المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك)) متفق عليه. ‌ ‌{الفصل الثاني} 2122- (6) - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك)) متفق عليه. ‌ ‌{الفصل الثاني} 2122- (6)

في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك)) متفق عليه.

{الفصل الثاني}

2122-

(6) عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: ((يعتكف في العشر الأواخر من رمضان،

ــ

يوم عند أبي حنيفة، وبه قال مالك: وعند أبي يوسف أكثر اليوم، وعند محمد ساعة وبه قال الشافعي: وأحمد في رواية، وحكى أبوبكر الرازي عن مالك إن مدة الاعتكاف عشرة أيام فيلزم بالشروع ذلك وفي الجلاب أقله يوم والاختيار عشرة أيام، وفي الإكمال استحب مالك أن يكون أكثره عشرة أيام وهذا يرد نقل الرازي عنه- انتهى. وقال في الدر المختار: وأقله نفلاً ساعة من ليلٍ أو نهارٍ عند محمد وهو ظاهر الرواية عن الإمام لبناء النفل على المسامحة وبه يفتي، والساعة في عرف الفقهاء جزء من الزمان لا جزء من أربعة وعشرين كما يقوله المنجمون- انتهى. (في المسجد الحرام) أي حول الكعبة ففي رواية عمرو بن دينار عند الكعبة، ولم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر جدار بل الدور حول البيت وبينها أبواب لدخول الناس فوسعه عمر رضي الله عنه بدور اشتراها وهدمها، واتخذ للمسجد جداراً قصيراً دون القامة، ثم تتابع الناس على عمارته وتوسيعه. (قال) صلى الله عليه وسلم (فأوف بنذرك) قال الشوكاني في حديث عمر: دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم. وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي وعند الجمهور لا ينعقد نذر الكافر، وحديث عمر حجة عليهم. وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف بأن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له به لأن الاعتكاف طاعة، ولا يخفى ما في هذا الجواب من المخالفة للصواب. وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحباباً لا وجوباً، ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن أدعى عدم الانعقاد- انتهى. وقال السندي: لا مانع من القول بأن نذر الكافر ينعقد موقوفاً على إسلامه فإن أسلم لزمه الوفاء به في الخير والكفر، وإن كان يمنع عن انعقاده منجزاً لكن لا نسلم أن يمنع عنه موقوفاً، وحديث الإسلام يجب ما قبله من الخطايا لا ينافيه لأنه في الخطايا لا في النذور وليس النذر منها- انتهى. وقال القسطلاني: وعند الحنابلة يصح نذر الكافر وعبارة المرداوي في تنقيح المقنع النذر مكروه، وهو إلزام مكلف مختار ولو كافراً بعبادة نصاً نفسه لله تعالى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الاعتكاف والخمس والمغازي والنذور ومسلم في النذور وأخرجه أيضاً أحمد (ج1 ص37 وج2 ص10- 20- 35- 82) وأخرجه مالك في الصيام والترمذي وأبوداود والنسائي في النذور وابن ماجه في الصيام وفي الكفارات والبيهقي في الصيام.

2122-

قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان) أي يديم على الاعتكاف فيها

ص: 155

فلم يعتكف عاماً، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين)) .

ــ

(فلم يعتكف عاماً) أي لعذر السفر يدل عليه رواية البيهقي بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مقيماً اعتكف العشر الأواخر وإذا سافر اعتكف العام المقبل عشرين يوماً، ويدل عليه أيضاً حديث أبي بن كعب الذي أشار إليه المصنف كما سيأتي (فلما كان العام المقبل) اسم فاعل، من الإقبال (اعتكف عشرين) بكسر العين والراء. وقيل: بفتحهما على التثنية. قال في اللمعات. أي اهتماماً ودلالة على التأكيد، لا. لأن ما فات من النوافل المؤقتة يقضى- انتهى. وقال الطيبي: دل الحديث على أن النوافل المؤقتة تقضى إذا فاتت كما تقضي الفرائض- انتهى. قال القاري: والظاهر إن التشبيه لمجرد القضاء بعد الفوت وإلا فقضاء الفرائض فرض وقضاء النوافل نفل- انتهى. قلت في الحديث دليل على أن من اعتاد اعتكاف أيام ثم لم يمكنه أن يعتكفها أنه يستحب له قضاءها فكان قضاءه صلى الله عليه وسلم له على طريق الاستحباب، وقد بوب الترمذي على هذا الحديث باب ما جاء في الاعتكاف إذا خرج منه. قيل: وجه المناسبة بالترجمة أنه صلى الله عليه وسلم لما قضى الاعتكاف لمجرد النية، وكان لم يشرع فيه بعد فقضاءه بعد الشروع أولى بالثبوت- انتهى. قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث: واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى. فقال بعض أهل العلم إذا نقض اعتكافه وجب عليه القضاء، واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال، وهو قول مالك (وبه قال الحنفية) وقال بعضهم: إن لم يكن نذراً اعتكاف أو شي أوجبه على نفسه وكان متطوعاً فخرج فليس عليه شي أن يقضى إلا أن يحب ذلك اختياراً منه ولا يجب ذلك عليه وهو قول الشافعي (وبه قال أحمد كما سيأتي) قال الشافعي: وكل عمل لك أن لا تدخل فيه فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة- انتهى. قلت: أراد الترمذي بالحديث الذي أشار إليه في قوله، واحتجوا بالحديث إلخ حديث إلا خبية وقد تقدم لفظه في شرح الحديث الأول من هذا الباب وفيه رواية للبخاري، فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشراً من شوال. وأما لفظ "خرج من اعتكافه" فلم أجده في الكتب الستة ولا ذكره الجزري في جامع الأصول ولم أقف على من أخرج الحديث بهذا اللفظ. قال ابن قدامة:(ج3ص184) وإن نوى اعتكاف مدة لم تلزمه، فإن شرع فيها فله إتمامها وله الخروج منها متى شاء، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك: تلزمه بالنية مع الدخول فيه، فإن قطعه لزمه قضاءه. قال ابن عبد البر: وإن لم يدخل فيه فالقضاء مستحب، ومن العلماء من أوجبه وإن لم يدخل فيه، واحتج بحديث إلا خبية. قال ابن قدامة: الحديث حجة عليه لا له فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ولو كان واجباً لما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب اخبيتهن له، ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب ولا أمرن بالقضاء وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن واجباً عليه، وإنما فعله تطوعاً لأنه

ص: 156

رواه الترمذي.

2123 -

(7) وروى أبوداود، وابن ماجه

ــ

كان إذا عمل عملاً أثبته وكان فعله لقضاءه كفعله لأداءه على سبيل التطوع به، لا على سبيل الإيجاد كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر فتركه دليل على عدم الوجوب لتحريم ترك الواجب، وفعله للقضاء لا يدل على الوجوب، لأن قضاء السنن مشروع. فإن قيل: إنما جاز تركه ولم يؤمر تركه من النساء بقضاءه لتركهن إياه قبل الشروع، قلنا فقد سقط الاحتجاج لاتفاقنا على أنه لا يلزم قبل شروعه فيه، فلم يكن القضاء دليلاً على الوجوب مع الاتفاق على انتفاءه، قال: وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه عمل يبطل فإن ما مضى من اعتكافه لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل- انتهى مختصراً. وقال الحافظ تحت حديث الأخبية: فيه جواز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه، وإنه لا يلزم بالنية ولا بالشروع فيه، ويستنبط منه سائر التطوعات خلافاً لمن قال باللزوم، وفيه إن أول الوقت الذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح (لما وقع في رواية للبخاري فإذا صلى الغداة حل مكانه الذي اعتكف فيه) وهو قول الأوزاعي والليث والثوري. وقال الأئمة الأربعة وطائفة: يدخل قبيل غروب الشمس وأولوا الحديث على أنه دخل من أول الليل ولكن إنما تخلى بنفسه في المكان الذي أعده لنفسه بعد صلاة الصبح، وهذا الجواب يشكل على من منع الخروج من العبادة بعد الدخول فيها، وأجاب عن هذا الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف، وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور فتركه فعلى هذا فاللازم أحد الأمرين إما أن يكون شرع في الاعتكاف، فيدخل على جواز الخروج منه، وإما أن لا يكون شرع فيدل على أن أول وقته بعد صلاة الصبح، قال وفيه إن الاعتكاف لا يجب بالنية. وأما قضاءه صلى الله عليه وسلم فعلى طريق الاستحباب، لأنه كان إذا عمل عملاً أثبته، ولهذا لم ينقل إن نساءه اعتكفن معه في شوال- انتهى. قال بعض الحنفية بعد ذكر الإشكال المذكور: إن الحنفية صرحوا بأن من شرع في الاعتكاف النفل ثم تركه لا يلزم قضاءه، لأنه لا يشترط له الصوم على الظاهر من المذهب- انتهى. وفيه إن البحث ههنا إنما هو في الاعتكاف في العشر الأخير من رمضان وهي سنة مؤكدة، والصوم شرط فيه عندهم فيلزم قضاءه إذا خرج منه، ولا يجوز الخروج منه بعد الشروع فيه، وسيأتي مزيد الكلام في ذلك في شرح الحديث الذي يليه (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً أحمد والحاكم (ج1ص439) والبيهقي (ج4ص314) وصححه الترمذي. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

2123-

قوله: (وروى) وفي بعض النسخ: ورواه (أبوداود وابن ماجه) وكذا أحمد (ج5ص141)

ص: 157

عن أبي بن كعب.

2124 -

(8) وعن عائشة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل في معتكفه)) .

ــ

والحاكم (ج1ص439) والبيهقي (ج4ص413) والنسائي وابن حبان وغيرهم (عن أبي بن كعب) إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر عاماً فلم يعتكف فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين يوماً لفظ ابن ماجه. قال السندي: قوله فسافر عاماً الظاهر إنه عام الفتح وكان صلى الله عليه وسلم يهتم بأمر الاعتكاف فيقضي إن فاته. وقال الخطابي: فيه من الفقه إن النوافل المعتادة تقضي إذا فاتت كما تقضي الفرائض ومن هذا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر الركعتين الليلتين فاتتاه لقدوم الوفد عليه واشتغاله بهم- انتهى. والحديث سكت عليه أبوداود والمنذري وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي.

2124-

قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل في معتكفه) هذا لفظ الترمذي، ولمسلم وأبي داود ثم دخل معتكفه أي بحذف لفظة "في" ولابن ماجه ثم دخل المكان الذي يريد أن يعتكف فيه، وللبخاري فإذا صلى الغداة حل مكانه الذي اعتكف فيه وقوله "معتكفه" بصيغة المفعول أي مكان اعتكافه وقوله "دخل في معكتفه" أي انقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح لا إن ذلك وقت ابتداء اعتكافه بل كان يعتكف من الغروب ليلة الحادي والعشرين، وإلا لما كان معتكفاً العشر بتمامه الذي ورد في عدة أخبار أنه كان يعتكف العشر بتمامه، وهذا هو المعتبر عند الجمهور لمريد اعتكاف عشر أو شهر، وبه قال الأئمة الأربعة ذكره الحافظ العراقي كذا في شرح الجامع الصغير للمناوي. قلت تأول الجمهور حديث عائشة هذا كما تقدم على أنه دخل المسجد بنية الاعتكاف من أول الليل ولكن إنما تخلى بنفسه في المكان الذي أعده لنفسه بعد صلاة الصبح فكان يطلع الفجر وهو صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومن بعد صلاة الفجر يخلو بنفسه في المحل الذي أعده لاعتكافه. قال أبوطيب السندي في شرح الترمذي: وإنما جنح لجمهور إلى التأويل المذكور للعمل بالحديثين الأول، ما روى البخاري عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان. والثاني، ما رواه عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام- الحديث. فاستفيد من الحديث الأول عشر ليال، ومن الآخر عشرة أيام فأولوا بما تقدم جمعاً بين الحديثين- انتهى. وقال أبوالحسن السندي في حاشية ابن ماجه: ظاهر الحديث إن المعتكف يشرع في الاعتكاف بعد صلاة الصبح، ومذهب الجمهور أنه يشرع من ليلة الحادي والعشرين، وقد أخذ بظاهر الحديث قوم إلا أنهم حملوه على أنه يشرع من صبح الحادي والعشرين فرد عليه الجمهور بأن المعلوم إنه كان يعتكف العشر الأواخر، ويحث الصحابة عليه وعدد العشر عدد

ص: 158

الليالي فتدخل فيه الليلة الأولى وإلا لا يتم هذا العدد أصلاً وأيضاً من أعظم ما يطلب بالاعتكاف إدراك ليلة القدر وهي قد تكون ليلة الحادي والعشرين كما جاء في حديث أبي داود فينبغي له أن يكون معتكفاً فيها لا أن يعتكف بعدها. وأجاب النووي عن الجمهور بتأويل الحديث إنه دخل معتكفه وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا إن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف بل كان قبل المغرب معتكفاً لابثاً في جملة المسجد فلما أصبح انفرد-انتهى. ولا يخفى إن قولها "كان إذا أراد أن يعتكف" يفيد أنه كان يدخل المعتكف حين يريد الاعتكاف لا أنه يدخل في الشروع في الاعتكاف في الليل، وأيضاً المتبادر من لفظ الحديث إنه بيان لكيفية الشروع. ثم لازم هذا التأويل أن يقال السنة للمعتكف أن يلبث أول ليلة في المسجد ولا يدخل في المعتكف. وإنما يدخل فيه من الصبح وإلا يلزم ترك العمل بالحديث، وعند تركه لا حاجة إلى التأويل والجمهور لا يقول بهذه السنة فيلزم عليهم ترك العمل بالحديث. وأجاب القاضي أبويعلى من الحنابلة بحمل الحديث على أنه كان يفعل ذلك في يوم العشرين ليستظهروا ببياض يوم زيادة قبل العشر. (قلت: قائله السندي) وهذا الجواب هو الذي يفيده النظر في أحاديث الباب فهو أولى، وبالاعتماد أحرى، بقي أنه يلزم منه أن تكون السنة الشروع في الاعتكاف من صبح العشرين استظهاراً باليوم الأول ولا بعد في التزامه، وكلام الجمهور لا ينافيه فإنهم ما تعرضوا له لا إثباتاً ولا نفياً. وإنما تعرضوا لدخوله ليلة الحادي والعشرين وهو حاصل غاية الأمر إن قواعدهم تقتضي أن يكون هذا الأمر سنة عندهم، فلنقل وعدم التعرض ليس دليلاً على العدم، ومثل هذا الإيراد يرد على جواب النووي مع ظهور مخالفة الحديث- انتهى. كلام السندي: اعلم أن القول بدخول المسجد قبيل غروب الشمس لمريد الاعتكاف عشر أو شهر هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وقد حكى عنه رواية أخرى أنه يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر في اعتكاف التطوع، وقبل طلوع الفجر في اعتكاف النذر. قال الخرقي: من نذر أن يعتكف شهراً بعينه دخل المسجد قبل غروب الشمس. قال ابن قدامة: وهذا قول مالك والشافعي، وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنه يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله وهو قول الليث وزفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه، ولنا أنه نذر الشهر وأوله غروب الشمس، ووجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر فإنه لا يمكن إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأما الحديث فقال ابن عبد البر: لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به على أن الخبر إنما في التطوع فمتى شاء دخل وفي مسألتنا نذر شهراً فيلزمه اعتكاف شهر كامل ولا يحصل إلا أن يدخل فيه قبل غروب الشمس من أوله، ويخرج بعد غروبها من آخره فأشبه ما لو نذر اعتكاف يوم فإنه يلزمه الدخول فيه قبل طلوع فجره ويخرج بعد غروب شمسه. قال ابن قدامة: وإن أحب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان تطوعاً، ففيه روايتان. إحداهما: يدخل قبل غروب الشمس

ص: 159

رواه أبوداود، وابن ماجه.

2125 -

(9) وعنها، قالت:((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف، فيمر كما هو فلا يعرج يسأل عنه)) . رواه أبوداود.

ــ

من ليلة إحدى وعشرين، لأن العشر بغير هاء عدد الليالي، فإنها عدد المؤنث قال الله تعالى:{وليال عشر} وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين، والرواية الثانية يدخل بعد صلاة الصبح، قال حنبل قال أحمد: أحب إلى أن يدخل قبل الليل ولكن حديث عائشة إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر ثم يدخل معتكفه، وبهذا قال الأوزاعي وإسحاق وإن نذر اعتكاف العشر ففي وقت دخوله الروايتان جميعاً- انتهى ملخصاً مختصراً. (رواه أبوداود وابن ماجه) كلاهما في حديث طويل وكذا البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي (ج4ص315) بألفاظ متقاربة وأخرجه الترمذي مختصراً فكان حق المصنف أن يذكره في الفصل الأول ويقول متفق عليه. قال الجزري: متفق عليه. ورواه الأربعة أيضاً مطولاً فكان ينبغي أن يذكر في الصحاح. وقال ميرك: رواه الشيخان والترمذي والنسائي أيضاً وفات هذا الاعتراض من صاحب المشكاة. قلت: بل وقع هذا الاعتراض على صاحب المشكاة. حيث عزا الحديث أبي داود وابن ماجه وذكره في الفصل الثاني مع أنه متفق عليه.

2125-

قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أي إذا خرج لحاجة الإنسان كما يدل عليه بقية الحديث (يعود المريض وهو معتكف) أي والمريض خارج عن المسجد لقوله (فيمر كما هو) قال الطيبي: الكاف صفة لمصدر محذوف "وما" موصولة ولفظ "هو" مبتدأ والخبر محذوف والجملة صلة "ما" أي يمر مروراً مثل الهيئة التي هو عليها فلا يلتفت ولا يميل إلى الجوانب ولا يقف وقولها (فلا يعرج) أي لا يمكث بيان للمجمل لأن التعريج الإقامة، والميل عن الطريق إلى جانب وقولها (يسأل عنه) بيان لقوله يعود على سبيل الاستيناف، وفيه دليل على أنه إذا خرج المعتكف لوجه مباح كحاجة الإنسان فعاد مريضاً أو صلى على جنازة من غير إن كان خروجه لذلك قصداً لم يضره ذلك ولم يبطل اعتكافه وهذا مما اتفق عليه الأئمة الأربعة. واختلفوا فيما إذا خرج لذلك قصداً وسيأتي الكلام فيه في شرح الحديث التالي (رواه أبوداود) وأخرجه من طريقه البيهقي (ج4ص321) وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف والصحيح عن عائشة من فعلها وكذلك أخرجه مسلم وغيره. وقال ابن حزم: صح ذلك عن علي ذكره الحافظ في التلخيص (ص201) والحديث سكت عنه أبوداود. وقال المنذري: في إسناده ليث بن أبي سليم، وفيه مقال. وقال ابن حجر: في سنده من اختلفوا في توثيقه وبتقدير ضعفه هو منجبر بما في مسلم (في كتاب الطهارة) عن عائشة إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما

ص: 160

2126-

(10) وعنها، قالت: ((السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة،

ــ

أسأل عنه إلا وأنا مارة- انتهى. وأعلم أن الحديث رواه أبوداود عن شيخين أحدهما عبد الله بن محمد النفيلي ولفظه قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه. والثاني محمد ابن عيسى وقال هو في روايته قالت: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف، هكذا بين أبوداود لفظهما والبغوي ذكر في المصابيح لفظ ابن عيسى، وهكذا فعل الخطابي في المعالم وتبعهما المصنف. وأعلم أيضاً أنه وقع في بعض النسخ من المشكاة لفظ ابن ماجه بعد قوله أبوداود وهو خطأ من النسخ، فإن النسخ الصحيحة خالية عن ذلك ولم يعزه الحافظ في التلخيص والمجد بن تيمية في المنتقى والمنذري في مختصر السنن والجزري في جامع الأصول إلى غير أبي داود.

2126-

قوله: (السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً) أي بالقصد والوقوف. قال الخطابي: (ج2ص141) قولها السنة إن كانت أرادت بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً فهي نصوص لا يجوز خلافها وإن كانت أرادت به الفتيا على معاني ما عقلت من السنة فقد خالفها بعض الصحابة في بعض هذه الأمور، والصحابة إذا اختلفوا في مسألة كان سبيلها النظر على أن أبا داود قد ذكر على أثر هذا الحديث إن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه أنها قالت السنة، فدل ذلك على احتمال أن يكون ما قالته فتوى منها، وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون أرادت بقولها لا يعود مريضاً أي لا يخرج من معتكفه قاصداً عيادته، وأنه لا يضيق عليه أن يمر به فيسأله غير معرج عليه كما ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق- انتهى. قلت: القاعدة المقررة عند المحدثين تأبى الاحتمال الثاني، لأن مذهبهم إن قول الصحابي السنة كذا في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الظاهر أنه أراد بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا سنة غيره، وعلى هذا فحديث عائشة هذا مرفوع حكماً. قال ابن التركماني: مذهب المحدثين عن الصحابي إذا قال السنة كذا فهو مرفوع، والسنة، السيرة والطريقة، وذلك قدر مشترك بين الواجب والسنة المصطلح عليها، ومثله حديث سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب، ولم تكن السنة المصطلح عليها معروفة في ذلك الوقت، وذكر سنة الصوم للمعتكف مع ترك المس، والخروج دليل على أن المراد الوجوب لا السنة المصطلح عليها- انتهى. (ولا يشهد جنازة) أي خارج مسجده. فيه دليل على أنه لا يخرج المعتكف لعيادة المريض وشهود الجنازة، وفيه خلاف بين العلماء قال الخرقي: ولا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة إلا أن يشترط ذلك. قال ابن قدامة: (ج3ص195) الكلام في هذه المسألة في فصلين أحدهما، في الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة مع عدم الاشتراط، واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك فروى عنه ليس له فعله، وهو قول عروة وعطاء ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي

ص: 161

وروى عنه الأثرم ومحمد بن عبد الحكم إن له أن يعود المريض ويشهد الجنازة، ويعود إلى معتكفه وهو قول علي رضي الله عنه، وبه قال سعيد بن جبير والنخعي والحسن لما روى عاصم بن ضمرة عن علي قال: إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم رواه الإمام أحمد والأثرم وقال أحمد: عاصم بن ضمرة عندي حجة. قال أحمد: يشهد الجنازة ويعود المريض ولا يجلس ويقضي الحاجة ويعود إلى معتكفه، وجه الأول ما روى عن عائشة قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان)) متفق عليه. ثم ذكر حديثها الذي نحن في شرحه وحديثها الذي قبل هذا، ثم قال ولأن هذا ليس بواجب فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب لأجله كالمشي مع أخيه في حاجة ليقضيها له وإن تعينت عليه صلاة الجنازة وأمكنه فعلها في المسجد لم يجز الخروج إليها فإن لم يمكنه ذلك فله الخروج إليها، وإن تعين عليه دفن الميت أو تغسيله جاز أن يخرج له، لأن هذا واجب متعين فيقدم على الاعتكاف كصلاة الجمعة، فأما إن كان الاعتكاف تطوعاً. وأحب الخروج منه لعيادة مريض أو شهود جنازة جاز، لأن كل واحد منهما تطوع فلا يتحتم واحد منهما لكن الأفضل المقام على اعتكافه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرج المريض ولم يكن واجباً عليه. فأما إن خرج لما لا بد منه فسأل عن المريض في طريقه ولم يعرج جاز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك الفصل الثاني إذا اشترط فعل ذلك في اعتكافه فله فعله واجباً كان الاعتكاف أو غير واجب، وكذلك ما كان قربة كزيارة أهله أو رجل صالح أو عالم أو شهود جنازة، وكذلك ما كان مباحاً مما يحتاج إليه كالعشاء في منزله والمبيت فيه فله فعله قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المعتكف يشترط أن يأكل في أهله فقال: إذا اشترط نعم. قيل: له وتجيز الشرط في الاعتكاف قال نعم. قلت: له فيبيت في أهله قال إذا كان تطوعاً جاز، وممن أجاز أن يشترط العشاء في أهله الحسن والعلاء بن زياد والنخعي وقتادة، ومنع منه أبومجلز ومالك والأوزاعي وإن شرط الوطأ في اعتكافه أو الفرجة والنزهة أو البيع للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز، لأن الله تعالى قال:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} فاشترط ذلك اشتراط لمعصية الله تعالى، والصناعة في المسجد منهي عنها في غير الاعتكاف، ففي الاعتكاف أولى وسائر ما ذكرناه يشبه ذلك ولا حاجة إليه فإن احتاج إليه فلا يعتكف لأن ترك الاعتكاف أولى من فعل المنهي عنه. قال أبوطالب: سألت أحمد عن المعتكف يعمل عمله من الخياطة وغيرها، قال ما يعجبني أن يعمل. قلت: إن كان يحتاج قال إن كان يحتاج لا يعتكف. قال ابن قدامة: إذا خرج لماله منه بد عامداً بطل اعتكافه إلا أن يكون اشترط وإن خرج ناسياً. فقال القاضي: لا يفسد اعتكافه وقال ابن عقيل: يفسد فإن أخرج بعض جسده لم يفسد اعتكافه عمداً كان أو سهواً- انتهى مختصراً. وقال ابن رشد: اختلفوا هل للمعتكف أن يشترط فعل شي مما يمنعه

ص: 162

ولا يمس المرأة ولا يباشرها،

ــ

الاعتكاف فينفعه شرطه في الإباحة أم ليس ينفعه ذلك، مثل أن يشترط شهود جنازة أو غير ذلك، فأكثر الفقهاء على أنه شرط لا ينفعه وإنه إن فعل بطل اعتكافه. وقال الشافعي: ينفعه شرطه، والسبب في اختلافهم تشبيههم الاعتكاف بالحج في أن كليهما عبادة مانعة لكثير من المباحات، والاشتراط في الحج إنما صار إليه من رآه لحديث ضباعة، لكن هذا الأصل مختلف فيه في الحج، فالقياس عليه ضعيف عند الخصم المخالف له- انتهى. قلت: الظاهر عندنا هو قول من لم يقل بالاشتراط في الاعتكاف، لأنه لا دليل عليه من سنة صحيحة أو ضعيفة ولا من أثر صحابي ولا من قياس صحيح. والراجح عندنا: إنه لا يجوز الخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة وإلا كل واجباً كان الاعتكاف أو غير واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج لذلك وكان اعتكافه غير واجب. قال النووي في شرح المهذب: في الاعتكاف الواجب لا يعود مريضاً، ولا يخرج لجنازة سواءً تعينت عليه أم لا، في الصحيح، وفي التطوع يجوز لعيادة المريض وصلاة الجنائز. قال صاحب الشامل: هذا يخالف السنة فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج من الاعتكاف لعيادة المريض وكان اعتكافه نفلاً لا نذراً ذكره العيني (ج11ص145)(ولا يمس المرأة) كذا وقع في جميع نسخ المشكاة والمصابيح والذي في سنن أبي داود امرأة وهكذا وقع في السنن للبيهقي والمعالم للخطابي وكذا ذكره الحافظ في الفتح وبلوغ المرام والمجد في المنتقى والجزري في جامع الأصول والزيلعي في نصب الراية، والظاهر إن ما في المصابيح خطأ من الناسخ ولم يتنبه لذلك المصنف بل تبعه فيه. قال الخطابي: تريد عائشة بالمس الجماع وهذا لا خلاف فيه إنه إذا جامع امرأته بطل اعتكافه (ولا يباشرها) أي فيما دون الفرج بشهوة. وقال القاري: لا يمس المرأة أي جنسها بشهوة ولا يباشرها أي لا يجامعها ولو حكماً. وقال الشوكاني: المراد بالمباشرة هنا الجماع بقرينة ذكر المس قبلها، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، ويؤيده ما روى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية يعني قوله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187] إنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء فنزلت- انتهى. قال الحافظ: اتفقوا على فساده بالجماع حتى قال الحسن والزهري: من جامع فيه لزمته الكفارة وعن مجاهد يتصدق بدينارين، واختلفوا في غير الجماع ففي المباشرة أقوال ثالثها إن أنزل بطل وإلا فلا. وقال ابن قدامة: الوطأ في الاعتكاف محرم بالإجماع، والأصل فيه قول الله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد] فإن وطيء في الفرج متعمداً أفسد اعتكافه بإجماع أهل العلم حكاه ابن المنذر عنهم، وإن كان ناسياً فكذلك عند إمامنا (الإمام أحمد) وأبي حنيفة ومالك. وقال الشافعي: لا يفسد اعتكافه. قال ابن قدامة: ولا كفارة بالوطأ في ظاهر المذهب وهو ظاهر كلام

ص: 163

ولا يخرج لحاجة، إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع)) .

ــ

الخرقي، وقول عطاء والنخعي وأهل المدينة ومالك وأهل العراق والثوري وأهل الشام والأوزاعي. ونقل حنبل عن أحمد إن عليه كفارة، وهو قول الحسن والزهري واختيار القاضي. قال واختلف هؤلاء في الكفارة: فقال القاضي يجب كفارة الظهار وهو قول الحسن والزهري وظاهر كلام أحمد في رواية حنبل، وحكى عن أبي بكر إن عليه كفارة يمين، فأما المباشرة دون الفرج، فإن كانت لغير شهوة فلا بأس بها مثل أن تغسل رأسه أو تفليه أو تناوله شيئاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجله وإن كانت عن شهوة فهي محرمة لقول الله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187] ولقول عائشة السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولأنه لا يأمن إفضاءها إلى إفساد الاعتكاف، وما أفضى إلى الحرام كان حرماً فإن فعل فأنزل فسد اعتكافه وإن لم ينزل لم يفسد، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه. وقال في الآخر يفسد في الحالين وهو قول مالك لأنها مباشرة محرمة فأفسدت الاعتكاف كما لو أنزل، ولنا أنها مباشرة لا تفسد صوماً ولا حجاً فلم تفسد كالمباشرة لغير شهوة، وفارق التي أنزل بها لأنها تفسد الصوم ولا كفارة عليه- انتهى. (ولا يخرج لحاجة) دنيوية أو أخروية (إلا لما لا بد منه) أي إلا لحاجة لا فراق ولا محيص من الخروج لها وهو البول والغائط إذ لا يتصور فعلهما في المسجد، ولذا أجمعوا عليه بخلاف الأكل والشرب أو لأمر لا بد من ذلك الأمر وهو كناية عن قضاء الحاجة وما يتبعه من الاستنجاء والطهارة (ولا اعتكاف إلا بصوم) فيه دليل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم وأنه شرط فيه، وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك. وأجاب من لم يقل باشتراط الصوم عن هذا الحديث بما سيأتي من الكلام عليه، وبأن المراد لا اعتكاف كاملاً أو فاضلاً إلا بصوم ذكره الطيبي (ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) أي يجمع الناس للجماعة، وفيه دليل على أن المسجد شرط في الاعتكاف، واتفق العلماء على ذلك إلا ما روى عن بعض العلماء أنه أجازه في كل مكان. قال الحافظ: وذهب أبوحنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصلوات، وخصه أبويوسف بالواجب منه. وأما النفل ففي كل مسجد. وقال الجمهور: بعمومه في كل مسجد إلا لمن تلزمه الجمعة، فاستحب له الشافعي في الجامع، وشرطه مالك لأن الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة، ويجب بالشروع عند مالك وخصه طائفة من السلف كالزهري بالجامع مطلقاً، وأومأ إليه الشافعي في القديم، وخصه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثلاثة وعطاء بمسجد مكة والمدينة ابن المسيب بمسجد المدينة- انتهى. وقال العيني: ذهب هؤلاء أي من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة مسجد مكة والمدينة والأقصى أو بمسجد مكة والمدينة إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد وهو ما بناه نبي لأن الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معتكف في مسجده فكان القصد والإشارة إلى نوع تلك المساجد مما بناه نبي،

ص: 164

وذهبت طائفة إلى أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجمعة روى ذلك عن علي وابن مسعود وعروة وعطاء والحسن والزهري وهو قول مالك في المدونة، قال أما من تلزمه الجمعة فلا يعتكف إلا في الجامع. وقالت طائفة: الاعتكاف يصح في كل مسجد، روى ذلك عن النخعي وأبي سلمة والشعبي وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي في الجديد، وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وهو قول الجمهور والبخاري أيضاً، حيث استدل بعموم الآية في سائر المساجد، فقال باب الاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} قال العيني: جمع (أي البخاري) المساجد وأكدها بلفظ: كلها إشارة إلى أن الاعتكاف لا يختص بمسجد دون مسجد. وقال صاحب الهداية: الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد الجماعة (وهو الذي له مؤذن وإمام ويصلي فيه الصلوات الخمس أو بعضها بجماعة) وعن أبي حنيفة أنه لا يصح إلا في مسجد يصلي فيه الصلوات الخمس أي بجماعة قلت: وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة وصححه بعض مشائخ الحنفية وهو قول أحمد. قال الخرقي: لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه. قال ابن قدامة (ج3ص87) يعني تقام الجماعة فيه، وإنما اشترط ذلك لأن الجماعة واجبة واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين، إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه، وذلك مناف للاعتكاف إذ هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله فيه ولا يصح الاعتكاف في غير مسجد إذا كان المعتكف رجلاً لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً. والأصل في ذلك قوله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} فخصها بذلك فلو صح الاعتكاف في غيرها لم يختص تحريم المباشرة فيها، فإن المباشرة محرمة في الاعتكاف مطلقاً، وروى الدارقطني بإسناده عن الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب عن عائشة في حديث، وإن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. فذهب أحمد إلى أن كل مسجد تقام فيه الجماعة يجوز الاعتكاف فيه، ولا يجوز في غيره. وقال الشافعي: يصح الاعتكاف في كل مسجد إذا لم يكن اعتكافه يتخلله جمعة، ولنا حديث عائشة المتقدم. وقد قيل إن هذا من قول الزهري وهو ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفما كان. وروى سعيد من طريق الضحاك عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسجد له إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصلح، ولأن قوله تعالى:{وأنتم عاكفون في المساجد} يقتضي إباحة الاعتكاف في كل مسجد إلا أنه يقيد بما تقام فيه الجماعة بالأخبار، ففيما عداه يبقى على العموم، وقول الشافعي في اشتراطه موضعاً تقام فيه الجمعة لا يصح للأخبار، ولأن الجمعة لا تتكرر فلا يضر وجوب الخروج إليها ولو كان الجامع تقام فيه الجمعة وحدها، ولا يصلي فيه غيرها لم يجز الاعتكاف فيه، ويصح عند مالك والشافعي. ومبني الخلاف على أن الجماعة واجبة عندنا فيلتزم الخروج من معتكفه إليها فيفسد اعتكافه وعندهم ليست بواجبة وإن كان اعتكافه مدة غير وقت الصلاة كليلة أو بعض يوم،

ص: 165

رواه أبوداود.

ــ

جاز في كل مسجد لعدم المانع، وإن كانت تقام فيه في بعض الزمان جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمان دون غيره، وإن اعتكف اثنان في مسجد لا تقام فيه جماعة فأقاما الجماعة فيه صح اعتكافهما لأنهما أقاما الجماعة فأشبه ما لو أقامهما فيه غيرهما- انتهى مختصراً. وقال الباجي: أما المساجد التي لا يصلي فيها الجمعة فإنما يكره الاعتكاف فيها إذا كان الاعتكاف يتصل إلى وقت صلاة الجمعة، لأنه يقتضى أحد أمرين ممنوعين. أحدهما: التخلف عن الجمعة. والثاني: الخروج عن الاعتكاف إلى الجمعة، وذلك يبطل اعتكافه في المشهور من مذهب مالك. وقد روى ابن الجهم عن مالك الخروج إلى الجمعة ولا ينتقص اعتكافه- انتهى. قلت الراجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد لحديث الباب وأجاب عنه من خالفه بأن ذكر الجامع للأولوية يعني إن النفي فيه محمول على نفي الفضيلة والكمال ولا يخفى ما فيه. ولحديث حذيفة وقد أخرجه الدارقطني أيضاً. وقال الضحاك: لم يسمع من حذيفة ولقول على قال لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما. ولقول ابن عباس لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة أخرجه البيهقي فيصح الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، ولا يجوز في غيره، ولا يشترط مسجد الجمعة، وإن كان هو أفضل، ويجب الخروج إلى الجمعة ولا يبطل اعتكافه بالخروج إليها (رواه أبوداود) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة وأخرجه البيهقي (ج4ص321) من طريق أبي داود في (ج4ص315، 320) من طريق عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وأخرجه أيضاً من هذا الطريق في الشعب والمعرفة وأخرجه الدارقطني (ص247- 248) من رواية ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة عن عائشة. قال أبوداود: غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه. قالت: السنة. قال أبوداود: جعله قول عائشة- انتهى. وقال المنذري: وأخرجه النسائي من حديث يونس ابن زيد وليس فيه قالت السنة، وأخرجه من حديث مالك وليس فيه أيضاً ذلك وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو القرشي المدني يقال له عباد وقد أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه ابن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه بعضهم- انتهى. وقال الحافظ في بلوغ المرام: لا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره أي من قولها ولا اعتكاف إلا بصيام. وقال في الفتح بعد ذكر كلام أبي داود: وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج إلا لحاجة وما عداه ممن دونها- انتهى. وقال البيهقي في السنن (ج4ص321) : قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام من قول من دون عائشة وإن من أدرجه في الحديث وهم فيه فقد رواه الثوري عن هشام عن أبيه عروة، قال المعتكف لا يشهد جنازة ولا يعود مريضاً ولا يجيب دعوة ولا اعتكاف إلا بصيام ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة وعن ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال المعتكف لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة- انتهى. وقال في المعرفة: وإنما لم يخرجاه في الصحيح لاختلاف الحفاظ فيه، منهم من زعم أنه قول

ص: 166