المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة السادسة والسبعون: [الرد على عبد اللطيف الصحاف1] - مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (الجزء الثالث)

[عبد اللطيف آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌الرسالة الأولى [الإنكار على من كفر المسلمين بغير ما أجمع عليه الفقهاء]

- ‌الرسالة الثانية: [التحرج عن رمي من ظاهره الإسلام بالكفر]

- ‌الرسالة الثالثة: [السفر إلى بلاد الأعداء من المشركين والكفار]

- ‌الرسالة الرابعة [حكم من يسافر إلى بلاد المشركين]

- ‌الرسالة الخامسة: [الهجرة والإقامة بين أظهر المشركين]

- ‌الرسالة السادسة: [شدة ظهور غربة الإسلام وأهله]

- ‌الرسالة السابعة: [خطر الفتنة ومضارها والسبيل لنجاة المسلم منها]

- ‌الرسالة الثامنة: [التذكير بآيات الله والحث على لزوم الجماعة]

- ‌الرسالة التاسعة: [تفنيد رسالة ابن عجلان وما فيها من المفاسد]

- ‌الرسالة العاشرة: [حكم الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام]

- ‌الرسالة الحادية عشرة: [الفتنة والشقاق بين آل سعود]

- ‌الرسالة الثانية عشرة: [الوصية بلزوم الكتاب والسنة والعمل بما فيهما]

- ‌الرسالة الثالثة عشرة: [دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب هي دعوة إلى التوحيد الخالص]

- ‌الرسالة الرابعة عشرة: [الهجرة من أركان الدين]

- ‌الرسالة الخامسة عشرة: [تفسير قوله تعالى ويعبدون من دون الله ما لايضرهم ولا ينفعهم]

- ‌الرسالة السادسة عشرة: [رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة]

- ‌الرسالة السابعة عشرة: [تفسير السبحات بالنور]

- ‌الرسالة الثامنة عشرة: [الإيمان بالاستواء وتأويله]

- ‌الرسالة التاسعة عشرة: [الطعن في كتاب الإحياء]

- ‌الرسالة العشرون: [السمت والتؤدة والاقتصاد في الأمور]

- ‌الرسالة الحادية والعشرون: [مؤاخذة أنصار الجاني وأقاربه بجريرة فعله]

- ‌الرسالة الثانية والعشرون: [إسكان النبي عليه السلام المهاجرات دور أزواجهن ميراثا]

- ‌الرسالة الثالثة والعشرون: [نصيحة الشيخ للأمير فيصل]

- ‌الرسالة الرابعة والعشرون: [رسالة الشيخ محمد بن عجلان ورد الشيخ حمد عليها]

- ‌الرسالة الخامسة والعشرون: [حال فتنة الأمراء بنجد وأحوالها ومآلها]

- ‌الرسالة السادسة والعشرون: [الفتن الحاصلة بسبب الإمارة]

- ‌الرسالة السابعة والعشرون: [مداهنة المشركين والسفر إلى بلادهم وعقاب فاعله]

- ‌الرسالة الثامنة والعشرون: [تكفير الترك للنجديين والتقاتل بينهم]

- ‌الرسالة التاسعة والعشرون: [شروط السفر إلى بلد الشرك وحكم الهجرة]

- ‌الرسالة الثلاثون: [الحاجة إلى العلم في حال الفتن]

- ‌الرسالة الحادية والثلاثون: [التمسك بالميراث النبوي والحث على مذاكرة العلم]

- ‌الرسالة الثانية والثلاثون: [الغلظة على الكفار ومتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها]

- ‌الرسالة الثالثة والثلاثون: [مشروعية بر الكافر غير المحارب والقسط إليه]

- ‌الرسالة الرابعة والثلاثون: [الأمر بالاعتصام والنهي عن التفرق والاختلاف]

- ‌الرسالة الخامسة والثلاثون: [تفسير قوله عزوجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} ]

- ‌الرسالة السادسة والثلاثون: [بيع دَيْن السَّلَم قبل قبضه]

- ‌الرسالة السابعة والثلاثون: [الرهن وشروطه]

- ‌الرسالة الثامنة والثلاثون: [رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول]

- ‌الرسالة التاسعة والثلاثون: [تكفير من أنكر الاستواء على العرش]

- ‌الرسالة الأربعون: [شبهات الجهمية ونفاة الصفات]

- ‌الرسالة الحادية والأربعون: [ما جرى من مفاسد العساكر التركية]

- ‌الرسالة الثانية والأربعون: [حكم نهب الأعراب]

- ‌الرسالة الثالثة والأربعون: [بيان مضار الفتنة ومفاسد العسكر]

- ‌الرسالة الرابعة والأربعون: [الظهار وتعليقه بالمشيئة]

- ‌الرسالة الخامسة والأربعون: [التحريض على لزوم الجماعة]

- ‌الرسالة السادسة والأربعون: [بيان خطبة الشيخ عبد اللطيف في الفتنة بين سعود وأخيه]

- ‌الرسالة السابعة والأربعون: [الحث على الجهاد]

- ‌الرسالة الثامنة والأربعون: [الحث على الدعوة إلى الله ونشر العلم بين الناس]

- ‌الرسالة التاسعة والأربعون: [غربة الدين وقلة الأنصار]

- ‌الرسالة الخمسون: [جواب عن سؤال في حديث جابر بن عبد الله والدين الذي كان عليه لليهودي]

- ‌الرسالة الحادية والخمسون: [استعمال الماضي موضع المضارع]

- ‌الرسالة الثانية والخمسون: إخلاص العبادة لله

- ‌الرسالة الثالثة والخمسون: [إلى علماء الحرمين الشريفين]

- ‌الرسالة الرابعة والخمسون: [نصر مذهب السلف على علم الكلام]

- ‌الرسالة الخامسة والخمسون: [نصر الدين والسنة من أفضل شعب الإيمان]

- ‌الرسالة السادسة والخمسون: [الحث على التقوى]

- ‌الرسالة السابعة والخمسون: تحريم تعدد الجمعة في القرية الواحدة

- ‌الرسالة الثامنة والخمسون: [حكم الجهمية والصلاة خلفهم]

- ‌الرسالة التاسعة والخمسون: [فشو الشرك والتعطيل]

- ‌الرسالة الستون: [ذبائح المشركين وطعامهم]

- ‌الرسالة الحادية والستون: [الفتن والامتحانات التي وقعت بين آل سعود وحكمة الله فيها]

- ‌الرسالة الثانية والستون: [الإيمان بالأسماء الحسنى بلا تكييف ولا تعطيل]

- ‌الرسالة الثالثة والستون: [دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى تجديد الدين]

- ‌الرسالة الرابعة والستون: [تفسير قوله تعالى: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} ]

- ‌الرسالة الخامسة والستون: [رد مطاعن على الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة السادسة والستون: [رد على الشيخ عثمان بن منصور]

- ‌الرسالة السابعة والستون: [رسالة إلى أهل الحوطة بالاعتصام بالتوحيد الخالص]

- ‌الرسالة الثامنة والستون: [النصيحة إلى كافة المسلمين]

- ‌الرسالة التاسعة والستون: [ما يجب الإيمان به من صفات الله]

- ‌الرسالة السبعون: [فضل الدعوة إلى الله]

- ‌الرسالة الحادية والسبعون: [حال الأمة الإسلامية قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة الثانية والسبعون: [وصف رسالة من رسائل الشيخ ومدحه هو وآله]

- ‌الرسالة الثالثة والسبعون: [شبهات في تحريم القهوة]

- ‌الرسالة الرابعة والسبعون: [نفي كون ما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب مذهبا خامس] ا

- ‌الرسالة الخامسة والسبعون: [تقديم لترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة السادسة والسبعون: [الرد على عبد اللطيف الصحاف1]

الفصل: ‌الرسالة السادسة والسبعون: [الرد على عبد اللطيف الصحاف1]

‌الرسالة السادسة والسبعون: [الرد على عبد اللطيف الصحاف1]

للشيخ الإمام، والحبر الهمام، قدوة الأنام، الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ الإمام العلامة عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الرد على عبد اللطيف الصحاف نزيل البحرين، أملاه وهو في غزوة مسيمير قال:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين، الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. أما بعد: فإن بعض الإخوان ناولني كراسة أَنشأها عبد اللطيف بن عبد المحسن الصحاف، فيها تعرّض لعيب الموحدين، وذم لما هم عليه من الملة والدين، وقدح لبعض شيوخه المارقين، وإنهم من جلة العلماء العاملين، الذين لهم لسان صدق في الآخرين، وفيها غير ذلك مما هو مستبين للواقفين عليها والناظرين. وقد طلب مني من ناولنيها أن أكتب شيئا في بيان ما تضمنته من الأباطيل، مع الاختصار وترك البسط والتطويل، إلا لإيراد حجة أو كشف دليل. فأسال الله الإعانة على ذلك، والهداية إلى ما هنالك. فأما المقدمة التي قدمها الصحاف أمام مقصوده، وجعلها طالعة نثره وعقوده، ففيها من الدلالة على جهله وقصوره، ما يعرف بأول نظر في جمعه ومسطوره، من ذلك أنه يصف بالعلم من ليس من أهله، ويكذب على المعصوم

1 جاءتنا هذه الرسالة منفردة فألحقناها بالمجموع وجعلناها خاتمة له.

ص: 430

في عزوه ونقله، يحتج في فضل العلم بالضعيف الموضوع، لجهله بما صح من المرسل والمرفوع، ليست له ملكة في نقد الثابت من المصنوع، يتأول كل حاذق فقيه، عند سماع خلطه وما يبديه، حديث عبد الله بن عمرو في قبض العلم، ورياسة الغمر. وكلامه من أظهر الأدلة على ما قلناه، عند كل من وقف عليه من أهل الفقه عن الله؛ فلذلك اكتفينا بالإشارة عن بسط القول والعبارة. فأما قوله في المقدمة التي مدح بها أشياخه المذكورين في رسالته:" علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ". وقوله: نظرك إلى وجه العالم خير لك من ألف فرس تتصدق بها في سبيل الله. وسلامك على العالم خير لك من عبادة ألف سنة، كذلك قوله: إن العالم، أو المتعلم إذا مر على قرية فإن الله يرفع العذاب عن مقبرة تلك القرية أربعين صباحا، وقوله: إن الله يغفر للعالم أربعين ذنبا قبل أن يغفر للجاهل. فهذه الآثار ونحوها ليست بشيء عند أهل العلم بالحديث، ولا يحتج بها ويعول عليها من له أدنى تمييز وممارسة، وإنما يلتفت إليها ويحكيها أهل الجهالة والسفاهة من القصاصين والكذابين. وأما أهل العلم والدين فبمجرد النظر إليها والوقوف عليها يعرفون أنها من الأخبار الموضوعة المكذوبة التي لا تروج إلا على سفهاء الأحلام، وأشباه الأنعام. وقد ورد في فضل العلم والعلماء من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ما ينيف على مائة وخمسين دليلا كما قرره صاحب مفتاح دار السعادة، وقد مرصلى الله عليه وسلم في رهط من أصحابه، وهم سادات

ص: 431

العلماء والمتعلمين، على قبرين يعذبان فشق جريدة ووضعها عليهما وقال:"لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا" 1، ولم يقل: لمروري ومرور أصحابي عليهما يخفف عنهما كما زعمه هذا الجاهل. وكأي من قرية عذبت وأتاها أمر الله بغتة، وأنبياؤهم وعلماؤهم قبل ذلك يدعونهم، وهم ينظرون إلى وجوههم، ويخاطبونهم، ويسمعون كلامهم، فما أغنى عنهم ذلك إِذ لم يؤمنوا بآيات الله وأصابهم من العذاب ما أصابهم، وكان الأولى بهذا الرجل أن لا يخوض فيما لا يدريه، وأن يعطي القوس باريه. (شعر) :

لا يعرف الشوق إلا من يكابده

ولا الصبابة إلا من يعانيها

[أقوال الحفاظ في حديث أصحابي كالنجوم]

وأما قوله: إن في الحديث: "أصحابي كالنجوم 2 بأيهم اقتديتم اهتديتم"، فهذا الحديث لم يثبته الحفاظ من أهل العلم بل ذكروا أنه موضوع. قال ابن عبد البر إمام المغرب في وقته، وحامل لواء المالكية في زمانه: حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعد أن أبا عبد الله بن مفرج حدثه قال: حدثنا محمد بن أيوب المصموت قال: قال لنا البزار: وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أصحابي كالنجوم "، فهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن قيم الجوزية بعد أن ذكر طرق هذا الحديث: لا يثبت شيء منه، ثم قال ما معناه: إن الأخذ بعمومه يقتضي أن الاهتداء يحصل بالاقتداء بكل صحابي، ولو تخالفت أقوالهم، وتباينت آراؤهم، وأن الشخص مخير بين الأخذ بالقول وضده، فيخير في مسألة الجد والإخوة بين مذهب أبي بكر ومن خالفه، وفي مسألة جعل الطلاق الثلاث واحدة بين رأي عمر وغيره، وفي مسألة المتوفى عنها زوجها بين الاعتداد بالوضع

1 البخاري: الوضوء (216)، ومسلم: الطهارة (292)، والنسائي: الطهارة (31) والجنائز (2068)، وأبو داود: الطهارة (20) ، وأحمد (1/225)، والدارمي: الطهارة (739) .

2 وذكر بلفظ " أهل بيتي كالنجوم"

إلخوهو من نسخة نبيط الكذاب".

ص: 432

وتربص أقصى الأجلين، وفي مسألة استرقاق المرتدات بين مذهب أبي بكر وعمر، ويخير في بيع أمهات الأولاد بين مذهب من يقول بجوازه كعلي، ومن يقول بمنعه كعمر، ومن وافقه. وبالجملة فإطلاق هذا يوجب أن الاهتداء يحصل بأحد الضدين، ولا نعلم قائلا به من أهل العلم والإيمان، والحق واحد في نفسه لا يتعدد، وقد قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} 1، والخطاب عام لجميع الأمة الصحابة وغيرهم، وهي نص في أن الاهتداء لا يحصل مع النّزاع والاختلاف إلا بالرد إلى الله والرسول، لا بالاقتداء بأحد من الخلق كائنا من كان، وأما مع عدم النص المخالف، فالاقتداء بمن هدى الله من النبيين هو الواجب كما قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 2.

[فتنة المبتدعة بمشايخهم وعلمائهم]

وأما ثناء الصحاف على مشايخه الستة الذين سماهم، وادعى أنهم من أهل العلم والفضل، وقدمهم على من سواهم، فيقال له: هذه الدعوى وهذا الثناء هو بحسب ما عندك وما ظهر لك. ومن تجاوزت به الغفلة والجهالة إلى أن يجعل عباد الله الموحدين من أهل الضلالة الذين يكفرون أهل لا إله إلا الله، ويجعل عباد الأولياء والصالحين الذين يفزعون إليهم بالدعوة من دون رب العالمين هم أهل (لا إله إلا الله)، كيف يعرف العلم والإيمان؟ أو يرجع إليه في تحقيق هذا الشأن؟ شعر:

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

ما أنت بالحكم الترضى حكومته

وشهادة من لا يعرف العلم، أو النحو، أو الهندسة، أو الطب مثلا لشخص بأنه عالم، أو نحوي، أو مهندس، أو طبيب شهادة زور، وقول بلا علم، وفي المثل:

1 سورة النساء آية: 59.

2 سورة الأنعام آية: 90.

ص: 433

لا يعرف الفضل إلا ذووه، ولو عرف هذا الرجل الفضل وأهله والعلم ومحله، لأحجم عن هذا الهذيان. وقد نقل لنا عن بعض هؤلاء الستة الذين سماهم واختارهم ما يقتضي -إن صح- أن يحكم على صاحبه بأنه من المعطلة الضالين. ويقال أيضاً: هذه الدعوى قد ادعاها كل أحد لشيخه ومتبوعه: فادعتها الجهمية والقدرية والخوارج والمعتزلة والروافض والنصيرية ونحوهم من كل مبتدع ضال؛ فكل أحد يدعي أن شيخه وإمامه أولى بالعلم والإيمان من خصومه، والدعاوى المجردة لسنا منها في شيء. وقد قال تعالى:{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَاّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 1، فإسلام الوجه لله هو عبادته، والكفر بعبادة من سواه، وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله. وهذه الكلمة تتضمن العلم والعمل مع القول، فلا يكتفى ببعض ذلك بل لا بد من العلم والعمل والشهادة. وأما الإحسان فهو أن تعبد الله بما شرع، لا بالأهواء والبدع. وهذا هو حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله، فإنها تقتضي، وتتضمن وجوب متابعته، وتحريم معصيته، وأن السير إلى الله من طريقه ومحجته، وهذا هو حقيقة اتباع الرسول والشهادة له بالرسالة والدين، كل يدخل في هذه الجملة الشريفة، وبسط الكلام عليها يستدعي أسفاراً.

[أنواع التكفير للمسلمين وحكم كل منها]

والسؤال الذي أجاب عنه هذا الرجل في رسالتهِ، يلزم المفتي، ويجب عليه التفصيل في جوابه، ولا يجوز له إطلاق القول، لأن الحكم يختلف باختلاف الحال، وإطلاق القول بتكفير كل صالح من صلحاء الأمة من غير تعيين يدخل فيه كل موصوف بهذه الصفة من حين مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين. وما أظن هذا يقع من عاقل يتصور ما يقول مسلما كان أو كافراً، سنيا كان

1 سورة البقرة آية: 111.

ص: 434

أو بدعيا، لأن الكافر لا يرى الحكم والإسلام إذ هي أحكام شرعية لا يقول بها إلا أهل الشريعة، وأما المسلم فلا يتصور أن يكفر صلحاء أهل ملته ودينه، وكذلك السني والبدعي كل منهما يدعي موالاة صلحاء الأمة، ويرى أنهم هم أسلافه وأئمته، وكل طائفة تدعي موالاة الصلحاء والبراءة من الفساق ونحوهم. وأما إن كان قصد السائل من يكفر معينا من هذه الأمة، فعليه أن يعبر بغير هذه العبارة الموهمة، والمجيب عليه أن يستفصل لأن ترك الاستفصال فيه إيهام، ولا شك أن تكفير بعض صلحاء الأمة ممكن الوقوع، بل قد وقع من الخوارج وغيرهم من أهل البدع فيقال حينئذ: إن كان المكفر لبعض صلحاء الأمة متأولا مخطئا، وهو ممن يسوغ له التأويل، فهذا وأمثاله ممن رفع عنه الحرج والتأثيم لاجتهاده، وبذل وسعه كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة، فإن عمر رضي الله عنه وصفه بالنفاق، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"1. ومع ذلك فلم يعنف عمر على قوله لحاطب: إنه قد نافق، وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} 2، وقد ثبت أن الرب تبارك وتعالى قال بعد نزول هذه الآية وقراءة المؤمنين لها: قد فعلت. وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه، وقد رأى كفراً بواحا كالشرك بالله وعبادة ما سواه، والاستهزاء به تعالى، أو بآياته، أو رسله، أو تكذيبهم، أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق، أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك، فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور، مطيع لله ورسوله.

1 البخاري: الجهاد والسير (3007)، ومسلم: فضائل الصحابة (2494)، والترمذي: تفسير القرآن (3305)، وأبو داود: الجهاد (2650) ، وأحمد (1/79 ،1/105 ،1/131) .

2 سورة البقرة آية: 286.

ص: 435

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} 1، فمن لم يكن من أهل عبادة الله تعالى وإثبات صفات كماله ونعوت جلاله مؤمنا بما جاءت به رسله، مجتنبا لكل طاغوت يدعو إلى خلاف ما جاءت به الرسل، فهو ممن حقت عليه الضلالة، وليس ممن هدى الله للإيمان به، وبما جاءت به الرسل عنه. والتكفير بترك هذه الأصول وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام، وغالب ما في القرآن إنما هو في إثبات ربوبيته تعالى وصفات كماله، ونعوت جلاله، ووجوب عبادته وحده لا شريك له، وما أعد لأوليائه الذين أجابوا رسله في الدار الآخرة، وما أعد لأعدائه الذين كفروا به وبرسله، واتخذوا من دونه الآلهة والأرباب. وهذا بين بحمد الله. وقد يصدر التكفير لصلحاء الأمة من أعداء الله ورسوله أهل الإشراك به، والإلحاد في أسمائه، فهؤلاء يكفرون المؤمنين بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويعيبون أهل الإسلام، ويذمونهم على إخلاص الدين وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد يقاتلونهم على ذلك، ويستحلون دماءهم وأمولهم، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق} 2. فمن كفر المسلمين أهل التوحيد، أو فتنهم بالقتال، أو التعذيب فهو من شر أصناف الكفار، ومن الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار. وفي الحديث: "من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما"3. وأما من أطلق لسانه بالتكفير لمجرد عداوة

1 سورة النحل آية: 36.

2 سورة البروج آية: 10.

3 البخاري: الأدب (6104)، ومسلم: الإيمان (60)، والترمذي: الإيمان (2637) ، وأحمد (2/112)، ومالك: الجامع (1844) .

ص: 436

أو هوى أو لمخالفة في المذهب كما يقع لكثير من الجهال، فهذا من الخطأ البين. والتجاسر على التكفير أو التفسيق والتضليل لا يسوغ إلا لمن رأى كفرا بواحا عنده فيه من الله برهان، والمخالفة في المسائل الاجتهادية التي قد يخفى الحكم فيها على كثير من الناس لا تقتضي كفراً ولا فسقا، وقد يكون الحكم فيها قطعيا جليا عند بعض الناس، وعند آخرين يكون الحكم فيها مشتبها خفيا، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها. والواجب على كل أحد أن يتقي الله ما استطاع. وما يظهر لخواص الناس من الفهوم والعلوم لا يجب1 على من خفيت عليه عند العجز عن معرفتها، والتقليد ليس بواجب بل غايته أن يسوغ عند الحاجة. وقد قرر بعض مشايخ الإسلام أن الشرائع لا تلزم إلا بعد البلوغ وقيام الحجة؛ ولا يحل لأحد أن يكفر أو يفسق بمجرد المخالفة للرأي والمذهب. وبقي قسم خامس وهم الذين يكفرون بما دون الشرك من الذنوب كالسرقة والزنى وشرب الخمر، وهؤلاء هم الخوارج، وهم عند أهل السنة ضلال مبتدعة قاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الحديث قد صح بالأمر بقتالهم والترغيب فيه، وفيه أنهم "يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم". وقد غلط كثير من المشركين في هذه الأعصار، وظنوا أن من كفر من تلفظ بالشهادتين فهو من الخوارج وليس كذلك، بل التلفظ بالشهادتين لا يكون مانعا من التكفير إلا لمن عرف معناهما، وعمل بمقتضاهما، وأخلص العبادة لله ولم

1 قوله: لا يجب – يعني اتباعه والأخذ به – ولعله قد سقط من الناسخ أحد اللفظين أو ما هو بمعناهما. وقوله خفيت عليه إلخيعني العلوم والمفهوم التي ظهرت لغيره وهذه المسألة من حقائق العلم وكذا ما بعدها من حكم التقليد فينبغي أن تحفظ ولا تنسى.

ص: 437

يشرك به سواه، فهذا تنفعه الشهادتان. وأما من قالهما، ولم يحصل منه انقياد لمقتضاهما، بل أشرك بالله واتخذ الوسائط والشفعاء من دون الله، وطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، وقرب لهم القرابين، وفعل لهم ما يفعله أهل الجاهلية من المشركين، فهذا لا تنفعه الشهادتان، بل هو كاذب في شهادته كما قال تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 1، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله هو عبادة الله وترك عبادة ما سواه؛ فمن استكبر عن عبادته، ولم يعبده فليس ممن يشهد أن لا إله إلا الله؛ ومن عبده، وعبد معه غيره فليس هو ممن يشهد أن لا إله إلا الله.

[التكفير اجتهادا وتأولا والتكفير تقليدا وعصبية]

وأما قول السائل في سؤاله: ويعتقد أن أهل (القسم) كلهم كفار معطلون كاليهود والنصارى، ومن لم يكفرهم فهو كافر، وإذا لقيه أحد من المسلمين، وسلم عليه قال: عليكم

إلى آخر ما قال. فاعلم أن أهل (القسم) يخفى حالهم علينا، ولا ندري ما هم عليه من الدين، وفيما تقدم من التفصيل كفاية. فالمكفر لهم لا يخرج عن الأقسام المتقدمة، والصحاف قد خلط هنا، وأطال الهذيان، وزعم أن من كفرهم يكفر، ولا يصلى خلفه؛ وقد عرفت أن المسألة فيها تفصيل كما قدمناه، وبه يعرف حكم الصلاة خلفه، وأنها لا تصح خلف من أشرك بالله، أو جحد أسماءه وصفاته لكفره؛ وأهم شروط الصلاة والإمامة هو الإسلام معرفته والعمل به، ومن كفر المشركين ومقتهم، وأخلص دينه لله فلم يعبد سواه فهو أفضل الأئمة، وأحقهم بالإمامة لأن التكفير بالشرك والتعطيل هو أهم ما يجب من الكفر بالطاغوت.

1 سورة المنافقون آية: 1.

ص: 438

وأما من كفر من ليس من أهل الكفر لكنه متأول يسوغ تأويله، فهو أيضا من الأئمة المرضيين إذا تمت له شروط الإمامة، وخطؤه مغفور له بنص الحديث. وأما من يكفر لهوى، أو عصبية، أو لمخالفة في المذهب، أو لأنه يرى رأي الخوارج، فهو فاسق لا يصلى خلفه إذا أمكنت الصلاة مع غيره إلا إن كان ذا سلطان تخشى سطوته، فيصلى خلفه كما يصلى خلف أئمة الظلم والجور. إذا عرفت هذا، فاعلم أن الصحاف ذكر في جوابه ما لا يتعلق بالسؤال كمسبته وعيبه من يعيب مشايخه الذين ذكرهم، وترضى عنهم كابن كمال وعبد الله البصري وحسين الدوسري وغيرهم ممن ذكر، وحكمه على من عابهم أنه من الجهال المبتدعة أكلة الحرام الذين لا هم لهم في الدين، وأنهم ممن قال فيهم صاحب الزبد.

وعالم بعلمه لم يعملن

معذب من قبل عباد الوثن

وأن همهم في جمع الدرهم والدينار، يعملون في تحصليها أنواع الحيل بالليل والنهار، فهذا الكلام مجرد دعوى ومسبة ينزه العاقل نفسه عن مثلها، ويكفي في ردها منعها وتكذيبها. ويمكن خصم الصحاف أن يقابلها، ويعارضها بما هو محق فيه، كقوله: بل أنتم أهل الجهل بما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، لم تعرفوه بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، ولكنكم أخذتم العقيدة في ذلك عن أفراخ الفلاسفة واليونان، الذين هم من أعظم الخلق مناقضة لما نطق به القرآن، وما وصف به الرب نفسه في كتابه العزيز. وكذلك أنتم في باب معرفة حق الله وتوحيده من أضل الناس وأجهلهم، تجعلون عبادة غير الله

ص: 439

ودعاءه، والاستغاثة والاستعاذة به، والذبح والنذر (له) ، والحب مع الله 1، توسلا بالصالحين وتشفعا بهم.

وقد صرح بهذا أشياخ هذا الصحاف وأشياعه، وكتبوا به إلينا وإلى شيخنا -رحمه الله تعالى-، وعندهم أن الإنسان لا يكفر، ولا يكون مشركا إلا إذا اعتقد التأثير له من دون الله، ولم يفقهوا أن الله حكى عن المشركين في غير موضع من كتابه أنهم يعترفون له بأنه هو المختص بالإيجاد والتأثير والتدبير، وأن غيره لا يستقل بشيء من ذلك ولا يشاركه فيه، وحكى عن المشركين أنهم ما قصدوا بعبادة من سواه إلا القربان والشفاعة، كما ذكر ذلك في غير موضع من كتابه.

قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} 2، وقال: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ

1 يعني والحب الذي هو من جنس حب الله، والمؤمن لا يحب مع الله أحداً من جنس حبه أي التعظيم المبني على اعتقاد السلطان الغيبي، وهو المذكور في قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} ، ومعلوم أن الحب أنواع كحب الوالدين والأولاد والأقربين والأزواج والمعلمين والعلماء العاملين وأمراء العدل والصالحين والشجعان والمحسنين والحسان الوجوه. وكل نوع منها يخالف الآخر وأما حب الله تعالى فهو جنس آخر أعلى من جميع هذه الأنواع لأن مناطه منتهى الكمال المطلق والإحسان الأكمل، والعبودية الخالصة المبنية على الإيمان بالسلطان الغيبي الذي سخر الأسباب، وقيد تصرف خلقه بها. وهو الصمد الذي يقصد ويلجأ ويتوجه إليه وحده فيما يعجز عنه عباده المقيدون بالأسباب. فمن توجه إلى غيره في ذلك، ولجأ إليه، أو استغاثه، واستعانه، أو توكل عليه، أو جعل له تأثيراً معه، أو عنده في قضاء حاجاته من هذا الجنس، فقد عبده. ومن أحب غيره لرجائه فيه أو خوفه منه فيما وراء الأسباب العامة فقد اتخذه نداً وشريكاً له وكان حبه له من جنس حبه، وهو شرك لا يتفق مع دين الإسلام، وإن سماه أصحابه توسلا وتشفعا وأنكروا تسميته شركا.

2 سورة يونس آية: 31.

ص: 440

الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 1. ومثل هذا كثير في القرآن يخبر فيه تعالى أن المشركين يعترفون بأن الله هو المتفرد بالإيجاد والتأثير والتدبير. وقال تعالى في صفة شرك المشركين وبيان قصدهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 2، وقال:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 3، وقال:{فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} 4، فأبيتم علينا هذا كله، وقلتم: هذا دين الوهابية ونعم هو ديننا بحمد الله. ورضي الله عن الشافعي إذ يقول.

يا راكبا قف بالمحصب من منى

واهتف بقاعد خيفها والناهض

إن كان رفضاً حب آل محمد

فليشهد الثقلان أني رافضي

[ذكر الله وكيفيته والابتداع فيه]

فصل

قال الصحاف: وإنهم إذا سمعوا من يذكر الله جهرا بأنواع الأذكار، ويصلي على الرسول جهرا خصوصا على المنار، كما يفعله سائر أهل الأمصار، أنكروا ذلك ونفروا عنه وفروا. فيقال: أما ذكر الله جهرا بأنواع الأذكار، فلا نعلم أحداً من المسلمين -بحمد الله تعالى- ينكره أو ينفّر عنه، وإطلاق هذه العبارة من الكذب البين والبهت الظاهر الذي لا يمتري فيه من عرف حال من يشير إليهم هذا الرجل. وليس هذا بعجيب من جرأته وظلمه. وقد قال تعالى:{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 5.

1 سورة المؤمنون آية: 84.

2 سورة يونس آية: 18.

3 سورة الزمر آية: 3.

4 سورة الأحقاف آية: 28.

5 سورة النحل آية: 105.

ص: 441

نعم، قد أنكروا ما يفعله كثير من جهلة أهل الطرائق المبتدعة من الاجتماعات على السماع الشيطاني، وقيامهم بين يدي المنشد يميلون ويرقصون، وبعضهم يذكر الله بمجرد الاسم الظاهر أو المضمر ويزعم أن هذا هو ذكر الخواص أهل المعرفة والتحقيق؛ فهؤلاء مبتدعة ضلال، وما فعلوه ليس بذكر شرعي، بل هو دين مبتدع غير مرضي، قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 1، وقال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 2. وفي الحديث: "أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد-صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" 3. وكل عالم يعرف أن هذا السماع الشيطاني مبتدع لم يحدث إلا بعد القرون المفضلة، وقد أنكره عامة أئمة الإسلام، وأشدهم في ذلك أتباع الإمام مالك بن أنس الذي ينتسب هذا الرجل إلى مذهبه، وكفى به جهلا وضلالا أن يعيب ما عليه قدماء أئمته وفضلاؤهم، ونصوصهم موجودة بأيدينا في إنكار هذا السماع الشيطاني، وتضليل فاعله وتفسيقه. وقد صنف ابن قيم الجوزية في هذا الذكر المبتدع كتابا مستقلا قرر فيه مذاهب الأئمة في حكم هذا السماع، وأنه محرم لا يجوز. وإن كان قصد هذا المعترض خصوص رفع الصوت بالصلاة على الرسول-صلى الله عليه وسلم بعد الأذان كما يفعله أهل الأمصار، فقد صدق في حكاية إنكار هذا منهم والنهي عنه، وهم لا ينازعون في مشروعية الصلاة على الرسول-صلى الله عليه وسلم سرا وجهرا، بل يستحبونها ويوجبونها في الصلاة، ويرون أنها من جملة الأركان فيها، لكنهم يرون أن ما يفعله أهل الأمصار على المنائر بعد الأذان مبتدع محدث في القرن الخامس والسادس، وسبب

1 سورة الشورى آية: 21.

2 سورة الجاثية آية: 18.

3 مسلم: الجمعة (867)، والنسائي: صلاة العيدين (1578)، وابن ماجه: المقدمة (45) ، وأحمد (3/310 ،3/319 ،3/371)، والدارمي: المقدمة (206) .

ص: 442

إحداثه رؤيا رآها بعض ملوك مصر على ما ذكره بعض المؤرخين. وقد أنكره بعض الأئمة وقالوا: هو بدعة لم يفعله-صلى الله عليه وسلم مع التمكن من فعله، ولم يفعله أحد من أئمة الهدى بعده، ولا غيرهم من أهل القرون المفضلة؛ وقد أمرنا بالاتباع، ونهينا عن الابتداع. قال ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، ومن كان منكم مستنا فعليه بأصحاب محمد، أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا. قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، والقيام بدينه؛ فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم. أو كما قال وقد تقدم من الآيات والأحاديث ما يدل لقوله ويشهد له. وكتب قدماء أهل المذاهب الأربعة وجمهور متأخريهم ليس فيها استحباب هذا ولا الأمر به، بل فيها ما يدل على منعه؛ وأن الواجب هو ما شرعه الله ورسوله. قالوا: وأما الصلاة والسلام عليه سرا بعد الأذان، وسؤال الله له الوسيلة والفضيلة، فهذا مشروع قد ورد به الخبر، وصح به الأثر، وليس مع من خالفهم من الأدلة ما يجب المصير إليه. وإنما يعيب على من منع البدع واختار السنن أهل الجهالة والسفاهة:{وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} 1. ثم إن هذا المفتري الصحاف أطلق لسانه بالمسبة، وأطال في ذلك: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} 2 وقد قيل في المثل: وقال العلي أنا ذاهب إلى المغرب، فقالت الحماقة وأنا معك.

[الخلاف في الهبة والعقد على اليتيمة]

وقد ذكر في جوابه من الحشو والكلام الذي لا يقتضيه المقام ما يدل على قصوره وعجزه وعدم ممارسته لصناعة العلم، كما ذكر قضيته مع راشد بن عيسي في مسألة الهبة واختلافهما في لزومها، ومسألة العقد على

1 سورة إبراهيم آية: 3.

2 سورة الشعراء آية: 227.

ص: 443

اليتيمة فلقد أبدى بذلك ما خفي من جهله، ورب كلمة تقول دعني. وكلامهم في الهبة ولزومها كلام غير محقق، والناس مختلفون في الهبة ولزومها هل هو بالعقد فقط أو لا بد من القبض؟ وعن بعضهم ما يقتضي التفرقة بين المكيل والموزون وغيرهما. واختلف الناس أيضا هل تبطل بالموت قبل القبض أو لا. واختلف القائلون باشتراط القبض هل يشترط فيما وهبه لزوجته أو لا يشترط؟ وأدلة هذه الأقوال ومآخذها والرد على المخالف مبسوط في المطولات ولا غرض لنا في ذكره، وإنما قصدنا أن حكم هذا الصحاف على أحد الأقوال بالصحة مع قصوره عن معرفتها، ومعرفة أدلتها والتزامه التقليد.. حكم باطل لا يجوز، وما للأعمى ونقد الدراهم؟ وحكمه على الذي أفتى بخلاف قوله بأنه ضال عن سبيل الرشاد، حكم باطل أوجبه ما بينهما من التنافس والعناد، ومثل هذه المسائل الاجتهادية لا يجوز لأحد أن ينكر فيها على خصمه بمجرد التقليد وحكاية فروع المذهب، بل لا بد من الدليل على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح. ومن كلام شيخ الإسلام: من ترك الدليل، ضل السبيل.

[عدم جواز التقليد في الأحكام إلا بدليل]

وجميع ما ذكره إنما هو مجرد نقل لأقوال بعض المالكية كالشيخ خليل وعبد الباقي وابن عرفة وأمثالهم، وتقليد هؤلاء إنما يسوغ عند الضرورة، والمقلد لهم أو لغيرهم ليس من أهل العلم بالإجماع كما حكاه ابن عبد البر إمام المالكية عمن يحفظ قوله من أهل العلم، فكيف والحال هذه يحكم هذا الجاهل الذي ليس هو من أهل العلم عند أئمة مذهبه وغيرهم بصحة جوابه وفساد قول خصمه وضلاله؟ وهل يعلم هذا إلا بالنص من كلام الله أو كلام رسوله أو إجماع الأمة؟ فما للمقلد والحكم

ص: 444

بالصحة والصواب، وقد جهل نصوص السنة والكتاب؟ ومن تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور 1. وقوله: فلا شك أن الطاعن في أهل القسم من أهل النار بعيد عن الهدى، وأنه لا يفلح أبدا في الدنيا خاسر أي خاسر، وفي الآخرة إلى النار صائر، إلى آخر عبارته. فهذا الكلام لا يصدر من عاقل يعرف ما خرج من بين شفتيه نعوذ بالله من الجهل المردي، والهوى المعمي، وهذه المسبة والحكم على المخالف في هذه المسألة بالنار، مما تقشعر منه جلود الذين آمنوا وما أشبهها بأخلاق أهل المجون، وأصحاب الوقاحة والجنون، وكان ينبغي لنا أن نعد هذه الفتوى من جملة هذيان الضالين، وأن نكف القلم عن إجابة هذا النوع من المفترين، ولكن الضرورة اقتضت، فلا إله إلا الله، بما أشد غربة الدين، وما أقل العارفين له والمميزين، كيف يقر مثل هذا بين ظهراني من له عقل يميز به الخبيث من الطيب، ويفرق به بين الآجن والصيب. وأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم لم يكفروا من كفرهم من الخوارج الحرورية، وقد سئل علي رضي الله عنه فقيل له أكفارٌ هم؟ فقال من الكفر فروا. وفي الحديث:"أن رجلا فيمن قبلنا رأى من يعمل بالمعاصي فاستعظم ذلك وقال: والله لن يغفر الله لفلان فقال الله: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، أني قد غفرت له".

[الكفر المنافي لكلمة التوحيد]

وأما قوله: ومن تسمى بالإسلام، وأحب محمداً سيد الأنام، وأحب أصحابه الكرام، واتبع العلماء الأعلام، لا يكفر أحدا من سائر المسلمين، فضلا عن هداتهم في الدين، اللهم إلا أن يكون من الغلاة الذين أسقطوا حرمة (لا إله إلا الله) وسوَّل لهم الشيطان وأملى لهم حيث استباحوا دماء المسلمين

إلى آخر رسالته.

1 فيه تضمين "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" متفق عليه.

ص: 445

فيقال في جوابه: هذا الجاهل يظن أن من أشرك بالله واتخذ معه الأنداد والآلهة ودعاهم مع الله لتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، يحكم عليه والحال هذه بأنه من المسلمين، لأنه يتلفظ بالشهادتين، ومناقضتهما لا تضره، ولا توجب عنده كفره؛ فمن كفره فهو من الغلاة الذين أسقطوا حرمة (لا إله إلا الله) ؛ وهذا القول مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعا. انتهى1. ومجرد التلفظ من غير التزام لما دلت عليه كلمة الشهادة لا يجدي شيئا، والمنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار. نعم، إذا قالها المشرك ولم يتبين منه ما يخالفها فهو ممن يكف عنه بمجرد القول ويحكم بإسلامه، وأما إذا تبين منه وتكرر عدم التزام ما دلت عليه من الإيمان بالله وتوحيده والكفر بما يعبد من دونه، فهذا لا يحكم له بالإسلام ولا كرامة له؛ ونصوص

1 تنبيه: أن شيخ الإسلام أحمد تقي الدين بن تيمية كان أكبر وأعلم دعاة التوحيد والإصلاح الديني في القرون الوسطى بعد فشو الجهل وانتشار الشرك في العبادة، وهو قد بلغ درجة الاجتهاد المطلق، ولكن المقلدين انتقدوا عليه بعض المسائل والاختيارات ولكن لم ينتقد عليه أحد ما كتبه في هذه المسألة ولم ينازعه أحد في أنها إجماعية. وكان أعظم المجددين لدعوة التوحيد الخالص عقب موته تلميذه المحقق ابن القيم، وقد شرح ذلك في عدة من مصنفاته ولم ينتقد عليه أحد. ثم جاء الشيخ محمد عبد الوهاب المجدد في القرن الثاني عشر فاقتفى أثر الشيخين ولم يخرج عما قرراه في كتبهما في هذا الركن الأعظم للإسلام، وتلاه في ذلك أولاده وأحفاده ومن اهتدى بدعوته من علماء نجد. وإنما أنكر هذا الصحاف وغيره عليهم لأن غربة الإسلام والجهل به قد وصلا إلى أسفل الدركات، ولم يكونا كذلك في عهد الشيخين وما بعد عدة قرون. وكتبه محمد رشيد رضا.

ص: 446

الكتاب والسنة وإجماع الأمة يدل على هذا. فمن تسمى بالإسلام حقيقة وأحب محمداً واقتدى به في الطريقة، وأحب أصحابه الكرام ومن تبعهم من علماء الشريعة، يجزم ولا يتوقف بكفر من سوَّى بالله غيره ودعا معه سواه من الأنداد والآلهة؛ ولكن هذا الصحاف يغلط في مسمى الإسلام ولا يعرف حقيقته، وكلامه يحتمل أنه قصد الخوارج الذين يكفرون بما دون الشرك من الذنوب، وحينئذ يكون له وجه، ولكنه احتمال بعيد والظاهر الأول.

[كلمة التوحيد وحدها لا تعصم المسلم]

وقد ابتلي بهذه الشبهة وضل بها كثير من الناس، وظنوا أن مجرد التكلم بالشهادتين مانع من الكفر، وقد قال تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 1، فكفّره بدعاء غيره تعالى، وقال تعالى:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} 2، وقال تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَاّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَاّ فِي ضَلالٍ} 3 فالتكفير بدعاء غير الله هو نص كتاب الله. وفي الحديث: "من مات وهو يدعو لله نداً، دخل النار" 4، وفي الحديث أيضا أن رسول-صلى الله عليه وسلم قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم، إلا بحقها" 5، وفي رواية "إلا بحق الإسلام" 6 وأعظم حق الإسلام وأصله الأصيل هو: عبادة الله، وحده والكفر بما يعبد من دونه؛ وهذا هو الذي دلت عليه كلمة الإخلاص. فمن قالها وعبد غير الله أو استكبر عن عبادة الله فهو مكذب لنفسه شاهد عليها بالكفر والإشراك. وقد عقد كل طائفة من أتباع الأئمة في كتب الفقه بابا مستقلا في حكم

1 سورة المؤمنون آية: 117.

2 سورة يونس آية: 106.

3 سورة الرعد آية: 14.

4 البخاري: تفسير القرآن (4497)، ومسلم: الإيمان (92) ، وأحمد (1/374 ،1/402 ،1/407 ،1/443 ،1/462 ،1/464) .

5 الترمذي: تفسير القرآن (3341) ، وأحمد (3/295 ،3/300 ،3/332 ،3/394) .

6 البخاري: الإيمان (25)، ومسلم: الإيمان (22) .

ص: 447

المرتد، وذكروا أشياء كثيرة يكفر بها الإنسان ولو كان يشهد أن لا إله إلا الله. وقد قال تعالى في النفر الذين قالوا في غزوة تبوك بعض القول الذي فيه ذم لرسول الله-صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 1، فكفرهم بعد إيمانهم بالاستهزاء ولو كان على وجه المزح واللعب، ولم يمنع ذلك قولهم: لا إله إلا الله2. وكذلك إجماع الأمة على كفر من صدق مسيلمة الكذاب، ولو شهد أن لا إله إلا الله. وقد كفر الصحابة أهل مسجد بالكوفة بكلمة ذكرت عنهم في احتمال مسيلمة، ولم يلتفت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم إلى أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، لأنه قد وجد ما ينافيها ويناقضها:{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُور} 3. وبالجملة فالذي يقوم بحرمة لا إله إلا الله هم الذين جاهدوا الناس عليها، ودعوهم إلى التزامها علما وعملا كما هي طريقة رسل الله وأنبيائه ومن تبعهم بإحسان كشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وأما من أباح الشرك بالله وعبادة غيره وتولى المشركين وذب عنهم، وعادى الموحدين وتبرأ منهم، فهو الذي أسقط حرمة لا إله إلا الله ولم يعظمها ولا قام بحقها. ولو زعم أنه من أهلها القائمين بحرمتها.

[الشيخ يلتزم في التكفير الدليل والإجماع]

وأما ما ساقه هذا الصحاف من كلام شيخه (حسين الدوسري) ، فالخصم يعارضه ويمنعه، وما ذكره ليس بحمد الله تعالى من أوصاف أهل التوحيد،

1 سورة التوبة آية: 65.

2 أي ولا الصلاة والجهاد مع الرسول-صلى الله عليه وسلم.

3 سورة النور آية: 40.

ص: 448

ولكنه وصف أهل الشرك والتنديد، والذي أنكر الطاعة، وعصى ربه في كل ساعة، واتبع هوى نفسه الخداعة، وشذ عن السنة وفارق الجماعة، ووافق الشبهة وأهل الإضاعة، هو من كانت طريقته عبادة غير الله، والاستعانة بغير مولاه، وصرف الوجه لغير من خلقه وسواه، والتعبد بغير الذي شرعه الله، على لسان عبده الذي اصطفاه من أهل التعطيل والتضليل، والإلحاد والتمثيل، الذين اختلفوا في الكتاب، وخالفوا الكتاب، وضلوا عن الصواب. وأما قول الصحاف نقلا عن شيخه الدوسري: أما كفروا العلماء؟ أما سفكوا الدماء، أما استحلوا المحرمات؟ أما روعوا المسلمين والمسلمات؟ أما أسخطوا رب السماوات، أما رجفوا أهل الحرم، أما تجاسروا على حجرة من صلى الله عليه وسلم؟ فلا أفلح من ظلم. فالجواب عن هذا أن يقال: كل عاقل يعرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يعلم أنه من أعظم الناس إجلالا للعلم والعلماء، ومن أشد الناس نهيا عن تكفيرهم وتنقصهم وأذيتهم، بل هو ممن يدين بتوقيرهم وإكرامهم والذب عنهم، والأمر بسلوك سبيلهم، عملا بقوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 1 الآية، وبقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ} 2 الآية، وبقوله تعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} 3. فالإيمان والتقوى هما أصل العلم بالله وبدينه وشرعه، فكيف يظن بمسلم فضلا عن شيخ الإسلام أنه يكفر العلماء؟: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} 4. والشيخ رحمه الله لم يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وأجمعت الأمة على كفره، كمن اتخذ الآلهة والأنداد لرب العالمين، ولم يلتزم ما جاءت به الرسل

1 سورة التوبة آية: 71.

2 سورة الحشر آية: 10.

3 سورة يونس آية: 62.

4 سورة النور آية: 16.

ص: 449

من الإسلام والدين، أو جحد ما نطق به الكتاب المبين، من صفات الكمال، ونعوت الجلال، لرب العالمين. وكذلك من نصب نفسه لنصرة الشرك والمشركين، وزعم أنه توسل بالأنبياء والصالحين، وأنه مما يسوغ في الشرع والدين، فالشيخ وغيره من جميع المسلمين، يعلمون أن هذا من أعظم الكفر وأفحشه، ولكن هذا الجاهل يظن أن من زعم أنه يعرف شيئا من أحكام الفروع وتسمى بالعلم وانتسب إليه يصير بذلك من العلماء، ولو فعل ما فعل، ولم يدر هذا الجاهل أن الله كفر علماء أهل الكتاب والتوراة والإنجيل بأيديهم، وكفرهم رسوله لما أبوا أن يؤمنوا بما جاء به محمد-صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق. ولا ضير على الشيخ بمسبة هؤلاء الجهال وله أسوة بمن مضى من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل الإيمان والاهتداء. قال الشافعي رحمه الله: ما أرى الناس ابتلوا بسب أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم إلا ليزيدهم الله بذلك ثوابا عند انقطاع أعمالهم. وما أحسن ما قيل شعراً

قدمت لله ما قدمت من عمل

وما عليك بهم ذموك أو شكروا

عليك في البحث أن تبدي غوامضه

وما عليك إذا لم تفهم البقر

وقد اعترضت اليهود والنصارى على عبد الله ورسوله بالقتال وسفك الدماء وسبي الذرية وقالوا: إنما يفعل هذا الملوك المسلطون، وحكاياتهم في ذلك معروفة مشهورة عند أهل العلم، ويكفي في ذلك قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 1 الآية.

[رد شبهة الإرجاف في الحرم]

وأما قوله: أما رجفوا أهل الحرم؟ فلا يخفى أن الذي جرى في الحرمين من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو هدم القباب التي أسست على

1 سورة النساء آية: 51.

ص: 450

معصية الله ورسوله وصارت من أعظم وسائل الشرك وذرائعه، وكسروا آلات التنباك وسائر المسكرات، وألزموا الناس المحافظة على الصلوات في الجماعات، ونهوا عن لبس الحرير، وألزموهم بتعلم أصول الدين، والالتفات إلى ما في الكتاب والسنة من أدلة التوحيد وبراهينه، وقرروا الكتب المصنفة في عقائد السلف أهل السنة والجماعة في باب معرفة الله بصفات كماله، ونعوت جلاله، وقرروا إثبات ذلك من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل، وأنكروا على من قال بقول الجهمية في ذلك وبدعوه وفسقوه، فإن كان هذا إرجافا للحرم فحبذا هو! وما أحسن ما قيل:

وعيرني الواشون أني أحبها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وقد أمر الله تعالى من خاض في مثل هذا إن يتكلم بعلم وعدل كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} 1 الآية. وهذا الرجل كلامه جهل محض وجور ظاهر، وأصله الذي يرجع إليه هو الانتصار للنفس والهوى، لا لنصر الحق والهدى.

[الوهابيون والمال الذي أخذوه من الحجرة النبوية]

وأما التجاسر على حجرة رسول الله-صلى الله عليه وسلم فكأنه يشير به إلى المال الذي استخرجه الأمير سعود من الحجرة الشريفة وصرفه في أهل المدينة ومصالح الحرم، وهو رحمه الله لم يفعل هذا إلا بعد أن أفتاه علماء المدينة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، فاتفقت فتواهم على أنه يتعين ويجب على ولي الأمر إخراج المال الذي في الحجرة وصرفه في حاجة أهل المدينة وجيران الحرم، لأن المعلوم السلطاني قد منع في تلك السنة، واشتدت الحاجة والضرورة إلى استخراج هذا المال وإنفاقه، ولا حاجة لرسول الله-صلى الله عليه وسلم إلى إبقائه في حجرته وكنزه لديه، وقد حرم كنز الذهب والفضة

1 سورة النساء آية: 135.

ص: 451

وأمر بالإنفاق في سبيل الله، لا سيما إذا كان المكنوز مستحقا لفقراء المسلمين وذوي الحاجة منهم كالذي بأيدي الملوك والسلاطين؛ فلا شك أن استخراجها على هذا الوجه وصرفها في مصارفها الشرعية أحب إلى الله ورسوله من إبقائها واكتنازها. وأي فائدة في إبقائها عند رسول الله-صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة في أشد الحاجة والضرورة إليها؟ وتعظيم الرسول وتوقيره إنما هو في اتباع أمره، والتزام دينه وهديه، فإن كان عند من أنكر علينا دليل شرعي يقتضي تحريم صرفها في مصالح المسلمين فليذكره لنا. ولم يضع هذا المال أحد من علماء الدين الذين يرجع إليهم، وليس عند هؤلاء إلا اتباع عادة أسلافهم ومشايخهم. يعرف هذا من ناظرهم ومارسهم، ودعواهم عريضة وعجزهم ظاهر. وقد أطال هذا الصحاف فيما نقله عن شيخه حسين الدوسري وأكثر فيه من النصيحة، ولا بأس بالنصائح لمن أراد الحق وتوخاه، ونهى عما يسخطه الرب ولا يرضاه، ولم يلحد في أسمائه ولم يعبد سواه، فهذا هو الصادق في نصحه وقوله الذي أبداه، بخلاف من توهم الأمر على خلاف ما هو عليه، ولبس الحق بالباطل لديه، واعتقد أن المجاهد لإعلاء كلمة الله يشار بالذم إليه، فعمل مثل هذا:{سَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} 1. نسأل الله تعالى أن يمن علينا بالهداية إلى صراطه المستقيم، والفوز لديه بجنات النعيم.

1 سورة النور آية: 39.

ص: 452

أملاه الفقير إلى الله عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى وعفا عنه. وقع الفراغ من نسخه منها نهار الثلاثاء من ربيع الآخر وذلك في سنة 1338 بقلم الفقير إلى الله عز شأنه صالح بن سليمان بن سحمان، غفر الله له ولوالديه وللمسلمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً. آمين.

[ذيل لهذه المجموعة في فتويين للشيخ رحمه الله تعالى وجدتا في أثنائها]

[سؤال عن بيع عقار1 الميت لوفاء دينه]

قال السائل بعد رسوم الخطاب والسلام المشروع: ما قولكم في بيع عقار الميت لوفاء دينه إذا خيف عليه التلف؟ وهل للمسغبة تأثير في البيع وتركه؟ وهل يجوز للحاكم منع الغرماء عن استيفاء الدين حتى تزول المسغبة وتعود الرغبة أم لا؟ أفتونا مأجورين أثابكم الله الجنة. أجاب رحمه الله فقال: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته: بيع العقار إذا خيف عليه التلف خير وأولى من تلفه، والمسغبة لا تأثير لها في البيع وتركه. وعبارة بعضهم: إذا كسد العقار كساداً ينقصه عن مقاربة ثمن المثل ويضر بالمالك فلا يباع حتى تعود الرغبة، وعلى القول به محله إذا أمن التلف ولم يرج زوال الرغبة مع حياة المدين، وأما مع موته فلا حق للورثة إلا فيما أبقته الديون والوصايا، وليس للحاكم منعهم من استيفاء الدين والحالة هذه. والله أعلم. قاله كاتبه عبد اللطيف بن عبد الرحمن، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 453

[سؤال عن تركة ميت قسم ماله2 بين أولاده وأوصى لصغارهم]

سئل قدس الله روحه ونور ضريحه عن قسمة الوالد ماله بين ورثته قبل موته، هل هي قسمة شرعية أو لا؟ وكذلك ما أوصى به لأولاده الصغار القاصرين على سبيل التعديل بينهم وبين الراشدين، قال السائل:

بسم الله الرحمن الرحيم

ماقول علماء الإسلام، أدام الله نفعهم للأنام، في رجل مات وقبل موته حرر له وصية وعين له وصياً على ما خلف وعلى القاصرين من أولاده، وأوصى أن الذي يخص القاصرين من أولاده يبقى بيد فلان – رجل معين – على نظر الوصي. وسلم قبل مماته بعضاً من (أريل) بيد هذا الرجل المعين المذكور أعلاه. هذا والوكيل الذي هو الوصي ليس بحاضر، فلما حضر أخذ في جمع المال وقبض ما هنا لك من المال، ودفع بيد الرجل المذكور أعلاه شطراً من المقبوض، وكتب الوصي عليه ورقة قبض ما استلما من يده بنظره. وبعد ذلك اختلف الحال ووقع على الوصي جبر من الحاكم وأخذ المال من يده ومن عند غيره، ولم يبق من المال، يعني من بعد المدفوع لذلك الرجل المذكور أعلاه، إلا شيء يسير لم يعلمه الحاكم. والمال الذي بيد الإنسان المعين حيث إنه بعيد عنه لم يتمكن من أخذ المال منه لكونه بعيداً عنه، وليس من أهل حكومته. ثم بعد مضي بضع من السنين مات الحاكم المجبر، ورجع الوصي على وكالته الأصلية، ومراد الوصي الآن يعمل العمل الذي تخلص به ذمته ولم يكن على أحد من الورثة حيف ولا ضرر، ويخرج الثلث الموصى به فهل يجمع ما تحصل من المال الموروث قليلا كان أو كثيراً ويضيفه إلى المال الغائب عند الرجل المذكور أعلاه، وتقع المقاسمة حينئذ على الوجه

ص: 454

المشروع من إخراج الثلث وما بعده على جملة الورثة المكلف منهم والقاصر، قسمة مبتدأة كأن الميت مات الآن، بناء على أن التركة ما قسمت أبدا، ولأن الجبر الصادر من الحاكم قبل القسم؟ أو أن التالف من نصيب الراشدين والثلث؟ وإن كان عليهم ضرر ظاهر وحيف في القسمة، والسالم هناك من نصيب القاصرين كما أراد الوصي أو لا ظانا سلامة ماله كله، وأنه لا يقع حيف ولا جور، فهل له إفراز سهم القاصرين خاصة في حياته قبل مماته، ويعتبر ذلك بحيث لا مشاركة للورثة لهم وإن تلف المال قبل المقاسمة كما وقع أو لا؟ فأي الوجهين الموافق للحق ليعمل به الوصي وتبرأ ذمته؟ أفتونا مأجورين فإن الحاجة داعية إليه، والوصي متحير، وكل ذي حق من الورثة يطالب بحقه، لازلتم أهلا لكل فضيلة. فأجاب رحمه الله بما نصه: الحمد لله وحده. قسمة الوالد قبل موته ماله بين ورثته قسمة غير لازمة لوقوعها قبل انتقال المال واستحقاقهم له إرثاً، وقسمة الولي الشرعي وتعيينه ما بيد الرجل المودع للصغار القاصرين قبل تلف ما بيده قسمة شرعية تثبت بالإفراز والتعيين، فما تلف بعدها فهو مختص لمستحقه من القسمة الصادرة من الولي وتعيين حصة الصغار فقط قسمة شرعية، وإن تلف الباقي قبل قسمته بين الثلث والكبار الراشدين، والحيف والإضرار يعتبر حال القسمة ويرجع إلى العدل والتسوية. وأما بالنظر للتلف أو الكساد الحادث بعد القسمة فلا حيف ولا ضرر في الإفراز والقسمة والحالة هذه. أملاه الفقير إلى رحمة ربه عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن. (تمت المجموعة مع ذيلها ولله الحمد)

ص: 455