الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الحادية والستون: [الفتن والامتحانات التي وقعت بين آل سعود وحكمة الله فيها]
وله أيضا رحمه الله، وعفا عنه- رسالة إلى محمد بن علي فيما جرى من الفتن والامتحانات التي وقعت بين آل سعود، وسارع أكثر الناس إليها، واستشرف لها. وكان من جملة من سارع إلى سعود بعد قتله المسلمين علي بن محمد، فصار ابنه يعتذر عنه، ويطلب من الشيخ أن يكتب له كتابا، ولكن علم الشيخ رحمه الله أن أباه قد تلبس بالفتنة، وأنه لا ينجع فيه شيء، وهذا نص الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الابن محمد بن علي، كشف الله عنه كل ريب وغمه، وسلك بنا وبه سبل سلف الأمة. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فأحمد إليك الله -تعالى- على ما اختصنا به من سوابغ إنعامه، وما ألبسناه من ملابس إكرامه، والخط وصل، وما ذكرته صار معلوما. فأما ما أجرى الله من الفتن والامتحان، فلله -سبحانه- فيها حكم يستحق عليها الحمد، منها تمييز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، وذي البصيرة من الأعمى، كما دل عليه صدر سورة العنكبوت، والآيات من سورة البقرة وآل عمران، وغير ذلك من آي القرآن. ونذكر أن أباك يوم يركب ما ظن لعبد الله ولاية، ولا أن عبد الله سيعود إليه عن قريب، والظن أكذب الحديث، وظن السوء أورد أهله الموارد المهلكة في الدنيا والآخرة. والعجب من فقيه يحكي هذا محتجا به، وقد تربى -بحمد الله- بين يدي طلبة العلم وأهل الفتوى، أي حجة في هذا لو كانوا يعلمون؟! ولو دعوت أباك إلى لزوم السنة والجماعة، والوفاء بالعهد الذي يُسأل
عنه يوم تنكشف السرائر، لكان هذا من أعظم البر وأرجحه في ميزانك، لا سيما وقد جاءك من العلم ما لم يؤته. ثم لو فرض أن هذا الظن متحقق في نفس الأمر، فأي مسوغ للمسارعة إلى الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، وسفكوا الدماء بغير بينة ولا سلطان؟ ينبغي أن يتنزه عن هذا سوقة الناس وعامتهم، وإنما خاطبتك بلسان العلم لحسن ظني، والأكثر قد تحققت هلاكهم، وأنهم في ظلمة الجهل، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، وبعض من ينتسب إلى الدين قد عرف ما هناك، ولكنه آثر العاجلة، وأخلد إلى الأرض واتبع هواه، وأبدى من المعاذير ما لا ينجي يوم العرض على الله. وأما يمينك على أنك تحققت من أبيك أنه لا ينكث عهده، ولو يقال لك: الدنيا ومثلها معها، فعجب لا ينقضي، والله يغفر لك، وهل لنكث العهد حقيقة تباين ما وقع؟ "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". وقولك:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} 1 حق نؤمن به، ولا نحتج به على شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. وأما الخط مني له فخطي إليك يكفي، ومثلك لا يخفى عليه وجوب الجهاد، وأنه ركن من أركان الإسلام، وذروة سنامه كما هو مقرر في محله، والآيات القرآنية لا يتسع هذا الموضع لسياقها. بقي أن يقال: هل الجهاد في هذه القضية جهاد في سبيل الله؟ وهذه المسألة لا يختص بها طالب علم، بل كل من كان له نصيب من نور الفطرة ونور الإسلام يعرف هذه المسألة، ولا تلتبس عليه.
1 سورة يوسف آية: 21.
ومن المقرر في عقائد أهل السنة: أن الجهاد ماض مع كل إمام بر أو فاجر؛ وأبوك وغيره يعلمون أن المسلمين بايعوا عبد الله، وسعود من جملة من بايع، وأن البيعة صدرت عن مشورة المسلمين على يد شيخهم وإمامهم في الدين، والدنا -قدس الله روحه-، فأي شيء نسخ هذا؟ أنت وأبوك تعرفون حال عبد الله منا فيما سلف، والمؤمن يعامل ربه، ولا يتشفى بما يفسد دينه. نسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه الذي ارتضاه لنفسه، ونعوذ بالله من اتباع خطوات الشيطان، والرغبة عن سبيل أهل السنة والقرآن. وذكر أباك حديث ابن عباس في استفتاحه صلى الله عليه وسلم في صلاته إذا قام من الليل، وذاكره بما ظهر لك فيه من حقائق العلم والإيمان، واعرف جلالة هذا المطلوب وعظيم قدره وقدر ما توسل به السائل إلى مطلوبه، والمقام يقتضي البسط لحاجة السائل وغيره، ولعل الله يمنُّ بذلك، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.