الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيضا، فإن الظاهر في مثل هذه الصورة لا يقبل منه دعوى الاستثناء لو كان راجعًا إلى الفعل إلا ببينة عادلة، لأن الظهار ثبت بشهادة الغير فلا بد من شاهد على الاستثناء. ثم لو سلمنا أنه ثبت بإقراره أو من جهته، فدعواه الاستثناء لا تقبل أيضا لأنها له وإقراره بالظهار عليه. وفي الحديث:"لو يعطى الناس بدعواهم"1 الحديث. وقال شيخ الإسلام*: والتحقيق أن يقال: إن المخبر إن أخبر بما على نفسه فهو مقر، وإن أخبر بما على غيره لنفسه فهو مدع.
(قال جامع الكتاب): هذا آخر ما وجدت من هذه الرسالة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الرسالة الخامسة والأربعون
[التحريض على لزوم الجماعة]
وله أيضا -قدس الله روحه وعفا عنه- رسالة إلى سالم بن سلطان أمير الشارقة من ساحل عمان يحرضه على لزوم الجماعة، والانحياز إلى المسلمين، وترك المفارقة ونبذ الطاعة، وذلك بعدما حصل الخلل في المسلمين بسبب الفتنة التي بين آل سعود ومقتل تركي بن أحمد السدير أمير آل سعود في عمان، فخرج عزان الإباضي فاستولى على ممالك المسلمين التي بتلك الجهات إلا ما كان من سالم بن سلطان؛ فإنه لم ينزع يدا من طاعة، ولم يفارق الجماعة، فكتب له الشيخ يحضه على الثبات والانحياز إلى المسلمين، وعدم الدخول تحت طاعة عزان الإباضي ومن ساعده من الجهمية والمشركين، وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف إلى الأمير المكرم سالم بن سلطان -سلمه الله تعالى-.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فأحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على نعمه، وبلغنا خبر
1 البخاري: تفسير القرآن (4552)، ومسلم: الأقضية (1711)، والنسائي: آداب القضاة (5425)، وابن ماجه: الأحكام (2321) ، وأحمد (1/ 342 ،1/ 351 ،1/ 363).
* الاختيارات الفقهية ص 646، والمستدرك على مجموع الفتاوى 5/ 215. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
الفتنة التي حصلت عندكم من عزان ومن اتبعه ممن استزلهم الشيطان، وبلغنا أنك لم تشهد هذا المشهد ولم تحضر ما جرى في ذلك العهد، وسرنا هذا لأنا نحب لكم ما جرى عليه أسلافكم من الانحياز إلى المسلمين، ولزوم الجماعة، وترك المفارقة، ونبذ الطاعة، فالله سبحانه يبتلي العبد على حسب إيمانه ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين. فعليكم بالجد والاجتهاد فيما يحفظ الله به عليكم الإيمان والتوحيد، وينجيكم من الركون إلى أهل الكفر والإشراك والتنديد. قال تعالى:{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} 1، وقال تعالى:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 2 الآية، وقال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} 3، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} 4، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 5 فتأمل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 6، فإن هذا الحرف وهو "إن" الشرطية تقتضي نفي شرطها إذا انتفى جوابها، ومعناه أن من اتخذهم أولياء فليس بمؤمن. فعليكم بتقوى الله ولزوم طاعته والعمل لوجهه، واحذروا أن يضيع الإسلام لديكم، أو يلتبس الحق عليكم: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا
1 سورة هود آية: 113.
2 سورة المجادلة آية: 22.
3 سورة المائدة آية: 78.
4 سورة الممتحنة آية: 1.
5 سورة المائدة آية: 57.
6 سورة المائدة آية: 57.
السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 1. نسأل الله لنا ولكم الثبات في الأمر والاستقامة على الرشد وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن لا ينْزع عنا ما من به علينا من الإيمان والتوحيد بعدما تفضل علينا وأعطانا، وقد وعد الله عباده المؤمنين وحزبه المفلحين بالنصر والظفر وحسن العاقبة قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} 2، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 3، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} 4.
وقد كتبنا هذا تذكرة، ولم يبلغنا عنك في فتنة عزان ما يوجب اتهامك، ولكن أحببنا الموعظة، والتذكرة والواصل إليك ولدنا علي بن سليم بتدبير الإمام بتذكير أهل الإسلام وحثهم على الثبات، والتمسك بدين الله الذي ارتضاه لنفسه، واختار القدوم عليكم لأنكم أخص، والله الموفق الهادي وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
1 سورة النحل آية: 94.
2 سورة الصافات آية: 173.
3 سورة النحل آية: 128.
4 سورة التوبة آية: 123.