المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة الثانية والسبعون[وصف رسالة من رسائل الشيخ ومدحه هو وآله] - مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - ط المنار - جـ ٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌مقدمة جامع الكتاب

- ‌الرسالة الأولى[الإنكار على من كفر المسلمين بغير ما أجمع عليه الفقهاء]

- ‌الرسالة الثانية[التحرج عن رمي من ظاهره الإسلام بالكفر]

- ‌الرسالة الثالثة[السفر إلى بلاد الأعداء من المشركين والكفار]

- ‌الرسالة الرابعة[حكم من يسافر إلى بلاد المشركين]

- ‌الرسالة الخامسة[الهجرة والإقامة بين أظهر المشركين]

- ‌الرسالة السادسة[شدة ظهور غربة الإسلام وأهله]

- ‌الرسالة السابعة[خطر الفتنة ومضارها والسبيل لنجاة المسلم منها]

- ‌الرسالة الثامنة[التذكير بآيات الله والحث على لزوم الجماعة]

- ‌الرسالة التاسعة[تفنيد رسالة ابن عجلان وما فيها من المفاسد]

- ‌الرسالة العاشرة: [حكم الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام]

- ‌الرسالة الحادية عشرة[الفتنة والشقاق بين آل سعود]

- ‌الرسالة الثانية عشرة[الوصية بلزوم الكتاب والسنة والعمل بما فيهما]

- ‌الرسالة الثالثة عشرة[دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب هي دعوة إلى التوحيد الخالص]

- ‌الرسالة الرابعة عشرة

- ‌الرسالة الخامسة عشرة

- ‌الرسالة السادسة عشرة[رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة، والفرق بين صفات المعاني والمعنوية]

- ‌الرسالة السابعة عشرة[تفسير السبحات بالنور]

- ‌الرسالة الثامنة عشرة

- ‌الرسالة التاسعة عشرة[الطعن في كتاب الإحياء]

- ‌الرسالة العشرون[السمت والتؤدة والاقتصاد في الأمور]

- ‌الرسالة الحادية والعشرون[مؤاخذة أنصار الجاني وأقاربه بجريرة فعله]

- ‌الرسالة الثانية والعشرون[إسكان النبي عليه السلام المهاجرات دور أزواجهن ميراثا]

- ‌الرسالة الثالثة والعشرون[نصيحة الشيخ للإمام فيصل بن تركي]

- ‌الرسالة الرابعة والعشرون[رسالة الشيخ محمد بن عجلان ورد الشيخ حمد بن عتيق عليها]

- ‌الرسالة الخامسة والعشرون[حال فتنة الأمراء بنجد وأحوالها ومآلها]

- ‌الرسالة السادسة والعشرون[الفتن الحاصلة بسبب الإمارة]

- ‌الرسالة السابعة والعشرون[مداهنة المشركين والسفر إلى بلادهم وعقاب فاعله]

- ‌الرسالة الثامنة والعشرون: [تكفير الترك للنجديين والتقاتل بينهم]

- ‌الرسالة التاسعة والعشرون[شروط السفر إلى بلد الشرك وحكم الهجرة]

- ‌الرسالة الثلاثون[الحاجة إلى العلم في حال الفتن]

- ‌الرسالة الحادية والثلاثون[التمسك بالميراث النبوي والحث على مذاكرة العلم]

- ‌الرسالة الثانية والثلاثون[الغلظة على الكفار ومتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها]

- ‌الرسالة الثالثة والثلاثون

- ‌الرسالة الرابعة والثلاثون[الأمر بالاعتصام والنهي عن التفرق والاختلاف]

- ‌الرسالة الخامسة والثلاثون[تفسير قوله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}]

- ‌الرسالة السادسة والثلاثون

- ‌الرسالة السابعة والثلاثون[الرهن وشروطه]

- ‌الرسالة الثامنة والثلاثون

- ‌الرسالة التاسعة والثلاثون

- ‌الرسالة الأربعون[شبهات الجهمية ونفاة الصفات]

- ‌الرسالة الحادية والأربعون[ما جرى من مفاسد العساكر التركية]

- ‌الرسالة الثانية والأربعون[حكم نهب الأعراب]

- ‌الرسالة الثالثة والأربعون[بيان مضار الفتنة ومفاسد العسكر]

- ‌الرسالة الرابعة والأربعون[الظهار وتعليقه بالمشيئة]

- ‌الرسالة الخامسة والأربعون[التحريض على لزوم الجماعة]

- ‌الرسالة السادسة والأربعون[بيان خطبة الشيخ عبد اللطيف في الفتنة بين سعود وأخيه]

- ‌الرسالة السابعة والأربعون[الحث على الجهاد]

- ‌الرسالة الثامنة والأربعون[الحث على الدعوة إلى الله ونشر العلم بين الناس]

- ‌الرسالة التاسعة والأربعون[غربة الدين وقلة الأنصار]

- ‌الرسالة الخمسون[جواب عن سؤال في حديث جابر بن عبد الله والدَين الذي كان عليه لليهودي]

- ‌الرسالة الحادية والخمسون[استعمال الماضي موضع المضارع]

- ‌الرسالة الثانية والخمسون

- ‌الرسالة الثالثة والخمسون[إلى علماء الحرمين الشريفين]

- ‌الرسالة الرابعة والخمسون[نصر مذهب السلف على علم الكلام]

- ‌الرسالة الخامسة والخمسون[نصر الدين والسنة من أفضل شعب الإيمان]

- ‌الرسالة السادسة والخمسون

- ‌الرسالة السابعة والخمسون[تحريم تعدد الجمعة في القرية الواحدة]

- ‌الرسالة الثامنة والخمسون[حكم الجهمية والصلاة خلفهم]

- ‌الرسالة التاسعة والخمسون[فشو الشرك والتعطيل]

- ‌الرسالة الستون

- ‌الرسالة الحادية والستون[الفتن والامتحانات التي وقعت بين آل سعود وحكمة الله فيها]

- ‌الرسالة الثانية والستون

- ‌الرسالة الثالثة والستون

- ‌الرسالة الرابعة والستون[تفسير قوله تعالى: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع}]

- ‌الرسالة الخامسة والستون[رد مطاعن على الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة السادسة والستون[رد على الشيخ عثمان بن منصور]

- ‌الرسالة السابعة والستون[رسالة إلى أهل الحوطة بالاعتصام بالتوحيد الخالص]

- ‌الرسالة الثامنة والستون[النصيحة إلى كافة المسلمين]

- ‌الرسالة التاسعة والستون

- ‌الرسالة السبعون[فضل الدعوة إلى الله]

- ‌الرسالة الحادية والسبعون[حال الأمة الإسلامية قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌الرسالة الثانية والسبعون[وصف رسالة من رسائل الشيخ ومدحه هو وآله]

- ‌الرسالة الثالثة والسبعون[شبهات في تحريم القهوة]

- ‌الرسالة الرابعة والسبعون[نفي كون ما جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب مذهبا خامسا]

- ‌الرسالة الخامسة والسبعونفي ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما قام به ودعا إليه

- ‌{ذيل لهذه المجموعة في فتويين للشيخ رحمه الله تعالى وجدتا في أثنائها}

- ‌(1)(سؤال عن بيع عقار الميت لوفاء دينه)

- ‌(2)(سؤال عن تركة ميت قسم ماله بين أولاده وأوصى لصغارهم)

- ‌كلمة في هذه المجموعة

الفصل: ‌الرسالة الثانية والسبعون[وصف رسالة من رسائل الشيخ ومدحه هو وآله]

‌الرسالة الثانية والسبعون

[وصف رسالة من رسائل الشيخ ومدحه هو وآله]

وله أيضا رسالة إلى زيد بن محمد آل سليمان -رحمه الله تعالى- يعاتبه فيها على ترك المساعدة وعدم المعاضدة، على إظهار دين الله والمجاهدة، بعد مراسلات بذلك عديدة، ومذاكرة ومناصحات مفيدة، وتحريض وتغليظ في سد وسائل الشرك وذرائعه، والمساعدة على قطع أسبابه وتوابعه. وكأنه رحمه الله وجد منه عند تلك الحوادث والكوارث فتورا، ورأى منه في حق من تجانف أو تساهل في ذلك تقصيرا أو قصورا، وقد وضح له في ذلك الحق واستبان، وكان من ذوي المعرفة والإتقان، وخاصة خلاصة الإخوان. فعاتبه بهذه المعاتبة الرصينة المباني، وأفصح له بهذه الرسالة البليغة المعاني، التي يحار في يهماء مطاوح معانيها البليغ المصقع، ويتلكأ عن درك غويص عويصها اللوذعي البلتع، فلله دره من إمام فاضل فصيح، ومجاهد جاهد محب نصيح. فلقد أبلغ في هذه الرسالة من الإيجاز وعدم الإطالة، وقد جاهد لله وفي الله حق جهاده، وما رده وصده عن النصح لعباده قلة المعاون والمساعد، ولا كثرة المكايد والمعاند؛ فتدبر -رحمك الله- ما تضمنته هذه الرسالة من الرصانة، لتعرف قدر منشئها من العلم ومكانه:

معاني مبانيها الطوامح في العلا

لآلئ أصداف البحور الزواخر

ويحتار في يهما مطاوح ما انطوت

عليه من الترصين قس المحاضر

وأبدى بديعًا من غويص عويصه

تشام المعاني المحكمات لسابر

لقد جد في نصر الشريعة والهدى

وسد ينابيع الغواة الأخاسر

وإعلاء دين الله جل ثناؤه

وتأسيس أصل الدين سامي الشعائر

وإحيائه بعد الدروس ونشره

وقمع لمن ناواه من كل غادر

وإبعاد أعداء الهوى وجهادهم

وتحذيره عنهم بكل الزواجر

وقد رد بل قد سد كل ذريعة

تؤول إلى رفض الهدى من مقامر

قفا إثْر آباء كرام أئمة

أولي العلم والحلم الهداة الأكابر

ببذلهمو للجد والجهد في الدعا

إلى الله من قد نَدّ من كل نافر

ص: 354

همو أظهروا الإسلام من بعد ما عفا

من الأرض فاستعلى به كل ناصر

فكم فتحوا بالعلم والدين والهدى

قلوبا لعمري مقفلات البصائر

وكم شيدوا ركنًا من الدين قد وهى

وأقوى ففازوا بالهنا والبشائر

وكم هدموا بنيان شرك قد اعتلى

وشادوا من الإسلام كل الشعائر

وكم كشفوا من شبهة وتصدروا

لحل عويص المشكلات البوادر

وكم سنن أحيوا وكم بدع نفوا

وكم أرشدوا نحو الهدى كل حائر

لقد أطدوا الإسلام بالعلم والهدى

وبالسمر والبيض المواضي البواتر

تغمدهم رب العباد بفضله

ورحمته والله أقدر قادر

وهذا نص الموجود منها ولم أجدها تامة وكأنها مسودة وقد ضاع أولها.

[تضمين الشيخ للكلام المنسوب إلى أبي بكر الصديق]

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الأخ زيد بن محمد

وبعد: فقد بلغني عنك من نوادر الكواثر وكوارث الحوادث 1. لم أجد إلا تلكؤ وشماس، وتهمهم ونفاس 2 إذ لا فكرة ثاقبة، ولا

1 هاهنا بياض في الأصل. وأقول أنا (محمد رشيد رضا) المشرف على تصحيح هذه الرسائل: إن الشيخ عبد اللطيف رحمه الله وتولانا وإياه بلطفه- قد أكثر الأخذ والتضمين في هذه الرسالة من رسالة أبي بكر الصديق وعمر إلى علي رضي الله عنهم في شأن المبايعة وهي من أبلغ الكلام على صناعة متقنة فيها، والمحدثون يقولون: إنها موضوعة وضعها أبو حيان التوحيدي كما في "الميزان" و"لسان الميزان". وفيما وجده جامع الرسائل منها تحريف كثير. ولعل سبب أخذ الشيخ عبد اللطيف ما أخذ منها أنه كان مطابقا لحالهم مع المرسلة إليه، ونحن نرجع كل شيء إلى أصله مع تفسير بعض غريبه.

2 أصله أن أبا عبيدة قال: بلغ أبا بكر رضي الله عنه عن علي رضي الله عنه تلكؤ وشماس وتهمهم ونفاس، والتلكؤ التأخير والشماس النفار، والتهمهم الهمهمة وهو الكلام غير البين، والنفاس المنافسة، ولا يصح أن يكون أول الجملة هنا "لم أجد" لأنه يقتضي نصب المستثنى بأن يقول: إلا تلكؤا وشماسا إلخ.

ص: 355

روية كاسبة، ولا طريقة صائبة، وكرهت أن يتمادى بك الأمر 1، وتبدو العورة فتنفرج ذات البين، ويصير ذلك دربة لجاهل مغرور، أو عاقل ذى دهاء وفجور، أو صاحب سلامة ضعيف العنان، خوار الجنان، وكنت فيما مضى ظهيرا لي على دفع ركضة الشيطان، وتفنيد رسالة ابن عجلان، وكنت أتيامن ناصيتك، وأستبين الخير بين عارضيك 2. وقد كنت من العلوم والمذاكرة بالمكان المحوط، والمحل المغبوط، ولم تزل بحمد الله للمؤمنين أخا ولإخوانك ردءا. وهذا الحدثان العظيم ما بعده من خطر مخوف، أو صلاح معروف، ولا أظن جرحه يندمل بمسبرك، ولا إخال حيته تموت برقيتك، فقد وقع اليأس، وأعضل البأس، واحتيج إلى النظر فيما يصلح نفسك وخاصتك، وتفوز منه بإرشاد جنانك، والأخذ بناصيتك، والله أسأل تمام ذلك لي ولك، وتطلبه على يدي ويديك، والله كالئ وناصر وهاد ومبصر لكل من لاذ بجنابه، ووقف سائلا ببابه، وبه الحول والتوفيق.

1 الأصل من كلام أبي عبيدة متصلا بما قبله، وأصله: وكره أن يتمادى الحال وتبدو العدا-أو العورة- وما بعده سواء إلى قوله: خوار الجنانوالسجعتان بعده للشيخ عبد اللطيف.

2 قوله: وكنت أتيامن ناصيتك إلخ أصله من كلام أبي بكر لأبي عبيدة: ما أيمن ناصيتك، وأبين الخير بين عارضيك، ولقد كنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكان المحوط، والمحل المغبوط

إلى أن قال له: قد أردتك لأمر ما بعده خطرولا خوف وصلاحه معروف، فإن لم يندمل جرحه بمسبرك، ولم تستجب حيته لرقيتك، فقد وقع اليأس، وأعضل البأس، واحتيج بعد ذلك إلى ما هو أمرُّ وأعلق، وأعسر منه وأغلق، والله أسأل تمامه بك، ونظامه على يديك اهـ وقد تصرف الشيخ في هذا التضمين بما يناسب الحال وزاد عليه قوله: والله كالئ وناصر إلخ.

ص: 356

واعلم أن البحر مغرقة، والبر مفرقة 1، والجو أكلف والليل أغلف، والسماء جلواء، والأرض صلعاء، والصعود متعذر، والهبوط متعسر، والحق رؤوف عطوف، والباطل شنوف عنوف، والعجب قادحة الشر، والضغن رائد البوار، والتعريض شجار الفتنة، والفرقة تعرف العداوة، وهذا الشيطان متكئ على شماله، متحبل بيمينه فاتح حضنيه لأهله، ينتظر بهم الشتات والفرقة. ويدب بين الأمة بالشحناء والعداوة، عنادا لله ولرسوله ولدينه، تأليبا وتأنيبا 2 يوسوس بالفجور، ويدلي بالغرور، ويزين بالزور، ويمني أهل الشرور، ويوحي إلى أوليائه بالباطل، دأبا له منذ كان، وعادة له منذ أهانه الله تعالى في سابق الأزمان، لا ينجو منه إلا من آثر الآجل، وغض الطرف عن العاجل، ووطئ هامة عدو الله وعدو الدين بالأشد فالأشد، والأجد بالأجد، وقد أرشدك والله من آوى ضالتك، وصافاك من أحيا مودتك بعتابك، وأراد الخير بك من آثر البقيا معك. ما هذا الذي تسول لك نفسك، وينبو به قلبك 3، ويلتوي عليه رأيك

1 البحر مغرقة، إلخ. هذا أول بلاغ أبي بكر الذي عهد إلى أبي عبيدة بحمله إلى علي رضي الله عنهم ومعناه أن البحر موضع الغرق، والبر موضع الفرق بالتحريك وهو الخوف. وكان اللفظان مصحفين في الرسالة، وسقط منها لفظ رءوف في وصف الحق، وفيها زيادة: والعجب قادحة الشر، فهل هي رواية أم زادها الشيخ لمناسبة المقام؟ وفيها: والفرقة تعرف العداوة، وهي محرفة أصلها "والقعة ثقوب العداوة".

2 قوله: تأليبا وتأنيبا، معناه ظاهر ولكن الرواية "ناكبا" أي: منحرفا مائلا عن الحق إلى الباطل من قوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} وهنالك اختلاف بألفاظ أخرى صححنا منها ما هو ظاهر التحريف وأبقينا ما صح معناه.

3 في الرواية: "ويدوي به قلبك" وهو إما من الدوي، وهو الصوت المخصوص، وإما من الدوى كالهوى وهو المرض.

ص: 357

ويتخاوص له 1 طرفك، ويتردد معه نفسك، ويكثر عنده حلك وترحالك، ويتلون به رأيك وحقالك؟ ولم تبح به لإخوانك ونصحائك، وخاصتك وأعوانك، ولم تنبذ إليهم على سوى، ولم تملك ما تجده من الغيظ والجوى، أعجمة بعد إفصاح؟ أتلبس بعد إيضاح؟ أدين غير دين الله؟ أخلق غير خلق الله؟ أهدي غير هدي محمد؟ أمثلك يمشي لإخوته الضراء، وتدب إليهم منه الحمراء؟ أمثلك يضيق به الفضاء، وتنكسف في عينيه القمراء؟ ما هذا القعقعة بالشنان؟ وما هذه الوعوعة باللسان؟

[وصف حال آل الشيخ في زمن الفتنة]

أما أنك عارف 2 بأن الرأي الذي امتطينا صهوته، وركبنا غاربه، هو الرأي الأسد، والمنهج الأسعد، بكل دليل ورد، ممن لا يحيط به الحزر والعدد، مع أننا في زمن ووقت أنت منه في كن العافية وظلها غافلا عما نحن فيه لا تدري 3 ما يراد بنا ويشاد، ولا تحصل على علم ما يساق منا ويقاد، نعاني أحوالا تزيل الرواسي، ونقاسي أهوالا تشيب النواصي، خائضين غمارها، راكبين تيارها، نتجرع من صلبها، ونكرع في عبابها، ونحكم مراسها، ونبرم أمراسها، والعيون تحدج إلينا بالحسد، والأنوف تعطس بالكبر، والصدور تستعر بالغيظ، والأعناق تتطاول بالفخر، والشفار تشحذ

1 في الرواية: ويتخاوص دونه، ومعنى تخاوص: غض من بصره، وحدق نظره إلى الشيء كمن يقوّم سهما أو ينظر إلى الشمس. وفي الرواية هنا: ويسري فيه ظعنك، ويتردد معه نفسك، وتكثر معه صعداؤك. وليس فيها: ويكثر معه حلك، وترحالك، فهذا وما بعده إلى قوله: الغيظ والجوى من كلام الشيخ عبد اللطيف -رحمه الله تعالى-.

2 قوله: أما أنك عارف -الرواية جد عارف- وما بعده إلى قوله: غافلا عما نحن فيه. أخذه الشيخ من الكلام المعزو إلى الصدِّيق رضي الله عنه بالمعنى دون اللفظ، فهو هنالك في الإيمان والهجرة.

3 قوله: لا تدري إلخ. أصله: لا تعي. وما بعده أخذ بلفظه مع حذف بعض الجمل وتقديم بعضها وتأخير بعض.

ص: 358

بالمكر، والأرض تميد بالخوف، فلا ننتظر عند الصباح مساء، ولا عند المساء صباحا. وأنت لا تدري سوى ما أنت عليه من غايتك التي إليها غدي بك، وعندها حط رحلك، بل ونحن في كل يوم وكل ساعة 1 تغدو علينا الأراجيف وتروح، وتظهر أنياب النفاق فيما بيننا وتلوح، وعندنا من يقود المشركين، ويأزهم أزا إلى عباد الله الموحدين، من لا تدري خبره، ولم تعرف نبأه، وسوء طويته بالإسلام وأهله، ونحن ندافعهم عن الإسلام بالمال والآل، والعم والخال، والنشب والسبد واللبد 2، بطيب نفس، وقرة عين، ورحب أعطان، وثبات عزائم، وطلاقة أوجه، وذلاقة لسان، هذا إلى خفيات أسرار، ومكنونات أخبار، أنت عنها غافل، وعن الخوض في غمارها والدفع في صدرها معرض متجاهل. والآن قد بلغ فيك الأمر 3، ونهض لك الخبر، وجعل مرادك بين يديك، وعقلك بين عينيك، عن علم أقول ما تسمع، فاستقبل زمانك، وقلص أردانك، ودع التحبس والتعبس مع من لا يهرع لك إذا خطا،

1 قوله: بل نحن في كل يوموكل ساعة -إلى قوله: بالإسلام وأهله- من كلام الشيخوهو في رصانة الأصل ومتانته، وأسلوبه وصناعته.

2 قوله: ونحن ندافعهم عن الإسلام بالمال والآل، والعم والخال أصله:"فادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالأب والأم، والخال والعم، والنشب والسبد واللبد، زاد بعده: "والهلة والبلة" وما بعده سواء.

3 قوله: والآن قد بلغ فيك الأمر

إلى قوله: إذا أعطى

فيه شيء من التحريف أو التصرف في الأصل. فالرواية: والآن قد بلغ الله بك، وأرض الخير لك، وجعل مرادك بين يديك، وعن علم أقول ما تسمع، فارتقب زمانك، وقلص إليه أردانك، ودع التجسس والتعسس، لمن لا يظلع إليك إذا خطا، ولا يتزحزح عنك إذا عطا اهـ. وتأريض الخير له تهيئته والتأريض أيضا الإصلاح والتشذيب. وقوله: يظلع معناه يمشي وهو يغمز برجله والظلع دون العرج، وقوله:"عطا" لعل صوابها أعطى، وهما ضدان فعطا بمعنى أخذ وتناول، وأعطى بمعنى ناول غيره وحباه.

ص: 359

ولا يتزحزح عنك إذا أعطى. وأنت ولله الحمد 1 من مفاتي هذه الأمة في عصرك، يشار إليك ويقتدى بك بين أهل دهرك، وقد عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في هذا الأمر 2: هو لمن يقال: هو لك، لا لمن يقول: هو لي، ومن رغب عنه لا لمن تجاحش عليه، والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحكامه مضبوطة مسطورة، محررة في دواوين الإسلام مشهورة، فهلم فالحكم مرضي والحق مطاع:

فيا سادتنا هاتوا لنا من جوابكم

ففيكم لعمري ذو أفانين مقول

أأهل كتاب نحن فيه وأنتمو

على ملة نقضي بها ثم نعدل

أم الوحي منبوذ وراء ظهورنا

ويحكم فينا المرزبان المرفل

أتظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الأمر سدى بددا 3 مباهل غباهل طلاحي، مفتونة بالباطل مغبونة عن الحق، لا رائد ولا قائد، ولا ضابط ولا حافظ، ولا ساقي ولا واقي، ولا هادي ولا حادي، كلا والله ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سأل ربه المصير إليه إلا وقد ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. ولقد توفي رسول صلى الله عليه وسلم وما من طائر يقلب جناحيه إلا وقد ذكر للأمة منه علما.

{هذا آخر ما وجد من هذه الرسالة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم}

1 قوله: وأنت ولله الحمد إلخ. هو من كلام الشيخ لمخاطبهوهو في موضع قول الصدِّيق لعلي رضي الله عنه: وأنك أديم هذه الأمة فلا تحكم لجاجا، وسيفها العضب فلا تنب اعوجاجا، وماؤها العذب فلا تحل أجاجا.

2 قوله: وقد عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إلخ. أصله من الكلام المعزو إلى الصدِّيق رضي الله عنه ولقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر فقال لي: يا أبا بكر هو لمن يرغب عنه، لا لمن يرغب فيه ويجاحش عليه، ولمن تضاءل له لا لمن تنفج إليه، ولمن يقال: هو لك، لا لمن يقول: هو لي. والمراد بالأمر الخلافة، وما بعد هذا إلى آخر الأبيات مما أورده الشيخ ليس فيه من الرواية شيء.

3 قوله: أتظن أن رسول الله .. إلى قوله: ولا حادي .. من الأصل المنسوب إلى الصدِّيق بلفظه، وما بعده للشيخ لفظا لا معنى وأسلوبا. وجملة القول أنه رحمه الله أتقن الأخذ والتضمين، ولكن مثله في كثرته يعاب إذا لم يصرح آخذه بأنه قد أخذ وضمن، ولعل الشيخ فعل هذا أو أشار إليه فيما فقد من الرسالة.

ص: 360