الإسلام والتوحيد، واختلاف القلوب والعداوة الظاهرة، وترك نصرة الإسلام، والتوجع لمصابه، والإقبال على الدنيا ونسيان الآخرة، والاستخفاف بالأركان الإسلامية كإضاعة الصلاة، ومنع الزكاة وأخذها بغير حقها، وترك السمع والطاعة لأولي الأمر من الأمراء والعلماء؛ فهذه أسباب وعلامات على نزول العقوبة، وحلول النقمة، وانتقال النعمة، قال -تعالى-:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} 3. ودائرتكم ليست على الحال الأولى في مبدأ الإسلام وبعده، والعاقل يعرف ذلك في نفسه وأهل بلده، وقد ذم الله -تعالى- من قست قلوبهم، ولم يتضرعوا عند حلول بأسه وانتقامه، قال: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا
1 سورة الأعراف آية: 170.
2 سورة آل عمران آية: 104.
3 سورة الإسراء آية: 16.
وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1.
[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وذم الله تعالى من ليس فيهم بقية ينهون عن الفساد في الأرض، ويأخذون على يد السفهاء فقال -تعالى -:{فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَاّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} 2، يخبر -تعالى- أنهم اتبعوا الشبهات، وآثروا اللذات، فكانوا من جملة المجرمين، وقال -تعالى -:{فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} 3. فدلت هذه الآية على أن الإيمان والعمل الصالح يكشف العذاب عند نزوله، ويمتع به المؤمن حينا من الدهر. وقد أمدكم الله بنعمه، وعمر بلدكم ومساكنكم بالإسلام والسمع والطاعة، فاحذروا الرجوع على أعقابكم وتبديل النعمة، قال -تعالى-:{وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 4، وقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَاّ الْكَفُور َ} 5 إلى قوله -تعالى-: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} 6.فتدبروا ما في هذه الآيات الكريمات، التي هي من أوضح الواضحات، وأبين الحجج والبينات، وتفطنوا فيما ذكر من الإعراض عن الشكر وما اقتضوه من العقوبة والعذاب؛ وفقنا الله وإياكم لتدبر القول وحسن العمل والختام، وصلى الله على رسوله ونبيه محمد وآله وصحبه وسلم.
1 سورة الأنعام آية: 43.
2 سورة هود آية: 116.
3 سورة يونس آية: 98.
4 سورة البقرة آية: 211.
5 سورة سبأ آية: 15.
6 سورة سبأ آية: 19.