الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة السابعة والثلاثون: [الرهن وشروطه]
وله أيضا -قدس الله روحه، ونور ضريحه- في مسألة الرهن ما نصه:
(حاصل ما ذكره العلماء في صحة الرهن وفساده ولزومه وعدمه)
اتفقوا على أن من شرطه أن يكون إقراره في يد المرتهن من قبل الراهن، وذهب مالك إلى أنه يجوز أن يؤخذ الرهن في جميع الأثمان الواقعة في جميع البياعات إلا الصرف، ورأس مال السلم المتعلق بالذمة؛ وعنده يجوز الرهن في السلم، وفي القرض، وفي الغصب، وفي قيم المتلفات، وأرش الجنايات في الأموال، وفي الجراح التي لا قود فيها، ولا يجوز في الحدود، ولا في القصاص، ولا في الكتابة. واشترط الشافعية في الرهن ثلاثة شروط:(أحدها) : أن لا يكون دينا؛ فإن الدين لا يرهن بعين. (الثاني) : أن يكون واجبا، فلا يرهن قبل الوجوب، مثل أن يسترهنه فيما يستقرضه، ويجوز عند مالك. (الثالث) : أن لا يكون لزومه متوقعا. وأما شروط الرهن، فالمنطوق بها في الشرع ضربان: شروط الصحة، وشروط الفساد. فأما شروط الصحة فشرطان:(أحدهما) : متفق عليه في الجملة. (والثاني) مختلف في اشتراطه، أما القبض فاتفقوا في الجملة على أنه شرط في الرهن، لقول الله: {فَرِهَانٌ
مَقْبُوضَةٌ} 1، واختلفوا: هل هو شرط للتمام أو شرط للصحة؟ وفائدة الفرق أن من قال: هو شرط للصحة قال: ما لم يقع القبض لم يلزم الرهن. وقال مالك: القبض شرط لتمام الرهن، وقال: يلزم بالعقد، ويجبر الراهن على الإقباض إلا أن يتراخى المرتهن عن المطالبة. وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأهل الظاهر إلى أنه من شروط الصحة، وعمدتهم قوله -تعالى-:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} 2.وعند مالك أن من شرط صحة الرهن: استدامة القبض، وأنه متى عاد إلى يد الراهن بإذن المرتهن بعارية، أو وديعة، أو غير ذلك فقد خرج من اللزوم. وقال الشافعي: ليس استدامة القبض من شرط الصحة، فمالك عمم الشرط على ظاهر ما لزم من قوله -تعالى-:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} 3، وشرط وجوب القبض: استدامته. والشافعي يقول: إذا وجد القبض فقد صح الرهن والعقد، فلا يحل ذلك بإعارته، ولا غير ذلك من التصرف؛ وقد كان الأولى بمن يشترط القبض في صحة العقد أن يشترط الاستدامة، ومن لم يشترطه في الصحة لا يشترط الاستدامة. وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص فهو: أن يرهن الرجل رهنا على أنه إن جاءه بحقه عند أجله، وإلا فالرهن له، فاتفقوا على أن هذا الشرط يوجب الفسخ، وأنه معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا يغلق الرهن"4. ومن مسائل هذا الباب المشهورة: اختلافهم في نماء الرهن المنفصل، مثل الثمرة في الشجر المرهون، ومثل الغلة، هل يدخل في الرهن أو لا؟ فذهب قوم إلى أن نماء الرهن المنفصل لا يدخل شيء منه في الرهن، أعني: الذي يحدث منه في يد المرتهن، وهذا قول الشافعي. وذهب آخرون إلى أن جميع ذلك يدخل، وبه قال أبو حنيفة والثوري. وأما مالك ففرق فقال: ما كان من نماء الرهن المنفصل على خلقة المرهون وصورته، فإنه داخل في الرهن، كولد الجارية، وأما ما لم يكن على خلقته، فإنه لا يدخل في الرهن متولدا عنه، كثمرة النخل، أو غير متولد ككراء الدار، وخراج الغلام. انتهى ما لخصته. فتبين من هذا أن ما اعتمده القاضي حسين لنفسه من دعواه أنه أحق
1 سورة البقرة آية: 283.
2 سورة البقرة آية: 283.
3 سورة البقرة آية: 283.
4 ابن ماجه: الأحكام (2441)، ومالك: الأقضية (1437) .
بالثمرة من سائر الغرماء، لكونها أو أصلها رهنا له، فلا يتمشى على قول أحد من العلماء، فإن الشافعي يشترط لصحة الرهن ولزومه: القبض حال العقد، وفي واقعة القاضي المذكور لا قبض، فلا يصح الرهن ولا يلزم. وأما مالك فيصحح الرهن بالعقد، لكن لا يتم ولا يلزم إلا بالقبض والاستدامة عنده، وهذا هو الصحيح المعتمد في مذاهب أحمد. ومذهب مالك: أن الثمرة الحادثة في يد المرتهن لا تتبع، وفي هذه القضية التي وقعت من قاضي الحريق، إنما حدثت الثمرة فيما لم يقبض، فتكون الثمرة لا يصح رهنها على قول مالك، وعلى قوله، وقول الجمهور ليس صحيحا في الأصل، ولا في الثمرة. وعلى كل حال، فهذا الرهن إما صحيح غير لازم، فيكون أسوة الغرماء، أو يكون فاسدا؛ وعلى كلا الحالين فلا يختص بشيء من ثمرة المدين، أعاذه الله من التدحمل والتدعثر، آخرها والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.