الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الثاني}
2075-
(20) عن عائشة، قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس)) رواه الترمذي، والنسائي.
2076-
(21) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)) رواه الترمذي.
ــ
2075-
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين) قال المناوي: بكسر النون على أن إعرابه بالحرف وهو القياس من حيث العربية، قال القسطلاني: وهي الرواية المعتبرة ويجوز فتح النون على أن لفظ المثنى علم لذلك اليوم فأعرب بالحركة لا بالحرف (والخميس) بالنصب، وهذا لفظ النسائي في رواية وله في أخرى كان يتحرى صيام الاثنين والخميس، وهكذا وقع عند الترمذي وابن ماجه أي يقصد صومهما، ويراهما أحرى وأولى. وزاد في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه كما سيأتي في الفصل الثالث فقيل يا رسول الله! إنك تصوم الاثنين والخميس فقال إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول دعهما حتى يصطلحا-انتهى. وسيأتي التعليل بأنه يعرض فيهما الأعمال فكأنه يغفر للمسلمين حين يعرض عليه أعمالهم (رواه الترمذي) وحسنه (والنسائي) وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان وصححه وأعله ابن القطان بالراوي عن عائشة وهو ربيعة الجرشي وأنه مجهول. قال الحافظ في التلخيص (ص199) قد أخطأ في ذلك فهو صحابي وفي الباب عن حفصة عند أبي داود وعن أبي هريرة وأم سلمة وسيأتيان. وعن أسامة بن زيد عند أحمد وأبي داود والنسائي وعن واثلة وعبد الله بن مسعود وأبي رافع روى الثلاثة الطبراني في الكبيرة والأول فيه محمد بن عبد الرحمن القشيري وهو متروك، وفي الثاني أبوبلال الأشعري وهو ضعيف، والثالث فيه الحماني وفي كلام.
2076-
قوله: (تعرض الأعمال) أي على الله تعالى (يوم الاثنين والخميس) بالجر أي تعرضها الملائكة عليه فيهما. قال الحليمي: يحتمل أن ملائكته الأعمال يتناوبون فيقيم فريق من الاثنين إلى الخميس فيعرج، وفريق من الخميس إلى الاثنين، فيعرج كلما عرج فريق قرأ ما كتب في موضعه من السماء فيكون ذلك عرضاً في الصورة وأما للباري في نفسه فغنى عن نسخهم وعرضهم وهو أعلم باكتساب عبادة منهم. وقال البيجوري: وحكمة العرض أن الله تعالى يباهي بالطائعين الملائكة،
2077-
(22) وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر! إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة)) رواه الترمذي، والنسائي.
ــ
وإلا فهو غني عن العرض لأنه أعلم بعبادة من الملائكة (فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) أي طلباً لزيادة رفع الدرجات. قال في اللمعات: لعله إنما اختار الصوم لفضله، ولأنه لا يدري في أية ساعة تعرض، والصوم يستوعب النهار، ولأنه يجتمع مع الأعمال الأخر بخلاف ماعداه من الأعمال-انتهى. قال ابن الملك: وهذا لا ينافي قوله عليه السلام يرفع عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل للفرق بين الرفع والعرض، لأن الأعمال تجمع في الأسبوع، وتعرض في هذين اليومين. وفي حديث مسلم تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا. قال ابن حجر: ولا ينافي هذا رفعها في شعبان فقال إنه شهر ترفع فيه الأعمال، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة وأعمال العام مجملة، كذا في المرقاة. قلت: حديث رفع الأعمال في شعبان، أخرجه النسائي من حديث أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله! لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم (رواه الترمذي) وحسنه، وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه، وأخرجه أيضاً أحمد والدارمي ولابن ماجه معناه كما تقدم.
2077-
قوله: (إذا صمت) أي أردت الصوم (من الشهر ثلاثة أيام) هذا الفظ الترمذي، وللنسائي إذا صمت شيئاً من الشهر (فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) هي أيام الليالي البيض، ففي رواية للنسائي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. وفيه دليل على استحباب صوم أيام البيض وهي الثلاثة المعينة في الحديث. وقد وقع الاتفاق بين العلماء على أنه يستحب أن تكون الثلاث المذكورة في وسط الشهر، كما حكاه النووي: واختلفوا في تعيينها، فذهب الجمهور إلى أنها ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر. وقيل هي الثاني عشر. والثالث عشر. والرابع عشر. وحديث أبي ذر هذا وما في معناه يرد ذلك قيل: الحكمة في صوم أيام الليالي البيض أي المقمرة إنه لما عم النور لياليها ناسب أن تعم العبادة نهارها. وقيل الحكمة في ذلك إن الكسوف يكون فيها غالباً، ولا يكون في غيرها وقد أمرنا بالتقرب إلى الله تعالى، بأعمال البر عند الكسوف (رواه الترمذي) وحسنه (والنسائي) وأخرجه أيضاً أحمد وابن حبان وصححه والبيهقي (ج4:ص294) وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد والنسائي وابن حبان،
2078-
(23) وعن عبد الله بن مسعود، قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم غرة كل شهر ثلاثة أيام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة)) . رواه الترمذي. والنسائي. ورواه أبوداود إلى ثلاثة أيام.
2079-
(24) وعن عائشة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين. ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس)) . رواه الترمذي.
ــ
قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها: فأمرهم أن يأكلوا وأمسك الأعرابي فقال: ما منعك أن تأكل فقال إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قال: إن كنت صائماً فصم الغر، أي البيض الليالي بوجود القمر طول الليل. قال الحافظ: وفي بعض طرقه عند النسائي إن كنت صائماً ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. وفي الباب أيضاً عن قتادة بن ملحان عند أبي داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. وقال: هي كهيئة الدهر. وعن جرير عند النسائي والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر أيام البيض صبيحة، ثلاث عشرة وأربع عشرة، وخمس عشرة، قال الحافظ: إسناده صحيح.
2078-
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر) بضم الغين المعجمة. قال العراقي: يحتمل أن يراد بغرة الشهر أوله وأن يراد بها الأيام الغر، وهي البيض. كذا في قوت المغتذي. وقال في القاموس الغرة من الشهر ليلة استهلال القمر، يعني أول الشهر (ثلاثة أيام) قيل لا منافاة بين هذا الحديث وحديث عائشة وهو أنه لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم لأن هذا الراوي وجد المر على ذلك في غالب ما اطلع عليه من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم فحدث بما كان يعرف من ذلك، وعائشة رضي الله عنها اطلعت من ذلك على مالم يطلع عليه الراوي فحدثت بما علمت، فلا تنافي بين الأمرين كذا ذكره القاري. (وقلما كان يفطر يوم الجمعة) أي قل إفطاره يوم الجمعة بل كان كثيراً ما يصومه، وهذا محمول على أنه كان يصومه منضما إلى ما قبله أو إلى ما بعده لا أنه يصومه وحده فلا ينافي ما تقدم من النهي عن أفراده بالصيام، وقد سبق البسط فيه (رواه الترمذي والنسائي) أي تمام الحديث، وكذا أخرجه أحمد (ج1ص406) والبيهقي (ج4ص294) وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن عبد البر وابن حزم (ج7ص21) وحسنه الترمذي (ورواه أبوداود إلى ثلاثة أيام) وروى ابن ماجه صوم الجمعة فقط أي قوله قلما رأيته يفطر يوم الجمعة.
2079-
قوله: (يصوم من الشهر) أي من أحد الشهور (السبت والأحد والاثنين) بكسر النون وفتحها بناء على أن أعرابه بالحرف أو الحركة (ومن الشهر الآخر الثلاثاء) بفتح المثلثة وبضم (والأربعاء) بكسر الموحدة ويفتح ويضم وكلاهما ممدود (والخميس)
2080-
(25) وعن أم سلمة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أولها الاثنين والخميس)) . رواه أبوداود والنسائي.
ــ
قال الحافظ: وكان الغرض به أن يستوعب غالباً أيام الأسبوع بالصيام-انتهى. وقال القاري: مراعاة للعدالة بين الأيام فلنها أيام الله تعالى، ولا ينبغي هجران بعضها لانتفاعنا بكلها. قال الطيبي: وقد ذكر الجمعة في الحديث السابق فكان يستوفي أيام الأسبوع بالصيام. قال ابن الملك: أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين سنة صوم جميع الأسبوع، وإنما لم يصم صلى الله عليه وسلم الستة متوالية كيلا يشق على الأمة الإقتداء به رحمة لهم وشفقة عليهم (رواه الترمذي) من طريق سفيان عن منصور عن خيثمة عن عائشة وقال هذا حديث حسن، ورواه عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: وروى موقوفاً وهو أشبه.
2080-
قوله: (أولها) بالرفع (الاثنين) الظاهر الاثنان بالألف لكونه خبراً، فقيل في توجيهه إن الاثنين صار علما، والأعلام لا تتغير عن أصل وضعها بإختلاف العوامل فأعرب بالحركة برفع النون لا بالحرف أو إن التقدير أولها يوم الاثنين، فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله على قراءة، وأسأل القرية وإن كانت شاذة. وقال الطيبي: أولها منصوب لكن بفعل مضمر أي اجعل أولها الاثنين والخميس يعني و"الواو" بمعنى "أو" وعليه ظاهر كلام الشيخ التوربشتي حيث قال صوابه أو الخميس، والمعنى أنها تجعل أول الأيام الثلاثة الاثنين أو الخميس، وذلك لأن الشهر إما أن يكون افتتاحه من الأسبوع في القسم الذي بعد الخميس، ففتح صومها في شهرها ذلك بالاثنين وإما أن يكون بالقسم الذي بعد الاثنين ففتح صوم شهرها ذلك بالخميس، وكذلك وجدت الحديث فيما يرويه من كتاب الطبراني كذا ذكره القاري: وقيل أولها بدل من كل شهر بحذف الجر أي يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر من أولها، ولفظ الاثنين والخميس بدل من ثلاثة أيام أي أصوم ثلاثة أيام الاثنين والخميس من أول كل شهر، واللفظ المذكور لأبي داود، وكذا نقله عنه الجزري في جامع الأصول (ج7ص212) وهو ساكت عن تعيين اليوم الثالث، ولفظ النسائي كان يأمر بصيام ثلاثة أول خميس والاثنين والاثنين، ورواه البيهقي (ج4ص295) بلفظ: كان يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من الشهر الاثنين والخميس والخميس، ويؤيد رواية النسائي في تكرار الاثنين، ما رواه أحمد (ج6ص287- 288) والنسائي والبيهقي (ج4ص295) من حديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يوم الاثنين ويوم الخميس ويوم الاثنين من الجمعة الأخرى.
2081-
(26) وعن مسلم القرشي، قال: ((سألت – أو سئل – رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر فقال: إن لأهلك عليك حقا، صم رمضان والذي يليه،
ــ
وما رواه النسائي من حديث أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الاثنين، والخميس من هذه الجمعة، والاثنين من المقبلة، ويؤيد رواية البيهقي ما رواه أحمد (ج6ص288، 423) والنسائي عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعة من ذي الحجة، ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر وخميسين، وما رواه النسائي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يوم الاثنين. من أول الشهر، والخميس الذي يليه، ثم الخميس الذي يليه. قال السندي في حاشية النسائي: حديث أم سلمة يدل على أنه كان يأمر بتكرار الاثنين، وقد سبق من فعله أنه كان يكرر الخميس فدل المجموع على أن المطلوب إيقاع صيام الثلاثة في هذين اليومين. إما بتكرار الخميس أو بتكرار الاثنين والوجهان جائزان-انتهى. قلت: وقد ورد ما يدل على أن اليوم الثالث من الأيام الثلاثة هو يوم الجمعة لا الاثنان أو الخميس، فروى أحمد (ج6ص289، 310) عن أم سلمة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والجمعة والخميس، فهذا يخالف ما تقدم من تكرار الاثنين أو الخميس، ومدار حديث أم سلمة عند أحمد، وكذا النسائي وأبي داود والبيهقي على والدة هنيدة بن خالد الخزاعي، أو امرأته وكلتاهما مجهولة (رواه أبوداود والنسائي) وأخرجه أيضاً أحمد، والبيهقي على اختلاف فيه، كلهم من طريق هنيدة بن الخزاعي عن أمه عن أم سلمة، وقد سكت عنه أبوداود والمنذري. وقال الهيثمي (ج3ص193) بعد ذكر الحديث من مسند الإمام أحمد. قلت: رواه النسائي خلا والجمعة، وأم هنيدة لم أعرفها-انتهى.
2081-
قوله: (وعن مسلم القرشي) بضم القاف وفتح الراء نسبة إلى قريش. قال الحافظ في الإصابة: (ج3ص415- 416) مسلم بن عبيد الله القرشي. وقيل: عبيد الله بن مسلم. وقيل: إنه مسلم بن مسلم حديثه في صيام الدهر يدور على هارون بن سلمان الفراء. أخرجه أبوداود والترمذي من طريق عبيد الله بن موسى عن هارون عن عبيد الله بن مسلم القرشي عن أبيه قال: سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر-الحديث. وأخرجه النسائي عن أحمد بن يحيى عن أبي نعيم عن هارون به، وعن إبراهيم بن يعقوب عن أبي نعيم عن هارون عن مسلم عن أبيه كذا قال، وأشار الترمذي إلى هذه الرواية فقال، وروى بعضهم عن هارون به،
وكل أربعاء وخميس، فإذا أنت قد صمت الدهر كله)) . رواه أبوداود، والترمذي.
2082-
(27) وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. رواه أبوداود.
ــ
وقد وافق زيد بن الحباب عبيد الله بن موسى. وأخرجه النسائي من طريقه وصوب غير واحد إن اسم الصحابي مسلم. وقال البغوي: سكن الكوفة-انتهى. وقال ابن عبد البر في الإستيعاب: مسلم بن عبيد الله القرشي، وليس بوالد ريطة بنت مسلم الأزدي، ولا أدري من أي قريش هو، واختلف فيه فقيل مسلم بن عبيد الله. وقيل: عبيد الله بن مسلم. ومن قال عبيد الله عندي احفظ له حديث واحد في صوم رمضان والذي يليه الخ. وقد قيل إن الصحبة لأبيه عبيد الله القرشي. (فقال إن لأهلك عليك حقاً) أي وصوم الدهر يضعف عن أداء حق الأهل، وفيه إشعار بأن صوم الدهر من شأنه أن يفتر الهمة عن القيام بحقوق الله وحقوق عباده فلذاكره (صم رمضان والذي يليه) قيل أراد الست من شوال، وقيل أراد به شعبان. (وكل أربعاء) بالمد وعدم الانصراف (وخميس) بالجر والتنوين أي من كل جمعة (فإذا) بالتنوين (أنت قد صمت الدهر) قال الطيبي:"الفاء" جزاء شرط محذوف أي إن فعلت ما قلت لك فقد صمت، وإذن جواب جيء لتأكيد الربط (كله) قال القاري: لعل هذا الحديث متقدم على ما سبق من حصول صوم الدهر بثلاثة من كل شهر، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يخبر أولاً بالجزا القليل ثم بالثواب الجزيل إعظاماً للمنة عليه وعلى الأمة، وإلا فيقارب مقتضي هذا الحديث أن يصير صوم الدهر مرتين حكما-انتهى. وذلك لأن صوم رمضان وست مما يليه من شوال يساوي صوم الدهر كما تقدم في حديث أبي أيوب وكذلك كل أربعاء وخميس بل هذا يزيد على صوم الدهر، فإن الشهر لا يخلو عن أربعة أربعاء وأربعة خميس، فإذا صام أربعة أربعاء وأربعة خميس فقد صام في الشهر ثمانية أيام فإذا ساوى صوم ثلاثة أيام صوم جميع الشهر فيزيد صوم ثمانية أيام على صوم الشهر فتدبر (رواه أبوداود) وسكت عليه (والترمذي) وقال حديث غريب، ولم يحكم عليه بشيء من الحسن والصحة. وقال المنذري في الترغيب: رواته ثقات وقال العزيزي: إسناده صحيح.
2082-
قوله: (نهى) نهي تحريم أو تنزيه (عن صوم يوم عرفة بعرفة) أي في عرفات، وأما في غيرها فمندوب كما سبق في حديث أبي قتادة. قال الأمير اليماني: الحديث ظاهر في تحريم صوم عرفة بعرفة، وإليه ذهب يحيى بن سعيد الأنصاري. وقال يجب إفطاره على الحاج. وقيل: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، ونقل عن الشافعي واختاره الخطابي، والجمهور على أنه يستحب إفطاره،
2083-
(28) وعن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم،
ــ
وأما هو صلى الله عليه وسلم فقد صح أنه كان يوم عرفة بعرفة مفطراً في حجته كما تقدم، ولكن لا يدل تركه الصوم على تحريمه، نعم يدل لأن الإفطار هو الأفضل لأنه صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل إلا أنه قد يفعل المفضول لبيان الجواز، فيكون في حقه أفضل لما فيه من التشريع والتبليغ بالفعل، ولكن الأظهر التحريم لأنه أصل النهي-انتهى. وقد سبق بسط الكلام في هذه المسألة في شرح حديث أم الفضل (رواه أبوداود) وكذا أحمد (ج2ص304) والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن خزيمة والبخاري في التأريخ الكبير (ج4ص424) والحافظ المزي في تهذيب الكلام (ج1ص379) والحاكم (ج1ص434) والبيهقي (ج4ص284) كلهم من طريق حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن أبي هريرة وقد سكت عنه أبوداود وصححه ابن خزيمة. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي واستنكره العقيلي لأن مهدياً الهجري مجهول، ورواه العقيلي في الضعفاء من طريقه، وقال لا يتابع عليه. قال المناري: قول الحاكم على شرط البخاري مردود، فإن مهدياً الهجري ليس من رجال البخاري ولا مسلم. وقال المنذري: في إسناده مهدي الهجري. قال ابن معين: لا أعرفه. وقال العقيلي: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة. قال الحافظ في التلخيص (ص199) : قد صححه ابن خزيمة، ووثق مهديا المذكور ابن حبان وترجمة البخاري في التأريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكرا فيه جرحا.
2082-
قوله: (وعن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة هو عبد الله بن بسر أبوبسر المازني ويقال أبوصفوان صحابي صغير ولأبويه وأخويه عطية والصماء صحبة سكن حمص، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه إن كان محفوظا وأخته الصماء. وقيل: عمته. وقيل: خالته مات بالشام. وقيل: بحمص، منها سنة ثمان وثمانين، وهو ابن أربع وتسعين، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة. وقال أبوالقاسم بن سعد: مات سنة ست وتسعين وهو ابن مائة سنة، وكذا ذكره أبونعيم في معرفة الصحابة، وساق في ترجمته حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه، فقال يعيش هذا الغلام قرنا فعاش مائة سنة. (عن أخته الصماء) بالصاد المهملة المفتوحة والميم المشددة وبالمد، وهي بنت بسر المازنية واسمها بهية بضم الموحدة وفتح الهاء وتشديد المثناة التحتية. وقيل: اسمها بهيمة بزيادة الميم. قال الحافظ: هي أخت عبد الله بن بسر. وقيل: عمته. وقيل: خالته روت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: عن عائشة عنه في النهي عن صوم يوم السبت وعنها عبد الله بن بسر وأبوزيادة عبيد الله بن زياد، ورجح دحيم الأول. قال أبوزرعة: قال لي دحيم أهل بيت أربعة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم بسر وابناه عبد الله وعطية وأختهما الصماء (لا تصوموا يوم السبت) أي وحده (إلا فيما افترض عليكم) بصيغة المجهول.
فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبه، أو عود شجرة فليمضغه. رواه أحمد، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي.
ــ
قال المنذري في الترغيب: هذا النهي إنما هو عن إفراده بالصوم لما تقدم من حديث أبي هريرة، لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، فجاز إذاً صومه. قال الطيبي: قالوا النهي عن الإفراد كما في الجمعة، والمقصود مخالفة اليهود فيهما، والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور، وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة، وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء أو وافق وردا، وزاد ابن الملك وعشر ذي الحجة أو في خير الصيام صيام داود، فإن المنهي عنه شدة الاهتمام والعناية به حتى كأنه يراه واجبا كما تفعله اليهود. وقال القاري: فعلى هذا يكون النهي للتحريم، وأما على غير هذا الوجه فهو للتنزيه بمجرد المشابهة (إلا لحاء عنبه) بكسر اللام بعدها حاء مهملة ممدوداً قشر الشجر، والعنبة بكسر المهملة وفتح النون هي الحبة من العنب الفاكهة المعروفة، والمراد قشر حبة واحدة من العنب (أو عود شجرة) عطف على لحاء (فليمضغه) قال في القاموس: مضغه كمنعه ونصره لاكه بأسنانه وهذا تأكيد بالإفطار لنفي الصوم، وإلا فشرط الصوم النية فإذا لم توجد لم يوجد ولو لم يأكل (رواه أحمد) (ج6ص368) (وأبو داود والترمذي) الخ. وأخرجه أيضاً النسائي في الكبرى وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم (ج1ص435) والطبراني والبيهقي (ج4ص302) وحسنه الترمذي وصححه ابن السكن وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. وقال النووي: صححه الأئمة. وقال الحافظ في بلوغ المرام: رجاله ثقات إلا أنه مضطرب، وقد أنكره مالك. وقال أبوداود: هو منسوخ-انتهى. قلت: أما الاضطراب فلأنه روى كما ذكره المصنف، وروى عن عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه عن أخته الصماء، وهذه رواية ابن حبان، وهكذا وقع في رواية لابن ماجه. قال الحافظ في التلخيص (ص200) وليست هذه بعلة قادحة فإنه أيضاً صحابي. وقيل: عنه عن أبيه بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: عنه عن الصماء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال النسائي: هذا حديث مضطرب. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه وعن أخته بواسطة، وهذه طريقة من صححه. ورجح عبد الحق الرواية الأولى وتبع في ذلك الدارقطني لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد مع اتحاد المخرج يوهن راوية وينبئ لقلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه وليس الأمر هنا كذا، بل اختلف فيه على الراوي عن عبد الله بن بسر أيضاً، وأما إنكار مالك له فإنه قال أبوداود عن مالك أنه قال هذا حديث كذب-انتهى.
2084-
(29) وعن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً، كما بين السماء والأرض)) . رواه الترمذي.
ــ
روى أبوداود عن الأوزاعي أنه قال ما زلت لحديث عبد الله بن بسر كاتماً حتى رأيته انتشر، وروى عن الزهري أنه كان إذا ذكر له قال هذا حديث حمصي إلى أنه ضعيف. وقول مالك المذكور أصرح في ذلك وأبلغ. وأما قول أبي داود أنه منسوخ فلعله أراد ما سيأتي في الفصل الثالث من حديث أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام-الحديث، فالنهي عن صومه كان أول الأمر حيث كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب، ثم كان آخر أمره صلى الله عليه وسلم مخالفتهم كما صرح به حديث أم سلمة نفسه. وقيل بل النهي كان عن إفراده بالصوم إلا إذا صام ما قبله أو ما بعده كما تقدم عن المنذري والطيبي. قال الشوكاني: وقد جمع صاحب البدر المنير بين هذه الأحاديث يعني حديث الصماء وحديث أم سلمة وحديث عائشة السابق في صومه صلى الله عليه وسلم في السبت والأحد بأن النهي متوجه إلى الإفراد، والصوم بإعتبار انضمام ما قبله أو بعده إليه، ويؤيد هذا ما تقدم من إذنه صلى الله عليه وسلم لمن صام الجمعة أن يصوم السبت بعدها، والجمع مهما أمكن أولى من النسخ-انتهى.
2084-
قوله: (جعل الله بينه وبين النار خندقاً) الخندق، بوزن جعفر، حفير حول أسوار المدن، وحول الحصون معرب كندة (كما بين السماء والأرض) أي مسيرة خمسمائة عام. قال الطيبي: استعارة تمثيلية الحاجز المانع شبه الصوم بالحصن وجعل له خندقاً حاجزاً بينه وبين النار التي شبهت بالعدو، ثم شبه الخندق في بعد غوره بما بين السماء والأرض، (رواه الترمذي) في فضائل الجهاد من رواية الوليد بن جميل عن القاسم عن أبي أمامة وقال هذا حديث غريب: ونقله المنذري في الترغيب عن الترمذي وسكت عنه. قال ورواه الطبراني إلا أنه قال من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار مسيرة عام، ركض الفرس الجواد المضمر. وقد ذهب طوائف من العلماء إلى أن هذه الأحاديث جاءت في فضل الصوم في الجهاد، وبوب على هذه الترمذي وغيره، وذهبت طائفة إلى أن كل الصوم في سبيل الله إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى-انتهى. قلت: والراجح عندنا هو القول الأول، وقد تقدم البسط في ذلك وحديث أبي أمامة هذا رواه الطبراني في الأوسط والصغير من حديث أبي الدرداء قال المنذري والهيثمي (ج3ص194) إسناده حسن ورواه في الأوسط من حديث جابر. قال الهيثمي: وفيه عيسى بن سليمان الجرجاني وهو ضعيف.
2085-
(30) وعن عامر بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الغنيمة البادرة الصوم في الشتاء)) رواه أحمد، والترمذي، وقال: هذا حديث مرسل. وذكر حديث أبي هريرة: ما من أيام إلى الله في "باب الأضحية".
ــ
2085-
قوله: (وعن عامر بن مسعود) أي ابن أمية بن خلف الجُمّحى مختلف في صحبته ذكره المؤلف وابن مندة وابن عبد البر في الصحابة. وقال الدوري: عن ابن معين له صحبة. وقال أبوداود: سمعت مصعباً يقول: له صحبة كان عاملا لابن الزبير على الكوفة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال: يروي المراسيل، ومن زعم أن له صحبة بلا دلالة فقد وهم. وقال أبوزرعة: هو من التابعين. وقال ابن السكن: ويعقوب بن سفيان: ليست له صحبة. وقال الترمذي في جامعه: حديثه مرسل، لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في العلل الكبير قال البخاري: لا صحبة له ولا سماع من النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أحمد: ما أرى له صحبة، وسأله أبوداود أله صحبة؟ فقال لا أدري كذا ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب (ج5ص81) وفي القسم الأول من حرف العين من الإصابة (ج2ص260) وقال في القسم الأول من حرف الميم في ترجمة والده مسعود بن أمية بن خلف، قتل أبوه أميه يوم بدر، ولولده عامر بن مسعود رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم والأكثرون قالوا: إن حديثه مرسل فتكون الصحبة لأبيه وكان من مسلمة الفتح أو مات على كفره قبيل الفتح، وولد له عامر قبل الفتح بقليل، فلذلك لم يثبت له صحبة السماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان معدوداً في الصحابة لأن له رؤية-انتهى. (الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء) لوجود الثواب بلا تعب كثير و"في الفائق" الغنيمة الباردة التي تجيء عفواً من غير أن يصطلي دونها بنار الحرب ويباشر حر القتال في البلاء. وقيل: هي الهيئة الطيبة مأخوذة من العيش البارد، والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب والهنأة أن الماء والهواء لما كان طيبهما يبردهما خصوصاً في البلاد الحارة. قيل: ماء بارد، وهواء بارد، على طريق الاستطابة، ثم كثر حتى قيل عيش بارد وغنيمة باردة وبرد أمرنا. قال التوربشتي: الغنيمة الباردة، هي التي يحوزها صاحبها عفواً صفواً لا يمسه فيها نصب، والمعنى أن الصائم في الشتاء يحوز الأجر من غير أن يمسه حر العطش، أو يصيبه لذعة الجوع. وإنما قال الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء، ولم يقل الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، تنبيهاً على معنى الاختصاص أي يبلغ الصوم في هذا المعنى مالا يبلغ غيره. وقال الطيبي: التركيب من قلب التشبيه لأنه الأصل الصوم في الشتاء كالغنيمة الباردة، وفيه من المبالغة أن يلحق الناقص بالكامل كما يقال زيد كالأسد فإذا عكس. وقيل: الأسد كزيد يجعل الأصل كالفرع، والفرع كأصل يبلغ التشبيه إلى الدرجة القصوى في المبالغة، والمعنى أن الصائم يحوز الأجر من غير أن يمسه حر العطش أو يصيبه ألم الجوع من طول اليوم-انتهى. قلت: السياق المذكور للترمذي، ورواه أحمد والبيهقي وغيرهما بلفظ: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، وكذا وقع في حديث أنس عند الطبراني، وفي حديث جابر عند ابن عدي وغيره كما في الجامع الصغير (رواه أحمد)(ج4ص335)