الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثامنة: [التذكير بآيات الله والحث على لزوم الجماعة]
وله أيضا، قدس الله روحه ونور ضريحه، نصيحة لكافة المسلمين في التذكير بآيات الله، والحث على لزوم الجماعة والقيام بأصول الدين وقواعد الإسلام التي هي أربح تجارة وبضاعة، والحض على جهاد أعداء الله ورسوله، القائمين في هدم قواعده وأصوله وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى من يراه من المسلمين، وفقهم الله لنصر الإسلام والدين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (وبعد) فموجب هذا هو التذكير بآيات الله، والحث على لزوم جماعة المسلمين، وقد ينتفع بالنصائح مَنْ أراد الله هدايته، قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} 1. وأهم ما يُبْدَأ به في التعليم هو معرفة أصول الدين وقواعد الإسلام التي لا يحصل بدونها ولا يستقيم بناؤه إلا عليها، لا سيما معرفة ما دلت عليه كلمة التوحيد -شهادة أن لا إله إلا الله- من الإيمان بالله ومعرفته وتوحيده بإخلاص العبادة بأنواعها له سبحانه، والبراءة من كل معبود سواه، والقيام بذلك علما وعملا؛ فإن هذا هو أصل الدين وقاعدته، وهي الحكمة التي لأجلها خُلِقَتْ الخليقةُ، وَشُرِعَتْ الطريقةُ، وأُرْسِلَتْ لأجلها الرسل، وبها أُنْزِلَتْ الكتبُ، وجميع أحكام الأمر والنهي تدور عليها وترجع إليها. وقد رأيتم ما حدث في هذا الأصل العظيم من الإضاعة والإهمال والإعراض عن حقائقه وواجباته حتى ظهر الشرك وظهرت وسائله وذرائعه ممن
1 سورة الذاريات آية: 55.
ينتسب إلى الإسلام، ويزعم أنه من أهله، وذلك بأسباب: منها الجهل بحقيقة ما أمر الله به ورَضِيَهُ لعباده من أصول التوحيد والإسلام، وعدم معرفة ما ينافيه ويناقضه، أو يضادُّ الكمال والتمام من موالاة أعداء الله على اختلاف شعبها ومراتبها. فمنها المكفرات والموبقات، ومنها ما هو دون ذلك. وأكبر ذنب وأضله وأعظمُه منافاةً لأصل الإسلام: نصرةُ أعداء الله ومعاونتهم، والسعي فيما يظهر به دينهم، وما هم عليه من التعطيل والشرك والموبقات العظام، وكذلك انشراح الصدر لهم وطاعتهم والثناء عليهم، ومدح من دخل تحت أمرهم، وانتظم في سلكهم، وكذلك ترك جهادهم ومسالمتهم، وعقد الأخوة والطاعة لهم، وما هو دون ذلك من تكثير سوادهم ومساكنتهم ومجامعتهم 1.ويلتحق بالقسم الأول: حضور المجالس المشتملة على رد أحكام الله وأحكام رسوله، والحكم بقانون الإفرنج والنصارى والمعطلة، ومشاهدة الاستهزاء بأحكام الإسلام وأهله. ومن في قلبه أدنى حياة وأدنى غيرة لله وتعظيم له، يأنف ويشمئز من هذه القبائح، ومجامعة أهلها ومساكنتهم؛ ولكن ما لجرح بميت إيلام. فليتق اللهَ عبدٌ مؤمنٌ بالله واليوم الآخر، وليجتهد فيما يحفظ إيمانه وتوحيده قبل أن تَزِلَّ القدمُ، فلا ينفع حينئذ الأسف والندم. ومن أهم المقاصد الشرعية، والمطالب العلية: جهاد أعداء الله ومن صَدَفَ عن دينه الذي ارتضاه، وقد أوجب الله سبحانه الجهاد في سبيله وأكده ورغَّب فيه، ووعد أهله بما أعد لأوليائه وأهل طاعته من مرضاته وكرامته ومجاورته في دار النعيم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
1 أي مخالطتهم في الاجتماع والمعاشرة كما تقدم.
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} 1 إلى آخر السورة. فانظر إلى ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من لطافة الخطاب، والإرشاد إلى مناهج الهداية والصواب، وما رتب على ذلك من غاية الفوز ومنتهى السعادة، وما فيها من البشارة بكل فلاح ونجاح في العاجل والآجل. فانظر كيف ختم السورة بأمر عباده المؤمنين أن يكونوا أنصارا له، وأن يقتدوا بمن سلف من الصالحين؛ وانظر إلى ما حكم به من إيمان من نصره وقام بما أمر به. وتأمل كُفْر الطائفة المُعْرِضة عن طاعة رسله والجهاد في سبيله؛ وتأمل ما وعد به عباده من النصر والظهور على من خالفهم وخذلهم، وكذلك قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} 2 إلى قوله: {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 3، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} 4 الآية. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض " 5، وعنه صلى الله عليه وسلم قال:" مَنْ مات ولم يَغْزُ ولم يُحَدِّثْ نفسَه بالغزو، مات على شُعْبَة من النفاق "6. فاغتنموا -رحمكم الله- حضور المشاهد التي يترتب عليها إعلاء كلمة الله، ونصر دينه ورسوله، ومُرَاغَمَة أعدائه، فإن هذه المشاهد من الموجبات للرحمة والمغفرة والسعادة الأبدية، وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وإذا هجم العدو على بلاد الإسلام، صار الجهاد فرض عين، فأجمعوا أمركم على جهاد عدوكم لابتغاء مرضاة ربكم، وأطيعوا ذا أمركم، وأخلصوا النية، وأصلحوا الطوية؛
1 سورة الصف آية: 10.
2 سورة التوبة آية: 111.
3 سورة التوبة آية: 111.
4 سورة التوبة آية: 123.
5 البخاري: التوحيد (7423) ، وأحمد (2/335 ،2/339) .
6 مسلم: الإمارة (1910)، والنسائي: الجهاد (3097)، وأبو داود: الجهاد (2502) .