المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة الأربعون: [شبهات الجهمية ونفاة الصفات] - مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (الجزء الثالث)

[عبد اللطيف آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌الرسالة الأولى [الإنكار على من كفر المسلمين بغير ما أجمع عليه الفقهاء]

- ‌الرسالة الثانية: [التحرج عن رمي من ظاهره الإسلام بالكفر]

- ‌الرسالة الثالثة: [السفر إلى بلاد الأعداء من المشركين والكفار]

- ‌الرسالة الرابعة [حكم من يسافر إلى بلاد المشركين]

- ‌الرسالة الخامسة: [الهجرة والإقامة بين أظهر المشركين]

- ‌الرسالة السادسة: [شدة ظهور غربة الإسلام وأهله]

- ‌الرسالة السابعة: [خطر الفتنة ومضارها والسبيل لنجاة المسلم منها]

- ‌الرسالة الثامنة: [التذكير بآيات الله والحث على لزوم الجماعة]

- ‌الرسالة التاسعة: [تفنيد رسالة ابن عجلان وما فيها من المفاسد]

- ‌الرسالة العاشرة: [حكم الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام]

- ‌الرسالة الحادية عشرة: [الفتنة والشقاق بين آل سعود]

- ‌الرسالة الثانية عشرة: [الوصية بلزوم الكتاب والسنة والعمل بما فيهما]

- ‌الرسالة الثالثة عشرة: [دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب هي دعوة إلى التوحيد الخالص]

- ‌الرسالة الرابعة عشرة: [الهجرة من أركان الدين]

- ‌الرسالة الخامسة عشرة: [تفسير قوله تعالى ويعبدون من دون الله ما لايضرهم ولا ينفعهم]

- ‌الرسالة السادسة عشرة: [رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة]

- ‌الرسالة السابعة عشرة: [تفسير السبحات بالنور]

- ‌الرسالة الثامنة عشرة: [الإيمان بالاستواء وتأويله]

- ‌الرسالة التاسعة عشرة: [الطعن في كتاب الإحياء]

- ‌الرسالة العشرون: [السمت والتؤدة والاقتصاد في الأمور]

- ‌الرسالة الحادية والعشرون: [مؤاخذة أنصار الجاني وأقاربه بجريرة فعله]

- ‌الرسالة الثانية والعشرون: [إسكان النبي عليه السلام المهاجرات دور أزواجهن ميراثا]

- ‌الرسالة الثالثة والعشرون: [نصيحة الشيخ للأمير فيصل]

- ‌الرسالة الرابعة والعشرون: [رسالة الشيخ محمد بن عجلان ورد الشيخ حمد عليها]

- ‌الرسالة الخامسة والعشرون: [حال فتنة الأمراء بنجد وأحوالها ومآلها]

- ‌الرسالة السادسة والعشرون: [الفتن الحاصلة بسبب الإمارة]

- ‌الرسالة السابعة والعشرون: [مداهنة المشركين والسفر إلى بلادهم وعقاب فاعله]

- ‌الرسالة الثامنة والعشرون: [تكفير الترك للنجديين والتقاتل بينهم]

- ‌الرسالة التاسعة والعشرون: [شروط السفر إلى بلد الشرك وحكم الهجرة]

- ‌الرسالة الثلاثون: [الحاجة إلى العلم في حال الفتن]

- ‌الرسالة الحادية والثلاثون: [التمسك بالميراث النبوي والحث على مذاكرة العلم]

- ‌الرسالة الثانية والثلاثون: [الغلظة على الكفار ومتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها]

- ‌الرسالة الثالثة والثلاثون: [مشروعية بر الكافر غير المحارب والقسط إليه]

- ‌الرسالة الرابعة والثلاثون: [الأمر بالاعتصام والنهي عن التفرق والاختلاف]

- ‌الرسالة الخامسة والثلاثون: [تفسير قوله عزوجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} ]

- ‌الرسالة السادسة والثلاثون: [بيع دَيْن السَّلَم قبل قبضه]

- ‌الرسالة السابعة والثلاثون: [الرهن وشروطه]

- ‌الرسالة الثامنة والثلاثون: [رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول]

- ‌الرسالة التاسعة والثلاثون: [تكفير من أنكر الاستواء على العرش]

- ‌الرسالة الأربعون: [شبهات الجهمية ونفاة الصفات]

- ‌الرسالة الحادية والأربعون: [ما جرى من مفاسد العساكر التركية]

- ‌الرسالة الثانية والأربعون: [حكم نهب الأعراب]

- ‌الرسالة الثالثة والأربعون: [بيان مضار الفتنة ومفاسد العسكر]

- ‌الرسالة الرابعة والأربعون: [الظهار وتعليقه بالمشيئة]

- ‌الرسالة الخامسة والأربعون: [التحريض على لزوم الجماعة]

- ‌الرسالة السادسة والأربعون: [بيان خطبة الشيخ عبد اللطيف في الفتنة بين سعود وأخيه]

- ‌الرسالة السابعة والأربعون: [الحث على الجهاد]

- ‌الرسالة الثامنة والأربعون: [الحث على الدعوة إلى الله ونشر العلم بين الناس]

- ‌الرسالة التاسعة والأربعون: [غربة الدين وقلة الأنصار]

- ‌الرسالة الخمسون: [جواب عن سؤال في حديث جابر بن عبد الله والدين الذي كان عليه لليهودي]

- ‌الرسالة الحادية والخمسون: [استعمال الماضي موضع المضارع]

- ‌الرسالة الثانية والخمسون: إخلاص العبادة لله

- ‌الرسالة الثالثة والخمسون: [إلى علماء الحرمين الشريفين]

- ‌الرسالة الرابعة والخمسون: [نصر مذهب السلف على علم الكلام]

- ‌الرسالة الخامسة والخمسون: [نصر الدين والسنة من أفضل شعب الإيمان]

- ‌الرسالة السادسة والخمسون: [الحث على التقوى]

- ‌الرسالة السابعة والخمسون: تحريم تعدد الجمعة في القرية الواحدة

- ‌الرسالة الثامنة والخمسون: [حكم الجهمية والصلاة خلفهم]

- ‌الرسالة التاسعة والخمسون: [فشو الشرك والتعطيل]

- ‌الرسالة الستون: [ذبائح المشركين وطعامهم]

- ‌الرسالة الحادية والستون: [الفتن والامتحانات التي وقعت بين آل سعود وحكمة الله فيها]

- ‌الرسالة الثانية والستون: [الإيمان بالأسماء الحسنى بلا تكييف ولا تعطيل]

- ‌الرسالة الثالثة والستون: [دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى تجديد الدين]

- ‌الرسالة الرابعة والستون: [تفسير قوله تعالى: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} ]

- ‌الرسالة الخامسة والستون: [رد مطاعن على الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة السادسة والستون: [رد على الشيخ عثمان بن منصور]

- ‌الرسالة السابعة والستون: [رسالة إلى أهل الحوطة بالاعتصام بالتوحيد الخالص]

- ‌الرسالة الثامنة والستون: [النصيحة إلى كافة المسلمين]

- ‌الرسالة التاسعة والستون: [ما يجب الإيمان به من صفات الله]

- ‌الرسالة السبعون: [فضل الدعوة إلى الله]

- ‌الرسالة الحادية والسبعون: [حال الأمة الإسلامية قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة الثانية والسبعون: [وصف رسالة من رسائل الشيخ ومدحه هو وآله]

- ‌الرسالة الثالثة والسبعون: [شبهات في تحريم القهوة]

- ‌الرسالة الرابعة والسبعون: [نفي كون ما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب مذهبا خامس] ا

- ‌الرسالة الخامسة والسبعون: [تقديم لترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة السادسة والسبعون: [الرد على عبد اللطيف الصحاف1]

الفصل: ‌الرسالة الأربعون: [شبهات الجهمية ونفاة الصفات]

‌الرسالة الأربعون: [شبهات الجهمية ونفاة الصفات]

وله أيضا -قدس الله روحه، ونور ضريحه- رسالة إلى محمد بن عون، رجل من أهل عمان، قد ألقيت إليه شبهات وضلالات، من أضاليل الجهمية النفاة، فبعث بها إلى الشيخ الإمام، وقدوة العلماء الأعلام، الشيخ: عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن. فأجاب عليها بأدل دليل وأوضح برهان. وقد سأل هذا الجهمي عن هذه الأسئلة، فمنها قوله: هل لكلمة التوحيد -وهي لا إله إلا الله- شروط وأركان وآداب؟ فإن قلت: نعم، فما هي؟. ومنها قوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1 ما معناه: استواؤه مختص بالعرش أو به وبغيره، لأنه -تعالى- ما نفى استواءه من غيره، فإذا زعمت أن استواءه مختص بالعرش، فمن أي شيء علم ذلك؟ وهل أتى -سبحانه- بحروف الحصر، وحروف الاختصاص؟ وهل تعرف حروف الاختصاص، وحروف الحصر أم لا؟ وما هي؟ فإذا قلت -مثلا-: زيد استوى على الدار. فهل علم منه أنه لا يستوي على غيره؟ والعاقل يعلم ذلك بأدنى تأمل. ومنها قوله: وإذا أقررت بأن لله مكانا معينا، فما معنى قوله -تعالى-:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 2، وقال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 3، وقال:{إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} 4، وقال صلى الله عليه وسلم" حيث ما كنتم فإنه معكم ". فإذا قلت: هذه الآيات مؤولة، وأقررت بالتأويل، فالآية الأولى أولى به لأنها بلا تأويل تخالف الإجماع، وتعارض الآيات والأحاديث. أما الآيات الأخيرة، فقد قيل في الآية الأولى: إنها ليست من المتشابهات لأن الاستواء معلوم، والكيف مجهول، وما نفي الاستواء عن غير العرش، هذا كلامه بحروفه، نقله الشيخ على ما فيه من التحريف واللحن، ليعتبر الناظر، ويعرف المؤمن المثبت حال هؤلاء الجهال الضلال الحيارى. وقد أجاب عليها رحمه الله إفادة لمحمد بن عون إذ كان من أهل التوحيد والإثبات، وممن جاهد الجهمية في تلك الجهات، وإلا فليس هذا الجهمي الكافر كفؤا للجواب لأنه من العجم الطغام، بل هو أضل من سائمة الأنعام، إذ لا فكرة ثاقبة، ولا روية كاسبة، ولا طريقة صائبة، يتشبع بما لم يعط من العلم، ويتزيى بزي أهل الذكاء والفهم، وليس له في ذلك ملكة

1 سورة طه آية: 5.

2 سورة البقرة آية: 115.

3 سورة ق آية: 16.

4 سورة سبأ آية: 50.

ص: 238

ولا روية، ولا معرفة له بالعلوم ولا درية، لا يعرف من الإسلام أصلا ولا فرعا، بل هو ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وقد موّه هذا الجهمي الكافر بهذه السفسطة والجعجعة،، وهرقع بهذه المخرقة والقعقعة، وظن أن ليس في حمى التوحيد من أهله ضيارم، ولا لتلك الشبه المتهافتة من عالم مصارم. كلا والله، إن الليث مفترش على براثنه، لحماية حمى التوحيد وقاطنه، فلا يأتي صاحب بدعة ليقلع من التوحيد الأواسي، ويهدم منه الرعان الشامخات الرواسي، إلا ودفع في صدره بالدلائل القاطعة، والبراهين المنيرة الساطعة. فرحمه الله من إمام جِهبذ ألمعي، ومقول بارع لوذعي، أحكم وأبرم من الشريعة المطهرة أمراسها، وأوقد منها للورى نبراسها، وسقى عللا بعد نهل غراسها، فأورقت وبسقت أشجارها، وأينعت -بحمد الله- ثمارها، فجنى من ثمارها كل طالب مسترشد، وورد من معينها الصافي كل موحد.

إمام هدى فاضت ينابيع علمه

فأم الأوام الواردون معينها

فبلّوا الصدي من صفوها وتضلعوا

وضعضع من تيارهن مهينها

كهذا الذي أبدى معرة جهله

وكان يرى أن قد أجاد رصينها

فضعضعها بالرد والهد جِهبذ

وأبدى عوارا قد رأى أن يزينها

وما هو إلا كالسراب بقيعة

يلوح لظمآن فلاقى منونها

فإن كنت مشتاقا إلى كشف زهوها

فإن الإمام الشيخ أبدى كمينها

وجلّى ظلام الجهل بالعلم مدحضا

ضلالات كفر غثها وسمينها

وأطلع شمس الحق للخلق جهرة

وشاد لعمري للبرية دينها

وقد سمعت أنوار برهان علمه

وقد بلغت غرب البلاد رصينها

وردّ على من ردّ سنة أحمد

ورام سفاها بالهوى أن يشينها

ومن ندّ من أتباع جهم ونحوهم

وقد رام جهلا أن يهد مكينها

بنفي استواء الرب جل جلاله

على عرشه إذ رام أن يستهينها

وقد أوضحت بل صرحت بعلوه

وقرر أعلام الهدى مستبينها

وفي سبع آيات ثبوت استوائه

على العرش فاقرأ يا مهين رصينها

ص: 239

وهذا جواب إحدى الورقتين التي أرسلها محمد بن عون، وقد تقدم جواب الورقة الثانية فيما سبق، ولم أجدها تامة، لكن لمسيس الحاجة إليها أثبتناها.

[إنكار الجهمية لصفات الله وعلوه وزعمهم أنه في كل مكان]

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الأخ المكرم: محمد بن عون، سلمه الله تعالى وأعانه، وبالعلم كمله وزانه. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فنحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو على نعمه، جعلنا الله وإياكم من عباده الشاكرين. وسبق إليكم مكاتبات قبل هذا، وقد بلغني ما منَّ الله به عليك من جهادك أهل البدع والإغلاظ، في الإنكار على الجهمية المعطلة ومن والاهم، وهذا من أجلّ النعم وأشرف العطايا، وهو من أوجب الواجبات الدينية. فإن الجهاد بالعلم والحجة مقدم على الجهاد باليد والقتال، وهو من أظهر شعائر السنة وآكدها، وإنما يختص به في كل عصر ومصر أهل السنة، وعسكر القرآن، وأكابر أهل الدين والإيمان، فعليك بالجد والاجتهاد، واعتد به من أفضل الزاد للمعاد، قال -تعالى-:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} 1.هذا وقد ألقي إلي ورقة، جاءت من نحوكم، سودها بعض الجهمية المعطلة، مشتملة على إنكار علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه، كما هو رأي جهم وأشياعه، محتجا صاحبها بشبهات كسراب بقيعة، من نظر إليها من أهل العلم والمعرفة تيقن أنه من الأدلة على أن قائله قد عدم

1 سورة غافر آية: 51.

ص: 240

العلم والإيمان والحقيقة، وأنه أضل ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وقد أبداه قائله ليتشبع بما لم يعط من العلم، ويتزيا بغير زيه، فكشف الله سوءته، وأبدى خزيه، وصار كلامه دليلا على جهله وعماه، وضلاله عن سبيل رشده وهداه.

[شروط وأركان وآداب كلمة الإخلاص]

فأول ما رسم في هذه الورقة -المشار إليها- قوله -وفقك الله لأقوم طريق-: هل لكلمة التوحيد -وهي لا إله إلا الله- شروط وأركان وآداب؟ فإن قلت: نعم، فما هي؟ هذا لفظه، وقد عرفت أن هذا الرجل ليس من أهل هذا الفن، ولا يدري ما هنالك، والتوحيد عند هذه الفرقة الجهمية حقيقة تعطيل الأسماء والصفات، لأن عندهم تعدد الصفات يقتضي تعدد الموصوف، والوحدة عندهم والتوحيد ينافي ذلك؛ فيثبتون ذاتا مجردة، وحقيقة مطلقة غير موصوفة بصفة ثبوتية، ويفسرون الواحد بأنه الذي لا يقبل الانقسام. هذا كلام شيوخه وأسلافه من الجهمية الضالين الذين ينكرون العلو والاستواء، ويزعمون أنه بذاته مستو في كل مكان، فما نزّهوه عن شيء من الأماكن القذرة، التي ينزه عنها آحاد خلقه، فما أجرأهم! وما أكفرهم! وما أضلهم عن سواء السبيل!. ومنكر الاستواء هذا توحيده، وهذا رأيه، وأما التوحيد الذي اشتملت عليه كلمة الإخلاص، فهو أجنبي عنه لا يدريه، وكيف يدري ذلك من أنكر أظهر الصفات التي بنيت عليها كلمة الإخلاص، واستحق بها الرب ما له من صفات الإلهية والربوبية والكمال المطلق؟! فما للجهمية وهذا؟ وهم إنما يعبدون عدما؟ وإنما يبحث عن هذا ويدريه من يعبد إلها واحدا فردا صمدا. وشروط كلمة الإخلاص يعرفها بحمد الله صغار الطلبة من المسلمين

ص: 241

أهل الإثبات، ويتبين ذلك بتعريف الشرط: وهو أنه ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود لذاته. وإذا عرف هذا، فالعقل يلزم من عدمه العدم، والتمييز يلزم من عدمه العدم، والعلم يلزم من عدمه العدم، هذه شروط الصحة. وأما شروط القبول: فالالتزام والإيثار والرضى. وإذا اجتمعت هذه الشروط حصل القول المنجي، والشهادة النافعة، ومصدر هذه الشروط عن علم القلب وعمله، وهناك يصدر التلفظ بها عن يقين وصدق. والجهمية لم يتصفوا بشرط من هذه الشروط، وقد صرح أهل السنة بذلك، وحاجة معطلة الصفات إلى معرفة التوحيد في العبادات كحاجة من عدم الرأس من الحيوانات إلى الرسن. قال أبو الطيب:

فقر الجهول بلا علم إلى أدب

فقر الحمار بلا رأس إلى رسن

ولها أيضا شروط منها: معرفة الإله الحق بصفات كماله، ونعوت جلاله، التي علوه وارتفاعه واستواؤه على عرشه من أظهرها وأوجبها، وكذلك معرفة أمره ونهيه ودينه الذي شرعه، والوقوف مع أمر رسوله وحدوده، ومنها كون الطبيعة لينة منقادة سلسلة قابلة. وهذه الشروط معدومة في السائل، قد اتصف بضدها، معبوده مسلوب الصفات، لا وجود له في الحقيقة، وأمره ونهيه منبوذ عند هذه الطائفة، لا يهتدون بكتابه، ولا يأتمرون بأمره، والمعول عندهم على شبهات منطقية، وخيالات كلامية، يسمونها قواطع عقلية، ومقدمات يقينية، ونصوص الكتاب والسنة عندهم ظواهر لفظية، وأدلة ظنية. وأما طبائعهم فأقسى الخلق وأعتاهم وأعظمهم ردا على الرسل، واعتمادا على أقوال الصابئة والفلاسفة، وأمثالهم من شيوخ القوم، الذين لم يلتفتوا إلى ما جاءت به الرسل، ولم يرفعوا به رأسا فضلا عن معرفته

ص: 242

وقبوله، فما لهذا السائل وآداب كلمة الإخلاص؟ وأما الأركان، فركناها: النفي والإثبات؛ نفي استحقاق الإلهية عما سوى الله، وإثباتها لله وحده على وجه الكمال. وأما الآداب: فالدين كله يدخل في مدلولها وآدابها، وأرفع مراتب الآداب وأعلاها مرتبة: الإحسان وهي أعلى مقامات الدين، وبسطها يعلم من معرفة شُعَب الإيمان وواجباته ومستحباته، وعندهم أن الإيمان مجرد التصديق، فلا يشترط عمل القلب وعمل الأركان في حصول الحقيقة المميزة بين المسلم والكافر. هذا رأي الجهمية الجبرية، فالأعمال ليست من مسماه، والتصديق والإخلاص ليسا من أركانه، وهذا يعرفه صغار الطلبة، فكيف يترشح هذا الجهمي لما ليس من فنه ولا من علمه؟ وفي المثل:"ليس هذا عشك فادرجى". والمقصود إفادة مثلك، وأما السائل فليس كفوا للرشاد للهدى.

[اختصاص الاستواء بالعرش]

ثم قال الجهمي في ورقته: قوله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1 ما معناه؟ استواؤه مختص بالعرش أو به وبغيره؟ لأنه -تعالى- ما نفى استواءه عن غيره، فإذا زعمت أن استواءه مختص بالعرش، فمن أي شيء علم ذلك؟ وهل أتى -سبحانه- بحرف الحصر، وحروف الاختصاص؟ وهل تعرف حروف الاختصاص، وحروف الحصر أم لا؟ وما هي؟ فإذا قلت -مثلا-: زيد استوى على الدار. فهل علم منه أنه لا يستوي على غيره؟ والعاقل يعلم ذلك بأدنى تأمل. اه. وجوابه أن يقال: قد ثبت من غير طريق، عن مالك بن أنس –رحمه الله وعن شيخه ربيعة بن عبد الرحمن، بل ويروى عن أم سلمة –أم المؤمنين رضي الله عنها أنهم قالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. وفي

1 سورة طه آية: 5.

ص: 243

بعض طرقه: والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة. وزاد مالك فقال للسائل: وما أراك إلا رجل سوء. وأمر به فأُخرج. وعلى هذا درج أهل السنة، من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا، ولم يخالف في ذلك إلا الطائفة الضالة الملعونة الجهمية وأشياخهم من غلاة الاتحادية والحلولية، وأما أهل السنة فعرفوا المراد وعقلوه، ومنعتهم الخشية والهيبة والإجلال والتعظيم من الخوض والمراء والجدال، والكلام الذي لم يؤثر ولم ينقل. وقد عرفوا المراد من الاستواء، وصرح به أكابر المفسرين، وأهل اللغة، فثبت عنهم تفسيره بالعلو والارتفاع، وبعض أكابرهم صرح بأنه صعد، ولكنهم أحجموا عن مجادلة السفهاء –الجهمية- تعظيما لله، وتنزيها لرب البرية، وإذا أخبر -جل ذكره- أنه استوى على العرش وعلا وارتفع، وكل المخلوقات وسائر الكائنات تحت عرشه، وهو بذاته فوق ذلك، وفي الحديث:"أنت الظاهر فليس فوقك شيء"1. فإذا عرف هذا، عرف معنى اختصاص العرش بالاستواء، وأن هذه الصفة مختصة بالعرش، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي قال له: إنا نستشفع بك على الله، وبالله عليك، قال: "الله أكبر، الله أكبر! إن شأن الله أعظم من ذلك، ويحك! أتدري ما الله؟ الله على عرشه –وأشار بيده كالقبة– وأنه ليئط به أطيط الرحل الجديد براكبه؟ " 2.وهذا الحديث لا يستطيع سماعه الجهمي، ولا يؤمن به إلا أهل السنة والجماعة، الذين عرفوا الله بصفات كماله، وعرفوا عظمته، وأنه لا يليق به غير ما وصف به نفسه، من استوائه على عرشه، ونزهوه أن يستوي على ما لا يليق بكماله، وقدسه من سائر مخلوقاته.

[وصف الله بما وصف به نفسه]

ومن أصول أهل السنة والجماعة: أنه –سبحانه- لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، ولم يصف نفسه بأنه استوى على شيء غير العرش؛ وكذلك رسله وأنبياؤه وورثتهم، لم يصفوه إلا بما وصف به

1 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2713)، والترمذي: الدعوات (3400 ،3481)، وأبو داود: الأدب (5051)، وابن ماجه: الدعاء (3831) ، وأحمد (2/381 ،2/404 ،2/536) .

2 أبو داود: السنة (4726) .

ص: 244

نفسه، فإنكار هذا الجهمي اختصاص الاستواء بالعرش، تكذيب لما جاءت به الرسل، ورد لما فطر الله عليه بني آدم، من التوجه إلى جهة العلو، وطلب معبودهم وإلههم فوق سائر الكائنات.:{فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 1. وتخصيص العرش بالاستواء نص لا2 لم يستو على غيره. والسائل أعجمي، لا خبرة له بموضوع الكلام ودلالاته. قال الحسن في مثل هؤلاء: دهمتهم العجمة. ونفي الاستواء عن غير العرش معلوم من السياق، مع دلالة النص والإجماع والفطرة، كذلك دلالة الأسماء الحسنى، كالعلي والأعلى والظاهر، ونحو ذلك، ولفظ العلو والارتفاع والصعود يشعر بذلك، ويستحيل أن يستوي على شيء مما دون العرش، لوجوب العلو المطلق والفوقية المطلقة. (وأما قوله) : وهل أتى –سبحانه- بحرف الحصر والاختصاص؟ فدلالة الكلام على الحصر والاختصاص تارة تكون بالحروف، وتارة تكون بالتقديم والتأخير، وتارة تكون من السياق، وتارة تكون بالاقتصار على المذكور في الحكم، ولا يختص الاختصاص بالحروف قال –تعالى-:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 3، وهذا الضمير الظاهر ليس من حروف الحصر، وإنما عرف واستفيد من التقديم والتأخير، وتارة يستفاد من الحروف، كقوله:"إنما الأعمال بالنيات" 5 وكقوله: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 6 وتارة من الاستثناء بإلا بعد النفي كقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 7،: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ

1 سورة المؤمنون آية: 41.

2 والظاهر أن الأصل: في أنه إلخ.

3 سورة الفاتحة آية: 5.

4 أي من تقديم المفعول وهو "إياك" وتأخير عامله وهو "نعبد" و"نستعين".

5 البخاري: بدء الوحي (1)، ومسلم: الإمارة (1907)، والترمذي: فضائل الجهاد (1647)، والنسائي: الطهارة (75) والطلاق (3437) والأيمان والنذور (3794)، وأبو داود: الطلاق (2201)، وابن ماجه: الزهد (4227) ، وأحمد (1/25 ،1/43) .

6 سورة الكهف آية: 110.

7 سورة الأنبياء آية: 107.

ص: 245

خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} 1،ونحو ذلك. والسائل حصرها يظنها منحصرة في الحروف، وهذا من جهله، ثم يسأل هنا عن أقسام الحصر، كم هي؟ وما الفرق بين حصر الأفراد وحصر القلب؟ والحصر الادعائي ومقابله، ويسأل هل دلالة الحصر نصية أو ظاهرية؟ وهل هي لفظية أو عقلية؟ وما أظنه يحسن شيئا من ذلك، وإذا أخبر -تعالى- أنه استوى على العرش فلا يقال: يجوز أنه استوى على غيره، لوجوه منها: أنه لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، والتجاسر على مقام الربوبية بوصفه بما لم يصف به نفسه وزيادة نعت لم يعرف عنه، ولا عن رسله، قول على الله بغير علم، وهو فوق الشرك في عظم الذنب والإثم2؛ وأكذب الخلق من كذب على الله. قال الله:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} 3 إلى قوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 4. (الوجه الثاني) : أن الله –سبحانه- يستحق من الصفات أعلاها وأجلها وأشرفها، والعرش أعظم المخلوقات، وهو سقفها الأعلى، وقد وصفه الله -تعالى- بالعظم، فقال: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 5، وقال: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} 6، ووصفه بالسعة فقال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 7. فكيف يوصف بالاستواء على ما دونه، وقد تمدح وأثنى على نفسه باستوائه عليه، ووصفه بما لم يصف به غيره من مخلوقاته. (الوجه الثالث) : أن تمثيله بقول القائل: زيد استوى على الدار، وأن ذلك لا يعلم منه أنه لا يستوي على غيرها، فهذا جهل عظيم؛ والكلام يختلف

1 سورة آل عمران آية: 144.

2 يعني أن هذا النوع من الكفر أعظم إثما من كفر الشرك، واستشهد عليه بالآية التي ذكرت أصول المحرمات بطريقة الترقي من الأدنى إلى ما فوقه تحريما وكفرا، وعال المحقق ابن القيم ذلك بأن الشرك كفر قاصر إثمه على صاحبه. والقول على الله بغير علم كفر متعد يضل به خلق كثير.

3 سورة الأعراف آية: 33.

4 سورة الأعراف آية: 33.

5 سورة التوبة آية: 129.

6 سورة البروج آية: 15.

7 سورة البقرة آية: 255.

ص: 246

باختلاف حال الموصوف، وما يليق له من الصفات، وأصل ضلال هذه الطائفة أنهم فهموا من صفات الله الواردة في الكتاب والسنة ما يليق بالمخلوق ويختص به، فلذلك أخذوا في الإلحاد والتعطيل، شبهوا أولا وعطلوا ثانيا.

(الوجه الرابع:) أن هذا التمثيل الذي أبداه السائل قد نص القرآن على إبطاله، قال -تعالى-:{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1؛ وأصل الشرك: تشبيه المخلوق بالخالق.

[السؤال عن مكان الله تعالى]

(فصل) : قال الجهمي في ورقته: وإذا قررت لله مكانا معينا فما معنى قوله -تعالى-: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 2، وقال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 3، وقال:{قَرِيبٍ} إنه وقال صلى الله عليه وسلم: " حيثما كنتم فإنه معكم ". فإذا قلت: هذه الآيات مؤولة، وأقررت بالتأويل، فالآية الأولى أولى به، لأنها بلا تأويل تخالف الإجماع، وتعارض الآيات والأحاديث، أما الآيات الأخيرة فقد قيل في الأولى: إنها من المتشابهات لأن الاستواء معلوم، والكيف مجهول، وما نفي الاستواء عن غير العرش. هذا كلامه بحروفه نقلناه على ما فيه من التحريف واللحن، ليعتبر الناظر، ويعرف المؤمن المثبت حال هؤلاء الجهال الضلال الحيارى. أما قوله:"فإذا قررت لله مكانا معينا". فاعلم أن أهل السنة والجماعة ورثة الرسل، وأعلام الهدى لا يصفون الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله من غير زيادة ولا نقص، ينتهون حيث انتهى بهم تعظيما للموصوف، وخشية وهيبة وإجلالا.

[مذهب أهل البدع في صفات الله تعالى]

وأما أهل البدع فيخوضون في ذلك، ويصفونه بما لم يصف به نفسه، ويلحدون فيما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، ولا يتحاشون من

1 سورة النحل آية: 74.

2 سورة البقرة آية: 115.

3 سورة ق آية: 16.

ص: 247

الكلام في ذلك بالبدع التي لا تعرف. وقد ذم الله هذا الصنف في كتابه، ووصفهم بالخوض بما لم يأتهم عنه، ولا عن رسله. وذكر الله عن أهل النار أنهم قالوا لما قيل لهم:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} 1، فوصفهم بالعتو عن طاعته، وعدم الانقياد لعبادته بقوله:{لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} 2، ووصفهم بعدم الإحسان والمعروف بقوله:{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} 3، ووصفهم بالخوض في شأن دينهم وما جاءت به رسلهم، وعدم وقوفهم مع ما أمروا به، وتعديهم إلى ما يرونه ويهوونه بقوله:{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} 4، وهذا حال أهل البدع والضلالات، الذين لم يؤسسوا دينهم على ما جاءت به الرسل. إذا عرفت ذلك، فلفظ المكان لم يرد نفيا ولا إثباتا، وقد يراد به معنى صحيح كالعلو والاستواء، والظهور قد يراد به غير ذلك من الأماكن المحصورة. فالواجب ترك المشتبه، والوقوف مع نصوص الكتاب والسنة. فيقال لهذا الجهمي: نحن لا نقر لله من الصفات إلا ما نطق به الكتاب العزيز، وصحت به السنة النبوية، ولا يلزم من أثبت ذلك شيء من البدعيات والأوضاع المختلفة.

[تفسير قوله تعالى: {فثم وجه الله} ]

وأما قوله: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 5 فسياق الآية الكريمة يدل على أنها في شأن القبلة، قال ابن عباس: خرج نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قبل تحويل القبلة، فأصابهم الضباب، وحضرت الصلاة، وصلّوا وتحرّوا القبلة، فلما ذهب الضباب استبان لهم أنهم لم يصيبوا، فلما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية. وقال ابن عمر: نزلت في المسافر يصلي التطوع حيثما توجهت به راحلته. وقال عكرمة: نزلت في تحويل القبلة. وقال أبو العالية: عيرت اليهود المؤمنين لما

1 سورة المدثر آية: 42.

2 سورة المدثر آية: 43.

3 سورة المدثر آية: 44.

4 سورة المدثر آية: 45.

5 سورة البقرة آية: 115.

ص: 248

صرفت القبلة، فنزلت هذه الآية وقال مجاهد والحسن: نزلت في الداعي يستقبل أي جهة كان، لأنهم قالوا لما نزلت:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 1: أين ندعوه؟ قال الكلبي: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 2: فثم الله يعلم ويرى، والوجه صلة، كقوله:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَاَّ وَجْهَهُ} 3 أي: إلا هو. وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان: فثم قبلة الله، والوجه والوجهة والجهة: القبلة، وقوله:{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} 4، ختم هذه الآية بهذين الاسمين الشريفين يشعر بما قاله الكلبي من أنه يعلم ويرى. ومن كان له أدنى شعور بعظمة الله وجلاله عرف صغر المخلوقات بأجمعها في جنب ما له -تعالى- من الصفات المقدسة، ولم يختلج في قلبه ريب ولا شك في الإيمان بهذه النصوص كلها، وعرف الجمع بينها وبين ما تقدم. فسبحان من جلت صفاته، عظمت أن يحاط بشيء منها.

[معنى قرب الله تعالى من خلقه]

وأما قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 5، فهذا القرب لا ينافي علوه على خلقه، واستواءه على عرشه، وفي الحديث:"وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء"6. ولا يعرف هذا من ضاق نطاقه عن الإيمان بما جاءت به الرسل، وإنما يعرفه رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين. ومن أسمائه: العلي الأعلى، ومن أسمائه: القريب المجيب، ومن أسمائه: الظاهر الباطن. وكذلك قوله -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} 7 وقد حرّف السائل هذه الآية وقال: إنه قريب، وهذا قرب خاص يدعيه، وفي الحديث:" أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد" 8، حال السجود غاية في العبودية والخضوع، ولذلك صار له قرب خاص لا يشبهه سواه، وهذا مما يبين لك بطلان قول الجهمي:"إنه بذاته في كل مكان". ولو كان الأمر كما قال الضال لم يكن للمصلي والداعي خصوصية بالقرب، ولكان المصلي وعابد

1 سورة غافر آية: 60.

2 سورة البقرة آية: 115.

3 سورة القصص آية: 88.

4 سورة البقرة آية: 115.

5 سورة ق آية: 16.

6 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2713)، والترمذي: الدعوات (3400 ،3481)، وأبو داود: الأدب (5051)، وابن ماجه: الدعاء (3831) ، وأحمد (2/381 ،2/404 ،2/536) .

7 سورة البقرة آية: 186.

8 مسلم: الصلاة (482)، والنسائي: التطبيق (1137)، وأبو داود: الصلاة (875) ، وأحمد (2/421) .

ص: 249

الصنم سواء في القرب إليه -تعالى- الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

[معية الله لعباده وقربه منهم]

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى--: المعية نوعان: عامة، وهي: معية العلم والإحاطة، كقوله -تعالى-:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} 1، وقال:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} 2، وخاصة وهي معية القرب، كقوله:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} 5. فهذه معية قرب تتضمن الموالاة والنصر والحفظ. وكلا المعيتين مصاحبة منه للعبد، لكن هذه مصاحبة اطلاع وإحاطة، وهذه مصاحبة موالاة ونصر وإعانة. فمع في لغة العرب للصحبة اللائقة لا تشعر بامتزاج ولا اختلاط ولا مجاورة ولا مجانبة، فمن ظن شيئا من هذا فمن سوء فهمه أُتِيَ. وأما القرب: فلم يقع في القرآن إلا خاصا، وهو نوعان: قربه من داعِيهِ بالإجابة، وقربه من عابده بالإثابة، فالأول كقوله -تعالى-:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 6، ولهذا نزلت جوابا للصحابة رضي الله عنهم وقد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربُّنا قريب فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية، والثاني كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل" 7: فهذا قربه من أهل طاعته. وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال: يا أيها الناس اربَعُوا على أنفسكم! فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا. إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" 8 فهذا خاص بالداعي دعاء العبادة والثناء والحمد.

1 سورة الحديد آية: 4.

2 سورة المجادلة آية: 7.

3 سورة النحل آية: 128.

4 سورة البقرة آية: 153.

5 سورة العنكبوت آية: 69.

6 سورة البقرة آية: 186.

7 مسلم: الصلاة (482)، والنسائي: التطبيق (1137)، وأبو داود: الصلاة (875) ، وأحمد (2/421) .

8 البخاري: الجهاد والسير (2992)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2704)، والترمذي: الدعوات (3461)، وأبو داود: الصلاة (1526) ، وأحمد (4/394 ،4/402 ،4/403 ،4/417) .

ص: 250

وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرب لخلقه، واستوائه على عرشه، بل يجامعه ويلازمه؛ فإنه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض تعالى الله علوا كبيرا، ولكنه نوع آخر. والعبد في الشاهد يجد روحه قريبة جدا من محبوب بينه وبينه مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ويجده أقرب إليه من جليسه كما قيل:

ألا رب من يدنو ويزعم أنه

يحبك والنائي أحب وأقرب

وأهل السنة أولياء رسول الله صلى الله عليه وسلم وورثته وأحباؤه الذي هو عندهم أولى بهم من أنفسهم، وأحب إليهم منها، يجدون نفوسهم أقرب إليه، وهم في الأقطار النائية عنه، من جيران حجرته في المدينة، والمحبون المشتاقون للكعبة البيت الحرام يجدون قلوبهم وأرواحهم أقرب إليها من جيرانها ومن حولها، هذا مع عدم تأتي القرب منها. فكيف بمن يقرب من خلقه كيف يشاء وهو مستو على عرشه؟ وأهل الذوق لا يلتفتون في ذلك إلى شبهة مبطل بعيد من الله خلي من محبته ومعرفته. والقصد أن هذا القرب يدعو صاحبه إلى ركوب المحبة، وكلما ازداد حبا ازداد قربا؛ فالمحبة بين قربين: قرب قبلها وقرب بعدها، وبين معرفتين: معرفة قبلها حملت عليها، ودعت إليها، ودلت عليها، ومعرفة بعدها هي من نتائجها وآثارها.

[مسألة الاشتقاق]

وأما مسألة الاشتقاق فينبغي أن يسأل هذا أولا ما معنى الاشتقاق، وما يراد به عند المحققين؟ وأنه زعم أنه أخذ الأسماء من مصادرها، وأن المصادر متقدمة، فهذا يلزم عليه سبق مادة أخذ منها الاسم، ومجرد القول بهذا لا يرتضى عند المحققين من أئمة الهدى. فإن عرف ذلك وأجابك عن معنى الاشتقاق على الوجه الذي أشرنا إليه فأخبره أن البصريين والكوفيين اختلفوا في الاسم من حيث هو هل مشتق من السمو أو من

ص: 251

السمة؟ ذهب البصريون إلى الأول، والكوفيون إلى الثاني. وأصله عند البصريين سمو على وزن فعل فحذفت لام الكلمة وهي الواو، ثم سكن أوله تخفيفا، ثم أتي بهمزة الوصل توصلا بالنطق بالساكن فصار "اسم"؛ وعليه فوزنه افع، ففيه إعلالات ثلاثة وهي: الحذف، ثم الإسكان، والإتيان بهمزة الوصل. وأما على مذهب الكوفيين فأصله وسم على وزن فعل حذفت فاء الكلمة، وهي الواو اعتباطا، ثم عوض عنها همزة الوصل، وعلى هذا فوزنه اعل. ويسأل عن معنى الإعلال وما يقابله، وعن الاشتقاق الأكبر والأصغر والكبير، وعن معنى الاشتقاق في الأكبر مع المباينة في أكثر الحروف ما معناه، فإذا أجابك عن هذا فأجبه عن سؤاله، وإلا فكيف يسأل عن التفاصيل من أضاع القواعد والجمل؟

[الفرق بين القدر والقضاء]

وأما سؤاله عن الفرق بين القدر والقضاء، فإن القدر في الأصل مصدر قدر، ثم استعمل في التقدير الذي هو التفصيل والتبيين، واستعمل أيضا بعد الغلبة في تقدير الله للكائنات قبل حدوثها. وأما القضاء فقد استعمل في الحكم الكوني بجريان الأقدار وما كتب في الكتب الأولى. وقد يطلق هذا على القدر الذي هو التفصيل والتمييز، ويطلق القدر أيضا على القضاء الذي هو الحكم الكوني بوقوع المقدرات، ويطلق القضاء على الحكم الديني الشرعي، قال تعالى:{ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} 1. ويطلق القضاء على الفراغ والتمام {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} 2. ويطلق على نفس الفعل، قال تعالى:{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 3. ويطلق على الإعلام والتقدم بالخبر قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيل َ} 4. ويطلق على الموت ومنه قوله: قضى فلان أي مات، قال تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا

1 سورة النساء آية: 65.

2 سورة الجمعة آية: 10.

3 سورة طه آية: 72.

4 سورة الإسراء آية: 4.

ص: 252

رَبُّكَ} 1. ويطلق على وجود العذاب قال تعالى: {وَقُضِيَ الأَمْرُ} ويطلق على التمكن من الشيء وتمامه كقوله: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} 2. ويطلق على الفصل والحكم كقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} 3. ويطلق على الخلق كقوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} 4. ويطلق على الحتم كقوله: {وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً} 5. ويطلق على الأمر الديني كقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ} 6. ويطلق على بلوغ الحاجة، ومنه: قضيت وطري، ويطلق على إلزام الخصمين بالحكم. ويطلق بمعنى الأداء كقوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} 7. والقضاء في الكل مصدر، واقتضى الأمر الوجوب دل عليه، والاقتضاء هو العلم بكيفية نظم الصيغة، وقولهم: لا أقضي منه العجب. قال الأصمعي: يبقى ولا ينقضي. وقال السائل: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" 8، وأي شيء حقيقة البدعة، وهل يؤول الكلام أم لا؟ فإذا قلت: لا فأكثر ما تستعملونه في شرب القهوة ولبس المحارم وغيرها بدعة لا تثبت من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ممن يعتبر بهم. فجوابه أن يقال: هذا السؤال دليل على جهل السائل بالرواية والدراية وباللسان العربي، فكلام هذا الضرب من الناس يكفي من هداه الله، وفي هذا بيان جهلهم وضلالهم، أما جهله بالدراية فمن وجوه: أحدها: قوله: هل يؤول الكلام أم لا؟ والتأويل في عرف هؤلاء صرف الكلام عن ظاهره، وعن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح، ومن سلك هذه الطريقة في أخبار الرسول ونصوص القرآن فقد فتح على نفسه باب الإلحاد والزندقة، وليس في كلام الله وكلام رسوله ما ظاهره ومعناه الراجح

1 سورة الزخرف آية: 77.

2 سورة طه آية: 114.

3 سورة الزمر آية: 69.

4 سورة فصلت آية: 12.

5 سورة مريم آية: 21.

6 سورة الإسراء آية: 23.

7 سورة البقرة آية: 200.

8 مسلم: الجمعة (867)، والنسائي: صلاة العيدين (1578)، وابن ماجه: المقدمة (45)، والدارمي: المقدمة (206) .

ص: 253

غير المراد، لأن الظاهر هو اللائق بحال الموصوف وبلغة المتكلم وعرفه، لا ما يظنه الأغبياء الجهال مما لا يصح نسبته إلى الله وإلى رسوله. وكذلك قوله: أكثر ما تستعملونه من شرب القهوة ولبس المحارم بدعة، وهذا من أدلة جهله وعدم معرفته للأحكام الشرعية والمقاصد النبوية، فإن الكلام في العبادات لا في العادات، والمباحث الدينية نوع، والعادات الطبيعية نوع آخر، فما اقتضته العادة من أكل وشرب ولبس ومركب ونحو ذلك ليس الكلام فيه، والبدعة ما ليس لها أصل في الكتاب والسنة، ولم يرد بها دليل شرعي، ولم تكن من هديه –صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه. وأما ما له أصل كإرث ذوي الأرحام وجمع المصحف والزيادة في حد الشارب وقتل الزنديق ونحو ذلك، فهذا -وإن لم يفعل في وقته صلى الله عليه وسلم فقد دل عليه الدليل الشرعي، وبهذا التعريف تنحل إشكالات طالما عرضت في المقام. وأما ما فيه من جهة اللسان العربي، فإن هل لا تقابل بأم، لأن ما يقابل بأم همزة الاستفهام كما يعلم من محله، ومنها قوله: لا تثبت من الرسول، فإن الإثبات يتعدى بعن لا بمن، وكذلك قوله: ولا ممن يعتبر بهم، فإن الاعتبار نوع والاعتداد نوع آخر فيعتد بالصالحين، وأهل العلم، والاعتبار لا يختص بهم، بل لما ذكر تعالى فعل بني النضير بأنفسهم وديارهم قال:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} 1. وذكر السائل سؤالا عن الترشيح والإطلاق أيهما أبلغ؟ وكذلك الإطلاق والتجريد، فينبغي أن يسأل عن الترشيح والإطلاق والتجريد ما يراد بهن عند أهل الفن؟ فإن عبارته تفيد عدم معرفته، إذ لا مقابلة بين الترشيح والإطلاق والتجريد في الأبلغية، فسؤاله نص ظاهر في جهله، فإن الترشيح يراد به تقوية الشبه بين المشبه والمشبه به بأن يذكر

1 سورة الحشر آية: 2.

ص: 254

ما هو من خواص المشبه به كقوله: أنشبت المنية أظفارها، فإن هذا من ذكر التقوية بما هو من خواص المشبه به وهي الأظفار، فالترشيح قوى المعنى المراد. وأما الإطلاق في الاستعارة فيقابله التقييد، والتجريد معناه أن يجرد المتكلم من نفسه مخاطبا كقول الشاعر:

[اختلاف البلاغة باختلاف الأحوال]

وأيضا فالبلاغة تختلف باختلاف الأحوال فتوصف بها الكلمة والكلام والمتكلم، وحقيقتها مطابقة الكلام مقتضى الحال، فإن كان الحال يقتضي الترشيح فهو أبلغ، وإلا فلكل مقام مقال. وأما الإخبار عن الاسم بالذي فهو كثير في القرآن وغيره قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} 1 فأخبر بالذي عن اسمه الشريف الذي هو أعرف المعارف، و (الذي) اسم أيضا بخلاف ما يفيده السؤال. وأما الإخبار عن اسم بأل فكقول الشاعر:

ما أنت بالحكم الترضى حكومته

وكذا كل فعل مضارع دخلت عليه أل. وأما الإخبار عن اسم من الأسماء بالذين فكقوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} 2. وأما الإخبار بالذين فكقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَاّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ} 3. وقال تعالى: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} 4. وأما الكل والكلي، فالكل يراد به الجميع كقوله: كل المؤمنين يدخلون الجنة، والكلي ما يقع على الأكثر والغالب كقولك: كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة. يقول جامع الرسائل: هذا آخر ما وجد من هذه الرسالة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

1 سورة الأنعام آية: 1.

2 سورة آل عمران آية: 172.

3 سورة فصلت آية: 29.

4 سورة النساء آية: 16.

ص: 255