المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قالوا: وما القنطار؟ قال: اثنا عشر ألفاً)) . رواه الدارمي. ‌ ‌(1) - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: قالوا: وما القنطار؟ قال: اثنا عشر ألفاً)) . رواه الدارمي. ‌ ‌(1)

قالوا: وما القنطار؟ قال: اثنا عشر ألفاً)) . رواه الدارمي.

(1) باب

{الفصل الأول}

2209-

(1) عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعاهدوا القرآن

ــ

القنطار ملء مسك الثور ذهباً (قالوا) أي الصحابة (وما القنطار قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون ضمير قالوا لأصحاب الحسن وضمير قال للحسن (اثنا عشر ألفاً) أي ديناراً، وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعاً القنطار اثنا عشر ألف أوقية، والأوقية خير مما بين السماء والأرض، وروى الطبراني عن أبي أمامة مثله. (رواه الدارمي) عن أبي النعمان عن وهب عن يونس عن الحسن أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال من قرأ في ليلة إلخ. وقد سبق الكلام في مراسيل الحسن البصري وذكرنا هناك أن الإمام أحمد قال: إنها من أضعف المراسيل. وقال العراقي: مراسيل الحسن عندهم شبه الريح. وقال ابن المديني: مرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح ما أقل ما يسقط منها. وقال أبوزرعة: كل شي. قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت له أصلاً ثابتاً ما خلا أربعة أحاديث. وقال يحيى بن سعيد القطان: ما قال الحسن في حديثه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا وجدنا له أصلاً إلا حديثاً أو حديثين. قال الحافظ: ولعله أراد ما جزم به الحسن. قلت: والحديث المذكور ههنا مما رواه عنه الثقة وأيضاً قد جزم به الحسن حيث قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم فالظاهر إن مرسله هذا ليس من مراسيله التي لا أصل لها. ويؤيده ما ورد في الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي أمامة وأبي هريرة وأنس وأبي الدرداء وتميم الداري وفضالة بن عبيد وعبد الله بن مسعود مرفوعاً وموقوفاً بنحو ذلك بألفاظ وطرق مختصراً ومطولاً من شاء الوقوف عليها رجع إلى الترغيب للمنذري ومجمع الزوائد وعمل اليوم والليلة لابن السني والسنن للدارمي.

(باب) بالتنوين ويسكن وهو في توابع فضائل القرآن من الأحكام التي مراعاتها من الفواضل وغير ذلك، ووقع في بعض النسخ باب آداب التلاوة ودروس القرآن.

2209-

قوله: (تعاهدوا القرآن) مثل تعهدوه أي تفقدوه وراعوه بالمحافظة وواظبوا على قراءته وداوموا على تكرار دراسته لئلا ينسى. قال التوربشتي: العهد والتعاهد هو التحفظ بالشيء وتجديد العهد به، ومعناه

ص: 260

فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها)) متفق عليه.

2210-

(2) وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم

ــ

ههنا التوصية بتجديد العهد بقراءته لئلا يذهب عنه (لهو) اللام لتوكيد القسم أي القرآن (أشد تفصياً) بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة المشددة وتخفيف التحتية بعدها منصوب على التمييز أي أسرع تفلتاً وتخلصاً وذهاباً وخروجاً. قال التوربشتي: التفصى من الشيء التخلص منه تقول تَفَصَّيت من الديون إذا خرجت منها (من الإبل في عقلها) وفي رواية بعقلها وفي أخرى من عقلها وهي بضمتين ويجوز سكون القاف جمع عقال بكسر أوله ككتب وكتاب وهو الحبل الذي يشد به ذراع البعير، يقال عقلت البعير أعقله عقلاً إذا ثنيت وظيفة إلى ذراعه فتشدهما جميعاً في وسط الذراع وذلك الحبل هو العقال، والمعنى إن صاحب القرآن إذا لم يتعهده بتلاوته والتحفظ به والتذكر حالاً فحالاً كان أشد ذهاباً من الإبل إذا تخلصت من العقال فإنها تنفلت حتى لا تكاد تلحق. قال القرطبي: من رواه من عقلها فهو على الأصل الذي يقتضيه التعدي من لفظ التفصي ومن رواه بالباء أو بكلمة "في" يحتمل أن يكون بمعنى "من" أو بمعنى الظرف أو بمعنى المصاحبة يعني مع عقلها. والحاصل تشبيه من يتفلت منه القرآن بالناقة التي تفلتت من عقالها وبقيت متعلقة به كذا قال، والتحرير إن التشبيه وقع بين ثلاثة بثلاثة فحامل القرآن شبه بصاحب الناقة، والقرآن بالناقة والحفظ بالربط. قال الطيبي: ليس بين القرآن والناقة مناسبة لأنه قديم وهي حادثة لكن وقع التشبيه في المعنى. وفي هذا الحديث وكذا في الحديث الذي يليه زيادة على حديث ابن عمر الآتي بعدهما، لأن في حديث ابن عمر تشبيه أحد الأمرين بالآخر وفي هذا إن هذا أبلغ في النفور من الإبل لأن من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها فمتى لم يتعاهدها صاحبها برباطها تفلتت فكذلك حافظ القرآن إذا لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك. وقال ابن بطال: هذا الحديث يوافق الآيتين قوله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} [المزمل: 5] وقوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17] فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسر له ومن أعرض عنه تفلت منه. قال الطيبي: وإنما كان كذلك لأن القرآن ليس من كلام البشر بل هو من كلام خالق القوي والقدر وليس بينه وبين البشر مناسبة قريبة لأنه حادث وهو قديم لكن الله سبحانه وتعالى بلطفه العميم وكرمه القديم من عليهم ومنحهم هذه النعمة العظيمة فينبغي له أن يتعاهده بالحفظ والمواظبة عليه ما أمكنه فقد يسره تعالى للذكر وإلا فالطاقة البشرية تعجز قواها عن حفظه. وفيه وفي حديثي ابن مسعود وابن عمر الحض على محافظة القرآن بدوام دراسته وتكرار تلاوته وضرب الأمثال لإيضاح المقاصد (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد (ج4ص397، 411) .

2210-

قوله: (بئس ما)"ما" نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس (لأحدهم) أي لأحد الناس

ص: 261

أن يقول نسيت آية كيت وكيت. بل نسي،

ــ

(أن يقول) هو المخصوص بالذم كقوله تعالى: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله} [البقرة: 90] أي بئس الشيء شيئاً كائناً لأحدهم قوله (نسيت) بفتح النون وكسر السين مخففة (آية كيت وكيت) أي آية كذا وكذا وهو بفتح التاء على المشهور وحكى الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة. قال القرطبي: كيت وكيت يعبر بهما عن الجمل الكثيرة، والحديث الطويل. وأطلق ههنا باعتبار كون الآية مشتملة على مضمون جملة وإلا فالظاهر آية كذا وكذا (بل نسى) بضم النون وتشديد المهملة المكسورة. قال القرطبي: رواه بعض رواة مسلم مخففاً. قال الحافظ: وكذا هو في مسند أبي يعلى وكذا أخرجه ابن أبي داود في كتاب الشريعة من طرق متعددة مضبوطة بخط موثوق به على كل سين علامة التخفيف. قلت: (قائله الحافظ) والتثقيل هو الذي وقع في جميع الروايات في البخاري وكذا في أكثر الروايات في غيره ويؤيده ما وقع في رواية أبي عبيد في الغريب بعد قوله كيت وكيت ليس هو نسى ولكنه نسى الأول بفتح النون وتخفيف السين، والثاني بضم النون وتثقيل السين. قال الخطابي: نُسيّ يعني عوقب بالنسيان على ذنب كان منه أو على سوء تعهده بالقرآن حتى نسيه. وقال القرطبي: التثقيل معناه إنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره قال: ومعنى التخفيف إن الرجل ترك غير ملتفت إليه وهو كقوله: {نسوا الله فنسيهم} [التوبة: 67] أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة. وقال في اللمعات: بئس ما لأحدهم الخ أي بئس شيئاً كائناً لأحدهم قوله نسيت آية "كيت وكيت" فإنه يشعر بتركه وعدم مبالاته بها بل يقول نسي بلفظ المجهول من التفعيل تحسُّراً أو إظهاراً للخذلان على تقصيره في إحراز هذه السعادة وحفظها أو تحرزاً عن التصريح بارتكاب المعصية وتأدباً مع القرآن العظيم- انتهى. وأعلم أنه اختلف في متعلق الذم من قوله بئس على أوجه ذكرها الحافظ في الفتح وأرجحها عنده إن سبب الذم ما فيه من الأشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان إلا بترك التعاهد وكثرة الغفلة، فلو تعاهده بالتلاوة والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره، فإذا قال الإنسان نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لأنه الذي يورث النسيان. وقال عياض: أولى ما يتأول عليه الحديث ذم الحال لا ذم القول أي بئست الحالة حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه. وقد عقد البخاري في صحيحه باب نسيان القرآن وهل يقول نسيت آية كذا وكذا، ثم أورد فيه حديث عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في سورة بالليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا. قال الحافظ: وفي رواية معمر عن هشام عند الإسماعيلي كنت نسيتها بفتح النون ليس قبلها همزة. ثم ذكر البخاري حديث ابن مسعود هذا الذي نحن في شرحه. قال الحافظ: كأنه يريد أي بهذه الترجمة إن النهي عن قول نسيت آية كذا وكذا ليس للزجر عن هذا اللفظ بل للزجر عن تعاطي أسباب النسيان المقتضية لقول هذا اللفظ. ويحتمل أن ينزل المنع

ص: 262

واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم)) . متفق عليه، وزاد مسلم بعقلها.

2211-

(3) وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل صاحب القرآن

ــ

والإباحة عن حالتين فمن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر ديني كالجهاد لم يمتنع عليه قول ذلك، لأن النسيان لم ينشأ عن إهمال أمر ديني وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسبة النسيان إلى نفسه ومن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دنيوي ولا سيما إن كان محظوراً امتنع عليه لتعاطيه أسباب النسيان- انتهى. وقال النووي: في حديث ابن مسعود كراهة قوله "نسيت" آية كذا، وهي كراهة تنزيه وإنه لا يكره قوله "أنسيتها" وإنما نهى عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها وقال الله تعالى:{أتتك آياتنا فنسيتها} [طه: 126](واستذكروا القرآن) السين للمبالغة أي واظبوا على تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكرة والمحافظة به. قال الطيبي: وهو عطف من حيث المعنى على قوله بئس ما لأحدهم أي لا تقصروا في معاهدته واستذكروه وفي رواية مسلم استذكروا بغير واو (فإنه) وفي رواية مسلم فهو (أشد تفصياً) أي تفلُّتاً وتشرُّداً (من صدور الرجال) من متعلق بتفصياً وتخصيص الرجال بالذكر لأن حفظ القرآن من شأنهم (من النعم) بفتحتين. قال النووي: النعم أصلها الإبل والبقرة والغنم والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل- انتهى. وهو متعلق "بأشد" أي أشد من تفصي النعم المعقلة (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص381- 417- 423- 429، 438- 449- 463) والترمذي في القراءات والنسائي وغيرهم (وزاد مسلم بعقلها) بضمتين ووقعت هذه الزيادة عند أحمد والترمذي أيضاً لكن عند الترمذي بلفظ: من عقله، وكذا عند مسلم في الموقوف، ولأحمد في رواية من عقلها وفي أخرى بعقله أو من عقله. قال النووي: المراد برواية الباء من كما في قوله تعالى: {عيناً يشرب بها عباد الله} [الإنسان: 6] على أحد القولين في معناها، وقوله "عقله" صحيح أيضاً أي لأن النعم تذكر وتؤنث.

2211-

قوله: (إنما مثل صاحب القرآن) أي مع القرآن والمراد بالصاحب الذي ألفه. قال عياض: المؤالفة المصاحبة وهو كقوله أصحاب الجنة وقوله "ألفه" أي ألف تلاوته وهو أعم من أن يألفها نظراً من المصحف أو عن ظهر قلب فإن الذي يداوم على ذلك يذل له لسانه ويسهل عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه وقوله "إنما" يقتضي الحصر على الراجح لكنه حصر مخصوص بالنسبة إلى الحفظ والنسيان بالتلاوة والترك (كمثل صاحب الإبل المعقلة) أي مع إبله المعقلة. والمعقلة بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد القاف المفتوحة أي المشدودة بالعقال شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد والهروب فما زال التعاهد موجوداً فالحفظ موجود كما أن البعير ما دام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر

ص: 263

كمثل صاحب الإبل المعلقة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)) . متفق عليه.

2212 -

(4) وعن جندب بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه)) . متفق عليه.

2213-

(5) وعن قتادة، قال: سئل أنس

ــ

لأنها أشد الحيوان الأنسي نفوراً وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة (إن عاهد عليها) أي تعهدها ولازمها (أمسكها) أي استمر إمساكه لها يعني أبقاها على نفسه (وإن أطلقها) أي أرسلها وحلها من عقلها (ذهبت) أي انفلتت، وفي رواية ابن ماجه إن تعاهدها صاحبها بعقلها أمسكها عليه، وإن أطلق عقلها ذهبت. وفي رواية لمسلم وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإن لم يقم به نسيه. وفي الحديث حض على درس القرآن وتعاهده (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص17- 23- 30- 36- 64- 112) ومالك في أواخر الصلاة والنسائي وابن ماجه في ثواب القرآن.

2212-

قوله: (اقرؤا القرآن) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي اجتمعت (عليه قلوبكم) أي ما دامت قلوبكم تألف القراءة (فإذا اختلفتم) بأن صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم وصارت القراءة باللسان مع غيبة الجنان يعنى صار القلب مخالفاً للسان (فقوموا عنه) أي أتركوا قراءته حتى ترجع قلوبكم. قال الطيبي: قوله "اقرؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم إلخ" يعني اقرؤا على نشاط منكم وخواطركم مجموعة فإذا حصل لكم ملالة وتفرق القلوب فاتركوه فإنه أسلم من أن يقرأ أحد من غير حضور القلب يقال. قام بالأمر إذا جد فيه وداوم عليه وقام عن الأمر إذا تركه وتجاوز عنه. ويحتمل كما في الفتح أن يكون المعنى اقرؤا وألزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا وقع الاختلاف أي أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة، قال: وهو كقوله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتم الذين يتبعون المتشابه منه فاحذروهم، قال ويحتمل أنه نهى عن القراءة إذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء بأن يتفرقوا عند الاختلاف ويستمر كل منهم على قراءته، ومثله ما تقدم عن ابن مسعود لما وقع بينه وبين الصحابيين الأخرين الاختلاف في الأداء فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلكم محسن- انتهى. قال ابن الجوزي: كان اختلاف الصحابة يقع في القراءات واللغات فأمروا بالقيام عند الاختلاف لئلا يجحد أحدهم ما يقرأه الآخر فيكون جاحدا لما أنزل الله عزوجل (متفق عليه) أخرجه البخاري في فضائل القرآن وفي الاعتصام، ومسلم في القدر وأخرجه أيضاً أحمد (ج4ص313) والنسائي.

2213-

قوله: (وعن قتادة قال سئل أنس) بضم السين مبنياً للمفعول والسائل هو قتادة كما يدل عليه

ص: 264

كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مداً مداً،

ــ

رواية البخاري عن قتادة قال سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مداً أي يمد الحرف الذي يستحق المد (كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم أي على أي صفته كانت هل كانت ممدودة أو مقصورة أو متوسطة (فقال كانت مداً) بالتنوين من غير همز أي ممدودة أو ذات مد لكن لما يستحق المد، والمراد بالمد هنا المد الطبيعي الذي يقال له المد الذاتي والأصلي لكونه لازماً لذوات حروف المد وطبائعها، وهو أشباع الحروف الذي بعد ألف أو واو أو ياء كالألف والواو في قالوا، والياء في قيل. ويحصل هذا المد بإتمام الحركة أو أشباع الحروف بقدر ألف لأنه إن لم يقرأ كذلك لم يتم النطق بذلك الحرف. وأما المد المعروف الذي يبحث عنه أصحاب علم التجويد فهو المد الفرعي، وله سببان، وقوع السكون والهمزة بعد حروف المد، والسكون إما أن يكون لازمياً سواء كان من جهة الإدغام كما في دابة ولا الضالين، أو من غير إدغام كما في حروف المد التي وقعت في أوائل السور مثل ألف، لام، ميم، كاف، صاد، نون، قاف، أو يكون السكون عارضياً كما في نستعين والمفلحون وأولي الألباب. وأما الهمزة فهي إما أن تكون في نفس الكلمة مثل السماء والسوء وجيء أو في كلمة أخرى نحو ما أنزل وقالوا آمنا وفي أنفسهم. واختلف القراء في مقدار هذا المد، فقال بعضهم: يمد بقدر ألف ونصف وقال بعضهم: يمد بقدر ألفين ونصف ألف إلى ثلاث ألفات أو أربع ألفات وتفصيل ذلك في كتب التجويد كذا في أشعة اللمعات. وقال الحافظ: المد عند القراء على ضربين أصلي، وهو إشباع الحرف الذي بعده ألف أو واو أو ياء، وغير أصلي وهو ما إذا أعقب الحرف الذي هذه صفته همزة وهو متصل ومنفصل، فالمتصل ما كان من نفس الكلمة، والمنفصل ما كان بكلمة أخرى فالأول يؤتي فيه بالألف والواو والياء ممكنات من غير زيادة، والثاني يزاد في تمكين الألف. والواو والياء زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها إلا به من غير إسراف والمذهب الأعدل أنه يمد كل حرف منها ضعفي ما كان يمده أولاً. وقد يزاد على ذلك قليلاً وما أفرط فهو غير محمود، والمراد هنا الضرب الأول- انتهى. وقال القاري: إذا وجد حرف المد الذي هو شرط المد ولم يوجد أحد السببين الموجبين للزيادة وهما الهمز والسكون فلا بد من المد بقدر ألف اتفاقاً وقدر بمقدار قولك أو كتابتك ألف أو عقد أصبع ويسمى طبيعياً وذاتياً وأصلياً، وإذا وجد أحد السببين فلا بد من الزيادة ويسمى فرعياً، ثم إن كان السبب الهمز ففي مقدار الزيادة على الأصل خلاف كثير بين القراء في مراتب المتصل والمنفصل مع اتفاقهم على مطلق المد هو في المتصل وخلاف بعضهم في المنفصل، وأقل الزيادة ألف ونصف وأكثرها أربع وإن كان السبب هو السكون فإن كان لازمياً سواء كان يكون مشدداً أو مخففاً نحو دابة وصاد فكلهم يقرؤن على نهج واحد وهو مقدار ثلاث ألفات، وإن كان عارضياً نحو يعملون فيجوز فيه القصر وهو قدر ألف والتوسط وهو ألفان والمد وهو ثلاثة

ص: 265

ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم)) . رواه البخاري.

2214-

(6) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أذن الله لشي ما أذن لنبي

ــ

وللمسألة تفصيل طويل يجر بسطها إلى ملالة وتثقيل (ثم قرأ) أي أنس (يمد ببسم الله) أي اللام التي قبل الهاء من الجلالة الشريفة. وقال القاري: أي في ألف الجلالة مداً أصلياً بقدر ألف (ويمد بالرحمن) أي بالميم التي قبل النون (ويمد بالرحيم) أي بالحاء المد الطبيعي الذي لا يمكن النطق بالحرف إلا به من غير زيادة عليه لا كما يفعله بعضهم من الزيادة عليه نعم إذا كان بعد حرف المد همز متصل بكلمته أو سكون لازم كاولائك والحاقة وجب زيادة المد أو منفصل عنها أو سكون عارض كياأيها أو الوقف على الرحيم جاز قاله القسطلاني. وقال القاري: قوله "ويمد بالرحيم" أي في ياءه مداً أصلياً أو عارضياً فإنه يجوز في نحوه حالة الوقف ثلاثة أوجه الطول والتوسط والقصر مع الإسكان، ووجه آخر بالقصر والروم وهو إتيان بعض الحركة بصوت خفي، وقوله "ببسم الله" بموحدة قبل الموحدة التي في بسم الله كأنه حكى لفظ بسم الله كما حكى لفظ الرحمن في قوله ويمد بالرحمن أو جعله كالكلمة الواحدة علماً لذلك، ووقع عند أبي نعيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحمن ويمد الرحيم من غير موحدة في الثلاثة (رواه البخاري) في فضائل القرآن، وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي وابن ماجه في الصلاة، والترمذي في الشمائل. وأخرج ابن أبي داود من طريق قطبة بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر ق فمر بهذا الحرف لها طلع نضيد فمد نضيد وهو شاهد جيداً حديث أنس.

2214-

قوله: (ما أذن الله) بكسر الذال المعجمة من الأذن بفتحتين ومعناه الاستماع والاصغاء ومنه قوله تعالى: {وأذنت لربها} [الانشقاق:2] وقال الشاعر:

صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا

وأما الأذن بمعنى الإطلاق والإباحة فهو بكسر الهمزة وسكون الذال وليس ذلك مراداً هنا، وكلاهما مشترك في أن الماضي بكسر الذال المضارع بفتحها كفرح يفرح (لشي) بالشين المعجمة (ما أذن لنبي) "ما" الأولى نافية والثانية مصدرية أي ما استمع لشي كاستماعه لصوت نبي. قال السندي: ما أذن الله الخ أي ما استمع لشي مسموع كاستماعه لنبي والمراد جنس النبي والقرآن القراءة أو كلام الله مطلقاً. ولما كان الاستماع بمعنى الإصغاء على الله تعالى محالاً، لأنه من شأن من يختلف سماعه بكثرة التوجه وقلته وسماعه تعالى لا يختلف. قالوا: هذا كناية عن تقريبه القاري وإجزال ثوابه أي لأن ذلك ثمرة الإصغاء- انتهى. قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل فإنه يفضي ويؤدي

ص: 266

يتغنى بالقرآن)) متفق عليه.

ــ

إلى نفي صفة الاستماع بل نحمله على ظاهره ونفوض حقيقة معناه إلى الله تعالى (يتغنى بالقرآن) هو من التغني بمعنى الترنم والتطريب أي يحسن صوته ويرتقه ويحزنه. قال في اللمعات: المراد بالتغني تحسين الصوت وتطييبه وتزيينه وترقيقة وتحزينة بحيث يورث الخشية ويجمع الهم ويزيد الحضور ويبعث الشوق ويرق القلب ويؤثر في السامعين مع رعاية قوانين التجويد ومراعاة النظم في الكلمات والحروف كما جاء في الحديث أي الناس أحسن صوتاً للقرآن قال من إذا سمعته يقرأ أريت أنه يخشى وهو الصوت الطبيعي للعرب بحسن غاية الطبيعية المراد بلحن العرب، وإليه الإشارة بقول أبي موسى الأشعري لحبرته تحبيراً. وأما التكلف برعاية قوانين الموسيقي فمكروه، وإذا أدى إلى تغير القرآن فحرام بلا شبهة وسيأتي من الأحاديث ما يدل على ذلك- انتهى. قلت: اختلف في معنى التغني على أقوال كما سيأتي، ومعناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء هو تحسين الصوت به. قال ابن بطال: وبذلك فسره ابن أبي مليكة وعبد الله بن المبارك والنضر بن شميل ويؤيده في الرواية الأخرى قوله يجهر به. قال الطيبي: لأنها جملة مبينة لقوله بيان يتغنى بالقرآن فلم يكن المبين على خلاف البيان كذلك يتغنى بالقرآن في هذه الرواية بيان لقوله ما أذن الله لنبي أي صوته فكيف يحمل على غير حسن الصوت. وقال الحافظ: ظواهر الإخبار ترجح أن المراد تحسين الصوت ويؤيده قوله "يجهر" به فإنها إن كانت مرفوعة قامت الحجة وإن كانت غير مرفوعة فالرواي أعرف بمعنى الخبر من غيره، ولا سيما إذا كان فقيهاً. وقد جزم الحليمي بأنها من قول أبي هريرة والعرب تقول سمعت فلاناً يتغنى بكذا أي يجهر به ويشهد أيضاً لما قال الشافعي الحديث الآخر زينوا القرآن بأصواتكم، ويؤيده أيضاً رواية الطبراني لحديث الباب بلفظ: ما أذن الله لنبي في الترنم في القرآن وعنده في رواية أخرى ما أذن الله لنبي حسن الصوت، وهذا اللفظ عند مسلم أيضاً كما سيأتي. وعند ابن أبي داود والطحاوي حسن الترنم بالقرآن قال الطبري: والترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القاري وطرب به قال، ولو كان معناه الاستغناء كما قيل لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى، وأخرج ابن ماجه والكجى وصححه ابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد مرفوعاً الله أشد أذناً أي استماعاً للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينتة، والقينة المغنية. وروى عمر بن شبة عن عبيد بن عمير قال: كان داود عليه السلام يتغنى يعني حين يقرأ يبكي ويبكي، وعن ابن عباس إن داود كان يقرأ الزبور بسبعين لحناً ويقرأ قراءة يطرب منها المحموم، وكان إذا أراد أن يبكي نفسه لم يبق دابة في بر ولا بحر إلا انصتت له واستمعت وبكت (متفق عليه) أخرجه البخاري في فضائل القرآن وفي التوحيد ومسلم في فضائل القرآن وأخرجه أيضاً أحمد في مواضع وأبو داود والنسائي في الصلاة والدارمي وغيرهم.

ص: 267

2215-

(7) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أذن الله لشي ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن، يجهر به)) . متفق عليه.

2216-

(8) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن))

ــ

2215-

قوله: (ما أذن الله لشي) أي ما استمع الله لشي (ما أذن) أي ما استمع (لنبي حسن الصوت) صفة كاشفة قاله القاري. وقال التوربشتي: لا أرى هذه الزيادة وردت مورد الاشتراط لإذن الله بل ورد مورد البيان لكون كل نبي حسن الصوت ومنه الحديث ما بعث الله نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت (بالقرآن) حال كونه (يجهر به) أي في صلاته أو تلاوته أو حين تبليغ رسالته ولا بد من تقدير مضاف عند قوله لنبي أي لصوت نبي والنبي جنس شائع في كل نبي فالمراد بالقرآن القراءة قاله القسطلاني واللفظ المذكور للبخاري في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة) ورواه مسلم بلفظ: ما أذن الله لشي ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به، وفي رواية للبخاري ما أذن الله لنبي ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن. وقال صاحب له يريد يجهر به والضمير في "له" لأبي هريرة، والصاحب المذكور هو أبوسلمة الراوي عن أبي هريرة كما يدل عليه ما رواه ابن أبي داود عن محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات بلفظ: ما أذن الله لشي ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن. قال ابن شهاب وأخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن أبي سلمة يتغنى بالقرآن يجهر به، فالظاهر إن التفسير المذكور في تلك الرواية مدرج من قول أبي سلمة. وقد تقدم في كلام الحافظ إن الحليمي جزم بأنه من قول أبي هريرة وظاهر الرواية التي نحن في شرحها إن قوله "يجهر به" من أصل الحديث أي مرفوع من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا مدرج من قول الراوي والله أعلم (متفق عليه) واللفظ للبخاري كما تقدم وأخرجه أبوداود والنسائي بلفظ مسلم.

2216-

قوله: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) أي لم يحسن صوته به فسر بذلك الشافعي كما تقدم. وقيل أي لم يجهر به فسر بذلك راوي الحديث كما سبق أيضاً وقيل أي لم يستغن به عن الناس أو عن غيره من أخبار الأمم الماضية والكتب المتقدمة فسر به وكيع وابن عيينة واختاره ابن حبان حيث ترجم في صحيحه (ج1ص283) لحديث سعد بن وقاص المروي بلفظ: الحديث الذي نحن في شرحه "ذكر الزجر عن أن لا يستغنى المرأ بما أوتي من كتاب الله جل وعلا وارتضاه أبوعبيد، وقال إنه جائز في كلام العرب واستشهد لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في الخيل ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولا خلاف في هذا أنه مصدر تغني بمعنى استغنى يعني طلب الغنى بها عن الناس بقرينة قوله تعففاً، ورجحه التوربشتي أيضاً. وقال المعنى ليس من أهل سنتنا وممن تبعنا في أمرنا وهو وعيد، ولا خلاف بين الأمة إن قاريء القرآن مثاب على قراءته مأجور من غير تحسين

ص: 268

صوته، فكيف يحمل على كونه مستحقاً للوعيد وهو مثاب مأجور- انتهى. وقيل أي لم يترنم به وقيل أي لم يتحزن ويؤيده ما رواه أبويعلى والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن بريدة مرفوعاً إقرؤا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن. وقيل المراد بالتغني التلذذ والاستحلاء له كما يستلذ أهل الطرب بالغناء فاطلق عليه تغنياً من حيث أنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء قاله ابن الأنباري في الزاهر. وقيل: معناه التشاغل به تقول العرب تغني بالمكان أقام به ويؤيده بيت الأعشى:

وكنت أمرأ زمناً بالعراق خفيف المناخ طويل التغني

أي طويل الإقامة فيكون معنى الحديث الحث على ملازمة القرآن وأن لا يتعدى إلى غيره وقيل هو أن يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجيراه الغناء. قال ابن الأعرابي: كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى وإذا جلست في أفيتها، وفي أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم القراءة مكان التغني وقيل المراد من لم يغنه القرآن ولم ينفعه في إيمانه ولم يصدق بما فيه من وعد ووعيد وقيل معناه من لم يرتح لقراءته وسماعه وقيل المعنى من لم يطلب غنى النفس وهو الغنى المعنوي لا المحسوس الذي هو ضد الفقر وقيل معناه من لم يتطلب غنى اليد ولم يرجه بملازمة تلاوته. قال الحافظ بعد بسط الكلام في سرد هذه الأقوال التأويلات: وفي الجملة ما فسر به ابن عيينة ليس بمدفوع وإن كانت ظواهر الأخبار ترجح إن المراد تحسين الصوت، ويؤيده قوله يجهر به إلى آخر ما ذكرنا من كلامه في شرح الرواية الأولى. ثم قال الحافظ والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر هذه التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهراً به مترنماً على طريق التحزن مستغنياً به عن غيره من الأخبار طالباً به غنى النفس راجياً به غنى اليد، ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لأن للتطريب تأثيراً في رقة القلب وإجراء الدمع وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالإلحان إما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك، قال والذي يتحصل من الأدلة إن حسن الصوت بالقرآن مطلوب فإن لم يكن حسناً فليحسنه ما استطاع، كما قال ابن مليكة أحد رواة حديث سعد بن أبي وقاص. وقد أخرج ذلك عنه أبوداود بإسناد صحيح. ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم فإن الصوت الحسن يزداد حسناً بذلك وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات فإن خرج عنها لم يقف تحسين الصوت بقبح الأداء. ولعل هذا مستند من كرة القراءة بالأنغام لأن الغالب على من راعي الأنغام أن لا يراعي الأداء فإن وجد من يراعيهما معاً فلا شك أنه أرجح من غيره، لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت ويجتنب الممنوع من حرمة

ص: 269

رواه البخاري.

ــ

الأداء والله أعلم- انتهى. وقال ابن القيم بعد ذكر الاختلاف في تفسير التغني بالقرآن: وفي مسألة تحسين الصوت به وقراءته بالإلحان، وذكر احتجاج كل فريق ما لفظه، وفصل النزاع أن يقال التطريب والتغني على وجهين. أحدهما ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين وتعليم بل إذا خلى وطبعه واسترسلت طبيعتة جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز، وإن أعان طبيعته فضل تزيين وتحسين كما قال أبوموسى للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمت إنك تسمع لحبرته تحبيراً والحزين، ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوس تقلبه وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فهو مطبوع لا متطبع وكلف لا متكلف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به السامع والتالي وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها. والوجه الثاني ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس في الطبع السماحة به بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الإلحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بتعليم والتكلف فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويتبين الصواب من غيره، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم براء من القراءة بإلحان الموسيقية المتكلفة التي هي إيقاع وحركات موزونة معدودة محدودة، وإنهم اتقى لله من أن يقرؤا بها ويسوغوها ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤن بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن ويقرؤنه بشجي تارةً وبطرب تارةً وبشوق تارة، وهذا أمر في الطبائع تقاضيه ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطبائع له بل أرشد إليه وندب إليه وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به. وقال ليس منا من لم يتغن بالقرآن وفيه وجهان، أحدهما أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله، والثاني أنه نفي لهدى من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم انتهى. (رواه البخاري) في باب قول الله تعالى:{وأسروا قولكم أو اجهروا به} [الملك: 13] من كتاب التوحيد. قال الحافظ في شرح هذا الحديث بعد ذكر الروايتين المتقدمتين: الحديث واحد إلا أن بعضهم رواه بلفظ: ما أذن الله، بعضهم رواه بلفظ ليس منا- انتهى. وروى بلفظ: ليس منا عن سعد بن أبي وقاص وأخرجه أحمد (ج1ص172- 175) وأبوداود وابن ماجه والدارمي وابن حبان (ج1ص483) والحاكم (ج1ص569 570) وغيرهم وعن أبي لبابة بن عبد المنذر أخرجه أبوداود من طريقه البيهقي (ج2ص54) وعن ابن عباس أخرجه الحاكم (ج1ص570) والبزار والطبراني، قال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح، وعن عائشة أخرجه أبويعلى والبزار بسند ضعيف وعن ابن الزبير أخرجه البزار أيضاً.

ص: 270

2217-

(9) وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر: ((اقرأ علي. قال: اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت النساء حتى أتيت إلى هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}

ــ

2217-

قوله: (وهو على المنبر) جملة حالية (اقرأ عليك) أي اقرأ عليك (وعليك أنزل) بضم الهمزة أي القرآن والجملة حالية، أي جريان الحكمة على لسان الحكيم أحلى، وكلام المحبوب على لسان الحبيب أولى (إني أحب) أي في بعض الأحوال (أن أسمعه من غيري) قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة. ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك إن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وانشط لذلك من القاري لاشتغاله بالقراءة وأحكامها، وهذا بخلاف قراءته هو صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب فإنه أراد أن يعلمه كيفية أداء القراءة، ومخارج الحروف ونحو ذلك (فقرأت) عليه (سورة النساء) أي من أولها كما في رواية لمسلم (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) أي أحضرنا منهم شهيداً يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم وهو استفهام توبيخ أي فكيف حال هؤلاء الكفار أو صنيعهم إذا جئنا من كل أمة بنبيهم يشهد على كفرهم كقوله تعالى:{وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم} [المائدة: 117] فكيف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف، والعامل في إذا هو هذا المقدار، أو في محل نصب بفعل محذوف أي فكيف يكونون، أو يصنعون ويجري فيها الوجهان النصب على التشبيه بالحال كما هو مذهب سيبويه، أو على التشبيه بالظرفية كما هو مذهب الأخفش وهو العامل في إذا أيضاً "ومن كل أمة" متعلق بجئنا والمعنى أنه يوتي بنبي كل أمة يشهد عليها ولها (وجئنا بك) يا محمد (على هؤلاء) أي أمتك (شهيداً) حال أي شاهداً على من آمن بالإيمان وعلى من كفر بالكفر وعلى من نافق بالنفاق. وقيل: أي تشهد على صدق هؤلاء الشهداء لحصول علمك بعقائدهم لدلالة كتابك وشرعك على قواعدهم. قال أبوحيان: الأظهر إن هذه الجملة في موضع جر عطفاً على جئنا الأول أي فكيف يصنعون في وقت المجيئين. قال الحافظ: وقع في رواية محمد بن فضالة الظفري إن ذلك كان وهو صلى الله عليه وسلم في بني ظفر، أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود وناس من أصحابه فأمر قارئاً فقرأ فأتى على هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً فبكى حتى ضرب لحياة وجنتاه فقال: يا رب! هذا على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره. وأخرج ابن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال: ليس من يوم إلا يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم ففي هذا المرسل ما يرفع

ص: 271

قال: حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان)) متفق عليه.

2218-

(10) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي بن كعب: ((

ــ

الأشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة- انتهى كلام الحافظ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك) أي يكفيك ما قرأته. قال الجزري: حسبك بمعنى أسكت وحقيقته كافيك (الآن) أي إذا وصلت إلى هذه الآية فلا تقرأ شيئاً آخر فإني مشغول بالتفكر في هذه الآية وجاءني البكاء والحالة المانعة من استماع القرآن. وفي رواية للبخاري أمسك وفي أخرى قال لي كف أو أمسك على الشك (فإذا عيناه تذرفان) بسكون الذال المعجمة وكسر الراء أي تطلقان دمعهما يعني تسيلان دمعاً، يقال ذرفت العين تذرف إذا جرى دمعها وهو خبر المبتدأ وهو عيناه "وإذا" للمفاجأة وهذا لفظ البخاري. ولمسلم فرأيت دموعه تسيل وبكاءه صلى الله عليه وسلم لفرط رحمته على المفرطين أو لعظم ما تضمنته الآية من هول المطع وشدة الأمر. وقال في فتوح الغيب عن الزمخشري: إن هذا كان بكاء فرح لا بكاء جزع لأنه تعالى جعل أمته شهداء على سائر الأمم كما قال الشاعر:

طفح السرور على حتى أنه من عظم ما قد سرني أبكاني

وقال ابن بطال إنما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوة هذه الآية لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف وهو أمر يحق له طول البكاء- انتهى. قال الحافظ: والذي يظهر أنه أبكى رحمة لأمته لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعلمهم وعملهم قد لا يكون مستقيماً فقد يفضى إلى تعذيبهم- انتهى. وفي الحديث استحباب استماع القراءة والإصغاء إليها والبكاء عندها والتدبر فيها. قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين قال الله تعالى: {يخرون للأذقان يبكون} [الإسراء: 109]{خروا سجداً وبكيا} [مريم: 58] والأحاديث فيه كثيرة قال: فإن عز عليه البكاء تباكى لخبر أحمد والبيهقي إن هذا القرآن نزل بحزن وكأبة فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا - الحديث. وقال الغزالي يستحب البكاء مع القراءة وعندها. وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وإنه من أعظم المصائب (متفق عليه) واللفظ للبخاري في باب قول المقري للقاري حسبك من فضائل القرآن إلا قوله "فإني أحب أن أسمعه من غيري" فإنه وقع عنده في رواية أخرى وإلا قوله وهو على المنبر فإنه لمسلم وحده. والحديث أخرجه أيضاً البخاري في التفسير وأحمد (ج1ص374- 380) والترمذي في التفسير وأبو داود في آخر العلم وابن ماجه في الزهد.

2218-

قوله: (قال لأبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي النجاري الصحابي الجليل رضي الله عنه

ص: 272

إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال: آلله سماني لك؟ قال: نعم قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟ قال: نعم. فذرفت عيناه، وفي رواية إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا}

ــ

(إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن) مطلق فيتناول {لم يكن الذين كفروا} [البينة: 1] وغيرها قوله "اقرأ عليك"كذا وقع في عامة الروايات والسياق المذكور هنا للبخاري في التفسير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس لكن فيها إن الله أمرني أن أقرئك القرآن أي أعلمك بقراءتي عليك كيف تقرأ فلا منافاة بين قوله إقرأ عليك وأقرئك. قال أبوعبيد: المراد بالعرض على أبٍّي ليتعلم أبيٌ منه القراءة ويتثبت فيها وليكون عرض القرآن سنة وللتنبيه على فضيلة أبي بن كعب وتقدمه في حفظ القرآن وليس المراد أن يستذكر منه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً بذلك العرض. قال القاري: ووجه تخصيصه بذلك إنه بذل جهده في حفظ القرآن وما ينبغي له حتى قال صلى الله عليه وسلم أقرؤكم أبي، ولما قيض له من الإمامة في هذا الشأن أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه ليأخذ عنه رسم التلاوة كما أخذه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل ثم يأخذه على هذا النمط الآخر عن الأول والخلف عن السلف وقد أخذ عن أبٍّي بشر كثيرون من التابعين ثم عنهم من بعدهم، وهكذا فسرى سر تلك القراءة عليه حتى سرى سره في الأمة إلى الساعة (قال آلله) بمد الهمزة وكان في الأصل أألله بهمزتين وكان الأولى للإستفهام وقلبت الثانية الفاً ويجوز حذفها للعلم بها وهذا معنى قول الطيبي بالمد بلا حذف وبالحذف بلا مد (سماني لك) أي ذكرني باسمي لك. قال الحافظ: أي هل نص على باسمي أو قال إقرأ على واحد من أصحابك فأخترتني أنت. قال القرطبي: تعجب أبي من ذلك لأن تسمية الله له ونصه عليه ليقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم تشريف عظيم فلذلك بكى إما فرحاً وإما خشوعاً. وقال الطيبي: والمقصود التعجب إما هضماً أي أنى لي هذه المرتبة وإما استلذاذاً بهذه المنزلة الرفيعة (قال نعم) وفي رواية لهما قال الله سماك لي. قال الحافظ: وفي رواية للطبراني من وجه آخر عن أبي بن كعب قال نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى (قال وقد ذكرت) بصيغة المجهول أي أوقع ذلك والحال إني قد ذكرت على الخصوص وبهذا الوجه المخصوص. قال الطيبي: تقريب للتعجب (عند رب العالمين) أي مع عظمته وحقارتي (فذرفت عيناه) بفتح المعجمة والراء أي تساقطتا بالدموع إما فرحاً وسروراً بذلك وإما خشوعاً وخوفاً من التقصير في شكر تلك النعمة. وفي الحديث استحباب القراءة على أهل العلم وإن كان القاري أفضل من المقروء عليه (وفي رواية) للشيخين (إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا) كذا في هذه الرواية وهي رواية شعبة عن قتادة عن أنس وبين في رواية همام عن قتادة عند البخاري إن تسمية السورة لم يحمله قتادة عن أنس فإنه قال في آخر الحديث (بعد روايته بلفظ إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال الله سماني

ص: 273

قال: وسماني؟ قال: نعم. فبكى)) . متفق عليه.

2219-

(11) وعن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو))

ــ

لك قال الله سماك فجعل أبي يبكي) "قال قتادة: فانبئت أنه قرأ عليه لم يكن الذين كفروا" وسقط بيان ذلك من رواية سعيد بن أبي عروبة عند البخاري. قال الحافظ: وقد أخرجه الحاكم وأحمد والترمذي من طريق زر بن حبش عن أبي نفسه مطولاً، ولفظه إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا والجمع بين الروايتين حمل المطلق على المقيد لقراءته لم يكن دون غيرها- انتهى. وقال القاري: يحتمل إن هذه الرواية مبينة للقرآن في الرواية الأولى ويحتمل أن يكون قضية أخرى- انتهى. قلت: الاحتمال الأول هو الظاهر. قال القرطبي: خص هذه السورة بالذكر لما اشتملت عليه من التوحيد والرسالة والإخلاص والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء وذكر الصلاة والزكاة والمعاد وبيان أهل الجنة والنار مع وجازتها ولتحقيق قوله تعالى فيها: {رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة} [البينة: 2] قال الحافظ في تخصيص أبي بن كعب: الننوية به في أنه أقرأ لصحابة فإذا قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع عظيم منزلته كان غيره بطريق التبع له (قال وسماني) أي لك كما في رواية (فبكى) سروراً وفرحاً بتسمية الله إياه في أمر القراءة أو خوفاً من العجز عن قيام شكر تلك النعمة (متفق عليه) سياق الرواية الأولى للبخاري كما تقدم وسياق الرواية الثانية لكليهما. والحديث أخرجه البخاري في المناقب وفي التفسير ومسلم في فضائل القرآن وفي كتاب الفضائل وفي كتاب الفضائل أي المناقب وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي في المناقب والنسائي وغيرهم وفي الباب عن أبي حبة البدري أخرجه أحمد (ج3ص489) وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني وابن مردوية ذكره الشوكاني في فتح القدير.

2219-

قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر) بفتح الفاء أي يسافر أحد والسفر اسم واقع للغزو وغيره (بالقرآن) قال الطيبي: الباء زائدة لأنها دخلت على المفعول به الذي ناب عن الفاعل وليست هي كما في قوله لا تسافروا فإنها حال أي حال كونكم مصاحبين له ذكره القاري. وقال في اللمعات: قوله بالقرآن أي في الرواية الأولى حال والباء للمصاحبة أي مصاحباً بالقرآن (إلى أرض العدو) أي الكفار يعني دار الحرب خوفاً من الاستهانة به. قيل المراد بالقرآن بعض ما نسخ وكتب في عهده وقد كان يكتب بعض الصحابة لنفسه للحفظ أو للتلاوة، وإن لم يكن مجموعاً كله في مصحف واحد، فالمراد بالقرآن الصحف التي كتب عليها أو كان هذا إخباراً عن الغيب. وقال الباجي. يريد المصحف لما كان القرآن مكتوباً فيه سماه قرآناً ولم يرد ما كان منه محفوظاً في

ص: 274

متفق عليه.

ــ

الصدور لأنه لا خلاف أنه يجوز لحافظ القرآن الغزو وإنما كان ذلك لأنه لا إهانة للقرآن في قتل الغازي.

وإنما الإهانة للقرآن بالعبث بالمصحف والاستخفاف به وقد روى مفسراً نهى أن يسافر بالمصحف رواه عبد الرحمن ابن مهدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر- انتهى. قال الأبي لم يكن المصحف مكتوباً حينئذٍ فلعله من الأخبار عن مغيب أو لعله كان مكتوباً في رقاع فيصح، ويتقرر النهي عن السفر بالقليل والكثير منه لا سيما على القول إن القرآن اسم جنس يصدق على القليل والكثير. وأما على القول بأنه اسم للجمع فيتعلق النهي بالقليل لمشاركته الكل في العلة فإن حرمة القليل منه كالكثير- انتهى. قلت: روى مفسراً أي بلفظ: المصحف محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عند أحمد (ج2ص76) وعقد البخاري في صحيحه باب كراهة السفر بالمصاحف إلى أرض العدو وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أرض العدو وهم يعلمون القرآن. قال الحافظ: أشار البخاري بذلك إلى أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف خشية أن يناله العدو ولا السفر بالقرآن نفسه، قال وادعى المهلب أن مراد البخاري بذلك تقوية القول بالتفرقة بين العسكر الكثير والطائفة القليلة فيجوز في تلك دون هذه والله أعلم. قال النووي: في الحديث النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث (الآتي) وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته فإن أمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهر عليهم فلا كراهة ولا منع عنه حينئذٍ لعدم العلة هذا هو الصحيح وبه قال أبوحنيفة والبخاري وآخرون: وقال مالك وجماعة من أصحابنا: بالنهي مطلقاً. وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقاً والصحيح عنه ما سبق. واتفق العلماء على أنه يجوز أن يكتب إليهم كتاب فيه آية أو آيات والحجة فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل- انتهى. وقال ابن عبد البر: اجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في الكبير المأمون عليه فمنع مالك أيضاً مطلقاً وفصل أبوحنيفة وأدار الشافعية الكراهة مع الخوف وجوداً وعدماً. وقال بعضهم: كالمالكية واستدل به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود المعنى المذكور فيه، وهو التمكن من الاستهانة به ولا خلاف في تحريم ذلك وإنما وقع الاختلاف هل يصح لو وقع ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم لا. واستدل به على منع تعليم الكافر القرآن وبه قال مالك مطلقاً وأجاز الحنفية مطلقاً، وعن الشافعي قولان وفصل بعض المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجازه وبين الكثير فمنعه، ويؤيده قصة هرقل حيث كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات. ونقل النووي الاتفاق على جواز الكتابة إليهم بمثل ذلك كذا في الفتح. قال الباجي: لا يجوز أن يعلم أحداً من ذراري الكفار القرآن لأن ذلك سبب لتمكنهم منه ولا بأس أن يقرأ عليهم احتجاجاً عليهم به ولا بأس أن يكتب إليهم بالآية ونحوها على سبيل الوعظ كما كتب صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم {يا أهل الكتاب! تعالوا إلى كلمة} الآية [آل عمران: 64]- انتهى. (متفق عليه)

ص: 275