الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الحادية والسبعون
[حال الأمة الإسلامية قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب]
وله قدس الله روحه، ونور ضريحه رسالة إلى الشيخ محمد بن سليمان البغدادي يبين له فيها ما عليه أهل هذه الأزمان من عبادة غير الله، وإشراكهم بالله، وصرف عبادتهم للأولياء والصالحين، ويذكره نعمة الله عليه بمعرفة هذا الدين، ومعرفة ما عليه أهل هذه الأزمان من هذا الشرك العظيم، الذي قد عم وطم، ولم ينج منه إلا الأفراد؛ فتأملها فإنها مفيدة، وهذا نصها.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى جناب الأخ المكرم الشيخ محمد بن سليمان آل عبد الكريم البغدادي وفقه الله للإيمان به وتقواه، وأطلع للطالبين بدر توفيقه وهداه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير. والكتاب الكريم وصل إلينا وصلك الله برضاه، ونظمك في سلك خاصته وأوليائه، وقد سرني غاية المسرة، وسرحت نظري في رياضه المرة بعد المرة. وحمدت الله على ما من به عليك، وأهداه إليك من المنة العظمى، والموهبة الكبرى، التي هي أسنى المواهب، وأشرف المطالب: معرفة دين الإسلام والعمل به، والبراءة مما وقع فيه الأكثرون من الشرك الصراح، والكفر البواح، من دعاء الموتى والغائبين، والاستغاثة بهم في كشف شدائد المكروبين، ونيل مطالب الطالبين، وتحصيل رغبات الراغبين، عدلا
منهم بالله رب العالمين، وصرف خالص محبة العبودية، وما يجب من الخضوع لرب البرية، إلى الأنداد والشركاء، والوسائل والشفعاء. بل وسائر العبادات الدينية، صرفت إلى المشاهد الوثنية والمعابد الشركية، وصرحت بذلك ألسنتهم، وانطوت عليه ضمائرهم، وعملت بمقتضاه جوارحهم، ولم ينج من شرك هذا الشرك إلا الخواص والأفراد والغرباء في سائر البلاد؛ وذلك مصداق ما أخبر به الصادق المصدوق بقوله:"بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ"1. قال بعض الأفاضل من أزمان متطاولة: الإسلام في وقتنا أشد غربة منه في أول ظهوره، قلت: وذلك أنه في أول وقت ظهوره يعرفه الكافرون والمنكرون والمنكر له كما قال تعالى حاكيا عنهم أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 2. وأكثر المنتسبين إلى الإسلام في هذه الأزمان يعتقدون أنه هو الاعتقاد في الصالحين ودعوتهم والاستغاثة بهم والتقرب إليهم بأنواع العبادات كالذبح والنذر والحلف وغير ذلك من أنواع الطاعات، وذلك لأنه ولد عليه صغيرهم، وشاب عليه كبيرهم، واعتادته طباعهم. فتراهم عند تجريد التوحيد يقولون: هذا مذهب خامس، لأنهم لا يعرفون غير ما نشؤوا عليه واعتادوه لا سيما إذا ساعد العادة والاغترار بمن ينتسب إلى العلم والدين، وهو عند الله معدود في زمرة الجاهلية والمشركين. فهذا وأمثاله هم الحجاب الأكبر بين أكثر العوام، وبين نصوص الكتاب والسنة، وما فيهما من الدين والهدي، ثم أكثرهم قد تجاوز القنطرة، وغرق في بحار الشرك في الربوبية، مع ما هو فيه من الشرك في الإلهية؛ فادعى أن للأولياء والصالحين شركة في التدبير والتأثير، وشركة في تدبير ما جاءت به المقادير. وأوحى إليهم إبليس اللعين، أن هذا من أحسن الاعتقاد في
1 مسلم: الإيمان (145)، وابن ماجه: الفتن (3986) ، وأحمد (2/ 389).
2 سورة ص آية: 5.
الصالحين، وأن هذا من كرامة أولياء الله المقربين؛ تعالى الله عما يقول الظالمون، وتقدس عما افتراه أعداؤه المشركون، وسبحان الله رب العرش عما يصفون.
وحيث منَّ الله عليك بمعرفة الهدى ودين الحق وظهر لك ما هم عليه من الشرك المبين، فاعرف هذه النعمة الكبرى وقم بشكرها، وأكثر من حمد ربك والثناء عليه، واحرص أن تكون إماما في الدعوة إليه تعالى وإلى سبيله، ومعرفة الحق بدليله، فإن هذا أرفع منازل أولياء الله وخواصه من خلقه. فاغتنم -يا أخي- مدة حياتك لعلك أن تربح بها السعادة الأبدية، ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في جنات علية. وتأمل ما عند إخوانك من الطلبة في القصيم من رسائل مشايخ الإسلام الداعين إلى الله على بصيرة. والزم مذاكرة الإخوان، والبحث معهم في هذا الشأن، وفي غيره من العلوم، فإنهم من خواص نوع الإنسان، ومن جواهر الكون في هذا الزمان، وفقهم الله وكتب في قلوبهم الإيمان.
وما ذكرت من الشوق إلى اللقاء والاجتماع بنا فنحن إلى إخواننا في الله أشوق وأحرص، فعسى الله أن يمن بالتلاق، ويطوي ما بيننا من البعد والفراق. وبلغ سلامنا من لديك من الإخوان المحبين وأنت في أمان الله وحفظه وحسن رعايته والسلام.