الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة السادسة والستون
[رد على الشيخ عثمان بن منصور]
وله -رحمه الله تعالى- رسالة إلى عثمان بن منصور قبل أن يتبين من أمره ما تبين، وقبل أن يتضح أمره وتظهر مصنفاته ورسائله، لكنه قد يظهر من حاله، وبعض مقاله، ويلوح من صفحات وجهه وفلتات لسانه ما يغمص به، وتنسب إليه هفوات، وشيء من الكوارث القوادح والمعضلات، وكان مع ذلك يظهر الموافقة، وهو يبطن -والعياذ بالله- المخالفة والمشاقة، حتى وضح أمره واشتهر، فلم يخف ذلك على من له بصر، وله معرفة ونظر، والله أعلم بما آل إليه أمره، وختم له به، ونعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه. وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إلى الأخ الشيخ عثمان بن منصور، أنقذه الله من طوارق الفتن والشرور، ورفع نعته عن سفاسف الأمور.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وبعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على ما ألبسنا من ملابس فضله، التي لا تخلعها الأنداد، وأستزيده من خزائن بره، التي ليس لها انقضاء ولا نفاد.
أما بعد: فقد وصل إلينا منك خطابان: (فأولهما) صادف حين الاشتغال بلقاء الأحبة والآل، (وأما الثاني) فبعد أن ألقيت عصا الترحال، وارتاح من ألم شوقه القلب والبال، فبمجرد الوقوف على خطك ومطالعة نقشك ووشيك، بحثت عن الوجه الذي تدلي به علينا، وعن حقيقة المعنى الذي تشير به إلينا، وما هو اللائق في إجابة أمثالك، وهل يحسن بنا النسج على منوالك، أو نقتصر على موجب:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} 1 إذ ليس وراءها مزية
1 سورة النساء آية: 86.
دينية شرعية، لأكون على بصيرة من أمري، ومعرفة للحقائق قبل اقتداح زندي. فأخبرني الثقة بالجرح والتعديل، الخبير بما قد شاع عنك من القيل، أن صاحب الخط ينتمي إلى ممارسة العلوم، المنقول منها والمفهوم، غير أنه قد نسب عنه هفوات، إن صحت فهي من عظائم المعضلات، ولم نقف لها على تصحيح يعتمد، ولم نلتفت إلى البحث في متنها والسند، اكتفاء بإعراضه عن الابتهاج بهذه الدعوة لهذا الأصل والمذاكرة، واستغناء بعدم التفاته إلى المؤاخاة في الله والمؤازرة، بل كل الناس لديه إخوان، والضدان عنده يجتمعان، يصاحب أولياء الأوثان، كما يصاحب عابد الرحمن، ويأنس لمنقلب على عقبه، كما يأنس بالثابت على الإيمان، مع أنه قد شرح التوحيد، وادعى الإتيان بكل معنى موجز سديد.
يوما بحُزوى ويوما بالعقيق وبالـ
…
ـعذيب يوما ويوما بالخليصاء
وتارة تنتحي نجدا وآونة
…
شعب الغوير وطورًا قصر تيماء
فهو إن انتسب إلى الحق، فقد والى من خرج عنه وعق.
فقلت: إيهٍ له من رجل لو استقام، وصارم لولا ما عراه من الانثلام، لكني أعلم أن للعلم بركات، وللملك لمات، فأرجو أن يقوده العلم إلى ثمراته، وأن يحول بينه وبين الشيطان وخطواته، {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1 والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن، كما رواه المحدثون من الأعيان، فلعل ميت رجائنا يحييه من يحيي عظام الميت وهي رميم، ولهذا أشرت إلى الشيخ الوالد -أعز الله قدره، ورفع بوراثة النبيين مجده وفخره- بأن يرد لك الجواب، ويعلمك بالخطب أتى من أي باب، طمعا لك في الأوبة والفلاح، وحرصا على سلوك سبيل الهداية
1 سورة الحديد آية: 17.