الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في هذه المجموعة
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}
يظهر لقارئ هذه الرسائل أن صاحبها العلامة الشيخ عبد اللطيف لم يكن هو الجامع لها، إذ لو جمعها هو لجمع معها المكتوبات والأسئلة التي أجاب بها عنها، وإنما جمعها بهذا الترتيب الأستاذ المعاصر صاحب المصنفات العديدة الشيخ سليمان بن سحمان أثابه الله تعالى، وهو رجل ضرير لم ينسخ منها شيئًا بيده ولم ينظر ما كتب غيره، وإنما كان يؤتى بالرسالة منها تامة أو ناقصة فيضع له مقدمة في موضوعها والثناء عليها يمليها على كاتب نجدي فينسخها، ولذلك وقع فيها أغلاط أكثرها من قبل الصرف والرسم صححنا منها ما أيقنا أنه من خطأ النسخ ولو ظفر بالمكتوبات التي هي أجوبة عنها لجمعها معها لأن فهمها التام يتوقف عليها، والظاهر أنه لم يعرف تاريخ كتابة كل منها ولو عرف ذلك وبينه لكان مفيدًا.
ثم إنه لم يعن بترتيبها بحسب موضوعاتها كجعل الرسائل الخاصة بالتوحيد والاتباع وما ينافيهما من الشرك والابتداع متناسقة في باب، والرسائل والفتاوى في الفروع متناسبة في باب آخر، والرسائل المتعلقة بالفتنة والشقاق الذي وقع بين آل سعود بسبب التنازع على الإمارة متتابعة في باب ثالث - لكانت الفائدة أتم، ولا سيما لو كتب لهذا الباب مقدمة تاريخية لخص بها حوادث تلك الفتنة وانتهاز الترك لها للتدخل في شؤون نجد من باب مساعدة أحد الأميرين على الآخر - ولعله يؤلف لنا رسالة خاصة في ذلك يشرح فيها المفاسد التي حدثت من قبل الترك وأهل البدع والقبائل الهمجية التي سخروها لمساعدتهم، فكانت هي السبب لما ألم به الشيخ
من الطعن فيهم، ليعلم الناس كافة أي الفريقين كان المعتدي وأيهما السابق للطعن في دين الآخر، ويعلمون مع ذلك أيهما المعتصم بكتاب الله، والمستمسك بعروة سنة رسوله والوثقى.
حال بلاد نجد في عهد كتابة هذه الرسائل المؤثرة في نفس الكاتب لها:
إن معنى السنة الذي كان يقصده السلف الصالح ويفهمونه من قوله صلى الله عليه وسلم: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)) هو السيرة العملية التي كان عليها الرسول -بأبي هو وأمي- ثم كان عليها خلفاؤه الراشدون من بعده رضي الله عنهم وهذا المعنى هو الذي أراده الخليفة الرابع بقوله لعبد الله بن عباس رضي الله عنهم حين أرسله إلى محاجة الخوارج: احملهم على السنة فإن القرآن ذو وجوه. وكما أن القرآن ذو وجوه باحتمال ألفاظه للتأويلات المختلفة فالأحاديث النبوية القولية كذلك، دون السنن العملية.
ولا نعرف في تاريخ الإسلام شعبًا دخل في جميع الأطوار التي دخل فيها الإسلام في نشأته الأولى غربة وجهادًا وهجرة وحجاجًا غير هذا الشعب النجدي، فقد ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في وقت كان حال أهله شرًّا من حال المشركين وأهل الكتاب في زمن البعثة، من شرك وخرافات، وبدع وضلالات، وجهالة غالبة، فدعا إلى عبادة الله وحده والرجوع إلى أصل الإسلام الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فعاداه في بلاده الأكثرون، ووالاه فيها الأقلون، فنصر الله تعالى أولياءه من أمراء آل سعود وأتباعهم على أعدائهم، ثم تصدى لعداوتهم الترك وأعوانهم، فكانت الحرب سجالًا بينهم، وعاقب الله السعوديين زمنًا ما بما كان من تخاذل بينهم، وتقصير في إقامة بعض سنن الله في دولتهم، ثم كانت العاقبة الحسنى لهم، عندما
تابوا من ذنبهم، ورجعوا إلى وحدتهم، واعتبروا بقول الله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} وقوله في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ظهر عليهم المشركون في غزوة أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} وقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} .
امتحن الله النجديين بتصدي الترك لعداوتهم، وتأليب العرب وشرفاء الحجاز والمصريين عليهم، لئلا يعيدوا ملك العرب وسلطانهم الذي سلبوه منهم، فحاربوهم باسم الإسلام، ونشروا الكتب والفتاوي في رميهم بالكفر والابتداع، وقد اغتر كثيرون بما فعلوه باسم الإسلام وشايعهم عليه أفراد وجماعات هم دون الخوارج الذين خرجوا على الإمام الحق أمير المؤمنين الخليفة الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم وكفروه أو تبرءوا منه، ودون الذين بغوا عليه وحاربوه مع معاوية: نعم هم دونهم علمًا بالدين وعملًا به، بل كفرهم وقاتلهم أخلاط منهم المسلم والكافر، والزنديق والمنافق، وعسكر لا يقيم الصلاة ولا يؤدي الزكاة ولا يحرم ما حرم الله ورسوله من الخمر والزنا واللواط وأكل أموال الناس بالباطل والقتال لطاعة الرؤساء ولو في معصية الله تعالى.
بهذا كله كان علماؤهم وأمراؤهم في حال تشبه حال مسلمي الصدر الأول في مقاومة المشركين الذين يدعون غير الله ويجعلون لله أندادًا كالذين جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مقارعة تاركي الصلاة ومانعي الزكاة كالذين قاتلهم أبو بكر الخليفة الأول رضي الله عنه، وفي مجالدة البغاة المعتدين كالذين قاتلهم الخليفة الرابع علي رضي الله عنه، وفي مجادلة المبتدعين من الروافض والجهمية كالذين ناضلهم الإمام أحمد وإخوانه أئمة السنة بالحجة - فأعادوا نشأة الإسلام
العملية سيرتها الأولى في الصدر الأول من ولاية وبراءة وهجرة وجهاد بالسيف والسنان، وبالحجة والبرهان، على حين صارت النصوص الخاصة بهذه الأحوال منسية أو كالمنسية عند غيرهم من شعوب الإسلام ودوله، لا يتعلق بها عمل من الأعمال ولا حكم من الأحكام.
واتفق في زمن العلامة الشيخ عبد اللطيف أن وقعت فتنة وشقاق في شأن الإمارة بين أميرين من آل سعود لكل منهما أنصار، وتطلع في عهده ما كان قد قبع من رءوس شياطين النفاق، فبمجموع هذه الحوادث يُعلم الشعور الذي كان غالبًا عليه أثناء كتابة رسائله هذه، فإن كان قد أقام الحجج على وجوب معاداة العساكر التي أرسلتها الدولة لإبطال دعوة التوحيد والتجديد التي قام بها جده الأعلى وأيدها جده الأدنى وأبوه وأعمامه وسائر علماء نجد وأمرائها، ووجوب البراءة منهم ومجاهدتهم والهجرة من ديارهم، وتحريم موالاتهم ومساكنتهم ومساكنة أنصارهم، فما ذاك بجهاد هجوم ولكنه جهاد دفاع، وما هو إلا الاتباع يجاهد الابتداع، على أنه فرق في عدة من رسائله بين معاملة المشركين المحاربين للمسلمين، والمعادين لهم في الدين، وبين غيرهم، وبين البلاد التي يفتن فيها المسلم الموحد ويهان الدين والسنة، من حيث يعظم الكفر والبدعة، ولا يستطيع المؤمن أن يقيم فيها دينه - والبلاد التي ليست كذلك، وقد حقق هذه المسائل بما لم يحققها غيره، فقيد ما أطلقه بعض علمائهم من هذه المسائل ووضع كل حكم في موضعه، وقد وضعت بعض التعليقات على ما اشتبه على بعض مصححي المطبعة من كلامه للعلم بأنه قد يشتبه على أمثاله، وما العصمة إلا لكتاب الله وبلاغ رسوله صلى الله عليه وسلم.
كتبه
محمد رشيد رضا