الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الحادية والخمسون
[استعمال الماضي موضع المضارع]
وله أيضا رحمه الله رسالة أيضا إلى الشيخ عبد العزيز بن حسن هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ المكرم عبد العزيز بن حسن بن يحيى -سلمه الله تعالى ورزقه الفقه في الدين-.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على سوابغ نعمه، والخط وصل يوم ركوبنا، ولا كتبت جوابه إلا بعد تثويرتنا، وأما الأول فلم ألتفت إلى جوابه لما كنت بصدده من الاشتغال بالحج. إذا عرفت هذا، فاعلم أن المسألة الأولى التي هي استعمال الماضي موضع المضارع لهم وجهان: أحدهما: أن في استعمال الصيغة الماضية بدل المضارعية تنبيها، وإشارة إلى تحقيق النفي في الحال والاستقبال كتحقيق مضي الماضي من الأفعال والأحوال وذلك باستعارة ما وضع للماضي لما قصد به الحال والاستقبال تقوية وتأكيدا لمضمون الجملة المنفية، وذلك شائع في لسانهم، وفي التنْزيل:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} 1 {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} ، والمعنى: يأتي ويقول. ومنه استعمال المضارع بدل الماضي إشارة إلى التجدد والاستمرار شيئا فشيئا فقوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} 2، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} 3، {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} 4، والمعنى: قد علمنا، ومنه قول الأعشى:
وأرى من عصاك أصبح محرو
…
با وكعب الذي يطيعك عال
وقد أسبي الفتاة فتعصي
…
كل واشٍ يريد جزم حبال
1 سورة النحل آية: 1.
2 سورة الأنعام آية: 33.
3 سورة الحجر آية: 97.
4 سورة الأحزاب آية: 18.
يريد رأيت وأسبيت (والوجه الثاني): أن الكلمة إن دلت على معنى في نفسها واقترنت بزمان ففعل، فإن كان الزمان الذي دلت عليه ماضيا، فالفعل ماض، وإن كان للحال والاستقبال، فالفعل مضارع، وإن كان مستقبلا فقط، فالفعل أمر كما هو مقرر في موضعه فلو عبر بالمضارع، وقال: لا ألبس ممتثلا لاحتمل أنه قصد النفي في الحال فقط أو فيما يستقبل فقط، لأن ذلك جرى في لسانهم ومنه:{لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} 1، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} 2 واحتمل وقوع استثناء يعقبه، فلما عبر بالماضي (زال) الاحتمال وانقطع التوقع. وقصد المعنى الأصلي وهو النفي في الماضي لا يتوهم، لأن النفي في الحال والاستقبال تقول: لا لبست، لا ضربت، لا ظلمت قاصدا الحال والاستقبال بخلاف، ما ضربت، ما لبست، فإنها للنفي في الماضي.
[معنى النفي في قولهم: لا قتلت الميت]
وأما المسألة الثانية وهي قولك: ما معنى النفي في قولهم: لا قتلت الميت؟ فالذي في الحلف بالطلاق وتعلقه بالمستحيل: لأقتلن، بلام التوكيد الموطئة للقسم، والفعل بعدها مؤكد بنون التوكيد الثقيلة ولا نفي فيها، فتنبه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
1 سورة التوبة آية: 92.
2 سورة الأنبياء آية: 47.