الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قبة الصخرة]
(وأما المسألة الثانية): فيما أشكل من أمر الصخرة، فما ذكر الشيخ لا إشكال فيه، ولا يدل أنها على الأرض ولا بعضها كما توهمه صاحب الهامش لأن ارتفاع الصخرة زمن سليمان عليه السلام اثنا عشر ذراعا بذراع الإنسان، ذراع وشبر وقبضة، لكن دفنها بختنصر فإنه أمَرَ عسكره أن يملا كل إنسان منهم ترسه ترابا ويقذفه ببيت المقدس، وبعده الروم استولوا على بيت المقدس، وطرحوا الزبل والتراب الكثير على الصخرة مغايظة لبني إسرائيل. فلما فتحها عمر رضي الله عنه سنة 16 بسط رضي الله عنه رداءه، وجعل يكنس التراب والزبل فيه، فأخذ المسلون يكنسون معه ويفعلون ما فعل. فإن قصد صاحب الهامش أنها كانت على الأرض قبل أن تكشف فصحيح، وإلا فوهم، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
الرسالة السبعون
[فضل الدعوة إلى الله]
وله أيضا -قدس الله روحه، ونور ضريحه- رسالة إلى سهل بن عبد الله التويجري، ومحمد آل عثمان يحضهما على الدعوة إلى الله، وقد سألاه عن هذا الحديث:"ثلاثة لا يغل عليهن قلب مسلم"1 الحديث، فأفاد وأجاد، وبلغ من الإفادة غاية المراد، فتأمله، فإنه مفيد جدا، والله المستعان، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخوين المكرمين سهل بن عبد الله ومحمد بن عثمان، حفظهما الله من طوائف الشيطان، وزينهما بزينة العلم والإيمانز
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما تعاقبت غدوات الدهر وروحاته، والخط وصل -وصلكم الله إلى مرضاته- وسرّني ما ذكرتما من الدعوة إلى الله
1 الترمذي: العلم (2658).
وما حصل بكما من الانتفاع، فالحمد لله على ذلك، وفي الحديث:"نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وحفظها، وبلّغها؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" قلت: وهذا من عاجل ثواب الله لأهل العلم.
[الحث على تبليغ الدعوة الإسلامية إلى الناس]
وفي الحديث المبلغين 1 عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهم يعطون نضرة في وجوههم يمتازون بها عن سائر الخلق، وفي صحيح البخاري:"خيركم من تعلم القرآن وعلمه"2 3. وتعليمه يتناول تعليم معانيه، وما دل عليه من الأصول الإيمانية والقواعد الشرعية، فإن المعنى هو المقصود، وفي الحديث: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا" 4. والأحاديث في المعنى كثيرة.
وللحديث الأول بقية قد سألني سهل عنها، وهي قوله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"5 ذكر العلامة ابن القيم وغيره: أن المعنى لا يحمل الغل ويبقى فيه مع وجود هذه الثلاث، فإنها تنفي الغل والغش وهو فساد القلب وسخائمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع وجود الغل في قلبه، ويخرجه ويزيله؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه فلم يبق فيه موضع للغل.
[إخلاص العمل لله]
وقد أشار -تعالى- إلى هذا المعنى بقوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} 6، فلما أخلص لربه صرف عنه دواعي السوء والفحشاء، ولما علم إبليس هذا المعنى استثناهم في قوله:{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 7. فالإخلاص
1 كذا ولا بد أن يكون قد سقط هنا كلمة مضافة إلى المبلغين فلعل الأصل: وفي الحديث: فضل المبلغين عن الله إلخ.
2 البخاري: فضائل القرآن (5027)، والترمذي: فضائل القرآن (2907 ،2908)، وأبو داود: الصلاة (1452)، وابن ماجه: المقدمة (211) ، وأحمد (1/ 57 ،1/ 58 ،1/ 69)، والدارمي: فضائل القرآن (3338).
3 هو حديث مرفوع رواه أحمد، وأكثر أصحاب السنن أيضا.
4 مسلم: العلم (2674)، والترمذي: العلم (2674)، وأبو داود: السنة (4609) ، وأحمد (2/ 397)، والدارمي: المقدمة (513).
5 الترمذي: العلم (2658).
6 سورة يوسف آية: 24.
7 سورة الحجر آية: 40.
[لزوم جماعة المسلمين]
هو سبيل الخلاص، والإسلام مركب السلامة، والإيمان خاتم الأمان. ومناصحة المسلمين تنافي الغل أيضا؛ فإن النصح لا يجامع الغل إذ هو ضده. وكذلك لزوم جماعة المسلمين مما يطهر القلب من الغل، فإن صاحبه للزومه الجماعة يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسره ما يسرهم، وهذا بخلاف من انحاز عنهم، واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذم كما يفعله الجهال والضلال مع شيخ الإسلام وأتباعه على توحيد الله ودينه. وكما فعله إخوانهم الرافضة والخوارج والمعتزلة والجهمية، فإن قلوبهم ممتلئة غلا وغشا، ولهذا تجدهم من أبعد الناس عن الإخلاص وأغشهم للأئمة والأمة، ولا يكونون -قط- إلا أعوانا على أهل الإسلام مع أي عدوّ نأواهم، وهذا أمر شاهدته الأمة، ومن لم يشاهده فقد سمع منه ما يصم الآذان ويشجي القلوب. وقوله صلى الله عليه وسلم:"فإن دعوتهم تحيط مِنْ ورائهم" 1 هو بكسر الميم وإسكان النون، وهذا من أحسن الكلام وأوجزه، شبه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم، المانع من دخول عدوهم عليهم؛ فكانت دعوة الإسلام سورا وحصنا لمن لزمها تحيط بتلك الدعوة، فالدعوة تجمع شمل الأمة وتلم شعثها وتحيط بها، فمن دخل في جماعتها أحاطت به وشملته.
هذا وما ذكرتما من الأخبار صار معلوما، والجواب من الرأس عن قريب إن شاء الله -تعالى-، وبلغوا سلامنا محمدا، ومحمدا، وإخوانكم من الطلبة، ومن لدينا الشيخ الوالد المكرم وأولاده وأولادنا بخير وينهون السلام وحال التاريخ، وفي عزمنا الركوب غزاة مع الإمام -أيدنا الله وإياه بالنصر للدين-، والسلام.
1 ابن ماجه: المناسك (3056) ، وأحمد (4/ 80 ،4/ 82)، والدارمي: المقدمة (227).