الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الحادية والأربعون
[ما جرى من مفاسد العساكر التركية]
وله أيضا -قدس الله روحه ونور ضريحه- منظومة فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي، وما حصل قبل ذلك من ظهور الإسلام وسوابغ الأيادي، بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بغير حساب ولا عذاب- فانتشرت بدعوته الملة الإسلامية، والطريقة المحمدية، واستقام الإسلام وانتشرت أعلام الجهاد، وانمحت آثار الضلالة والفساد. ولما كانت هذه المنظومة من جملة الرسائل والأجوبة على المسائل، وكانت من غرر القصائد، وبدائع الفوائد، وأشد ما يكون على الأعداء وثباتها، تعين بل وجب إثباتها. وقد أنشأها رحمه الله وهو إذ ذاك في شدة مقاساة أهوال تلك الفتن، ومعاناة أثقال تلك الحوادث والمحن، وقلة من المساعد، وكثرة من المعاند والمكايد، تغدو عليه الأراجيف وتروح، وتظهر أنياب النفاق إذ ذاك وتلوح، وثم من يقود المشركين، ويؤزهم على عباد الله الموحدين. وقد ابتلي الناس مع ذلك بجور الأئمة والولاة، واستباح الأموال والدماء طغاة الحضر والبوادي العتاة، وأصبح أهل الحق ما بين معاقب مكبل في الحديد، وما بين شريد في القبائل طريد. فاشتد البلاء وأعضل البأس، وكثر الجهل وعظم الالتباس، وقلت الديانة في كثير من الناس، وساروا إلى البلاد التي هجمت عليها العساكر، وظهرت بها أنواع الفسوق والمناكر. وصار لأهل الرفض والشرك بها الصولة، وكان لهم في تلك الجهات الغلبة والدولة، وضيعت بها أحكام الشريعة المطهرة، وظهرت بها أحكام الكفرة الفجرة، فبذل الجد والاجتهاد بإرسال الرسائل والنصائح، وحذرهم أسباب الندم والفضائح، كما قد مر عليك، ويأتي -إن شاء الله- من الرسائل في التغليظ في السفر والركون إليهم بأوضح البراهين والدلائل. والمنظومة جواب أبيات وردت عليه نحوا من عشرين بيتا فقال رحمه الله وعفا عنه-: ورد من بعض الأدباء ما صورته:
رسائل شوق دائم متواتره
…
إلى فرع شمس الدين بدر المنابر
سلالة مجد من كرام عشائره
…
يعيد بديعا من كنوز المحابر
ويبدي لك التوحيد شمسًا منيرة
…
ولكن أهل الزيغ عمي البصائر
سقيا لعهدكمو 1 عهد الشريعة والتقى
…
وتعظيم دين الله أزكى الشعائر
مدارس وحي شرفت بأكابر
…
على ملة بيضاء تبدو لسائر
فيا راكبًا بلغ سلامي وتحفة
…
تعزيه فيما قد مضى في العشائر
وأعظم من ذا يا خليلي كتائب
…
تهدم من ربع الهدى كل عامر
ويبدو بها التعطيل والكفر والزنا
…
ويعلو من التأذين صوت المزامر
فقد سامنا الأعداء في كل خطة
…
وأصل من الإسلام سوم المقامر
أناخ لدينا للضلالة شيعة
…
أباحوا حمى التوحيد من كل فاجر
وقابلهم بالسهل والرحب عصبة
…
على أمة التوحيد أخبث سائر
يقولون: لكنا رضينا تقية
…
تعود على أموالنا والذخائر
فضحك ولهو واهتزاز وفرحة
…
وألوان مأكول ونشوة ساكر
مجالس كفر لا يعاد مريضها
…
يراح إليها في المسا والبواكر
ويرمون أهل الحق بالزيغ ويْحهم
…
أما رهبوا سيفًا لسطوة قاهر
وأما رباع العلم فهي دوارس
…
تحن إلى أربابها والمذاكر
مصاب يكاد المستجن بطيبة
…
ينادي بأعلى الصوت هل من مثابر؟
فجد لي برد منك تبرد لوعتي
…
ويحدى به في كل ركب وسامر
وتنصر خلًّا في هواك مباعدًا
…
ولولاك لم تبعث به أم عامر
فأكثر أو أقلل ما لها الدهر صاحب
…
سواك فقابل بالمنى والبشائر
فأجاب رحمه الله بما يثلج الصدور، ويبعث الانشراح والسرور، ويحدى به في كل ركب وناد. وهذا نصه:
رسائل إخوان الصفا والعشائر
…
أتتك فقابل بالمنى والبشائر
تذكرنا أيام وصل تقدمت
…
وعهدًا مضى للطيبين الأطاهر
ليالي كانت للسعود مطالعًا
…
وطائرها في الدهر أيمن طائر
1 كذا وهو مختل الوزن، ولعل أصله: سقى عهدكم إلخ.
وكان بها ربع المسرة آهلا
…
تمتّع في روض من العلم زاهر
وفيها الهداة العارفون بربهم
…
ذوو العلم والتحقيق أهل البصائر
محابرهم تعلو بها كل سنة
…
مطهرة أنعم بها من محابر
مناقبهم في كل مصر شهيرة
…
رسائلهم يغدو بها كل ماهر
وفيهم من الطلاب للعلم عصبة
…
إذا قيل: من للمشكلات البوادر
وفيها الحماة الناصرون لربهم
…
معاقلهم شهب القنا والخناجر
وهندية قد أحسن القين صقلها
…
مجربة يوم الوغى والتشاجر
ورومية خضراء قد ضم جوفها
…
من الجمر ما يفري صميم الضمائر
وكانت بهم تلك الديار منيعة
…
محصنة من كل خصم مقامر
غدت بهمو تلك الفتون وشتتوا
…
فلست ترى إلا رسوما لزائر
وحل بهم ما حل بالناس قبلهم
…
أكابر عرب أو ملوك الأكاسر
وبدل منهم أوجهًا لا تسرني
…
قبائل يام أو شعوب الدواسر
يذكرنيهم كل وقت وساعة
…
عصائب هلكى من وليد وكابر
وأرملة تبكي بشجو حنينها
…
لها رنة بين الربى والمحاجر
وهذا زمان الصبر من لك بالتي
…
تفوز بها يوم اختلاف المصادر؟
{فصل} فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي:
ودارت على الإسلام أكبر فتنة
…
وسلت سيوف البغي من كل غادر
وذلت رقاب من رجال أعزة
…
وكانوا على الإسلام أهل تناصر
وأضحى بنو الإسلام في كل مأزق
…
تزورهمو غُرْث السباع الضوامر
وهتّك ستر للحرائر جهرة
…
بأيدي غواة من بواد وحاضر
وجاؤوا من الفحشاء ما لا يعده
…
لبيب ولا يحصيه نظم لشاعر
وبات الأيامى في الشتاء سواغبًا
…
يبكين أزواجا وخير العشائر
وجاءت غواش يشهد النص أنها
…
بما كسبت أيدي الغواة الغوادر
وجر زعيم القوم للترك دولة
…
على ملة الإسلام فعل المكابر
ووازره في رأيه كل جاهل
…
يروح ويغدو آثما غير شاكر
وآخر يبتاع الضلالة بالهدى
…
ويختال في ثوب من الكبر وافر
وثالثهم لا يعبأ الدهر بالتي
…
تبيد من الإسلام عزم المذاكر
ولكنه يهوى ويعمل للهوى
…
ويصبح في بحر من الريب غامر
وقد جاءهم فيما مضى خير ناصح
…
إمام هدى يبني رفيع المفاخر
وينقذهم من قعر ظَلما مضلة
…
لسالكها حر اللظى والمساعر
ويخبرهم أن السلامة في التي
…
عليها خيار الصحب من كل شاكر
فلما أتاهم نصر ذي العرش واحتوى
…
أكابرهم كنْز اللهى والذخائر
سعوا جهدهم في هدم ماقد بنى لهم
…
مشايخهم واستنصحوا كل داغر
وساروا لأهل الشرك واستسلموا لهم
…
وجاؤوا بهم مع كل إفك وساحر
ومذ أرسلوها أرسلوها ذميمة
…
تهدّم من ربع الهدى كل عامر
وباؤوا من الخسران بالصفة التي
…
يبوء بها من دهره كل خاسر
وصار لأهل الرفض والشرك صولة
…
وقام بهم سوق الردى والمناكر
وعاد لديهم للواط وللخنا
…
معاهد يغدو نحوها كل فاجر
وشُتت شمل الدين وانبتَّ حبله
…
وصار مضاعا بين شر العساكر
وأذَّن بالناقوس والطبل أهلها
…
ولم يرض بالتوحيد حزب المزامر
وأصبح أهل الحق بين معاقب
…
وبين طريد في القبائل طائر
فقل للغوي المستجير بظلمهم
…
ستحشر يوم الدين بين الأصاغر
ويكشف للمرتاب أي بضاعة
…
أضاع وهل ينجو مجير أم عامر؟
ويعلم يوم الجمع أي جناية
…
جناها وما يلقاه من مكر ماكر
* * *
فيا أمة ضلت سبيل نبيها
…
وآثاره يوم اقتحام الكبائر
يعز بكم دين الصليب وآله
…
وأنتم بهم ما بين راض وآمر
وتهجر آيات الهدى ومصاحف
…
ويحكم بالقانون وسط الدساكر
هوت بكمو نحو الجحيم هوادة
…
ولذات عيش ناعم غير شاكر
سيبدو لكم من مالك الملك غير ما
…
تظنون إن لاقى مزير المقابر
يقول لكم ماذا فعلتم بأمة
…
على ناهج مثل النجوم الزواهر
سللتم سيوف البغي فيهم وعطلت
…
مساجدهم من كل داع وذاكر
وواليتمو أهل الجحيم سفاهة
…
وكنتم بدين الله أول كافر
نسيتم لنا عهدا أتاكم رسولنا
…
به صارخا فوق الذرى والمنابر
فسل ساكن الأحساء هل أنت مؤمن
…
بهذا وما يحوي صحيح الدفاتر؟
وهل نافع للمجرمين اعتذارهم
…
إذا دار يوم الجمع سَوء الدوائر؟
وقال الشقي المفتري: كنت كارها
…
ضعيفا مضاعا بين تلك العساكر
أماني تلقاها لكل متبّر
…
حقيقتها نبذ الهدى والشعائر
تعود سرابا بعدما كان لامعا
…
لكل جهول في المهامه حائر
* * *
فإن شئت أن تحظى بكل فضيلة
…
وتظهر في ثوب من المجد باهر
وتدنو من الجبار جل جلاله
…
إلى غاية فوق العلى والمظاهر
فهاجر إلى رب البرية طالبا
…
رضاه وراغم بالهدى كل جائر