الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الرابعة عشرة
وله أيضا -قدس الله روحه، ونور ضريحه- رسالة تكلم فيها على سبيل الإيجاز والاختصار جوابا لمسائل سأله عنها علي بن حمد بن سليمان لمَّا قدم إلى بلدة فارس، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الابن علي بن حمد بن سلمان، سلمه الله تعالى وزينه بزينة الإيمان.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[الهجرة من أركان الدين]
وبعد، فأحمد إليك الله على إنعامه، والخط وصل، وما ذكرت صار معلوما. فأما رغبتك عن البلد التي تظهر فيها أعلام الكفر والشركيات، وتهدم قواعد الإسلام والتوحيد، ويرفع فيها إلى غير أحكام القرآن المجيد، فقد أحسنتَ فيما فعلت، والهجرة ركن من أركان الدين، نسأل الله أن يكتب لك أجر المخلصين الصادقين. وأما وصولك إلى بلدة فارس فالذين رأيتهم ينتسبون إلى متابعة الشيخ محمد رحمه الله فهم كما ذكرت في خطك، لكن فيهم جهال لا يعرفون ما كان الشيخ عليه وأمثاله من أئمة الهدى، وفيهم من بدعة المعتزلة والخوارج، ولا معرفة لهم بالعقائد والنِّحَل واختلاف الناس. والزمانُ زمانُ فَتْرَةٍ يُشبه زمنَ الجاهلية، وإن كانت الكتب موجودة، فهي لا تغني ما لم يُساعدهم التوفيق، وتؤخذ المعاني والحدود والأحكام من عالم رباني كما قيل:
والجهل داء قاتل وشفاؤه
…
أمران في التركيب متفقان
نص من القرآن أو من سنة
…
وطبيب ذاك العالم الرباني
والكتب السماوية بأيدي أهل الكتاب، وقد صار منهم ما صار. وأسباب الجهل والهلاك قد تواترت جدًّا، وقد قال بعض الأفاضل منذ أزمان: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا. وهؤلاء الذين ذكرتهم من أهل فارس وذكرت عنهم تلك العقائد الخبيثة ليسوا بعرب يفهمون الأوضاع العربية، والحقائق الشرعية والحدود الدينية، ولا يرجعون إلى نص من كتاب ولا سنة، وإنما هو تقليد لمن يحسنون به الظن من غير فهم ولا بصيرة، قال الحسن البصري في أمثالهم من المعتزلة من العجم: إنَّ عُجْمَتَهُم قَصُرَتْ بهم عن إدراك المعالي الشرعية، والحقائق الإيمانية؛ وكذلك لما نَاظَرَ عمرو بن العلاء عمرو بن عبيد من رؤوس المعتزلة وَجَدَهُ لا يُفرق بين الوعد والوعيد، فقال: من العُجْمَة أُتِيتَ. وأما عبد الرحمن البهمني فهو -على ما نقلت عنه- في غاية الجهالة والضلالة، وله من طريق غلاة الجهمية نصيب وافر، وله من الاعتزال ومن نِحْلَة الخوارج نصيبٌ. وكلام أهل الإسلام وأئمة العلم في الجهمية والمعتزلة والخوارج مشهور. فأما جهم بن صفوان فطريقته في التعطيل، ونفي العلو، والاستواء، والكلام، وسائر الصفات قد أخذها عن الجعد بن درهم، والجعد أخذها بالواسطة عن لبيد بن الأعصم اليهودي الذي صنع السحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يخفون مقالتهم ومن أظهر شيئا من ذلك قُتِلَ كما صنع خالد بن عبد الله القسري أمير واسط بالجعد بن درهم فإنه ضَحَّى به يوم العيد، وقال على المنبر: أيها الناس ضَحُّوا -تقبل الله ضحاياكم- فإني مُضَحٍّ بالجعد بن درهم، إنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد
علوًّا كبيرًا، ثم نزل فذبحه، والجهم قُتِلَ أيضا لَمَّا ظهرتْ مقالته.
[قول العلماء في الجهمية والرد عليهم]
ثم لما كان في زمن الخليفة المأمون العباسي ظهرتْ في الناس تلك المقالات بواسطة بعض الوزراء والأمراء، وكثُر الخوضُ فصاح بهم أهل الإسلام من كل ناحية وبَدَّعُوهُمْ وفَسَّقُوهُمْ، وكَفَّرُوهم. قال ابن المبارك، الإمام الجليل من أكابر أهل السنة: مَن لم يعرف أن الله فوق عرشه بائن من خلقه فهو كافر يُسْتَتَاب، فإن تاب وإلا قتل، ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا مقابر أهل الذمة لئلا يتأذى به أهل الذمة من اليهود والنصارى. وقال الفضيل بن عياض، ويوسف بن أسباط: الجهمية ليست من الثلاث والسبعين فرقة التي افترقت إليها هذه الأمةُ، يعني أنهم لا يدخلون في أهل القبلة. وقد صُنِّفَت التصانيفُ وجُمِعَتْ النصوصُ والآثارُ في الرد عليهم وتكفيرهم، وأنهم خالفوا المعقول والمنقول، وأن قولهم يؤول إلى أنهم لا يُثْبِتُونَ رَبًا يُعْبَد، ولا إلها يُصلى له ويسجد، وإنما هو تعطيل محض، ولذلك كفروهم. قال ابن القيم في الكافية الشافية:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في
…
عشر من العلماء في البلدان
يعني أن خمسمائة عالم، أئمةٌ مشاهيرٌ جزموا بكفرهم ونصوا عليه، وحُجَجُهُم وشُبَهاتهم واهيةٌ داحضةٌ لا تروج على مَن شَمَّ رائحة الإسلام، قال بعض العلماء: أهل البدع لهم نصوص يُدْلُون بها، قد اشتبه عليهم معناها ولم يهتدوا فيها، إلا الجهمية فليس معهم شيء مما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب انتهى. والقرآن والسنة كلّها رَدَّ عليهم، قال بعض أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله: في القرآن ألف دليل على علو الله على خلقه، وأنه فوق العرش، وذكر ابن القيم طرفا صالحا في نونيته من ذلك، وأما نصوص السنة وكلام
أهل العلم فلا يحصيها ويحيط به إلا الله. ويكفي المؤمن أن يعلم أن كل من عرف الله بصفات جلاله ونعوت كماله، وتبين له شيء من ربوبيته وأفعاله يعلم ويتقن أنه هو العلي الأعلى الذي على عرشه استوى، وعلى الملك احتوى، وأنه القاهر فوق عباده، وأنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ولا يشك في ذلك إلا مَن اجْتَالَتْهُ الشياطين عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها. والكلام يستدعى بسطا طويلا، فعليك بكتب أهل السنة، واحذر كتب المبتدعة، فإنهم سوَّدُوها بالشبهات والجهالات التي تَلَقُّوهَا عن أسلافهم وشِيَعِهِم. وأما دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حيٌّ في قبره: فإن أرادوا الحياة الدنيوية فالنصوص والآثار والإجماع والحس يكذبه، قال تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 1، وقال تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 2. وقد قام أبو بكر في الناس يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أما بعد، فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وتلا هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} 3 وأما إن أرادوا الحياة البرزخية كحياة الشهداء، فللأنبياء منها أفضلها وأكملها، ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الحظ الوافر والنصيب الأكمل؛ ولكنها لا تنفي الموتَ، ولا تمنع إطلاقه على النبي والشهيد؛ وأمر البرزخ لا يعلمه ولا يحيط به إلا الله تعالى الذي خلقه وقدره. والواجب علينا: الإيمان بما جاءت به الرسل، ولا نتكلف ولا نقول بغير علم، والحياة الأخروية بعد البعث والنشور أكمل مما قبلها وأتم للسعداء والأشقياء.
1 سورة الزمر آية: 30.
2 سورة الأنبياء آية: 34.
3 سورة آل عمران آية: 144.
[دعوى أن العبادة هي السجود فقط]
وأما دعواه أن العبادة هي السجود فقط: فهذا الجهل ليس بغريب من مثل هذا الملحد. والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية قد فصَّلتْ أنواع العبادة تفصيلا، وقسمتها تقسيما ونوَّعَتها تنويعا، قال تعالى:{الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} 1 إلى قوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2 وهل المهتدون والمفلحون إلا خَوَاص عباد الله؟ وقال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} 3 إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} 4 فخصهم بالصدق والتقوى وحصرها فيهم، لأن ما ذُكِرَ: رأسُ العبادة والإيمان مُتضمنٌ لما لم يُذْكَر، مستلزمٌ له، فلهذا حَسُنَ الحصرُ. وقال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} 5 إلى قوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} 6، فبدأ بذكر العبادة المجملة، ثم خص بعض الأفراد تنبيها على الاهتمام، وأنها من أصول الدين، ولئلا يتوهم السامع أن العبادة تختص بنوعٍ دون ما ذكر في قوله:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} 7، ومعلوم أن إقامة الصلاة داخلة فيما قبلها لأنها آكد الأركان الإسلامية بعد الشهادتين.
وكذلك قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 8، والاستعانة: عبادة بالإجماع، وعطفها على ما قبلها اهتماما بالوسيلة وتنبيها على التوكل؛ وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ} 9 إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 10 والعدل: يدخل فيه الواجبات كلها. والإحسان تدخل فيه نوافلُ الطاعات. وإيتاء ذي القربى يدخل فيه حق الأرحام ونحوها من العبادات المتعدية، والنهي عن الفحشاء والمنكر يدخل فيه ما نهى الله عنه من ظاهر الإثم وباطنه،
1 سورة البقرة آية: 2.
2 سورة البقرة آية: 5.
3 سورة البقرة آية: 177.
4 سورة البقرة آية: 177.
5 سورة البقرة آية: 83.
6 سورة البقرة آية: 83.
7 سورة الأعراف آية: 170.
8 سورة الفاتحة آية: 5.
9 سورة النحل آية: 90.
10 سورة النحل آية: 90.
وتركه من أَجَلِّ العبادات. والبغي من أكبر السيئات، وتركه من أهم الطاعات، فهذا كله داخل في العبادة بالإجماع. وقال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} 1 إلى قوله: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} 2 فابتدأ الآية بالأمر بعبادته وحده لا شريك له؛ وعطف بقية العبادة المذكورة اهتماما بها وتنويها بشأنها. ولا قائل: إن ما ذكر ليس بعبادة؛ بل أهل اللغة وأهل الشرع من المفسرين وغيرهم، مُجْمِعُون على أن ما أمر به في هذه الآيات من أفضل ما يتقرب به العبد من القُرَب والعبادات، وما علمتُ أحدا من أهل العلم واللغة ينازع في ذلك؛ ولكن القوم كما تقدم عجمٌ أو مُوَلَّدُونَ. قال تعالى:{مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} 3، فعطف إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على ما قبله، وإن كان يدخل فيه عند الإطلاق، تنبيهًا على ما تقدم من الاهتمام، والحض على ما ذكر في حديث جبريل المشهور في الكتب الستة وغيرها:"أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل وهو جالس في أصحابه فقال له: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت، قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ثم قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم"4 فجعل هذا كله هو الدين. والدين بمعنى العبادة بدليل قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
1 سورة الإسراء آية: 23.
2 سورة الإسراء آية: 39.
3 سورة البينة آية: 5.
4 البخاري: الإيمان (50)، ومسلم: الإيمان (9 ،10)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (4991)، وابن ماجه: المقدمة (64) والفتن (4044) ، وأحمد (2/ 426).
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة ِ} 1 فجعل عبادة الله هي دين القيمة.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"2، ومن قال: ليست هذه الشعبة عبادة، فهو من أشر الدواب وأجهل الحيوان.
وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم العبادة في بعض أفرادها، كما في حديث النعمان بن بشير أنه قال:"الدعاء هو العبادة"3، وفي حديث أنس:"الدعاء مخ العبادة"4 وكقوله: "الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين"، وكل ما ورد من فضائل الأعمال وأنواع الذكر داخلٌ في مسمى العبادة. وقد جمع ابن السني والنسائي في عمل اليوم والليلة من ذلك طَرَفًا يبين أن العبادة في أصل اللغة بمعنى الذل والخضوع كما قال بعضهم 5.
تباري عتاقا ناجيات وأتبعت
…
وظيفا وظيفا فوق مور معبد
أي: طريق مُذَلَّل قد ذَلَّلَتْه الأقدام، مأخوذٌ من معنى الذل والخضوع يقال: دِنْتُهُ فَدَانَ أي: ذَلَّلْتُهُ فَذَلَّ. وفي الاصطلاح الشرعي: يدخل فيه كل ما يحبه ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، الخاصة والمتعدية، البدنية والمالية. وكذلك عَرَّفَهَا الفقهاء بأنها: ما أُمِرَ به شرعًا من غير اطِّرَاد عُرْفي ولا اقتضاء عقلي.
إذا عرف هذا، فالتقوى والعبادة والدين إذا أُفْرِدَتْ ولم تقترن بغيرها دخل فيها مجموع الدين وسائر العبادات، وإذا اقترنت بغيرها فُسِّرَ كل واحد بما يخصه، كالإيمان والعمل الصالح والإسلام والإيمان وصدق الحديث، وكالإيمان والصبر وكالعبادة والاستعانة، وكالتقوى وابتغاء الوسيلة،
1 سورة البينة آية: 5.
2 مسلم: الإيمان (35)، والترمذي: الإيمان (2614)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5005)، وأبو داود: السنة (4676)، وابن ماجه: المقدمة (57) ، وأحمد (2/ 414 ،2/ 445).
3 الترمذي: تفسير القرآن (2969)، وابن ماجه: الدعاء (3828).
4 الترمذي: الدعوات (3371).
5 هو طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة.
فَيُفَسَّرُ كُلٌّ بما يناسبه ويخصه كما في سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} 1، ففسر كل اسم بما يخصه مع الاقتران، وإذا أطلق اسم العبادة كما في قوله تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} 2 واسم الأبرار، واسم الإيمان، واسم الإسلام في مقام المدح والثناء، دخل فيه الدين كله.
فمن عرف هذا تبين له اصطلاحُ القرآن والسنة، وعرف أن هؤلاء المبتدعة من أجهل الناس بحدود ما أنزل الله على رسوله، والصلاة نفسها تشتمل على أقوال وأفعال غير السجود، وكلها عبادة بإجماع المسلمين، والقراءة عبادة، والقيام عبادة، والركوع عبادة، والرفع منه عبادة، والسجود عبادة، والجلوس عبادة، والأذكار المشروعة في تلك المواطن عبادة، والتكبير عبادة والتسليم عبادة.
[القول بأن قبر الولي أفضل من الحجر الأسود]
وأما قوله: إن قبر الولي أفضل من الحجر الأسود، فهذا من جنس ما قبله في الفساد والضلال. فإن الحجر الأسود يمين الله في أرضه، من صافحه واستلمه فكأنما بايع ربه، قال تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} 3، ولم يرد في قبور الأولياء ما يدل على مثل ذلك، فضلا عن أن يكون أفضل منه. والحج ركن من أركان الإسلام، والطواف بالبيت أحد أركان الحج، والركن الذي فيه الحجر الأسود أفضل من أركان البيت، والطواف من أفضل العبادات وأوجبها؛ والطواف بالقبور واستلامها والعُكُوف عندها من أوضاع المشركين والجاهلية؛ وفيه مُضَاهَاة لما يفعله اليهود والنصارى عند قبور أحبارهم ورهبانهم.
1 سورة الأحزاب آية: 35.
2 سورة الفرقان آية: 61.
3 سورة آل عمران آية: 96.
وأفضل القبور على الإطلاق قبره صلى الله عليه وسلم، ولا يشرع تقبيله واستلامه بالإجماع، ولا يشرع الدعاء عنده، فلا يُشَبَّهُ بيت المخلوق ببيت الخالق، وبيت العبد ببيت الرب. وبالجملة فهذا القول قول شنيع، لا مُسْتَنَدَ له، ولا دليل عليه. وتقبيل الحجر الأسود مشروع، وكذا استلامه باليد، فإن استلمه بالمحجن ونحوه لعذر، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى الحجر الأسود، واستلمه بمحجن كان في يده.
[صفة العلو والرد على منكريها]
وأما قوله: إنكم تعتقدون العُلُوَّ، فنعم نعتقده ونُشْهِدُ اللهَ عليه، وكل مسلم عرف الله بأسمائه وصفاته يعتقد أنه هو العلي الأعلى، الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، هذا نص القرآن وقد قال تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} 1. وأول من أنكر العلو فرعون إذ قال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} 2 فيما جاء به من الله، أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق عباده مستو على عرشه.
وأما الآية الكريمة التي احتج بها هذا الضال، فلم يعرف معناها، ولم يَدْرِ المرادَ منها، وأهل التفسير متفقون على أن المراد بقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} 3 أنه معبود في السماء ومعبود في الأرض لأنه الإله المعبود كما في قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} 4، وقال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} 5. وَالحُلُولِيَّة من غلاة الجهمية يرون أنه حَالٌّ بذاته في كل مكان، لم ينَزِّهُوه عن شيء، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وأما حديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"6 فهو حديث
1 سورة هود آية: 17.
2 سورة غافر آية: 36.
3 سورة الزخرف آية: 84.
4 سورة الأنعام آية: 3.
5 سورة مريم آية: 93.
6 مسلم: الصلاة (482)، والنسائي: التطبيق (1137)، وأبو داود: الصلاة (875) ، وأحمد (2/ 421).
صحيح جليل مثل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} 1 فالقرب في هذا ونحوه أضيف إلى العبد؛ والقلب إذا أناب إلى الله، وأخلص في عبادته، وصدق في معاملته، كان له من القرب بحسب صدقه وإخلاصه ورتبته من الإيمان، فترتفع عنه حُجُب الشهوات والشبهات، ويَنْقَشِعُ عنه ليلُها وظلامُها، وهذا المعنى حق لا يشك فيه. ويضاف القرب إلى الله كما في قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 2، فهذا قرب خاص للسائلين والداعين، وقد يقرب من عباده ومن القلوب الطيبة كيف ما شاء، لكنه قرب خاص، ليس كما يظنه الجهميُّ من أن ذاته تحل في المخلوقات، فهو -سبحانه- ليس كمثله شيء في صفاته وكمال عظمته وقدرته، ينْزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وهو مستو على عرشه، عالٍ فوق خلقه، لا تحيط به المخلوقات، ولا تحتوي عليه الكائنات، ويدنو عَشِيَة عرفة فيباهي ملائكته بأهل الموقف، ومع ذلك فصفة العلو والاستواء ثابتة في تلك الحال، لا يخلو العرش منه، ولا يعلم قدر عظمته إلا هو جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه. وقد يكون المؤمن المخلص القريب من الله في مكان، معه مَن هو ملعون مطرود عن رحمة الله، وهما في مكان واحد، كما جرى لموسى وفرعون. فالقرب الذي وردت به الأحاديث، وصرحت به النصوص، حجة على الجهمي المعطل للعلو القائل بأن الله في كل مكان، تعالى الله وتقدس. فهؤلاء الجهال خاضوا فيما قَصُرَتْ عقولهم وأفهامهم عن إدراك معناه وما يراد به، فصاروا في بحر الشبهات غرقى، لا يعرفون ربا، ولا يستدلون بصفة من صفاته على معرفة كماله وجلاله. وقد بَلَّغَ الرسولُ ما أنزل إليه من ربه قراءة على الناس، وأكثره في معرفة
1 سورة الإسراء آية: 57.
2 سورة البقرة آية: 186.
الرب وصفاته، وربوبيته وتوحيده، سَمِعَه منهم قَرَوِيُّهم وبَدَوِيُّهم، خاصهم وعامهم، عربهم وعجمهم، ولم يُشْكِلْ على أحد منهم ذاك ولا شك فيه، بل آمنوا به وعرفوا المراد منه، ومضت القرون الثلاثة على إثبات ذلك والإيمان به، وتلقي معناه عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى:{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 1. وإن جحد بعض المنافقين فهو مدحورٌ مقهورٌ حتى حدث ما حدث في آخر القرن الثالث وما بعده.
[الآيات في بطلان الشرك]
وأما دعواه أن الأولياء يقدرون على خلق ولد من غير أب، فهذه طامةٌ كبرى ورِدَّةٌ صريحة، وتكذيبٌ لجميع الكتب السماوية، ورَدٌّ على كل رسول، ومخالفةٌ لإجماع الأمم المنتسبين إلى الرسل والكتب السماوية؛ فإنهم مجمعون على أن الله هو الخالق وحده، وغيره مخلوق، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} 2، وقال تعالى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} 3، وقال تعالى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} 4، ولو كان لغير الله شركة في الخلق والتأثير لكان له شركة في الربوبية والإلهية، وقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ} 5 الآية، فنفى سبحانه عن غيره أن يكون له ملك في السماوات والأرض، ولو قلَّ كمثقال ذرة، ونفى الشركة أيضا في القليل والكثير، ونفى أن يكون له ظهير وعون يعاونه في خلق أو تدبير؛ فإنه الغني بذاته عن كل ما سواه، والخلق بأسرهم فقراء إليه، ثم نفى الشفاعة إلا لمن أذن له.
1 سورة النجم آية: 4.
2 سورة فاطر آية: 3.
3 سورة الأنعام آية: 102.
4 سورة الأعراف آية: 191.
5 سورة سبأ آية: 22.
قال بعض السلف: هذه تقطع عروق شجرة الشرك من أصلها، ومعلومٌ أنَّ مَنْ يُخْلَقُ له مُلْكٌ مَا خَلَقَهُ، ولو كان ثَمَّ خالق غير الله تعددت الأرباب والآلهة، قال الله تعالى:{لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} 1، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 3، فعيسى دخل في عموم هذه الآيات، ولم يخالف في ذلك إلا من ضل من النصارى، قال تعالى في خصوص عيسى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 4، فكان عيسى بكن كما كان آدم، وقال تعالى:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} 5 إلى قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} 6، فاعترف أن الله ربه وخالقه ومعبوده، فكفى بهذه النصوص ردًّا على من أشرك بالله وجعل معه خالقًا آخر.
وما احتج الملحد من قوله حاكيا عن جبريل أنه قال لمريم: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} 7، فيقال قراءة البصريين (ليهب لك) بالياء وهي تفسير للقراءة 8، وعلى القراءة الأخرى نسبة الهبة إليه أنه بسبب نفخ الروح في درعها، والسبب يضاف إليه الفعل كما جزم به البيضاوي وغيره في هذه الآية، والله سبحانه وتعالى ينفذ أمره الكوني على يد من يشاء من ملائكته، وربما نسب الفعل إليهم كما قال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} 9، وقال تعالى في موضع آخر:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ} 10، وقال تعالى:
1 سورة الأنبياء آية: 22.
2 سورة آل عمران آية: 6.
3 سورة البقرة آية: 21.
4 سورة آل عمران آية: 59.
5 سورة المائدة آية: 116.
6 سورة المائدة آية: 117.
7 سورة مريم آية: 19.
8 لعل أصله: لقراءة لأهب. أو للقراءة الأخرى.
9 سورة الزمر آية: 42.
10 سورة الأنفال آية: 50.
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} 1، فأضافه إليهم لأنهم موكلون بقبض الأرواح، ولما كانوا لا يستقلون بشيء من دونه، ولا يفعلون إلا بمشيئته وحوله وقوته، صرح بهذا المعنى في الآية الأولى، فقال:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} 2. وأبلغ من هذا أنه نسب إليهم التدبير في قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} 3 لأنهم رسل بأمره الكوني، وأخبر بأنه المدبر الفاعل المختار في غير آية من كتاب الله كقوله: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} 4، وقال: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} 5، وقوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} 6 إلى قوله: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} 7، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاصه تعالى بالتدبير والإيجاد، وفي الحديث القدسي: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فلْيخلقوا ذرة، أو يخلقوا شعيرة"8، وقال تعالى: {الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} 9. وأكابر الخلق كالملائكة والأنبياء لم يَدَّعِ أحدٌ منهم أنه إله، وأنه يخلق كما قال في حق الملائكة:{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} 10 وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 11، فأخبر أن اتخاذهم
1 سورة الأنعام آية: 61.
2 سورة الزمر آية: 42.
3 سورة النازعات آية: 5.
4 سورة السجدة آية: 5.
5 سورة يونس آية: 3.
6 سورة يونس آية: 31.
7 سورة يونس آية: 31.
8 البخاري: التوحيد (7559)، ومسلم: اللباس والزينة (2111) ، وأحمد (2/ 232 ،2/ 259 ،2/ 451 ،2/ 527).
9 سورة الحج آية: 73.
10 سورة الأنبياء آية: 26.
11 سورة آل عمران آية: 79.
أربابا كفرٌ بعد الإسلام، وأيضا فآخر الآية وهو قوله تعالى:{قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً} 1، وهو الذي قدره وقضاه. كل هذا يرد على المبطل، فَتَفَطَّنْ له هَدَاك الله، الأدلة على تَفَرُّدِهِ سبحانه وتعالى بالخلق والإيجاد والتدبير لا يحيط بها إلا هو سبحانه.
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد
وأما كونهم لا يشهدون الجمعة والجماعة، ولا يسلمون، ولا يردون السلام، فهم بذلك مُخَالِفُونَ لأهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها، ولو وجد في الإمام من الفجور ما لا يخرجه عن الإسلام، فأهل السنة يصلون خلف أهل الأهواء إذا تعذرت الجمعة والجماعة خلف غيرهم.
وإن كانوا يَرَوْنَ كُفْر من لا يوافقهم على أهوائهم، فهم من جنس الخوارج الذين وردت فيهم الأحاديث الصحيحة بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأنهم كلاب أهل النار. وصلى الله على سيد ولد آدم وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق جهاده آمين، والحمد لله على التمام وحسن الختام.
1 سورة مريم آية: 21.