الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة السادسة والأربعون
[بيان خطبة الشيخ عبد اللطيف في الفتنة بين سعود وأخيه]
وله أيضا -قدس الله روحه ونور ضريحه- رسالة إلى الشيخ حمد بن عتيق في شأن الفتنة الواقعة بين آل سعود، وكيف كان أول هذه الفتنة وآخرها، وقد تقدم نظيرها إلى أهل الحوطة، ولكن هذه أبسط. فصّل الشيخ رحمه الله فيها ما عنده وشرحه كأن الشيخ حمد قد كتب إليه بما عنده في ذلك وأوضحه، وقد حثه فيها رحمه الله على بذل الجد والاجتهاد في تحريض الناس على جهاد أعداء الله ورسوله الذين قلعوا أصول الدين والإسلام، وهدموا قواعده العظام، وطمسوا منه المنار والأعلام، وعطلوا الأحكام الشرعية وأظهروا القوانين الإفرنجية. وهذه وظيفة العلماء قديما وحديثا يتواصون بالنصح لعباد الله وردهم إليه تحضيضا وحثا، وليس من شأنهم السكوت، وتمشية الحال على أي حال كما هي حال من لا غيرة له على دين الله من أئمة الجهل والضلال، الذين يرون أن الكف لهم أسلم وأن هذا الرأي أحكم، وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ المكرم حمد بن عتيق، سلمه الله تعالى ونصر به شرعه ودينه، وثبت إيمانه ويقينه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد فأحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على حلو نعمه، ومر بلوائه وبديع حكمه. والخط وصل، وما ذكرت صار معلوما، وكتبت لك خطا أولا على نشر النصائح، وكتب الرسائل لأني استعظمت ما فعل سعود من خروجه على الأمة وإمامها، يضرب برها وفاجرها إلا من أطاعه وانتظم في سلكه، و (عبد الله) له بيعة وله ولاية شرعية في الجملة. ثم بعد ذلك بدا لي
منه أنه كاتب الدولة الكافرة الفاجرة، واستنصرها واستجلبها على ديار المسلمين فصار كما قيل:
والمستجير بعمرو عند كربته
…
كالمستجير من الرمضاء بالنار
فخاطبته شفاها بالإنكار والبراءة، وأغلظت له بالقول أن هذا هو هدم لأصول الإسلام، وهدم لقواعده، وفيه، وفيه، وفيه مما لا يحضرني تفصيله الآن؛ فأظهر التوبة والندم وأكثر الاستغفار، وكتبت على لسانه لوالي بغداد أن الله قد أغنى ويسر وانقاد لنا من أهل نجد والبوادي ما يحصل به المقصود -إن شاء الله-، ولا حاجة لنا بعساكر الدولة، وكلام من هذا الجنس. وأرسل الخط فيما أرى، وتبرأ مما جرى، فاشتبه علي أمره وتعارضا عندي موجب إمامته ومبيح خلعه، حتى نزل سعود بمن معه من أشرار نجد وفجارها ومنافقيها، فعثا في الأرض بسفك الدماء، وقطع الثمار وإخافة الأرامل والمحصنات، وانتهاك حرمة اليتامى والأيامى. هذا وأخوه منحصر في شعب الحائر، وقد ظهر عجزه واشتهر، وأهل البلد معهم من الخوف ومحبة المسارعة إليه ما قد عرف. فرأيت من المتعين على مثلي الأخذ على يد أهل البلاد، والنّزول إلى هذا الرجل والتوثق منه ودفع صولته، حقنا لدماء المسلمين، وصيانة لعوراتهم ونسائهم، وحماية لأموالهم وأعراضهم. وكان لم يعهد لي شيئا، ولكن الأمر إذا لم يدرك كان الرأي فيه أصوبه وأكمله وأعمه نفعا. فلما واجهت سعودا وخاطبته فيما يصلح الحال بينه وبين أخيه اشترط شروطا ثقالا على أخيه، ولم يتفق الحال، فصارت الهمة فيما يدفع الفتنة، ويجمع الكلمة، ويلم الشعث ويستدرك البقية، وخشيت من عنوة على البلدة يبقى عارها، بعد سفك دمائهم ونهب أموالها، والسفاح
بنسائها لما رأيت أسباب ذلك متوفرة، وقد رفع الإيمان بالله ورسله والدار الآخرة، وخرج عرفاؤه والمعروفون من رجالها فبايعوا سعودا بعدما أعطاهم على دمائهم وأموالهم محسنهم ومسيئهم عهد الله وأمانه عهدا مغلظا؛ فعند ذلك كتبت إليك الخط الثاني بما رأيت من ترك التفرق والاختلاف ولزوم الجماعة.
وبعد ذلك أتانا النبأ الفادح الجليل، والخطب الموجع العظيم، الذي طمس أعلام الإسلام، ورفع الشرك بالله وعبادة الأصنام، في تلك البلاد التي كانت بالإسلام ظاهرة، ولأعداء الملة قاهرة، وذلك بوصول عساكر الأتراك واستيلائهم على الحسا والقطيف يقدمهم طاغيتهم داود بن جرجيس، داعيا إلى الشرك بالله وعبادة إبليس؛ فانقادت لهم تلك البلاد، وأنزلوا العساكر بالحصون والقلاع، ودخلوها بغير قتال ولا نزال، فطاف بهم إخوانهم من المنافقين، وظهر الشرك برب العالمين، وشاعت مسبة أهل التوحيد والدين، وفشا اللواط والمسكر والخبث المبين، ولم ينتطح في ذلك شاتان، لما أوحاه وزينه الشيطان، من أن القوم أنصار لعبد الله بن فيصل. فقبل هذه الحيلة من آثر الحياة الدنيا وزينتها، على الإيمان بالله ورسله وكف النفس عن هلاكها وشقاوتها. وبعضهم يظن أن هذه الحيلة لها تأثير في الحكم لأنهم لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق. بل بلغني أن بعض من يدعي طلب العلم يحتج بقول شاذ مطرح، وهو أن لولي الأمر أن يستعين بالمشرك عند الحاجة، ولم يدر هذا القائل أن هذا القول يحتج قائله بمرسل ضعيف مدفوع بالأحاديث المرفوعة الصحيحة، وأن قائله اشترط أن لا يكون للمشركين رأي في أمر المسلمين ولا سلطان، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ