المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة السابعة[خطر الفتنة ومضارها والسبيل لنجاة المسلم منها] - مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - ط المنار - جـ ٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌مقدمة جامع الكتاب

- ‌الرسالة الأولى[الإنكار على من كفر المسلمين بغير ما أجمع عليه الفقهاء]

- ‌الرسالة الثانية[التحرج عن رمي من ظاهره الإسلام بالكفر]

- ‌الرسالة الثالثة[السفر إلى بلاد الأعداء من المشركين والكفار]

- ‌الرسالة الرابعة[حكم من يسافر إلى بلاد المشركين]

- ‌الرسالة الخامسة[الهجرة والإقامة بين أظهر المشركين]

- ‌الرسالة السادسة[شدة ظهور غربة الإسلام وأهله]

- ‌الرسالة السابعة[خطر الفتنة ومضارها والسبيل لنجاة المسلم منها]

- ‌الرسالة الثامنة[التذكير بآيات الله والحث على لزوم الجماعة]

- ‌الرسالة التاسعة[تفنيد رسالة ابن عجلان وما فيها من المفاسد]

- ‌الرسالة العاشرة: [حكم الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام]

- ‌الرسالة الحادية عشرة[الفتنة والشقاق بين آل سعود]

- ‌الرسالة الثانية عشرة[الوصية بلزوم الكتاب والسنة والعمل بما فيهما]

- ‌الرسالة الثالثة عشرة[دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب هي دعوة إلى التوحيد الخالص]

- ‌الرسالة الرابعة عشرة

- ‌الرسالة الخامسة عشرة

- ‌الرسالة السادسة عشرة[رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة، والفرق بين صفات المعاني والمعنوية]

- ‌الرسالة السابعة عشرة[تفسير السبحات بالنور]

- ‌الرسالة الثامنة عشرة

- ‌الرسالة التاسعة عشرة[الطعن في كتاب الإحياء]

- ‌الرسالة العشرون[السمت والتؤدة والاقتصاد في الأمور]

- ‌الرسالة الحادية والعشرون[مؤاخذة أنصار الجاني وأقاربه بجريرة فعله]

- ‌الرسالة الثانية والعشرون[إسكان النبي عليه السلام المهاجرات دور أزواجهن ميراثا]

- ‌الرسالة الثالثة والعشرون[نصيحة الشيخ للإمام فيصل بن تركي]

- ‌الرسالة الرابعة والعشرون[رسالة الشيخ محمد بن عجلان ورد الشيخ حمد بن عتيق عليها]

- ‌الرسالة الخامسة والعشرون[حال فتنة الأمراء بنجد وأحوالها ومآلها]

- ‌الرسالة السادسة والعشرون[الفتن الحاصلة بسبب الإمارة]

- ‌الرسالة السابعة والعشرون[مداهنة المشركين والسفر إلى بلادهم وعقاب فاعله]

- ‌الرسالة الثامنة والعشرون: [تكفير الترك للنجديين والتقاتل بينهم]

- ‌الرسالة التاسعة والعشرون[شروط السفر إلى بلد الشرك وحكم الهجرة]

- ‌الرسالة الثلاثون[الحاجة إلى العلم في حال الفتن]

- ‌الرسالة الحادية والثلاثون[التمسك بالميراث النبوي والحث على مذاكرة العلم]

- ‌الرسالة الثانية والثلاثون[الغلظة على الكفار ومتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها]

- ‌الرسالة الثالثة والثلاثون

- ‌الرسالة الرابعة والثلاثون[الأمر بالاعتصام والنهي عن التفرق والاختلاف]

- ‌الرسالة الخامسة والثلاثون[تفسير قوله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}]

- ‌الرسالة السادسة والثلاثون

- ‌الرسالة السابعة والثلاثون[الرهن وشروطه]

- ‌الرسالة الثامنة والثلاثون

- ‌الرسالة التاسعة والثلاثون

- ‌الرسالة الأربعون[شبهات الجهمية ونفاة الصفات]

- ‌الرسالة الحادية والأربعون[ما جرى من مفاسد العساكر التركية]

- ‌الرسالة الثانية والأربعون[حكم نهب الأعراب]

- ‌الرسالة الثالثة والأربعون[بيان مضار الفتنة ومفاسد العسكر]

- ‌الرسالة الرابعة والأربعون[الظهار وتعليقه بالمشيئة]

- ‌الرسالة الخامسة والأربعون[التحريض على لزوم الجماعة]

- ‌الرسالة السادسة والأربعون[بيان خطبة الشيخ عبد اللطيف في الفتنة بين سعود وأخيه]

- ‌الرسالة السابعة والأربعون[الحث على الجهاد]

- ‌الرسالة الثامنة والأربعون[الحث على الدعوة إلى الله ونشر العلم بين الناس]

- ‌الرسالة التاسعة والأربعون[غربة الدين وقلة الأنصار]

- ‌الرسالة الخمسون[جواب عن سؤال في حديث جابر بن عبد الله والدَين الذي كان عليه لليهودي]

- ‌الرسالة الحادية والخمسون[استعمال الماضي موضع المضارع]

- ‌الرسالة الثانية والخمسون

- ‌الرسالة الثالثة والخمسون[إلى علماء الحرمين الشريفين]

- ‌الرسالة الرابعة والخمسون[نصر مذهب السلف على علم الكلام]

- ‌الرسالة الخامسة والخمسون[نصر الدين والسنة من أفضل شعب الإيمان]

- ‌الرسالة السادسة والخمسون

- ‌الرسالة السابعة والخمسون[تحريم تعدد الجمعة في القرية الواحدة]

- ‌الرسالة الثامنة والخمسون[حكم الجهمية والصلاة خلفهم]

- ‌الرسالة التاسعة والخمسون[فشو الشرك والتعطيل]

- ‌الرسالة الستون

- ‌الرسالة الحادية والستون[الفتن والامتحانات التي وقعت بين آل سعود وحكمة الله فيها]

- ‌الرسالة الثانية والستون

- ‌الرسالة الثالثة والستون

- ‌الرسالة الرابعة والستون[تفسير قوله تعالى: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع}]

- ‌الرسالة الخامسة والستون[رد مطاعن على الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة السادسة والستون[رد على الشيخ عثمان بن منصور]

- ‌الرسالة السابعة والستون[رسالة إلى أهل الحوطة بالاعتصام بالتوحيد الخالص]

- ‌الرسالة الثامنة والستون[النصيحة إلى كافة المسلمين]

- ‌الرسالة التاسعة والستون

- ‌الرسالة السبعون[فضل الدعوة إلى الله]

- ‌الرسالة الحادية والسبعون[حال الأمة الإسلامية قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة الثانية والسبعون[وصف رسالة من رسائل الشيخ ومدحه هو وآله]

- ‌الرسالة الثالثة والسبعون[شبهات في تحريم القهوة]

- ‌الرسالة الرابعة والسبعون[نفي كون ما جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب مذهبا خامسا]

- ‌الرسالة الخامسة والسبعونفي ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما قام به ودعا إليه

- ‌{ذيل لهذه المجموعة في فتويين للشيخ رحمه الله تعالى وجدتا في أثنائها}

- ‌(1)(سؤال عن بيع عقار الميت لوفاء دينه)

- ‌(2)(سؤال عن تركة ميت قسم ماله بين أولاده وأوصى لصغارهم)

- ‌كلمة في هذه المجموعة

الفصل: ‌الرسالة السابعة[خطر الفتنة ومضارها والسبيل لنجاة المسلم منها]

خفافيش البصائر، فالمجادل فيه وفي حل ما أخذ من العسكر والزوار لا يدري ما الناس فيه من أمر دينهم، فعليه أن يصحح عقيدته، ويراجع دين الإسلام من أصله، ويتفطن في النّزاع الذي جرى بين الرسل وأممهم في أي شيء وبأي شيء؟ {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} 1. والذي أوصيك به الثبات والغلظة على هؤلاء الجهلة الذين يسعون في هدم أركان الإسلام ومحو أساسه، وبلغ سلامنا من لديك من الإخوان والسلام.

‌الرسالة السابعة

[خطر الفتنة ومضارها والسبيل لنجاة المسلم منها]

وله أيضا -قدس الله روحه ونور ضريحه- رسالة إلى الإخوان من أهل الفرع: عثمان بن مرشد، ومحمد بن علي، وإبراهيم بن راشد، وإبراهيم بن مرشد، في قطع الوسائل والذرائع المفضية إلى محبة من حاد الله ورسوله، واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم، ومحبة ظهورهم، لأن اختيار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم ومحبة ظهورهم، والثناء عليهم وتفضيلهم بالعدل على أهل الإسلام وإعانتهم على المسلمين، وجرهم على بلاد أهل الإسلام، ردة صريحة بالاتفاق. فقطع -رحمه الله تعالى- الأسباب والوسائل المفضية إلى ذلك بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، وهذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الإخوان عثمان بن مرشد ومحمد بن علي وإبراهيم بن راشد وإبراهيم بن مرشد: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: الخط وصل -وصلكم الله ما يرضيه-، وما ذكرتم من طلب النصيحة، فقد تقدمت إليكم بحمد الله مرارا، أو قامت الحجة، ويبلغني تصميم الأكثر على رأيه الأول وعدم الانتفاع. ومن أكبر أسباب شرح الصدر

1 سورة الفرقان آية: 31.

ص: 48

للنصائح والمواعظ وقبولها ما يعلمه الله من حرص العبد على الخير والهدى والتجرد من ثوبي التعصب والهوى، والبعد عن الإعجاب بالنفس وإيثار الشهوات الدنيوية؛ فالقلب إذا سلم من هذا، وابتهل إلى الله بالأدعية المأثورة كدعاء الاستفتاح "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل"1 الحديث، لا سيما في أوقات الإجابة فإن هذا لا تكاد تسقط له دعوة، والتوفيق له أقرب من حبل الوريد. قال الله -تعالى-:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ} 2. والواجب عند ورود الشبهات هو القيام لله مثنى وفرادى، والتفكر لا سيما عند هذه الفتنة التي عمت وطمت، وأعمت وأصمت، فإنها كما في حديث حذيفة: "قال: قلت: يا رسول الله، إنا كنا في شر فذهب الله بذلك الشر، وجاء بالخير على يديك، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قال: ما هو؟ قال: فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أيا من أي"3، 4.

فهذه الفتن الواقعة في هذا الزمان من جنس ما أشير إليه في هذا الحديث الذي خرجه الإمام أحمد في مسنده؛ فتعين الاهتمام بالمخرج منها والنجاة فيها، لا سبيل إلى ذلك إلا بالاعتصام بحبل الله ومعرفة ما أوجب وندب إليه في كتابه من شرائع الإيمان وحدوده، وما نهى عنه وحرمه من شعب الكفر والنفاق وحدوده، وقد نص على هذا صلى الله عليه وسلم لما سأله حذيفة عن الفتن، فعن حذيفة: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر، وعرفت أن الخير لن يسبقني قلت:

1 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (770)، والترمذي: الدعوات (3420)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1625)، وأبو داود: الصلاة (767)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1357) ، وأحمد (6/ 156).

2 سورة الأنفال آية: 23.

3 أحمد (5/ 391).

4 الحديث رواه البخاري مطولا وابن ماجه مختصرا والظاهر أن هذا اللفظ الذي ذكره المؤلف وما بعده للإمام أحمد.

ص: 49

يا رسول الله، أبعد هذا الخير شر؟ قال: يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، ثلاث مرار، قال: قلت: يا رسول الله، أبعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة وشر، قال: قلت: يا رسول الله، أبعد هذا الشر خير؟ قال: هدنة على دخن، وجماعة على أقذاء، قال: قلت: يا رسول الله، الهدنة على دخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه، قال: قلت: يا رسول الله، أبعد هذا الخير شر؟ قال: يا حذيفة، تعلَّم كتاب الله واتبع ما فيه ثلاث مرار، قال: قلت: يا رسول الله أبعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار، وإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل، خير لك من أن تتبع أحدا منهم". (قلت): فتأمل ما أرشد إليه حذيفة، وأوصاه عند حدوث الفتن العظام التي لا يبصر أهلها الحق، ولا يسمعون من الداعي والناصح، وتكريره الوصية بقراءة كتاب الله واتباع ما فيه، لأن المخرج من كل فتنة موجود فيه مقرر، لكن لا يفقهه ولا يفهمه إلا من تعلم كتاب الله ألفاظه ومعانيه، ووفق للعمل بما فيه، فذلك جدير أن يهبه الله نورا يمشي به في الناس، ولا يخفى عليه ما وقع فيه الأكثر من الشك والريب والالتباس. وهذا الصنف عزيز الوجود في القراء ومن ينتصب إلى العلم والطلب فكيف بغيرهم؟ شعر:

أما الخيام فإنها كخيامهم

وأرى نساء الحي غير نسائها

فعليكم بلزوم الوصية النبوية لصاحب السر حذيفة بن اليمان، وبتدبر القرآن والتفقه في معانيه، يعرف العبد إن عقل عن الله أن أوجب واجب فيه وأهمه وآكده وزبدته معرفة الله -تعالى- بما تعرّف به إلى عباده من صفات كماله ونعوت جلاله، وبديع أفعاله، وإحاطة علمه، وشمول قدرته، وكمال عزته، وعميم رحمته، وبمعرفة ذلك يهتدي العبد إلى محبته وتعظيمه

ص: 50

وإسلام الوجه له وإنابة القلب إليه، وإفراده بالقصد والطلب، وسائر العبادات كالخشية والرجاء والاستعانة والاستغاثة والتوكل والتقوى، ويرضى به ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا ونبيا، ويذوق من طعم الإيمان ما يوجب له كمال حب الله وحب رسوله، ويعرف الوسائل إلى هذا المطلوب الأكبر والمقصود الأعظم ويهتم به غاية الاهتمام، ويطلبه منتهى الطلب، ويعرف ما يضاد هذا الأصل ويناقضه من تعطيل، وكفر، وشرك، ويعرف وسائلها وذرائعها الموصلة إليها المُفْضِيَة إلى اقتحامها وارتكابها، فيهتم بتحصيل وسائل التوحيد، ويهتم بالتباعد عن وسائل الكفر والتعطيل والتنديد، كما يستفاد من قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1. فمن عرف هذا الأصل الأصيل عرف ضرر الفتنة الواقعة في هذه الأزمان بالعساكر التركية، وعرف أنها تعود على هذا الأصل الأصيل بالهد والهدم والمحو بالكلية، وتقتضي ظهور الشرك والتعطيل ورفع أعلامه الكفرية، وأن مرتبتها من الكفر وفساد البلاد والعباد فوق ما يتوهمه المتوهمون، أو يظنه الظانون. وبه يعلم أن ما وقع من الوسائل إلى تهوين تلك الفتنة، وتسهيل أمرها والسكوت عن التغليظ فيها من أكبر أسباب وقوع الشرك ومحو أعلام التوحيد؛ والوسيلة لها حكم الغاية، فإن انضاف إلى تسهيلها إكرام من أقام بديارهم، وتلطخ بأوضارهم، وشهد مهرجانهم وتوقيره والمشي إليه، وصنع الولائم له، فعند ذلك ينعي الإسلام ويبكيه {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} 2 وفي الحديث:"من وَقَّرَ صاحبَ بدعة فقد أعان على هدم الإسلام"3 فكيف بما هو أعظم وأطم من البدع؟ فالله المستعان.

1 سورة الفاتحة آية: 5.

2 سورة ق آية: 37.

3 رواه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن بشر وسنده ضعيف ومعناه صحيح.

ص: 51

وأعجب من هذا أن بعض مَنْ يتولى خدمة من حادَّ الله ورسوله، ويُحَسِّنُ أمرهم، ويُرَغِّبُ في ولائهم، ويقدح في أهل الإسلام وربما أشار بحربهم، فإذا قدم بلاد بعض أهل الإسلام تلقاه منافقوها وجهالها بما لا يليق إلا مع خواص الموحدين، فافهم أسباب الشرك ووسائله، ومن كان في قلبه حياة وله رغبة وله غيرة وتوقير لرب الأرباب يأنف ويشمئز مما هو دون ذلك؛ ولكن الأمر كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إنما تُنْقَضُ عُرَى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية 1.

وما جاء في القرآن من النهي والتغليظ والتشديد في موالاتهم وتوليهم دليل على أن أصل الأصول لا استقامة ولا ثبات له إلا بمقاطعة أعداء الله وحربهم وجهادهم والبراءة منهم، والتقرب إلى الله بمقتهم وعيبهم. وقد قال تعالى لما عقد الموالاة بين المؤمنين وأخبر أن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض قال {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} 2، وهل الفتنة إلا الشرك، والفساد الكبير هو انتثار عُقَد التوحيد والإسلام، وقَطْعُ ما أحكمه القرآن من الأحكام والنظام، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} 3 الآية. قال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى

1 يعني أنهم يجهلون ما أزاله الإسلام من الشرك والكفر فلا يعرفون قيمة ما جاء فيه من الإصلاح وربما عادوا إلى ما كان عليه الجاهلية وهم لا يدرون.

2 سورة الأنفال آية: 73.

3 سورة المائدة آية: 51.

ص: 52

الصَّلاةِ} 1 الآية. قلت: فليتأمل مَنْ نصح نفسه ما يجري من هؤلاء العسكر عند سماع الأذان من المعارضة بالطبل والبوق والمزمار، واستبداله به عما اشتمل عليه الأذان من توحيد الله وتعظيمه وتكبير الملك القهار، قال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} 2. وقال تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} 3، وقد جزم ابن جرير في تفسيره بكفر من فعل ذلك، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ} 4. فليتأمل من نصح نفسه هذه الآيات الكريمات، وليبحث عما قاله المفسرون وأهل العلم في تفسيرها وتأويلها، وينظر ما وقع من أكثر الناس اليوم، فإنه يتبين له -إن وُفِّقَ وَسُدِّدَ- أنها تتناول مَن ترك جهادهم، وسكت عن عيبهم، وألقى إليهم السلم، أو أثنى عليهم، أو فَضَّلَهُمْ بالعدل على أهل الإسلام، واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم، وأحب ظهورهم، فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق قال تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} 5. وقد عرفتم ما كان عليه أسلافكم من أهل الإسلام؛ وما مَنَّ الله به عليكم من دعوة شيخنا رحمه الله إلى توحيد الله والإيمان به، وإخلاص الدين له، والبراءة من أعدائه وجهادهم؛

1 سورة المائدة آية: 57.

2 سورة المائدة آية: 78.

3 سورة آل عمران آية: 28.

4 سورة المجادلة آية: 22.

5 سورة المائدة آية: 5.

ص: 53

وببركة دعوته وبيانه حصل للإسلام من الظهور والنصر وإعلاء كلمة الله ما لم يحصل مثله في دياركم وأوطانكم منذ قرون متطاولة. فيجب شكر هذه النعمة ورعايتها حق الرعاية والعض عليها بالنواجذ، وأن لا يستبدل بموالاة أعداء الله ورسله والانحياز إلى دولتهم والرضى بطاعتهم، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} 1 الآية. فاتقوا الله عباد الله، واتقوا يوما ترجعون فيه لله، ودعوا اللجاج والمِرَاء، وتمسكوا بما جاء عن الله وعن رسله من البينات والهدى، ولا يسهل لديكم مبارزة رب السموات العلى، بما عليه غالب الناس اليوم من الكفر والتعطيل والشرك والجدال والمراء، ولا تفتحوا أبواب الفتن للمُشَاقَّة والتفرق والقدح في أهل الإسلام، فإن ذلك من الصد عن سبيل الله، ومن الفتنة عن دينه الذي ارتضاه، وقد جاء في الحديث:"إن هذا الحي من مُضَر لا تدع في الأرض لله عبدا صالحا إلا فتنته وأهلكته، حتى يدركها الله بجنود من عنده فيذلها حتى لا تمنع ذَنَبَ تَلْعَة"2. وبعض مَنْ يدعي الدين إنما يتعبد بما يحسن في العادة ويثنَى عليه به، وما فيه مقاطعة ومجاهدة وهجر في ذات الله ومراغمة لأعدائه فذاك ليس منه على شيء؛ بل ربما ثَبَّطَ عنه وقدح في فاعله، وهذا كثير في المنتسبين إلى العبادة والمنتسبين إلى العلم والدين، والشيطان أحرص شيء على ذلك منهم، لأنهم يرونه غالبا دينا وحسن خلق فلا يُتَابُ منه ولا يستغفر؛ ولأن غيرهم يقتدي بهم، ويسلك سبيلهم فيكونون فتنة لغيرهم، ولهذا حَذَّرَ الشارع من فتنة مَنْ فسد من العلماء والعُبَّاد وخافه على أمته. فالمؤمن إذا حصل له ظفر بحقائق الإيمان، وصار

1 سورة إبراهيم آية: 28.

2 أحمد (5/ 390).

ص: 54

على نصيب من مرضاة الملك الرحمن، فقد حصل له الحظ الأوفى والسعادة، وإن قيل ما قيل (شعر):

إذا رضي الحبيب فلا أبالي

أقام الحي أم جد الرحيل

وينبغي لك يا عثمان أن تقرأ هذه النصيحة على جماعتك، وتبين لهم معانيها، وما في الفُرْقَة والاختلاف من فتح أبواب الشر والفساد؛ فاحرص على ذلك، واعتدَّ به مِنْ صالح أعمالك، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:"فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"2. والشيطان قاعد على الصراط المستقيم، فإن عارض أحد بشبهة، فيلزمكم تبليغها، وطلب كشفها، ولا يحل السكوت على الشبه التي توقع في الريب والشك، وتفضي إلى ما تقدم من المفاسد. وإن رأيتم في كلامي مجازفة أو مخالفة لما قاله أهل العلم فاذكروه لي، وإن جاءنا عنكم نصيحة، أو تنبيه على شيء من الغلط، فنُشهد الله على قبوله ممن كان. وبلِّغُوا سلامَنا إخوانَكم، والعيالُ والإخوان ينهون إليكم السلام، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

1 البخاري: الجهاد والسير (3009)، ومسلم: فضائل الصحابة (2406)، وأبو داود: العلم (3661) ، وأحمد (5/ 333).

2 هو في صحيح البخاري.

ص: 55