الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة العاشرة: [حكم الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام]
وله أيضا، رحمه الله وعفا عنه بِمَنِّهِ وكرمه، رسالة إلى الشيخ محمد بن عجلان رحمه الله وسبب ذلك: أن الشيخ محمد بن عجلان كتب رسالة أيام الفتنة التي وقعت بين عبد الله بن فيصل وأخيه سعود ذكر فيها: جواز الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام، وهي التي سماها الشيخ عبد اللطيف: حبالة الشيطان، فكتب عليها الشيخ عبد اللطيف جوابا قطع فيه كل ما يتعلق به كل مُبْطِل، وأزَال بالبراهين والدلائل كل مُشْكِل، وقرَّر فيها أن ما كتبه ونقله من آية أو سنة أو أثر فهو عليه لا له، لأنه يدل بوضعه أو تَضَمُّنِهِ أو التزامه على البراءة من الشرك وأهله، ومباينتهم في المُعْتَقَد والقول والعمل، وبغضهم وجهادهم حسب الطاقة لكني إلى الآن لم أجدها، ثم كاتبه الشيخ محمد بن عجلان وذكر فيما كتبه الوصية بما تضمنته سورة العصر، فكتب إليه الشيخ رحمه الله هذه الرسالة، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى جناب الشيخ محمد بن إبراهيم بن عجلان، حفظه الله من طوائف الشيطان، ورزقه الفقه في السنة والقرآن،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد، فأحمد الله إليه، وأثني بنعمه عليه، والخط وصل، وما ذكرت فيه من التنبيه على ما تضمنته السورة الكريمة سورة العصر فقد سرني، وقد عرفت ما قاله الشافعي رحمه الله لو فكر الناس فيها لكفتهم. قلت: لأنها تتضمن الأصول الدينية والقواعد الإيمانية والشرائع الإسلامية والوصايا المَرْضِية، فتفكرْ فيها، واعلم أنك نبهتني على إعلامك ببعض ما تضمنته رسالتك لابن عبيكان، وقد كتبت حين رأيتها ما شاء الله أن
أكتب ونهيت عن إشاعتها خوفا منك وعليك، ولكن رأيت ما الناس فيه من الخوض ونسيان العلم وعبادة الهوى، فخشيت من مفسدة كبيرة برد السنة والقرآن، ودفع الحجة والسلطان، وقررتُ فيها أن ما كتبته ونقلته من آية أو سنة أو أثر فهو عليك لا لك لأنه يدل بوضعه أو تضمُّنِه أو التزامه على البراءة من الشرك وأهله ومباينتهم في المعتقد والقول والعمل، وبغضهم وجهادهم والبراءة من كل مَن اتخذهم أولياء من دون المؤمنين، ولم يجاهدهم حسب طاقته، ولم يتقرب إلى الله بالبعد عنهم وبغضهم ومراغمتهم، وأكثر نصوصك التي ذكرت دالة على ذلك كقوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} 1 الآية قبلها والآية بعدها، وما ذكره ابن كثير هنا، كل هذا نص فيما قلناه. وقد بسطت القول في ذلك، وكذلك كل أحاديث السمع والطاعة والأمر بلزوم الجماعة نص فيما قلنا عند مَن فقه عن الله ورسوله، وما ذكرت من استعانته بابن أريقط: فهذا اللفظ ظاهر في مشاقة قوله في حديث عائشة: "إنا لا نستعين بمشرك"2 وابن أريقط: أجيرٌ مستخدمٌ، لا مُعينٌ مكرم، وكذلك قولك: إن شيخ الإسلام ابن تيمية استعان بأهل مصر والشام وهم حينئذ كفار: وَهْلَةٌ عظيمةٌ وزَلَّةٌ ذميمةٌ، كيف والإسلام، إذ ذاك، يعلو أمره، ويقدم أهله، ويهدم ما حدث من أماكن الضلال وأوثان الجاهلية، ويظهر التوحيد، ويقرر في المساجد والمدارس، وشيخ الإسلام نفسه يسميها بلاد إسلام، وسلاطينهم سلاطين إسلام، ويستنصر بهم على التَّتَر والنُّصَيْرِيَّة ونحوهم، كل هذا مستفيضٌ في كلامه وكلام أمثاله.
وما يحصل من بعض العامة والجهال إذا صارت الغلبة لغيرهم لا يحكم به على البلاد وأهليها، وكذلك ما زعمته من أن أكابر العسكر أهل تعبد ونحو هذا
1 سورة آل عمران آية: 103.
2 مسلم: الجهاد والسير (1817)، والترمذي: السير (1558)، وأبو داود: الجهاد (2732)، وابن ماجه: الجهاد (2832) ، وأحمد (6/ 67 ،6/ 148)، والدارمي: السير (2496).
فهذه دسيسةٌ شيطانيةٌ، وقاكَ الله شرَّهَا، وحماك حرَّها، لو سلم تسليما جَدَلِيًّا فابن عربي وابن سبعين وابن الفارض لهم عبادات وصدقات، ونوع تقشف وتزهد، وهم أكفر أهل الأرض أو من أكفر أهل الأرض، وأين أنت من قوله تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2. وأما إِجَازَتُك الاستنصارَ بهم: فالنّزاع في غير هذه المسألة بل في توليتهم، وجلبهم، وتمكينهم من دار إسلامية هدموا بها شعار الإسلام وقواعد الملة وأصول الدين وفروعه، وعند رؤسائهم قانون وطاغوت وضعوه للحكم بين الناس في الدماء والأموال وغيرها مُضادٌ ومخالفٌ للنصوص، إذا وردت قضية نظروا فيه وحكموا به ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.
وأما مسألة الاستنصار بهم فمسألة خلافية، والصحيح الذي عليه المحققون منعُ ذلك مطلقا وحجتهم حديث عائشة، وهو متفق عليه، وحديث عبد الرحمن بن حبيب، وهو حديث صحيح مرفوع اطلبهما تجدهما فيما عندك من النصوص. والقائل بالجواز احتج بمرسل الزهري، وقد عرفت ما في المراسيل إذا عارضت كتابا أو سنة. ثم القائل به قد شرط أن يكون فيه نصح للمسلمين ونفع لهم، وهذه القضية فيها هلاكهم ودمارهم، وشرط أيضا أن لا يكون للمشركين صَوْلَة ودولة يُخْشَى منها، وهذا مبطل لقولك في هذه القضية، واشترط كذلك أن لا يكون له دخل في رأي ولا مشورة بخلاف ما هنا. كل هذا ذكره الفقهاء وشراح الحديث، ونقله في شرح المنتقى، وضعَّف مرسل الزهري جدا، وكل هذا في قتال المشرك
1 سورة الأنعام آية: 88.
2 سورة الزمر آية: 65.
للمشرك مع أهل الإسلام. أما استنصار المسلم بالمشرك على الباغي: فلم يقل بهذا إلا مَن شذَّ واعتمد القياس، ولم ينظر إلى مناط الحكم، والجامع بين الأصل وفرعه. ومَن هجم على مثل هذه الأقوال الشاذة، واعتمدها في نقله وفتواه فقد تتبع الرُّخَص ونَبَذَ الأصلَ المقرَّرَ عند سلف الأمة وأئمتها المستفاد من حديث الحسن وحديث النعمان بن بشير، وما أحسن ما قيل:
والعلم ليس بنافع أربابه
…
ما لم يُفِدْ نظرًا وحُسْن تَبَصُّر
وفي رسالتك مواضع أعرضنا عنها خشية الإطالة، هذا كله من التواصي بالحق والصبر عليه، وإن لام لائِمٌ، وشَنَأ شَانِئٌ، ولولا ما تقرر في الكتاب والسنة وإجماع الأمة من تفصيل الحكم في المخطئ والمتعمد، لكان الشأن غيرَ الشأن {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} 1.
وبَلِّغْ سلامنا من لديك من الإخوان، وعيالنا وإخواننا بخير وينهون السلام، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
1 سورة الأحزاب آية: 4.